«(:)»مجالس القاضي الرمضانية«(:)»
المجلس العشرون
إدارة : د/علوي القاضي.
... بمتابعتي لبعض المريدين بالمجلس ، لاحظت على وجوههم العبوس والكٱبة والحزن ، وبعد مناقشتهم على إنفراد وجدت أن لكل منهم أسباب لحزنه وبلاءه وهمه وغمه ومشاكله الخاصه والتي لايستطيع الإفلات منها ، فيفضل الصبر كملاذ أخير لتجاوز تلك المحن ولذلك أسميتهم (أهل البلاء)
... وبعد حمد الله ، والثناء عليه بإسماءه الحميد الصبور ، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى ، وتوحيد القصد لله ، والدعاء بالتوفيق ، بدأت الدرس ، وكان بشرى لهم
... أيها الأحباب أبشروا ؛؛ يؤتى بأهل البلاء (أمثالكم) يوم القيامة فلاينصب لهم ميزان ولايُنشر لهم ديوان ويصب عليهم الأجر صباً ، حتى أن أهل العافية ليتمنون في الموقف أن أجسادهم قُرضت بالمقاريض من حسن ثواب الله لهم
... فالحزن بلاء ، وضيق العيش بلاء ، وبعد الأحباب بلاء ، وابتعاد الناس عنك بلاء ، والديون بلاء ، وموت أقرب الناس بلاء ، والفقر بلاء ، والمرض من (ألم وخز الشوكة إلى أشد أنواعه وأقواها) بلاء ، والمشاكل الزوجية بلاء ، والحسد بلاء ، وكل مايضيق به الصدر بلاء
... أحبابي باكروا بالصدقة فإن البلاء ﻻيتخطى الصدقة ، وكونوا من الصابرين المحتسبين
... وأبشروا واحمدوا الله أن هناك ثلاثة أعمال لاتدخل الموازين يوم القيامة لعظمها :
... (الصبر) قال تعالى (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) ، لم يحدد اﻷجر
... (العفو عن الناس) قال تعالى (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) ، لم يحدد اﻷجر
... (الصيام) قال تعالى (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) ، لم يحدد اﻷجر ، لأن أجرهم على الله ، وينادي مُنادٍ يوم البعث (أين الذين أجرهم على الله؟!) ، فيقبل الصابرون ، والصائمون ، والعافون عن الناس ، فياأحبابى (صوموا ، واصبروا ، واصفحوا)
... أثابكم الله وغفر لي ولكم وجعلني الله وإياكم ممن ينادي عليهم بهذا النداء
... واعلموا أن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل
... لما كان موسى يسري ليلاً متجهاً إلى النار يلتمس شهاباً قبساً لم يدر بخُلده وهو يسمع أنفاسه المتعبة أنه متجهٌ ليسمع صوت رب العالمين ، فَثِق بربك
... وطرح إبراهيم ولده الوحيد واستلّ سكينا ليذبحه ، وإسماعيل يردد (افعل ماتؤمر) وكِلاهما لايعلم أن هناك كبشاً بالجنة لهذه اللحظة ، فَثِق بربك
... ولما دعا نوح ربه (أني مغلوب فانتصر) ، لم يخطر بباله أن الله سيغرق البشرية لأجله وأن سكان العالم سيفنون إلاهو ومن معه في السفينة ، فَثِق بربك
... ولما جاع موسى وهو طفل وصراخه يملأ قصر فرعون ، ولايقبل المراضع والكل مشغول به (آسيا , المراضع ، الحرس) ، كل هذه التعقيدات لأجل قلب أم موسى خلف النهر مشتاقة لولدها ، رحمة ولطفاً من رب العالمين لها ولإبنها ، فَثِق بربك
... حينما أطبقت الظلمات على يونس ، واشتدت الهموم فلما اعتذر ونادى (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) قال تعالى (فاستجبنا له ، ونجيناه من الغم ، وكذلك ننجي المؤمنين) ، فَثِق بربك
... وحينما كان مستلقٍ عليه الصلاة والسلام في فراشه حزيناً ، وماتت زوجته وعمه ، واشتدت عليه الهموم ، فيأمر ربه جبريل أن يعرج به إليه يرفعه للسماء ، فيسري عنه بالأنبياء ويخفف عنه بالملائكة ، فَثِق بربك
... ولما أخرج الله يوسف من السجن ، لم يرسل صاعقة تخلع باب السجن ، ولم يأمر جدران السجن فتتصدّع بل أرسل رؤيا تتسلل في هدوء الليل لخيال الملك وهو نائم ، فَثِق بربك
... أحبابي ، لايكتمل إيمان المرء حتى يدرك أن كل مايحدث له من خير أوشر هو شفرة يقول بها الله شيئًا ، وهمسة يهمس بها في أذنه
... وإن كان الميكروب هو الذي يُمرض في الظاهر فإن الله هو الذي أرسل الميكروب وكلفه بما فعل في الحقيقة ،
... فلاشيء يحدث في الكون خلسة من وراء خالق الكون وطفيل الملاريا في فم البعوضة جاء مكلفًا
... والسقف حينما ينهار على السكان ، فعل ذلك بميقات معلوم وكان من الممكن أن ينهار والبيت خال من سكانه ، ولكنه يفعلها وهم نيام ، فيقتلهم في ميقات معلوم ولايقتل الرضيع في حضن أمه لحكمة مراده
... واللبيب هو من يفهم الإشارة ويلتقط العبارة ، ف (المرض) سجن ، وهو أحيانًا سجن (مؤقت) ، وأحيانًا سجن (طويل) ، وأحيانًا سجن (مؤبد) ، والسجين الملهم هو الذي يعرف لماذا أصدر الله أمرًا بسجنه ولماذا خفف عنه الحكم ولماذا عفا عنه ، فالخلية السرطانية لاتنشط إلا بأمر من ربها ولاتتوقف إلا بأمر آخر منه ، والجينات التي تحكم الخلية هي مجرد أسباب ظاهرة ، ولايعلم أحد إلى الآن لماذا يكمن الجين وينام ، ولماذا يصحو ويدمر ، ومتى يفعل هذا ، ومتى يفعل ذاك ؟!
... ويجب على المؤمن أن يرد كل شيء إلى مشيئة ربه ، ويراه ممسكاً بمقاليد كل شيء ويرى بيده حركات الذرة والمجرة والفلك الأعظم ومافيه ومن فيه ، ويراه المُريد الأوحد فوق إرادات كل المريدين ، ويرى كل مايجري عليه من مقادير رسالة خاصة ، وشفرة يخاطبه بها ، ويرى كل شر يصيبه في باطنه خير وكل بلاء ينزل به في مضمونه حكمة ، إن لم تظهر الآن فسوف تظهر غداً أو بعد غد ، ذلك هو الرحمٰن الرحيم جل جلاله الذي قال سبقت رحمتي غضبي
... ثق بربك وارفع أكف الخضوع والتضرع واعلم أن فوق سبع سماوات رب حكيم كريم
... مالنا غيرك يااللّه ، عليك توكلنا وأنت رب العرش العظيم ، ماشاء الله كان ومالم يشأ لم يكن
... نحن قوم إذا ضاقت بنا الدنيا اتسعت لنا السماء فكيف نيأس ولنا رب كريم يعلم السر وأخفى
... اللهم زدنا بك ثقة واجعلنا من المتوكلين عليك
... آمين ، آمين ، آمين ...
... تحياتي ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق