الثلاثاء، 18 نوفمبر 2025

** ((ثأر)).. قصة: مصطفى الحاج حسين

 ** ((ثأر))..

قصة: مصطفى الحاج حسين


ـ حدث ما توقّعته، فما إن استلم الإدارة، ووضعَ مؤخّرته على كرسيّها، حتّى أرسل بطلبي.  

شكوكي تقودني إلى الاعتقاد بأنّ المدير لم ينتقل إلى الشركة إلاّ من أجلي، وأؤكّد بأنّه يعرف أنّي أعمل هنا، وإلّا، فمن أين علم بوجودي؟!.. ليستدعيني بهذه السّرعة؟!


نعم... كنتُ محقّاً عندما فكّرتُ بأن أقدّم استقالتي.  

لن أدعه يشمت بي، لن أعطيه فرصة للانتقام.  

سأقذفُ استقالتي بوجهه فورَ دخولي، وإذا وجدتُ منهُ حركة أو كلمة يمكن أن تسيء إليّ، سأصرخ بوجهه دون خوف:


ـ ما زلتَ بنظري.. ذلكَ الطّفل.. ابن (الزّبّال) وإن صرتَ مديراً كبيراً!


ولأنّهُ مستاءٌ من مديره الجديد، ولأنّهُ لا يكنّ له سوى البغض، فقد قرّر ألّا يطرق الباب... يرفض أن يقفَ للاستئذان.  

أمسكَ القبضة بعنف، فتحَ الباب بجلافة، وما إن أبصرَ المدير جالساً خلفَ طاولته، حتى حدجهُ بنظرةٍ قاسية، ممتلئةٍ بالكُره والتحدي.


نهضَ المدير بعَجلة، وابتسامةٌ عذبة ترتسمُ على شفتيه، هاتفًا بصوتٍ كلّه صفاء:

 

ـ (حسين)!!.. أهلاً وسهلاً، أهلاً وسهلاً!


تحرّك من وراء طاولته، مادّاً ذراعيه لملاقاة (حسين)، الذي أدهشتهُ المفاجأة للوهلة الأولى.  

ظنّ أن المدير يسخر منه، وراح يقترب ببطءٍ وحذرٍ شديدين، غير مصدّق أنّه سيضمّه إلى صدره، حيثُ سيلوّثُ طقم المدير ببزّتهِ المتّسخة.


تابع المدير ترحيبه الحار، بينما كان يقترب من العامل المتجمّد الملامح، ليأخذه إلى صدره، ويضمّه بقوّةٍ وشوق، ثم ينهمر على خدّيه بالقبلات الحارّة. ورغم هذا، ظلّ (حسين) محافظًا على صمتهِ وجمودهِ، وعادت عباراتُ الترحيب من المدير:

 

ـ أهلاً (حسين)، والله زمان.. كيف أحوالك؟


ولأوّل مرة، يجد العامل نفسه مضطرًّا لأن يُحرّك شفتيه، ويتمتم ببرودٍ جافٍّ:

  

ـ أهلاً حضرة المدير.


قهقه المدير من هذه العبارة الرسمية،  

بينما سيطر الرّعب على قلب (حسين)، فأخذ يتراجع إلى الخلف، في حين امتدت يده إلى جيبه، لتقبض أصابعه على استقالته الجاهزة، كسلاحٍ يُشهِره بوجه المدير.

 

لكنّ المدير اقترب، ليقول بلهجة المُعاتب:


ـ أيّ "حضرة مدير" يا (حسين)! أهكذا تُخاطبني؟!.. سامحك الله، نحن إخوة وأصدقاء.


لم يجد (حسين) سهولة في أن يطمئنّ لشخص المدير هذا، فهو يرى كلّ كلمة ينطقها، أو حركة يقوم بها، سخريةً منه،  

لكنّه في الوقت ذاته...

كانَ في منتهى الحيرة والاندهاش، لأنّه يكاد يلمس الصّدق من نبراتِ صوت المدير، ومن نظراته التي تفيض بالسّعادةِ والمودّةِ، وتساءلَ في أعماقهِ الحائرة: 


ـ أهذا معقول!؟.. هل أصدّقه وأطمئنّ إليهِ؟!.. هل نسي ما فعلته به، ونحنُ أطفال؟!.. أهو متسامح إلى هذه الدرجة؟!.. أم يكذب وينصب لي فخًّا؟!


وانتبهَ إلى صوتِ المدير يطلب منهُ الجلوس على الكرسيّ الوثير.  

في البدايةِ ارتبكَ، وحاولَ الاعتذار، لكنّ إلحاحَ المدير جعلهُ ينصاع، ويقترب ليجلس على حافةِ الكرسي، وكأنّه يهمّ بالانزلاق.


لم يجلس المدير خلفَ طاولته، بل جثم على كرسيٍّ قبالته، وبعدَ أن ربّتَ بيدهِ على كتفِ (حسين)، همس:  

ـ مشتاقٌ إليكَ يا (حسين)... أكثر من عشرين سنة، ونحنُ لم نلتقِ.


فكّر أن ينهضَ عن كرسيهِ، ويرمي استقالته بوجهِ صديقه ومديره، ليخرج مسرعاً من هذا المكتب.  

لم يعد يطيق مثلَ هذا العذاب، فهو في أوجِ حيرته: هل يأخذ راحته مع صديقهِ المدير؟! أو يستمرّ في حذرهِ ومخاوفهِ؟  

إنّه لا يملك دليلاً واحداً، ولو صغيراً، على أنّ المدير يسخر منه.


قدّم المدير إليهِ لفافة تبغٍ، وحينَ التقطها بأصابعهِ الرّاعشة، كانَ المدير قد أخرجَ قدّاحته، وخيّل إليهِ أنّ المديرَ سيقوم بإحراقِ *شواربهِ* الغزيرة!  

جفلَ للوهلةِ الأولى، وتراجعَ إلى الخلفِ، لكنّه أدركَ أنّهُ يبالغ في مخاوفهِ، فدنا ليشعلَ لفافتهِ.


قال المدير مبتسماً:

 

ـ تصوّر يا (حسين)، لم أكن سعيداً باستلامي الشّركة، إلّا بعدَ أن قرأتُ اسمكَ بينَ أسماء الموظفين...  

أنا، بصراحة، انتقلتُ إلى هنا دونَ رغبةٍ منّي.


همسَ (حسين) في سرّهِ، بعدَ أن نفثَ دخّان لفافتهِ بأنفاسٍ متقطّعة، مضطربة:


ـ بالطّبع ستكون سعيداً بوجودي، فها أنتَ تقابلني منتصراً، من كانَ يصدّق أنّكَ ستكون مديراً عليّ ذات يوم؟!  

أنا الذي كنتُ أهزأ منكَ في المدرسةِ والأزقّة...


ومرّةً أخرى... يخرجُ من شرودهِ، على صوتِ المدير:


ـ ماذا تحبّ أن تشربَ؟

 

ـ أنا... لا شيء... شكراً، يا حضرة المدير.


للمرّةِ الأولى، تنعقدُ الدّهشة على وجهِ المدير، وتذبل ابتسامته:


ـ ما بكَ يا (حسين)؟!! لماذا تخاطبني بهذه الطريقة؟!.. هل ستكون العلاقة بيننا رسميّة؟!


حاول أن يجمعَ شتات قواه، ليهتفَ بصوتٍ حازم:


ـ نعم يا جنابَ المدير... أتمنّى أن تكون العلاقة بيننا رسميّة، ورسميّة جدّاً.


اتّسعت الدّهشة على وجهِ المدير المكتنز، أرجع رأسه، وأرسل نظراته المستطلعة... لتقرأ ما يجول في رأسِ صديقه القديم: 


ـ (حسين)... ماذا جرى لكَ؟!.. أخبرني، أرجوك... هل هناكَ ما يضايقك؟!


ولأنّهُ ما زالَ محتفظاً ببقايا عزيمتهِ، قال:

 

ـ بصراحة، يا حضرة المدير، أنا حائر... أكاد لا أفهمك، وأشكّ بأنّكَ تسخر منّي.


دهشةُ المدير بلغت ذروتها، مما جعلهُ يهتفُ باستغرابٍ شديد: 


ـ أنا أسخر منك!!!... معاذ الله... أنتَ صديق طفولتي!


نهضَ عن الكرّسي، الذي لا يتناسبُ وبزّته، قائلاً:

 

ـ أنا لا أنسى كيفَ كنتُ أعذّبكَ، وأسخر منك أيّام الطفولة...


انفردت أسارير المدير، وعادت إليهِ الابتسامة:

 

ـ معقول يا (حسين)!!! هل تظنّني حاقداً عليكَ؟! كنّا أطفالاً... اجلس يا صديقي... اجلس، حدّثني عن أحوالك... وعن زوجتك، وأولادك، ثم أخبرني إن كنتَ مرتاحاً بعملكَ هنا؟

  

قال المدير هذا الكلام، في حين كانت يده ممتدة نحو صديقه، ليرغمه على الجلوس.

 

همس (حسين) بتلعثمٍ واضحٍ: 


ـ أنا خجلٌ منكَ.. ومن نفسي، لقد كنتُ طفلاً شريراً، عذّبتكَ كثيراً، وأهنتكَ.

 

نظرَ المدير صوبَ صديقه بحنانٍ ومودّة:

 

ـ هل تصدق، إنّي أحنّ إلى أيامِ الطفولة تلك، أنتَ صاحب فضلٍ عليّ، فلولا سخرياتكَ مني، ومن والدي عاملِ التنظيفات لما تابعتُ تعليمي. كنتَ أنتَ بمقالبكَ المريرة دافعي للتحدّي والدراسة.

  

في تلكَ اللحظة، طفرت من عينيّ (حسين) دمعتانِ صغيرتانِ حارّتانِ، قفزَ ليحتضنَ صديقه، الذي طالما أمعنَ في تعذيبهِ، همسَ بصوتٍ تخنقهُ العبرات:  


ـ أنتَ عظيم يا (عبد الجليل)، طوال عمرك كنتَ أفضل مني، أرجوكَ  

سامحني.

 

تربّعت الدّهشة على وجهِ الآذن، وهو يدخل حاملاً القهوة، لقد رأى المدير الجديد المفرط في أناقتهِ، يعانق العامل (حسين) ذي البزّة القذرة المتّسخة، وكانا ذاهلين عنه، في عناقٍ طويل.*

 

مصطفى الحاج حسين.  

حلب عام 1991م



__ كتب الحياة __ بقلم الكاتبة/نادياغلام

 __ كتب الحياة __

و أنت في حياتك

تصفحت الكثير من القلوب

و ليس الكل تفهمه و يفهمك

 قرأت العديد من الكتب

و ليست كل الصفحات تجذبك

و لا جميع العناوين تغريك ..

ليبقى أعظم كتاب و أرقى قلب

ذاك الذي يجذبك تارة بفيض حنانه

و تارة بعمق أفكاره و أسراره ،

فيأخذك خطوة أعمق لفهم جوهره

و الغوص في أغوار روحك ..

 ألا ترى أن هذا العالم بأعماقنا

عالم مصغر من كل شيء ..

 متاهات تفكير و كثرة سبل

ضياء آمال و ظلال ظلام

لقاء و فراق، حرب و سلام

و الكل فيما بينه متداخل ..

 أظننا إن فهمنا أنفسنا جيدا

ستتضح لنا الرؤية و نتفهم الكل

حينها تتلاشى المتاهات و الخلافات

فنتصالح مع من حولنا

و تتصالح معنا حتى الحياة ،،

من_همس_حرفي 

بقلمي/نادياغلام



*...شَرٌّ و أَخْلَاقْ...* بقلم الكاتب حمدان بن الصغير

 *...شَرٌّ و أَخْلَاقْ...*

مِنِّي...لا تَغْضَبْ

أيُّهَا السَّاقِي

فأنا مِنَ الجُذُورْ

وحدي الباقي

و أنت شيخ كبير

خَبِرْتَ الماضي و الآتي

فاملأ الكأس و هَاتِ 

وَ دَعْكَ...من تَقْوَى أبي

أنت مِنْ قبلي...دَعَاكْ

كيف نُلَبِّي الآن

دعوة مَنْ مَاتْ

لا تَنْعَطِفْ

لا تبحث من خلفي

عن بقايا الشَّرَفْ

عن خلق ما عشت معهم

إِلاَّ لكي نَخْتَلِفْ

هَاتِ...

و دعني من حديثك البَاقِي

إِنْ لُمْتُ فيك أبي

فأنا أَنْتَ

و أَنْتَ بهذا الوقت

لروحي التِرْيَاقَ

سَكَبْتُ سنين العمر

و ها أنّي بأحْدَاقِكَ

شرٌّ و أَخْلَاقْ

حمدان بن الصغير 

الميدة نابل تونس


أيها السامري بقلم الكاتب المنصو ي عبد اللطيف

 ****** أيها السامري****

ايها السامري

دع الحزن 

وابتسم

يوما ماسنزهر

سنفرح

سننسى

لوعات  العالم

أحزانه

سنزرع عبر الجبال

عبر الوهاد

عبر السهول

عبر أكواخ البؤس/

ومتاهات الفقر

حبوب الأمل

أيها السامري

لا_تستسلم 

فاليوم حزن

ظلم

قهر

نهب

وغذا بين يدي

الواحد الاحد

الفرد الصمد

سوف تنعم

بمختلف النعم

ايها السامري

قاوم  ضعفك

كسر قيدك

فيوما ما

كل جحافل الظلام

ستندثر

يوما ما قيود

الطغيان ستنكسر

يوما ما

ستنتصر

ستنتصر

المنصو ي عبد اللطيف

ابن جرير 15/11/2025

المغرب 



قالت اقرأني بقلم الكاتب فلاح مرعي

 قالت اقرأني

تمعن في قرأتي والتفاصيل 

 أكتب كل ما تلاحظه بدقة وتفصيل 

تمعن واكتب بإمعان كل  ماتراه

 بنظرة معجب وصديق وصاحب وعاشق  

أكتب بنظرة كاتب ومهتم وشاعر 

اقرأني حتى تمل من قرأة كل التفاصيل

واكتب فوق السطور بخط مقروء وجميل

كي اتمع ناظري بما كتبت وامعن الوصف 

كل بشفافية وصراحة ووضوح 

قرأتك وما مللت منك القرأة 

ولا بلغت حد الأرتواء 

اطلالة كالبدر  وجه منير  كالقمر 

يخجل القمر عند اشراقته

وغزلانية عينان زانها سواد كحل 

وجوري خد متورد من خجل 

وشفاه ندية مخضبة برضاب 

ولكن بلغت حد الثمالة عندما 

 عندما التقت عيني بعزلانية عينيك 

ولامست شفتاي الخد الندي الرطيب 

 وتخضبت من شفتيك بشهد رضاب

حينها بلغت حد الثمالة نظرة 

ولثم خد  وتخضب بشهد من رضاب

فلاح مرعي 

فلسطين


ليلى " باب لا يراه أحد " بقلم الكاتب طارق غريب

 ليلى " باب لا يراه أحد "

لم تكن ليلى تبحث عن شيء محدد

كانت فقط تمشي داخل ممرّ خفيف الصدى

كأن الجدران تصغي لمشيها

وتلتقط وقع الخطوات لتعيده إليها أنعم مما خرج

في منتصف الممر ،  لمحت باباً غير موجود

لا خشب ، لا إطار ، لا قبضة

فقط حدّ رقيق في الهواء 

يشبه شرخاً في صفحة ماء

يلمع عندما تغير ليلى زاوية نظرتها

مدت يدها نحوه ، فلم تلمس شيئاً

ولكنها شعرت بأن شيئاً يلمسها ، برفق محسوب 

مثل يد تريد أن تنبه دون أن تُخيف

ليلى تراجع أنفاسها للحظة ، ثم فهمت

هذا الباب لا يُفتح

بل يُقرر هو وحده متى يمر أحد

قالت في سرّها : ' ربما عليّ أن أُبطئ نبضي ليقرأني '

ففعلت . وسرعان ما تغير ملمس الهواء

صار أثخن قليلاً ، أدفأ قليلاً

ووقع في قلبها إدراك صغير :

هذا الباب لم يُخلق ليخفي ما وراءه

بل ليُعلن ما في داخلها

ثم حدث شيء لا يسمعه غيرها : لمسة صوت

كأن الباب قال : ادخلي ، وتقدّمت

دخلت ليلى ، ولم تجد غرفة ولا ممراً آخر

وجدت حيزاً بلا شكل ، يشبه نقطة بين نبضتين

مكان لا يحتاج إلى جدران ليحدده 

لأن من يدخله يُصبح هو حدوده

خطت خطوة واحدة ، فظهر صدى لم يصدر عنها

صدى يسبقها بدل أن يتبعها

قالت في سرها : 

' هل يقرأني هذا المكان أم يتخيلني '

جاءها الجواب بطريقة غريبة :

ارتجافة صغيرة في الهواء 

كأن الهلام المحيط بها فهم السؤال

 وأعطى موافقة ناعمة على استكمال الرحلة

لاحظت تجويفاً على يمينها ، لم يكن حفرة ولا بوابة

بل انخفاضاً في الإدراك : مساحة تُدركها من دون أن تراها

اقتربت ليلى :  ومع كل خطوة 

كانت تكتشف أن التجويف يتّسع فقط

بالمقدار الذي تحتاجه قدمها التالية

وكأنه يتشكل بناء على رغبتها قبل أن ترغب

رفعت يدها ، فشعرت بسطح دافئ لا مرئي

سطحٍ يشبه صدراً لا جسد له 

يقترب بقدر ما تقترب 

وينسحب بقدر ما تتردد

المكان لا يريد منها أن تبحث

بل أن تصغي

عندها أدركت ليلى : أن ليست التجاويف للامتلاء

بل للكشف عن أجزاء من النفس

لا تجد ضوءاً مناسباً إلا هنا

همست ليلى دون صوت :  ' أرني ما أخفيه '

فانشق الحيز أمامها مثل صفحة كتاب

توشك على أن تُقرأ لأول مرة

جلست ليلى على حافة الفراغ 

حيث لا يمكن للعين أن تحدد البداية أو النهاية

كل شيء حولها كان في حالة انتظار

كما لو أن اللحظة نفسها تتنفس ببطء

أغمضت عينيها

فسمعت أصواتاً لم تكن موجودة في الواقع

همسات صغيرة تمر بين فواصل الزمن 

تحمل معها ذكريات لم تعشها بعد

تنفست بعمق 

فشعرت بأن الهواء ليس مجرد هواء

بل رسالة تنتظر أن تُقرأ 

وأن كل نفس هو حرف في جملة لم تُكتب بعد

اقتربت يدها من الهواء

ولمست شيئاً لا وزن له ، لكنه كان موجوداً

مثل شعور قديم ، لم تكتشفه بعد في نفسها

لكنه عرفها منذ البداية

قالت في سرها :

' كل لحظة هنا تقول أكثر مما تبوح به الكلمات '

ثم جاءها شعور غريب بالاكتمال

ليس اكتمال الأشياء ، بل اكتمالها هي 

في هذه اللحظة ، في هذا الصمت  

في هذا الهمس الذي وحدها تسمعه

ابتسمت ليلى وفجأة فهمت :

أن ليست الرحلة للوصول

بل لتعلم سماع ما يهمس بين اللحظات 

بين الهمسات ، بين ما لا يُرى

وقفت ليلى  في مساحة لا يحدها شيء

لا جدران ولا أرض

فقط ضوء خافت يلامس الفراغ

كأنه يحاول رسم حدود الغياب

شعرت بأن شيئاً يراقبها من الداخل ، وليس من الخارج

ظلّها لم يكن مجرد انعكاس ، بل كيان منفصل 

يعرف كل خطواتها قبل أن تخطوها

همست في سرها : 

' هل أنا من أختار الطريق ، أم الطريق هو الذي يختارني؟ '

فردّ عليها الصمت برد أعمق من الكلمات :

كل غياب يحمل حضوره الخاص 

وكل ما لم يُر يُصبح جزءاً منك

تقدمت خطوة ، فامتد الظل من تحت قدميها

ليس ليتبعها ، بل ليحملها على اكتشاف نفسها

لم تعد تعرف أين تنتهي هي وأين يبدأ الفراغ 

وأين يبدأ الغياب وينتهي الحضور

ابتلعت اللحظة الصمت ، فابتسمت له 

وكأنها تعرف سر كل ما هو غير مرئي

حينها فهمت :

ليست الأشياء الغائبة التي تصنع الفراغ

بل وعيها بها هو الذي يمنحها معنى

طارق غريب



أحبك بكل لغة العالم. بقلم الكاتبة ربيحي زهور

 بتلك النظرة العجلى

بلمحة رمشها الجار

اصابني.....

ادابني واحييني

انا احبك ياقصة

لست ادري ما اسمها

فهل كان دنبي باني

تورطت في الحب

مااحلى العشق 

سيدي وسيدا قلبي 

وسلطان روحي الأنيق

أحبك بكل لغة العالم.

ربيحي زهور 

2025.11.16



بارد هذا المساء بقلم الكاتبة خديجة شاطر الجزائر

 بارد هذا المساء


بارد هذا المساء ،

والسماء تغط في عتمة

صمت يخنق الأنفاس


تحت عمود النور،

قط شارد،

يلتف القرفساء

ضيع دربه

و متسول يلتحف 

كرتون

من جعله يسكن ، الشارع

متى انحد رالى هذا الصقيع؟

الرياح تصفر 

تنذر بعاصفة هوجاء

صوتها يخرق الآذان

الكل يركض

اقنعة تتطاير


رؤوس معلقة

على اعقابها

الابواب تطرق

ولا مجيب


همس لا يتوقف

وجيب القلوب 

ييتصاعد 


اتى امر الله 

ولا راد له

الا هو.

أستيقظ فأجدني

مكاني

لم  تهدأ

العاصفة 


خديجة شاطر الجزائر



حين تحلّق القصيدة بأجنحتها وجمالياتها الخاصة..في أفق الحرية بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 حين تحلّق القصيدة بأجنحتها وجمالياتها الخاصة..في أفق الحرية

تصدير :

تحية للنص المدهش الذي يعكس وجه الحياة المتجدّد،تحية للقصيدة المتشبثة بهويتها كقصيدة،فمكانها ومكانتها بقامة أبجديتها،وليس بمهارتها في استرضاء السلطة وتملقها،وإن كانت سلطة شعبية..( الكاتب)


الفعل الثوري العربي الذي تحقق في السنوات الأخيرة إبان إشراقات ما يسمى ب”الربيع العربي” لم يكن معزولا عن خطاب الشعر،مثلما لم يكن معزولا عن الخطاب الذي تنتجه وسائل الإعلام.لقد كانت القصيدة كامنة في وجدانات هؤلاء الشباب فعلى سبيل المثال كان الشباب يرددون أثناء الثورة قصائد محمود درويش وأحمد فؤاد نجم وغيرهم،كما استعادت الثورة التونسية وبعدها الثورات العربية الأخرى قصائد شاعر عظيم بقيمة أبي القاسم الشابي،حيث صدحت الحناجر في ساحات وشوارع وميادين مدن عربية عدة “إذا الشعب يوما أراد الحياة..فلابد أن يستجيب للقدر”. 

فما هو دور الشعر في ثورات "الربيع العربي"؟

وهل ساهم في تأجيج مشاعر الثوار،أم أن الثورات قد شكلت مصدر إلهام للشعراء ولو على حساب القيمة الشعرية؟

وبسؤال مغاير أقول: لماذا يجب على الشعراء (وأزعم أني واحد منهم) أن يكتبوا شعرا أو نثرا،عن الثورة؟ !

هو سؤال أبله كما ترون،ولكنه،ككل أبله،يلح في طلب إجابة شافية،وككل أبله لن ترضيه الإجابات المخاتلة،أو تلك المبنية على الركون إلى البدهيات والأعراف.

والوجوب المفترض عن الشعراء-أو المفروض عليهم !-هو إما نابع من ضمير الشاعر نفسه،من ضيقه بما احتشد في وجدانه من مشاعر وانفعالات صاخبة،لن تهدأ حتى يخرجها كلمات على الورق،أو أنه نابع من إحساس الشاعر بواجبه في التعبير عن مشاعر وانفعالات الآخرين ممن حرموا القدرة على الكتابة،وفي كلتا الحالتين يراد منه أن يكون اسهاما في الفعل الذي جرى على الأرض-الثورة.

وكأني بالشاعر ما يزال يعتبر نفسه،ويعتبره الأخرون،صوت أمته،وضميرها الحي،الحامل لهمومها وأفراحها وآلامها،المعدّد لمناقبها،الممجّد لإنتصاراتها،الرائي لقتلاها،الشاتم لأعدائها…وربما هو كذلك،أو كان كذلك،في جاهلية انقضت (أو هكذا حسبناها !)،قبل أن تخرج الأمور عن مجرد نزاعات قبلية بالسيف والرمح عن مرعى وكلأ،وقبل أن تتعقّد العلوم

والإختصاصات،فيتولى آخرون فيما بينهم تلك المهام التي كانت منوطة بلسان الشاعر وفصاحته،وأعني بهم علماء الإجتماع وعلماء السياسة وعلماء الإقتصاد وعلماء التاريخ وعلماء الحرب وعلماء النفس وعلماء الإعلام..حتى علماء الكلام !.

حضور الشعر في" الثورات العربية" :

يقول الشاعر المصري جرجس شكري عن حضور الشعر في الثورات العربية:”الشعر بصورته المباشرة كشعر وكقصائد،ربما لم يكن حاضرا بشكل مباشر.الأقوى من وجهة نظري هو حضور الشعرية في التجمع أو في ممارسات الثوار. الأفعال التي كان يمارسها هؤلاء،هي الشعر من وجهة نظري”. غير أن الشاعرة اليمنية ابتسام متوكل،رصدت حضورا شعريا قويا خلال الثورة اليمنية سواء أكان الشعر فصيحا أو عاميا أو شعر تفعيلة أو شعرا عموديا.

في هذا السياق تقول الشاعرة اليمنية:” المجتمع اليمني مازال مجتمعا سماعيا ولهذا السبب،الإيقاع والعبارات الحماسية تحرك فيه الكثير،لذلك كانت الثورة اليمنية حافلة بالإنتاجات الشعرية، على مستوى الأغاني والقصائد والإصدارات أيضا”. 

وتضيف:” في تاريخ الثورات العربية كان الشعراء دائما في طليعة من قادوا الفعل الثوري التوعوي،ومازال هذا الفعل حاضرا في اليمن إلى اليوم ومنذ ثورتي 1962 و 1963″.

على سبيل الخاتمة:

أثارت الثورات العربية وخاصة السورية الكثير من الأسئلة حول دور الشعر والشاعر، وكيف يمكن لشاعر أن يصطف مع قاتل أو يتغاضى عن صرخات الضحايا ويغوص في كتابته إلى عالم الأحلام بعيدا عن الواقع؟ كما يثار سؤال آخر عن وسائل الإعلام التي صدّرت إلى الواجهة شعراء بعينهم لمجرد الموقف بعيدا عن السوية الشعرية..!

ويشكك البعض في مستوى كثير من القصائد التي كتبت في لحظة الانفعال،ويبدي موقفه إزاء ضحالتها الفكرية وافتقادها للشاعرية،ويذكر أن القصيدة المنددة بالقتل لا توجب السباب أو الشعاراتية المباشرة.

وفي السياق ذاته،هل يمكن للشعر أن ينهض بأي دور في زمن الثورة،وفي أزمنة الغمة؟

 أي دور ذاك الذي يتأمّله المرء من الشعر في زمن الرغبة عن القراءة وتهميش الثقافة؟ 

هل للشعراء أي تأثير يذكر في العالم العربي؟ 

وهل ما زال الشاعر يمثل ضمير قومه ولسان حال شعبه،أم أن هناك مستجدات تفترض آليّات التعامل معها؟

تحية للنص المدهش الذي يعكس وجه الحياة المتجدّد،تحية للقصيدة المتشبثة بهويتها كقصيدة،فمكانها ومكانتها بقامة أبجديتها،وليس بمهارتها في استرضاء السلطة وتملقها،وإن كانت سلطة شعبية..

إن التطلعات كلها مشروعة أمام”ثورة الشعر” لتحلّق القصيدة في فضاء الحرية بأجنحتها وأسلحتها وجمالياتها الخاصة كظاهرة فنية أصيلة..

ختاما،لا ينبغي أن نظلم الشعر،إذ من المؤكّد أن الأبيات الشهيرة لأبي القاسم الشابي وجدت سياقها الطبيعي في الشعب الذي أراد الحياة،فاستجاب القدر،وفي القيود التي انكسرت بمجرد الانتصار على الخوف،وإجبار طاغية على الفرار خوفاً من الشعب،لكننا سنظلم الشعر كثيراً إذا اعتبرناه مجرد حطب للثورة..

إن الشعر رحيق الروح..ويستطيع كل شيء حتى عندما لا يستطيع شيئاً..!


محمد المحسن



الاثنين، 17 نوفمبر 2025

غصة الشموع بقلم الأديبة رنيم خالد رجب سورية

 غصة الشموع 

بقلم الأديبة رنيم خالد رجب سورية 


الشموع ذابت على ثرى يدي

تقرأ الوقت العصيب بتمعن 

تمرر الخجل من خيط ابرة 

تكفن الظلام بقناع تراجيديا 

لاأحد يصغي إلى المجهول

إمضاءات واشية 

الجميع يصارع للبقاء 

ذابت على وتر الشفق 

اعتادت ارتداء المشقة 

تحتكر الموسيقى الكلاسيكية 

من دقيق الصبر صنعت خبزها 

رافقت مركبا طريقه محتوم 

من فتات السعادة شبعت 

ترمق الفجر ببارقة أمل 

بعثرت خطوات الرياح 

صدت هجوم الغربان 

على شرفة تنهدت الحنين 

انكسر غرورها بغصة اليتيم 

مارد الشموع أدمن التثاؤب 

غادر نفسه تسلق إلى التلة

سكن أبياتا من صنع السراب

مصابيح زرقاء تنتظر دورها 

لتغزو ليلة سوداوية 

تبعثر خطوات الروتين

وتحيي طقوسها الخريفية.


بعد الخريف بقلم الكاتبة زهرة نابلي

 بعد الخريف 

ومواقد صمته

ستنبت للأرض سنابل حكمة

ويقتحم بريق الشيب

مقاعد الذكرى..

سترى على جدران الزمن

ظلال أشواق تتزاحم 

تحمل للهدوء خيال حلم آخر

يعبر فوضى النسيان

يدفعك إلى خطى أخرى

في اتجاه اليقظة

بين هوامش مدن أحلامك...

 يأتي الخريف 

يتّسع لمواقد أخرى

على أريكة الأمل

خارج أسطورة الصحو 

ترمي رداء الحنين

وجسداً من نسائم شعر.. 

 ترسم زخرفات شغف موؤود

لطالما التهم الغبار حروفه

بين رفوف حكايات الوهم

وزوايا أزقة وطن ضبابي 

تعتّقه دموع الراحلين...

أنهض منّي

أقطف من اللحظات الغافية

زهرة للحياة

قلبي البوصلة...

ظلالي تحاصرك 

تحرّرك من خرافات الحب

وقصائد الحلم المبهمة

وخطايا الشوارع الباردة

ذات اتكاء على جدران المحال... 

تجلس على عتبة الفقد

تتشبث بجذع حنين ضئيل

تجمع من همسات الورد

ما تبقى من دمعات ناسك حزين

وغيمة لم تتقن بعد

لغة المطر


زهرة نابلي



ق ق ج " امرأة على حافة الضوء" بقلم الكاتبة. فاطمة حرفوش - سوريا

 ق ق ج 

         " امرأة على حافة الضوء"

                 بقلمي فاطمة حرفوش - سوريا 


باكرًا تنهض، ترتدي حزنها، وتشحذ صوتها، تودع أطفالها وأصواتهم الباكية ترن بمسامعها وتخرج. 

تدفع عربتها المثقلة بالهموم وتمضي، تجرّ أقدامها الهزيلة جَرًّا، وتعبر الأحياءَ النائمة.

ترمي صوتها الحادّ في الفضاء، دعاءً يلامس أبواب السماء، فتستيقظ شوارع المدينة من سباتها،

وتنهض العصافير من نومها مذعورة، تودّع أحلامها، وتشرع حناجرها بالغناء.


تمشط أرجلها الضعيفة طرقات المدينة،

ونظراتها الثاقبة ترمق الوجوه بحنوٍّ عجيب.

تبيع فقرها وجوعها بأرغفة الخبز،

وتشتري بما تبقّى من تعبها قليلًا من أمانٍ يسدُّ رمق أبنائها الأربعة.


وحين تنهي جولتها اليومية،

تعود إلى بيتها بما تبقّى لديها من قوّة،

تغطّ في نومٍ عميق، 

وتنام المدينة معها.



عشبة الضوء الأخيرة بين همس الظلال والغربة المزدحمة الباحثة والناقدة :دآمال بوحرب(تونس ) الشاعرة :زينب غسان البياتي (العراق )

 عشبة الضوء الأخيرة بين همس الظلال والغربة المزدحمة 

الباحثة والناقدة :دآمال بوحرب(تونس )

الشاعرة :زينب غسان البياتي (العراق )

يُعد الشعر العربي الحديث الذي نشأ في أوائل القرن العشرين تحولاً جذرياً في التعبير الأدبي مستلهماً من التأثيرات الغربية مثل الرومانسية والرمزية مع الحفاظ على جذور عربية عميقة. يتميز هذا الشعر بتجديد الشكل كالتحرر من القافية التقليدية نحو الشعر الحر أو التفعيلة كما أرسى أسسه شعراء مثل نازك الملائكة في ديوانها “عاشقة الليل” وبدر شاكر السياب في “أساطير " من حيث المضمون يركز على هموم الإنسان المعاصر مثل الاغتراب الوجودي والقلق من الحروب والبحث عن الحرية والانتماء مع لجوء إلى الرمز والأسطورة لاستكشاف أعماق النفس والكون. على سبيل المثال يستخدم في “أنشودة المطر” – التي اعتبرت أفضل قصيدة عربية في القرن العشرين – المطر رمزاً للخصب والأمل في مواجهة الجفاف والخراب قائلاً: “عيناكِ غابتا نخيل ساعة السحر أو شُرْفَتانِ تطلّعانِ على البَحْر” معتمداً على الأساطير البابلية ليجسد الصراع الإنساني. كذلك يعكس أدونيس في قصائده مثل “قبر من أجل نيويورك” الاغتراب الحضاري بينما يغوص محمود درويش في “سجل أنا عربي” في المنفى والفقدان قائلاً: “سجل أنا عربي ورقم بطاقتي خمسون ألف” مشدداً على الهوية المفقودة في زمن الصراعات. هذا الاتجاه يتجلى في استخدام الأسطورة كملحمة جلجامش لاستكشاف الموت والخلود كما في أعمال عبد الوهاب البياتي ونازك الملائكة حيث تصبح الأسطورة أداة للتعبير عن الجروح النفسية والوجودية ممهدةً لقراءة قصيدة دآمال بوحرب في سياقها.

في هذا السياق تُقدّم قصيدة  زينب  المؤرخة في 16 أغسطس 2025 لوحة شعرية مكثفة تُغوص في أعماق الاغتراب الوجودي حيث تتحول “عشبة الضوء الأخيرة” إلى رمز مركزي يجسد البحث عن بريق أمل هش في مواجهة الفراغ والعتمة مستلهمةً من الأسطورة السومرية كما في شعر السياب. من منظور فلسفي تتردد في النص أصداء الوجودية مع لمسات من ملحمة جلجامش كرمز للصراع الأبدي ضد الموت والفقدان بينما نفسياً تكشف القصيدة عن طبقات اللاوعي الجمعي والفردي في رمزية الظلال والأنا وفي الارتجافات المكبوتة والجروح الدفينة. سنقرأ النص خطوة بخطوة مركزين على رموزه الرئيسية ودلالاتها المزدوجة لنكتشف كيف يبني الشاعر عالماً داخلياً يعكس الواقع الخارجي.

الاغتراب في الزحمة

تبدأ القصيدة بـ”فِي غربةِ الزَّحمة حيثُ الفراغاتُ تضعُ أعذارها كحجارةٍ فِي طريقِ العابرين” مقدّمةً الاغتراب كحالة جماعية في عالم مزدحم يفقد فيه الفرد سكونه فلسفياً يذكّر هذا بالوجود عبئاً ثقيلاً والفراغات “أعذاراً” تُبرر عدم التواصل الحقيقي بينما نفسياً يُمثل القلب الذي “يلتفتُ خلفهُ ليبحثَ عن سكونٍ ضائعٍ” بحثاً عن الذات المفقودة في اللاوعي كما في مفهوم الظل الذي يُطارد الإنسان في الزحمة. النظرة التي “تولدُ” هنا لحظة إدراك وجودي: “تستعيرُ من عتمةِ الأفقِ نبوءةَ خُذلان” ترمز إلى الوعي بالعبث حيث يصبح الخذلان نبوءة ذاتية والارتجافة “الناعمة” كـ”اعتذارُ اللحظاتِ المنسيّة” تكشف عن آلية دفاع نفسية حيث يُداري الإنسان جروحه بالنسيان لكنها تُوقظ “جرحاً فِي خاصرةِ الصمت” ممهدةً للتشظي اللاحق.

التشظي والالتئام

في “نظرةٌ .. تهوي مثلَ زجاجٍ مكسور تتشظّىٰ بملحَةِ لمسٍ” يتحول الزجاج المكسور إلى استعارة للذات المتشظية عن الكسر كطريق للولادة الجديدة لكن الالتئام يأتي “بلذعةِ غفوةٍ” توقظ الجرح مما يعكس نفسياً دورة الاكتئاب والإنكار: اللمس “لا يُجيدُ غيرَ فضِّ أسرارِ الحواس” يُمثل الغريزة الحسية كقوة مدمرة ومُعيدة بناء كما في نظرية الطاقة المكبوتة. الطوفان الذي “يتردّدُ أن يُجاري البحر” يرمز إلى الصراع مع اللانهائي: البحر كرمز للعدم لا يعرف العذر و”لا يُتقنُ سوىٰ الغرق” دلالة على الاستسلام الوجودي أمام الموت وهنا تبرز “عشبة الضوء” كأمل للاندماج لكنها مهددة بالعتمة مما يربط الجرح الشخصي بالفقدان الأسطوري.

البراءة المفقودة والأمل الهش

“بذورُ صبيّةٍ تتلمّسُ الطريقَ إِلىٰ عشبةِ ضوء وَ تخشىٰ أن تلمسها العتمة” – هذا الرمز المركزي يجسد الطفولة الداخلية بحثاً عن نور في الظلام فلسفياً يتردد صدى ملحمة جلجامش الذي يبحث عن عشبة الخلود في أعماق البحر ليفقدها في النهاية لصالح حكمة الموت. الفرح “المختنق” الذي “يذوبُ بألمٍ” أو “يختنقُ بضحكةٍ بلا ملامح” يكشف عن تناقض الأنا بين الوعي واللاوعي والوشاح “الهشّ” على “كتفِ ظلٍّ” يُمثل الذات الظليلة واليد الخفيفة كلمسة مصيرية تُعثر الظل دلالة على هشاشة الوجود مما يعزز الربط بين البراءة والفقدان الأبدي.

 الملحمي في الشعري

يطلّ جلجامش “من أمسيتهِ البعيدة وَ يمدُّ يدًا من ملحمةٍ إِلىٰ وسادةِ شعر” محولاً الملحمة القديمة إلى وسادة حديثة للسماء – رمز للأحلام واللاوعي والوسادة كـ”رأسًا ثانيًا للسماء” تُشير إلى ازدواجية الأنا والإعصار الذي يتحول إلى “مطرٍ مُشتهىٰ” يعكس فلسفة التغير حيث يصبح الألم مطرًا خصبًا لكنه بلا “غزلِ تين” أو “شموخِ زيتون” – رموز شرقية للخصب والصمود – مما يؤكد الفقدان الثقافي في المنفى. المطر يبحث عن “صدرِ صباحٍ … بلا كلمةٍ تعثرَ بها لسانُ الخلود” دلالة على عجز اللغة عن احتواء الخلود كما في التأجيل الأبدي مما يمهد لأزمة اللغة في الفقرة التالية.

غربة اللغة والشاعر

“الكلمةُ تقفُ عندَ الحرفِ الرابع خجلىٰ” – هنا تتحول اللغة إلى كيان حي يتردد في البوح رمزاً للعجز الإنساني أمام التعبير فلسفياً يذكّر باللغة بيت الكينونة لكنها هنا غربة “أكثرَ اتساعًا من نصٍّ” نفسياً الشاعر الذي “يتعقّبُ ظلَّهُ فِي مرآةٍ بلا زجاج” يُمثل أزمة الهوية كفقدان المرآة التي تعكس الذات. الغربة تصنع “من الزحمةِ معبدًا وَ من المعبدِ منفىٰ وَ من المنفىٰ قصيدةً” – دورة ديالكتيكية تنتهي بالقصيدة كصرخة تنادي نهرًا “غرقَ فِي نفسه” رمزاً للذات الغارقة في عبثها مما يعمق البعد الوجودي.

مواجهة العبث والموت في ضوء القصيدة 

يبرز البعد الوجودي في القصيدة كصراع أساسي مع العبث والموت حيث يتحول الاغتراب إلى حالة كينونية أصيلة تُجبر الإنسان على مواجهة حريته المرعبة ومسؤوليته عن معنى وجوده. يتجلى ذلك في “عشبة الضوء الأخيرة” كرمز للأمل الذي يُسرق دائمًا كما في ملحمة جلجامش مما يقارب أسطورة سيزيف عند ألبير كامو حيث يدحرج الإنسان الصخرة إلى الأعلى لتتدحرج من جديد معلناً أن “يجب أن نتخيل سيزيف سعيداً” رغم العبث. كذلك يتردد صدى جان بول سارتر في مفهوم “الوجود يسبق الجوهر” إذ يصبح الإنسان محكوماً بحريته في عالم بلا معنى مسبق فالنظرة “تهوي مثلَ زجاجٍ مكسور” تعكس القلق الوجودي أمام الفراغ والخذلان الذاتي. أما مارتن هيدغر فيؤكد في “الكينونة والزمان” على الـ”دازاين” ككينونة في العالم مع الآخرين لكن القصيدة تحول الزحمة إلى غربة تحول دون الأصالة فالكلمة “تقفُ عندَ الحرفِ الرابع خجلىٰ” تعبر عن سقوط اللغة في الـ”ثرثرة” غير الأصيلة. هكذا يجمع النص بين اليأس الوجودي والدعوة إلى خلق المعنى عبر الشعر كفعل مقاومة للعدم ممهداً للخاتمة.

القراءة الفنية للقصيدة 

تتبنى القصيدة شكل الشعر الحر دون قافية ثابتة أو وزن تقليدي مما يمنحها حركة داخلية تُشبه نبض القلب المتسارع في الزحمة والسطور القصيرة والمتفاوتة الطول – مثل “نظرةٌ ..” أو “ثُمَّ ..” – تعمل كفواصل تنفسية تُحاكي الارتجاف النفسي وتُكسر الإيقاع لتعكس حالة التشظي بينما الفراغات البيضاء بين الأبيات ليست عشوائية بل هي “حجارة في طريق العابرين” كما تقول الشاعرة فتُصبح جزءاً من المعنى البصري يُجسد الفراغ الذي يُهدد الذات وهذا الشكل يذكّر بتجارب السياب في “أنشودة المطر” حيث يتحرر الإيقاع ليُعبر عن الفوضى الداخلية لكنه هنا أكثر كثافة وتركيزاً على اللحظة الواحدة مما يُمهد للاستعارة المركزية التي تُبنى عليها البنية كلها. “عشبة الضوء الأخيرة” ليست مجرد عنوان بل قلب القصيدة فنياً إذ تُحوّل الشاعرة النبات الأسطوري من ملحمة جلجامش إلى كيان حيّ يتنفس في الظلام بصرياً كضوء خافت يُكافح العتمة كما في “بذورُ صبيّةٍ تتلمّسُ الطريقَ إِلىٰ عشبةِ ضوء” وحسياً كلمسة ناعمة مهددة بالتلاشي “وَ تخشىٰ أن تلمسها العتمة” ووجودياً كأمل يُولد من الفقدان نفسه كما في التحول من الإعصار إلى “مطرٍ مُشتهىٰ” وهذه الاستعارة تتطور عبر القصيدة من بذرة إلى نبات إلى ضوء إلى بوح مما يُشكل منحنى درامياً داخلياً يُشبه دورة حياة الإنسان ويربط الشكل بالصورة في نسيج متماسك. تُسيطر الصور البصرية المُشظّاة على النص فالزجاج المكسور “تهوي مثلَ زجاجٍ مكسور” يُجسد انهيار الذات ويعكس الضوء في اتجاهات متضاربة تماماً كالذاكرة الممزقة بينما الظلال تتكرر ككيان مستقل “كتفِ ظلٍّ” “يتعقّبُ ظلَّهُ” لتُصبح الظل شريكاً في الحوار مع الأنا مما يُذكر بتقنية “الدوبلغانغر” في الأدب الرومانسي والمرايا المفقودة “مرآةٍ بلا زجاج” تُلغي الانعكاس وتُجبر القارئ على تخيّل الذات بدلاً من رؤيتها مما يُعزز التجريد ويُكمل الاستعارة المركزية بطبقات بصرية تُعمق الإحساس بالاغتراب. رغم غياب القافية تُبنى موسيقى داخلية عبر التكرار الصوتي “ت” في “تتلمّسُ… تخشىٰ… تلمسها” يُحاكي خطوات حذرة والصدى الأسطوري “جلجامش… يمدُّ يدًا” يتردد كصدى بعيد يُقحم التاريخ في الحاضر والسكتات النقاط الثلاث “نظرةٌ ..” تعمل كنبضات قلب متوقفة تُعلق القارئ في الفراغ مما يُضيف طبقة صوتية تُعزز الإيقاع البصري وتُمهد للتقنية السردية. تستخدم الشاعرة تقنية “الإطار المزدوج” إطار ملحمي جلجامش يمد يده من أمسيته البعيدة وإطار شعري إلى وسادة شعر وهذا التقاطع يُحوّل الملحمة إلى حلم شخصي والحلم إلى قصيدة مما يُشكل حلقة فنية مغلقة تبدأ بالأسطورة وتنتهي بالبوح ويربط الإيقاع بالسرد في ديناميكية متصلة. تتحرك الإضاءة درامياً من العتمة السائدة “عتمةِ الأفقِ” “تلمسها العتمة” إلى الوميض المفاجئ “عشبةِ ضوء” “مطرٍ مُشتهىٰ” ثم الغياب النهائي “بلا كلمةٍ تعثرَ بها لسانُ الخلود” حيث يتلاشى الضوء في اللغة نفسها مما يُكمل الدورة الفنية ويُؤكد على التحول المستمر. “عشبة الضوء الأخيرة” لوحة مُشظّاة تُجسد الذات المعاصرة في لحظة انهيارها وإعادة تكوينها فكل عنصر فني – من الشكل إلى الصورة إلى الإيقاع إلى السرد إلى الإضاءة – يعمل كجزء من آلية دفاعية تحول الألم إلى جمال والقصيدة لا تُروي قصة بل تُعيد خلق تجربة تجربة الاغتراب كفعل إبداعي حيث يُصبح الجرح نفسه مصدر الضوء.


خاتمة عشبة الضوء أفق مفتوح

في النهاية “عشبة الضوء الأخيرة” رمز للذات الكلية مهددة بالعتمة لكنها تُولد من التشظي والقصيدة تُعلن أن الاغتراب معبداً للقصيدة حيث يتحول الغرق إلى بوح. 

الشاعرة تُقدم رؤية فلسفية نفسية عميقة: في عالم الزحمة يبقى الضوء الأخير في قدرتنا على الاعتراف بالجرح مستلهمةً جلجامش لتؤكد أن الخلود في الشعر الذي يُعيد خلقها وهذا النص دعوة للتأمل في هشاشتنا كي نجد في المنفى وطناً من الكلمات.



مدينتي المتوجة بقلم الشاعر أحمد محمد حشالفية

 قصر البخاري...

             ...مدينتي المتوجة...


مدينتي توجت فلا أحد يكتب سوايا

فالكلمات بداخلي تكتظ كتلا وشظايا


خرج القرار وصادقت عليه الوصاية

ببيان صادر من الرئيس وليس دعاية


خبر نشرته القنوات أبرقت له الثنايا

أخرس الأعداء ووضع للإشاعة نهاية


قدعاد القصر قصرا فاقرأوا عنه آية

أخرجوا الصدقات فقد صنف كولاية


اهتز قصر البخاري زهوا لبلوغ الغاية

فخفقت له الرايات عساهاخير بداية


كم كان الانتظار طويلا لصنع الحكاية

حكاية لارتقاء شعب أهل علم ودراية


رجال ونساء من الأخلاق لهم سجايا

ولدعوة المظلوم منصورين أوضحايا


عن المحسنين أتكلم ولهم مني هدايا

وعن البخلاءأرفع قلمي وأغسل يدايا


قد يعود قصرا كما كان وبقمته الراية

فبذرة العزة غرسها البخاري بكل عناية


تسألني الأودية والجبال وجميع الزوايا

عن حلم يقظة رأيناه معاعكسته المرايا


فأجيبها وكلي يقين ومع تعداد المزايا

فالآتي فخر فلنحسن نحن صنع الرواية


معا بالمحبة والإخاء وبحسن النوايا

نبني صروح ولايتنا عاليا فوق السرايا


سلامي للكل وبأبياتي لهم مني تحايا 

تلقاكم بخير فذاك صراحةأملي ومنايا


بقلمي

أحمد محمد حشالفية 

الجزائر



دراسة نقدية بقلم ناجي عبد العاطي لنص الشاعر قاسم الدوسري :

 دراسة نقدية بقلم ناجي عبد العاطي لنص الشاعر قاسم الدوسري :

التأمل في الحياة والموت من أغراض الشعر القوية المعبرة عن العظة والاعتبار 

الشاعر قاسم عبد العزيز الدوسري عن الأموات الذين سكنوا القبور وانتشرت رائحتهم فهو يرى أن هذه الرائحة رائحة الذنوب والخطايا وليست رائحة الأجساد في صورة تشبيهية رائعة رسمها من نسج خياله في صورة التشبيه التمثيلي البلاغي 

 ويستمر الشاعر مع امتداد الصورة موضحا ان هذه الرائحة مميزة ومعروفة للناس  تعطرهم عند دخول المقابر متخللة الصخور والمباني الخرسانية -وفجأة تتغير رائحة المقبرة بالبخور وماء الورد لاستقبال ضيف جديد جاء ومعه الزائرون  تفيض عيونهم بالدموع في شوق الى معرفة نهاية الانسان عند لقاء القبور - ثم ينادي الشاعر على هذا الراقد داخل المقبرة ويدعوه ان ينهض ليرى ماآل إليه حال الناس في هذه الايام ويرى بيوتهم وقد تحولت الى مقابر تسكنها أجساد بلا أرواح بسبب الانترنت ونسوا ان الكل ينتهي الى زوال -

تعليق : ابدع الشاعر في اختيار الالفاظ المعبرة عن الموت :المدافن والخطايا والذنوب والسجن والرائحة والراقد والبخور  كلها معبرة عن عاطفة الحزن والاسى وتوحي بالعظة والاعتبار -كمااستخدم الشاعر الكثير من الصور الخيالية :التشبيه الرائع رائحة المدافن كرائحة الذنوب - متحررة من السجن تصوير رائع تصوير المقبرة بالسجن -تعطر اجسادهم استعارة جميلة تصور الرائحة بالعطر -تفيض بالدموع استعارة تصور العيون بالانهار والدموع بالفيضان -البيوت كالمقابر تشبيه مفصل واضح المعنى .

كماتنوعت الاساليب الانشائية:أين انت ايها الراقد والخبرية التي تفيد الوصف والتقرير

تعقيب :اتقدم بالشكر والتقدير لشاعرنا المتميز واتمنى له دوام التألق والابداع .


رائحة المدافن

نفسها رائحة الأجساد

المحمّلة بالخطايا والذنوب

تبعثُ من جوف الأرض 

متحررة من السجن الصخري 

المغلّف بلسيراميك 

ومادة الأسمنت....

تعطر أجساد الداخلين الى المقبرة

وحدهم يعرفون 

كم هي مميزة....

فجأة تتغير رائحة المدافن

البخور ورائحة ماء الورد

تتتشر هناك.... 

مكتضة بالزائرين تلك المقبرة

يقتلهم الشوق والحنين

تفيض عيونهم بالدموع

إنها لحظة اللقاء بالقبور

أين أنت أيها اراقد من سنين

ليتك تخرج الآن...

فترى ماذا حلَّ بنا من بعدك؟

أصبحت البيوتات كالمقابر

ليس فيها روح الحياة

فالكل في عالم الانترنت مشغول

والكل في يومٍ من الأيام يزول


قاسم عبد العزيز الدوسري





أحببتك بقلم الأديب د. قاسم عبدالعزيز الدوسري

 أحببتك 

رغم المسافة بيننا

أحببتك

لاشي يفرق شملنا 

بالرغم من انت هناك

وأنا هنا....

تختلف في النطق ِ ...

لهجتنا...

لكننا رغم الصعوبة

 في الكلام...

نفهم بعضنا ...

ليس المهم ان نكون

مقيدين ...

باللغة الفصحى

ونترجم ما نقول....

نحن المشاعر  عندنا ...

تستوفي الشروط

وتفضح ماتخفي القلوب 

وسرنا...

مازلنا ننتظر المساء

فنتبادل الاراوح

من صدق المشاعر

في احساسنا...

نحن هنا ...نحن هنا

في تونس الخضراء 

تمسي حبيبتي...

وكأنها عندي أنا...

قاسم عبدالعزيز الدوسري



شجون .. بقلم الشاعرة رفا رفيقة الأشعل

 شجون ..


تذوبُ جفوني في غيابك تمطرُ

أيمكنُ جمعُ الشّملِ أم يتعذّرُ


وكم قد سهرت اللّيل .. أزجرُ غَفْوَتي

لأرقب  طيفا  لا يرقّ  ويظهرُ


خيالٌ يشعّ النّور من قسماته

ويرنو .. فتسقيني الجفونُ وأسكرُ


تطول اللّيالي ليس يأتي صباحها 

يضاعفُ همّي طيفكم حين يهجرُ


تكلّفني ما لا أطيقُ احتمالهُ

أيا طيف حَتَّى أنت ممّن تجبّروا 


ألحّ عليَّ الشّوقُ حتّى أحالني 

خيالا على دربِ الهوى يتعثّرُ 


ضفاف الأسى ترسو عليها مراكبي 

أيا مَنْ براني حبّهُ كيف أصبرُ؟


شجونٌ تأوّتْ خافقي وخواطري

تذيبُ الحنايا نارُ حبّكَ .. تصهَرُ


هجمت على قلبي خرقت دفاعهُ

أغارتْ جيوشٌ  للغرام وعسكرُ


وسيّرتَ جيشًا بالسّلاح مدجّجًا

وعسكر صبري صاغرٌ  يتقهقرُ


نسفت حصوني والفؤاد أسرتهُ

دخلت كمحتلّ .. كمنْ جاءَ يثأرُ


ويفضحني في الحبّ حرفي وأدمعي

ولهفة قلبي .. كيفَ أخفي وأنْكرُ


أبيت  معنّى  من فراقٍ  وغربةٍ

ويا ليتَ مَنْ أحيا الحشاشة يحضرُ


يعيدُ لأفقي شمسه وضياءَهُ

ويبسمُ في قلبي ربيعٌ ويزهرُ


وأنظم حرفي في هواهُ قوافيا 

على السّطر  منها  لؤلؤٌ  يتحدّرُ


                 رفا رفيقة الأشعل

                         (على الطّويل)


عشق البركان! بقلم الكاتبة دجلة العسكري

 بقلمي ....عشق البركان!

أفزعتني جلجلة السّحر

ورقصات الأغصان

متعبة من ضنى الفجر

وذكريات تجتاح الوجدان

من أنا ومن ذاك

في الأفق يصرخ ظمآن

تمرد الخيال 

وشهقات وتر الكمان

أغترف من عذب اللحن 

وهوس سكرات الشطآن

ضباب الليل يلتحفني

يغتسل السُهد في الأجفان

حلمي يختنق في قواقع النسيان

يشق طريق الخوف 

فوق جراح الكثبان

لا ألتمس راحة الأرض 

أمض كالبرق 

فوق سحائب الهذيان

أنا بذرة حب 

أُمطر روح الزهر والريحان

أرقص مع الريح

أعشق البركان


دجلة العسكري

العراق

٢٠٢٥



أَمَلٌ فِي ثَغْرِ المِيلَادِ بقلم الكاتب سلَيْمَان بن تمَلِّيسْت

 أَمَلٌ فِي ثَغْرِ المِيلَادِ

---


عَانِقْ وُرُودَ الفَجْرِ مُؤْتَلِقًا،

وَاشْرَبْ رَحِيقَ العُمْرِ مِنْ ثَغْرِ الصَّبَاحِ.

ضَوْءُ النَهَارِ اصْطَفَاكَ،

وَاللَّيْلُ غَادَرَ مُذْ رَآكَ،

مُسْتَسْلِمًا،

فِي كُمِّهِ لَفَّ الجِرَاحْ.


فَاكْتُبْ —

بِنُورِ الضَّوْءِ — مَلْحَمَةَ الخَلَاصْ،

وَاسْكُبْ شُعَاعَ الشَّمْسِ

فِي طَلْعِ الأَقَاحْ.


إِنِّي أَرَاكَ اليَوْمَ مُخْضَرًّا،

وَأَرَى البِلَادَ بِكَ تَهِيمُ،

مَفْتُونًا بِأَعْرَاسِ الحَصَادْ،

مَسْكُونًا بِآيَاتِ اليَقِينْ.


فَاشْرَحْ نَشِيدَكَ لِلرِّيَاحْ،

وَاقْرَأْ قَصِيدَكَ — كَيْ يَفُوحَ اليَاسَمِينْ.


لَمْلِمْ دُمُوعَكَ فِي الغُيُومْ،

فَالنَّبْعُ جَفَّ،

وَالأَرْضُ حُبْلَى،

فَمَتَى سَتُمْطِرُ؟

كَيْ يَحِينَ مَخَاضُنَا،

كَيْ يُولَدَ الطِّفْلُ الَّذِي

مِنْ نَسْلِهِ نَحْنُ نَكُونْ.


لَا تَكْتَرِثْ —

تِلْكَ خِرَافُ الأَمْسِ،

أَرْهَقَهَا التَّطَلُّعُ لِلطُّلُولْ،

مَاضِيهَا حَاضِرُهَا،

وَوِجْهَتُهَا الأُفُولْ.


وَقِنَاعُ،

مَنْ مَنَحُوا الغَرِيبَ، وُجُوهَهُمْ!

سَهْمٌ يَشُقُّ الصَدْرَ!

أَطْلَقَهُ الغَرِيبْ!


لَا تَكْتَرِثْ —

مَا مَرَّ عَصْرٌ

دُونَ أَقْنَانٍ، عَبِيدْ،

لَقِّنْ، إِذَنْ،

لَقِنْ، حُرُوفَ الأَبْجَدِيَّةِ وَالكِفَاحْ،

هَذَا الَّذِي، مِنْ نَسْلِهِ،

سَيَكُونُ إِشْرَاقُ الصَّبَاحْ.


فَغَدٌ سَيُولَدُ مِنْ جَدِيدْ،

وَغَدًا يُوَحِّدُنَا مَعًا،

فِي حِضْنِهِ الوَطَنُ — القَصِيدْ.


---


بقلم  سلَيْمَان بن تمَلِّيسْت

جَرْبَة، 30 أُوتْ 1996

الجمهوريّة التونسيّة

(من الأرشيف)



حكايات والدي / قصة قصيرة بقلم الكاتبة ليلى عبدالواحد المرّاني / العراق

 حكايات والدي /  قصة قصيرة

ليلى عبدالواحد المرّاني / العراق


حين يدير والدي وجهه إلى الحائط ويتظاهر بالنوم؛ أدرك أن شيئاً يضايقه… فدأبه منذ أحيل على التقاعد، وهو يلازم الكنبة التي خصّصها لنفسه تحت نافذة واسعة في الصالة مقابل جهاز التلفاز، تطلّ على شجرته الأثيرة التي زرعها بيديه في الحديقة، يطقطق بسبحته ذات ( الحبّات ) الكبيرة، صامتًا، شارد الفكر… وحين يعتدل في جلسته، ويضع نظارته الطبيّة التي تعطي لعينيه سعةً وسطوةً، وتلتفّ حول رقبته بقيطانٍ أسود، نفهم أنه يريد أن يتكلّم، أن يحكي قصصًا مثيرة عن مغامراته وشقاوته حين كان شاباً… ورغم إننا سمعنا هذه الحكايات عشرات المرّات؛ إلاّ إننا نصغي إليه باهتمام وتلذّذ، رغم محاولة أخوتي الصغار الهرب إلى المطبخ مع أمّي التي تلملم نفسها بحركةٍ سريعة، 

—سأحضّر لكم الشاي.

هكذا تقول أمي وهي تغطّي فمها بطرف ( فوطتها )!

تخرج الكلمات من فم والدي متلاحقة، وبنفس الاسترسال والتتابع الذي اعتدنا عليه في كلّ مرة… يرفع نظارته من عينيه حين ينتهي، ويدير وجههه إلى الحائط، ويغطّ في نومٍ عميق… نتسلّل بحذر إلى المطبخ، نتضاحك بأصوات خافتة، ونأخذ نعدّ المرّات التي سمعنا بها هذه الحكايات… عشرة مرات، يصيح أخي الصغير… لا، عشرون مرة… ثلاثون، وتبدأ الأرقام بالتصاعد، فتهمس أمي، " إحذروا، سيسمعكم… له أذن تسمع دبيب النملة! "

والدي الذي عهدناه صلبًا، قويّا، صوته يحمل عمقًا نرتعش خوفاً حين نسمعه يؤنّب أو يعاقب أحدنا، أصبح الآن هشّا، متداعيًا بعد أن سرقت السنون حيويته وسطوته، وبعد أن أقعده المرض والروماتيزم الذّي عشش في مفاصله عن الخروج من البيت، وأشدَها قسوةً عليه، إحالته على التقاعد قبل الأوان، وفراق أصحابه وأصدقائه.

تستمرّ أيامنا على هذه الوتيرة، حتى كان ذلك اليوم الذي أتمنى أن أحذفه من التقويم!

جاء ابن أخي لزيارتنا في يوم شتوّي بارد، مجتمعون كنّا حول المدفأة النفطية، نتابع أحد الأفلام الكارتونية، أبي معنا يتابع باستمتاع.

بارق، ابن أخي، مراهق شقيّ، منفلت اللسان، نحبَه كثيرًا رغم شطحاته، تبرَر أمّي أفعاله التي تصل حدّ مضايقة الآخرين، " هو لا يزال صغيرًا، لا يفقه ما يقول أو يفعل " هكذا تقول أمي، فيزداد غضبنا عليه!

اعتدل والدي بجلسته،ابتسم بحبّ لحفيده الذي هتف بصوتٍ ضاحك، " هلو جدّو "

وضع والدي نظارته على عينيه، ونظر إليه طويلًا باعتزاز، " سأقصّ عليكم هذه الحكاية، ولك أنت بالذات يا بارق، كي تتعلّم وتصبح مثل جدّك قويّا ويهابه الجميع. "

وضعتُ يدي على قلبي خشية من ردّة فعل بارق حين يسمع قصص بطولات جدّه!

تنحنح والدي بقوّة وكأنه يسلّك حباله الصوتية، ابتلع ريقه…  و….

—كنت خارجًا من بيتنا في المحلّة القديمة، كان عمري حوالي ثمانية عشر عامًا، وإذا بشلَة من الشقاوات، حوالي خمسة عشر واحدًا، يعترضون طريقي

هنا، حاول أخي الصغير أن يذكَره،" ولكنهم كانوا عشرة يا أبي. "

خزره والدي حانقًا؛ فصمت.

— وماذا حصل يا جدّي؟ 

صاح بارق منفعلاً…

— هجموا عليّ جميعهم، ولكنني انقلبت عليهم مثل ( الطنطل )١

وضحك بارق ومعه أخي الصغير..

— أوقعتهم أرضًا، الواحد تلو الآخر، والدماء تنزف من أنوفهم.

فجأةً، قفز بارق من مكانه صارخًا وهو يضحك، " معقولة جدّو؟ يعني أنت مثل ( گراندايزر )٢

ذُهلت، لم أعرف ماذا أقول لهذا الشقي وأنا أرى نظرة انكسار في عين أبي، سقطت نظارته على صدره، استدار نحو الحائط… وانقطعت الحكايات التي كان يرويها.

                     ===========/===============

١- الطنطل : شخصية خرافية مرعبة تحكي لنا عنها جدّاتنا 

٢- گرانديزر : شخصية كارتونية ذو قوة هائلة، يحبه الأطفال كثيرا



على أعتاب ذكرى بقلم الكاتب عبد الكريم يوسفي

 على أعتاب ذكرى 

وبعض الدروب التي ألفناها

وأزهرت كالربيع 

تذبل الآن بداخلنا ..

آه..لقلوب تغدوا كورقة خريف 

بعدما كانت تزهر كل يوم 

مع كل وردة تنبت على حواف الطريق

وتفتقدك الأشجار..

والندى الذي كان يستقي من عينيك 

هكذا تتبدل الأسفار 

حين يموت الإلف وتخور ركبتاه ..

وتدق ساعات النسيان المخيفة..

والنسيان رحلة ..شاقة 

وستدق أجراس التذكر والشوق طويلا ..إنه العمر

فارغة ..مخيفة كالموت

آه من الدروب الجديدة 

قاسية ..وغامضة

لأنها تقتلع الجذور ..

فلتكن حقائبك إذا جاهزة 

ولتتلطف مع النسيان 

فالعمر لا تزال له هيبته ..

ولا طاقة له بتحمل مزيد من العنف .

عبد الكريم يوسفي



حكمة اليوم: بقلم الكاتبة هالة بن عامر تونس

 حكمة اليوم: ✍️بقلمي

الثقة التي لا تتآكل هي تلك التي نزرعها في داخلنا، فالنفس وحدها كتابٌ مفتوح، أمّا الآخر فصفحاتُه مغلقة على احتمالاتٍ لا نبلغها.

وحين نوقن أن النوايا عالمٌ صامت، ندرك أن الوعي حماية لا يُهزم.

والثبات الحقيقي… أن نستقبل المجهول بحدسٍ يقظ، فيتحوّل وقع الصدمة من كسْرٍ للنفس إلى حكمةٍ تزيدها صلابة.


هالة بن عامر تونس 🇹🇳



على هامش الذكرى العاشرة لإستشهاده حتى لا ننسى..الراعي/الشهيد مبروك السلطاني بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 على هامش الذكرى العاشرة لإستشهاده

حتى لا ننسى..الراعي/الشهيد مبروك السلطاني


"ليس بين الدم والدمع مسافة..هذه تونس التي تتحدى..وهذا الوعي نقيض الخرافة " ( مظفر النواب-بتصرف طفيف)


هي ذي مرتفعات الجبال..تبكيك بدمع حارق يحزّ شغاف القلب..

وها أنا أراك-أيها الراعي الشهيد-تبتسم ابتسامة مجلّلة بالحزن.

وتلك مفعولات الموت ضاريا كاسرا.

جبل الشعانبي أحد هذه الجبال الواقفة في المهبّ ما بين المادي الصلب والأثيري الشفاف.لابد أن يكون هذا المكان مرتعا لنجوم السماء.

هوذا جبل الشعانبي إذن:مكان محمّل بالإشارات،غابة من رموز وايماءات.لا يمكن للمرء أن يعبر من هناك ولا يرى بعضا من تلك الإشارات والإيماءات التي تملأ المكان بالقسوة

والهشاشة.فالمشهد يربك الجسد ويدوّخ الحواس..بمفردك-يا مبروك-كنت في عراء الخليقة الدامي..

-شويهاتك-ستظل ظلالها في ذاك المكان مثل رفّ جناح.

يكفي أن نحدّق-جميعا-في عينيك وسنراهما طافحتين بهالة من سحر الموت وجاذبيته وفتنته.

الكلمات التي تمجّد-الإستشهاد-تبدو ذليلة لم تتمكّن من القضاء على فجائية الموت وضراوته وطابعه الكاسر.

وعبارة"الراعي الشهيد"ليست سوى تميمة تدرأ الوجع وتدجّن الموت،لكنّها لا تمحو طابعه المتوحّش الضّاري.فوراء عبارة الشهداء نفسها ثمّة شباب وأطفال وجنود بواسل..سقطوا في العتمة.بيوت اجتاحها النّوح.قلوب داهمها الوجع كاسرا.ثكل ودمع ولا عزاء.

على الهضاب المجاورة لقطيعك تلمع-أنياب وحوش أدمية-تحت شمس باهتة.

ثمة حشد من غيوم رمادية بإلكاد تتحرّك.

يكفي أن تحدّق فيها قليلا.

يكفي أن تديم النظر إليها،وسترى يدا خشنة معروقة تمتدّ من خلال تلك الغيوم وتتوعّد الحياةَ نفسها بالويل والخراب.

إنّها يد-الإرهاب الأعمى-المأخوذ بدم الأبرياء.

لكن لتونس رجالها الذين ما هادنوا الدّهر يوما.ولذا لا يجب أن تنتهي الحياة إكراما للذين تسابقوا إلى الشهادة إعلاء للحياة.

التونسيون يعلمون علم اليقين أنّ هناك من عقد العزم على إفساد العرس الثوري..على إبادة الحياة  وتحويلها إلى جحيم.وهم على يقين أيضا أنّه يستدرج البلاد إلى الهاوية..!

وها نحن نتسابق إلى الشهادة لأننا مؤتمنون على استمرار الحياة.ومن هنا تستمدّ المواجهة في ديارنا عنفها المدوّخ الضاري.

هل لدي ما أضيف؟..قطعا لا.

إذن هو ذا منطق حفاة الضمير في مطلع الألفية الثالثة..نعم..وليعمّ الجحيم..ولتظل تونس ترنو ببصرها إلى الآتي الجميل..


محمد المحسن



الباب الشاغر بقلم الشاعر رضا بوقفة شاعر الظل

 الباب الشاغر

كلَّ صباحٍ، كان يفتح الباب ويغادر.

لم يكن أحدٌ يعرف إلى أين، ولا لماذا يترك خلفه صدى خطواتٍ يشبه النداء.

الغريب أنّ الكرسي الذي يجلس عليه كل مساء، بقي دائمًا شاغرًا، كأنّه لم يعرف يومًا وزنه أو دفءَ جسده.

الأبناءُ كانوا يتساءلون:

هل كان يرحلُ إلى عملٍ لا ينتهي، أم إلى صمتٍ لا يُرى؟

أم لعلّه لم يكن يغادر البيت أبدًا، بل يغادر أعيننا فقط؟

وذات صباح، لم يُفتح الباب.

لكن الكرسي ظلّ شاغرًا كما كان.

فتساءلوا:

أكان الباب هو الذي يغادر، أم كان الغياب نفسه هو الأب؟


بقلم الشاعر رضا بوقفة  شاعر الظل 

وادي الكبريت 

سوق أهراس 

الجزائر 

الشعر اللغز الفلسفي والقصة اللغزية الفلسفية



الخبء المهدور *** بقلم الشاعر علي مباركي

 الخبء المهدور *** بقلم علي مباركي 


تائه بين الماضي والحاضر 

غارق بين القلب والخاطر 

عالق بين الخاص والظاهر 

لا أرى إلا ذاك الحظ العاثر 

دنسته الأيام جرمها الفاجر 

البستنيه جلبابها الفاخر 

بالحياء تسجي العقل النافر

سعيها نيل الكرسي الشاغر 

قسمة ضيزى قوست الناظر 

ألهمت نيرانها بجرح غائر 

لسعه بالأعماق لذع جائر 

تنضوي تحت الإصلاح الثامر 

ما حياة النفس إلا عيش ماكر 

شادها قوم وفي الخبث ماهر 


علي مباركي 


17 نوفمبر

ماتيلدا بقلم الكاتبة هادية آمنة – تونس

 ماتيلدا

التقى توم ماتيلدا على شاطئ  بمدينة لوزان المتاخمة لنهر جنيف. قال لها وهو مطبق على سيجارته بشفتيه:


جبال الآلب خلف البحيرة تبدو شاهقة وبعيدة. المنظر غاية في الجمال.


صحيح، لكن مطر، مطر، مطر… أووف.


ثمّ لملمت أطراف معطفها الأسود، معيدةً ربطَ حزامه على خصرها النحيف. تأبّطت ذراع الغريب: "يبدو صيدًا ثمينًا في هذا المساء المتجهّم."


التصقت به محاولة الاحتماء بمطريّته من زخّات المطر التي تسارعت ترشق الطريق بنقراتها المتسارعة. سارت معه متتبّعة خطواته المتئدة رغم جنون الرياح العابثة بالمطريّة وبمن تحتها.


لا شيء يمنح الإنسان إحساسًا بالدفء كالرقص. ما رأيكِ؟


أجابته ماتيلدا، إذ ما عادت بها قدرة على السير:


أعرف مرقصًا غير بعيد في آخر هذه العطفة.


حذاؤكِ الأحمر مثير. أنا فيتشي و...


مازوخي؟


هل يخيفكِ هذا؟


إطلاقًا.


دفع توم الباب على رواق طويل خافت الأنوار. أفضى بهما إلى مرقص، نزلا إليه بمدارج حلزونيّة بين ضيق جدارين يجعل الصاعد يحتكّ بالنازل إن لم ينعطف ملاصقًا بظهره الحائط.


في فسيح قاعة غير مستويّة الارتفاع تعدّدت زواياها وتنوّعت انبعاجاتها المنفتحة على أبواب سريّة خلف ستائر مخمليّة. اختلطت أصوات الموسيقى التي ترقّ وتصخب أحيانًا مع الجلبة المبهمة التي ترفل بين المناضد والأريكة المنتشرة تحت السواري الخشبيّة وما بينها.


رحّب بهما النادل غامزًا ماتيلدا بنظرة ذات معنى. اشتدّ التدافع بين المراقصين بين مخاصرة ومداعبة. احمرّت العيون والتهبت الأدمغة متتبّعةً نساء نصف عاريات يخطرن بين السكارى، يتبادلن معهم نظرات وعبارات ذات مغازٍ شهوانيّة.


كان توم مستنكفًا بالإثارة التي تحققها له متعة التلصّص على المحيطين به، تستهويه المشاركة في العلاقة التي أمامه بالبعض من حواسه. قال مغْمغًا:


لا قيمة ولا معنى للزمن الذي ينقضي دون مسرّات جسديّة متنوّعة.


فأجابته ماتيلدا بحركة من كأسها الذي رفعته نحوه ثم قالت بصوت عالٍ:


تريدها مسرّات جسديّة متنوّعة؟ ههههه يا السيّد!


توم، توم.


ماتيلدا، ماتيلدا.


أعادا رفع كأسيهما. مدّ شاب يده لماتيلدا داعيًا إياها إلى الرقص، فوقفت مترنّحةً ملبية.


في أحد السراديب المؤدية إلى غرفة خافتة الإنارة والموسيقى، حيث الخيال يجد مرتعًا لا حدود ولا لجام عليه، محفَّزًا بأدوات وألبسة غريبة. دفعت ماتيلدا توم وهي متأبّطة ذراع شاب خلاسيّ داكن السمرة، صلب العضلات، غليظ الشفاه، أفطس الأنف. بادر بملامسة ذقنها المذّبب، مرّر يده الكبيرة السوداء على خدّها المنثور عليه نمش كحبات جلجلان. حشا سبّابته بين شفتيها الصغيرتين المكتنزتين. نظرت في عينيه بولهٍ فاجر، اقتربت منه محتكّةً به، ثم عضّته بقوة فصرخ. صفعها على وجهها فسقطت على السرير مقهقهة، واقعها بعنف جسديّ ولفظيّ، حظي توم الجالس على أريكة أمامهما بنصيب منه: سباب وصفع وجُمل وقحة وضيعة ألقياها في وجهه الجاحظ العينين، المنتفخ الأوداج، المنفرج الشفاه على دهشة بلهاء أمتعته.


في عيون ماتيلدا اشتهاءٌ مريع شاذ. كانت كالحرباء تتلوّن بألوان توم القزحيّة. فقال لها صباح اليوم التالي:


ماتيلدا، هل ترغبين في مرافقتي إلى إفريقيا؟


هههه، في كلّ جملة تردّد اسمي: ماتيلدا، ماتيلدا… هذا هو دأب الفرنسيين.


إقامتنا ستكون في مدينة سانت لويس يا ماتيلدا. مدينة على الساحل الأطلسي في غرب القارة السمراء. الرقص على أنغام الجاز في ملاهيها سيروق لك، كما أنّ بياضك ينصهر على نحو ماتع مع السمرة الحالكة… ههه.


توقّفت عن تجفيف شعرها بمنشفة بيدها لبرهة، وفي عينيها سؤال وكأنها تقول:


هل أنت جاد في اقتراحك؟


أجل.


أفاض في كلامه، وهذا دأبه حين يتعلّق الأمر بأمور السياسة أو التاريخ وما يتصل بالأحداث من علاقات بين الإنسان ومحيطه الطبيعي. على ما بدا عليهما من استهتار شاذ خلال ليلتهما الفارطة، إلا أنّهما استرسلا في حديث بين طُلعة حسنة الاستماع كانت هي، وشخص واسع المعرفة محبّ للسفر والمغامرة كان هو.


قال بعد أن اعتدل في جلسته على طرف السرير:


أزمة 1929 الخانقة التي عصفت بالولايات المتحدّة الأمريكيّة مسّت أوروبا، فتدهور الاقتصاد وضرب الفقر جانبًا غير قليل من الشعوب.


فأشارت بأصبعها إلى نفسها متحدّثة في مرارة عن الانهيار السريع الذي أصاب والدها الذي كانت تقيم معه في أمريكا:


مُضارب في البورصة كان أبي. في تلك الأيام السوداء خسر كلّ أسهمه فانتحر. فعدتُ إلى موطني في سويسرا، أتَسَمَّتُ المال الذي تركه لي في أحد البنوك. سوء تصرفي وعدم قدرتي على ضبط مصاريفي وتكالب الانتهازيين بدد ما كان بحوزتي.


ثم قالت بنبرة مرحة، محاولةً قشع جوّ الكآبة:


ألا تُعتبر فرنسا جزيرة رخاء بفضل خيرات مستعمراتها الكثيرة؟


استكشاف أرض الثروات بدأه البرتغال ثم الإسبان، لحق بهم الفرنسيون والإنجليز الذين اشتدّ التنافس بينهم لتقاسم الكعكة.


كعك وقهوة ساخنة… بطني خاوية.


جذبها، أجلسها على حجره، خلّل بأصابعه خصلات شعرها النديّ قائلًا:


بعد قليل سيأتي الفطور. سنذهب معًا إلى السنغال لو أردتِ. السنغال هو الحقل الخصب لكلّ التجارب بالنسبة لنا نحن الفرنسيين. هذا الأمر مكّننا من مراكمة معارف ميدانية نقوم بتوظيفها في بلدان إفريقية أخرى. السنغال كانت وما زالت منطلقًا لجيوش فرنسا إلى مستعمراتنا. نحن نعدّ المقاتلين، نجمعهم من مناطق مختلفة، هم يتحدثون لغات ولهجات متنوعة، لكن هذا لا يعيق عملي ومهمتي. هم المشاة في جميع الحروب، بملابسهم العسكرية الغريبة المضحكة التي ليست على مقاسهم، لكنهم قنّاصة على جانب كبير من المهارة. هم دائمًا في الصفوف الأمامية عند القتال أو المداهمة.


دمكم الفرنسي غالٍ يا عزيزي، لذلك تعتمدونهم كدروع بشرية.


أشعل توم سيجارة، حشاها بين شفاه ماتيلدا ليسكتها. جذبت نفسًا عميقًا ثم نفثته في وجهه قائلة:


مهمتك إذن هي عسكرية، إعداد هؤلاء الجنود وتدريبهم.


ستة أشهر في السنغال، لأرحل بعدها بالمجنّدين إلى تونس.


تونس!


انفتحت حدقتاها كمن يرى الحلم الإفريقي ملوحًا أمامها بحرارته. نطّت وقفزت على السرير مشرعةً يدها إلى السماء ضاحكة:


الشمس، الشمس، الشمس! إلى أرض الشمس يا توم. أنا موافقة… سأذهب معك.


سمعا طرقًا على باب الغرفة. دخل بعدها نادل بيده صينية فطور الصباح.


هادية آمنة – تونس



ما زال باقي لوقت موش مواتي بقلم الشاعرة الفنانة ليلى_السليطي

 ما زال باقي لوقت موش مواتي

ومازال عالدقات ساعات الصبر

لا نقول اشمازال فاياماتي

لا بد ننظر جد في مرايا العمر

وما زال منهو تقلقه طلعاتي

ناوي يقصقص مجناحاتي الشبر 

نلقى طوير الليل في ثنياتي

يحوّم على ليام ما جايب خبر 

لو كان شافت حلمها نظراتي 

ما همني الفزعات لا ركوب الخطر 

في رحلتي ما تذلني خطواتي

رجلي معودها على طريق السفر

عايم على الجنبين في موجاتي 

موج الي يغرّق موج يحفرله قبر

...

الغدر ماهو سبر من عاداتي

موحال حد يدوسني بطرف القدم

نا نكيف الاسباب من غصراتي

كيف ما ترى ماعادش نخمم

شعملت بالتخمام يا عقلاتي

يكفي القلب ما يحزنه من هم

يا نار خوذ الي تعدى وهاتي 

كاس الفرح ونوصله للفم 

لا نبيع من ارمادها جمراتي 

نكحل عيون الريم بالمرهم 

وما زال عندي حروف لوريقاتي

وخطوط عجبين القمر وشم

وما زال هاززني الأمل للآتي

السر في نبض الحياه والدم

...

تلقاه في منطوقها حكاياتي 

وابيات شعر  امطرزة تخبر

الحبر سايل يرسم بريشاتي 

فاتح كتابي نخطه وانسطر 

لابد منها سفينتي ولوحاتي

تسلك مع لرياح كي تمطر 

ولابد منها وردة جنيناتي

من بعد ما تبل الثرى تنور 

وما زلت يا لحزان وين تواتي

نلوي عصا لوجاع ونصور 

للخد بسمة ملقلب ضحكاتي 

تزين خدود الورد لا تكدر 

لوما القدر يفني رماد حياتي 

ما يكيدني المكتوب لمقدر ...!!!

...

ليلى_السليطي



وحدها..إمرأة تشعل اللّيلَ فـيَّ..وتعرف معنى البكاء..! بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 وحدها..إمرأة تشعل اللّيلَ فـيَّ..وتعرف معنى البكاء..!

الإهداء : إلى إمرأة..كساها حنيني جنونا..إلى إمرأة أضمّ كلَّ من أحببتهم فيها..


من يؤثّث عواصمَ غربتي

ويعيد الهديلَ إلى شرفة في القلب ضيّعت

                                               عطرَها..؟

من تراه يسكب الضّوء على جثتي

أو يردّ ما خرّب الدّهرُ

                        فيَّ؟

وحيد أنا..كما يوسف في الجبّ

أرنو إلى حبل وجْد تدلّى 

                       إليَّ

وأستجدي الطّيْرَ..وهو يطير

عساه يحوم فوق

                             يديَّ

لا إخوة لي..ولا شيء لديَّ

غير أنّي عظيم

كأنّي الأعظم الآن في العشق

أرى أن أكفَّ عن الحزن..

         أو أرحلَ في إتجاه البعيد

هيَ الحبيبة وحدها تعرف معنى

                       إختمار القصيد

وسرَّ إعتمال النشيد..

     في غيمة للمساء

وحدها إمرأة..تشعل اللّيلَ

                        فـيَّ

وتعرف..معنى البكاء

فتبكي قليلا..علـــيَّ

كأن يرأف اللّه من أجلنا

فتصحو الرّوح من غفوة الحلم

ونحتفي بالدفء

                  ووفي عزّ..الشتـاء


محمد المحسن



على حافة الضياع بقلم الكاتبة هالة بن عامر تونس

 على حافة الضياع

في داخلي مساحة صامتة

 تعجّ بالضياع

العالم من حولي

 يحمل الصدق

 على أجنحة من الوهم،

لا يلمس عمق الروح

والقلب هنا لا يذبل…

بل يتراجع بهدوء

يتعلم الصبر

يحفظ دفئه

 رغم الغياب المزدوج بالحضور

كمن يزرع ضوءه

 في صمتٍ لا يراه أحد

 لكنه يبقى

 حيًا، صامدًا، صامتًا.


غريبة هي الحياة…

تسلبنا ما ظنناه أمانًا

وتتركنا أمام صمتٍ يختبر صلابتنا

فمن كان بالأمس امتدادًا لروحنا

قد يصبح اليوم غريبًا…

غريبًا حتى أن حضوره لا يصل إلينا

وأقرب ما يكون  مسافة شاسعة لا نعرف كيف نعبرها.


تتساءل الروح:

 كيف يتحول القرب إلى غربة؟

كيف يصبح من كان جزءًا من نبضنا

حاضرًا بلا دفء، بلا معنى، 

مجرّد هيئة لا تحمل أثرًا في الداخل؟

ليس بالأخطاء الكبيرة دائمًا،

بل بالفتات الصامت الذي يترسخ مع الأيام

بالكلمات التي لم تُسكب

بالحب الذي صار شكلًا بلا مضمون


ومع كل هذا الصمت والألم…

تظل النفس أكثر حذرًا

والقلب يتسلح  بالعناد

 لا يتوقف عن النبض

الحياة ليست دائمًا كما نتوقع

و السعادة أحيانًا تلتزم الصمت  

صغيرة، مختبئة في زاوية لم ننتبه لها

داخل هذا الصمت

 في جوف هذا الانكسار

تتعلم الروح ألا تذعن للأوهام

ولا تلاحق من حضوره

أصبح غائبًا بالمعنى الحقيقي

بل تحفظ استقلالها عن كل ما يفتقر للصدق

وتحافظ على دفء الداخل

مهما بدا العالم قاسيًا وجافًا


القلوب الصادقة…

لا تنهزم، حتى لو أصابها خذلانٌ مرّ

تظل مباركة، صامدة

قد لا تكون مسامحة

لكنها مسالمة

تحمل نورها في داخلها

تسير بثقة رغم الظلال

وتعرف أن الصمود الحقيقي

لا يعتمد على الآخرين

بل على الصدق مع النفس

وعلى القدرة على الاستمرار

حتى لو ظل الحاضر غائبًا

يبقى القلب ثابتًا

يبقى القلب 

حاضرًا في عمق الصمت

حاضرًا في عمق الذات،

حيث لا يراه أحد،

حيث يظل صادقًا، حيًا

رغم الضياع. 


هالة بن عامر تونس 🇹🇳



لِبَاسٌ مِن شَوكٍ بقلم الشاعر محمد جعيجع

 لِبَاسٌ مِن شَوكٍ :

......................... 

أُحَذِّرُهُ الوِشَايَةَ كُلَّ حِينٍ ... فَلَمَّا استَدَّ لَاسِنُهُ وَشَانِي 

وَكَم حَذَّرتُهُ كَشفَ الخَوَافِي ... فَلَمَّا حَازَ خَافِيَةً نَسَانِي 

بِكَشفِ السِّرِّ عَنِّي دُونَ سِترٍ ... وَزَادَ عَلَيهِ قَدحًا فِي المَعَانِي 

وَبَينَ النَّاسِ أَسرَارِي تَفَشَّت ... وَذِيعَت فِي دَقَائِقَ أَو ثَوَانِ 

فَأَطعَمَنِي كَلَامًا فِيهِ فَضحٌ ... وَمِن كَأسِ المَرَارَةِ قَد سَقَانِي 

فَمَا نَفَعَ الرَّشَادُ بِغَيرِ أَصلٍ ... وَمَا جَمَعَ الذَّلِيلُ حُلَى الجُمَانِ 

وَلَا يَردَى الصَّلَاحُ بِكُلِّ شَينٍ ... وَلَا يَنقَى الطَّلَاحُ بِِرَفعِ شَانِ 

هِيَ الدُّنيَا تُحِيكُ الشَّوكَ لِبسًا ... وَيَلبَسُهُ العُرَاةُ مَعَ الطِّعَانِ 

فَكَم مِن خَائِنِ الأَسرَارِ يَومًا... سَيَلقَى حَظُّهُ طَعنَ السِّنَانِ 

فَيُكسَى مِن صَنِيعِ الفِعلِ مِثلًا ... وَيَكشِفُ أَمرَهُ كُلُّ العَيَانِ 

......................... 

محمد جعيجع من الجزائر-10 نوفمبر 2025م



الأحد، 16 نوفمبر 2025

جَمَلُ السَّانِيَةِ. بقلم الأديب حمدان حمّودة الوصيّف... (تونس)

 جَمَلُ السَّانِيَةِ.

مَـالِي أَرَاكَ حَبِـيـسَ البِـئْـرِ، يَا جَـمَـلُ؟   

لَا العِتْقُ يَحْدُوكَ، لَا الإِيمَانُ، لَا البَدَلُ؟

مُـغَــمَّـضَ العَـيْـنِ، مُـقْـتَـادًا عَـلَـى مَـهَـلٍ    

أَحِرْتَ؟ أَمْ شُـعِّبَتْ فِي فِكْرِكَ السُّـبُلُ؟

تَضَـاحَـكَ الصِّبْـيَةُ الزَّاهُـونَ فِي جَذَلٍ    

وأَنْـتَ حَــــيْـرَانُ، لَا عِــيـدٌ ولَا جَــذَلُ

تَسْقِـي الـخَـلَائِـقَ مَـاءً سَائِـغًا ثَـلِـجًا     

وأَنـْــتَ ظـَــمْــآنُ، لَا طـَــلٌّ ولَا بَــــلَـــلُ

عَـجِـبْتُ مِـنْـكَ، مَحْـبُـوسًا ومُكْتَـنِـزًا     

لَحْـمًا وشَـحْـمًا ولَا يَــنْـتَـابُـكَ الـمَلَـلُ؟

تَـجْـتَـرُّ فِي دَعَـةٍ، تَـخْـتَـالُ مُعْـتَـدِلًا؟    

فَأَيْـنَ مِـنْـكَ اخْتِـيَالٌ أَيُّـهَـا الـجَــمَـلُ؟

مَكَـانُـكَ البِـيـدُ فِي الأَسْفَارِ تَـقْـطَـعُـهَا     

وتَـحْمِلُ الـعِدْلَ حِينَ اللَّيْلُ يَـنْـسَدِلُ

مَعَ الـمَـهَـا والقَطَـا والرِّيـمِ مُنْـتَــعِـشًا     

بِالشِّيـحِ، تَرْغُو عَلَى أَعْطَافِكَ الإبِلُ

تَـقُـودُهَا بِالـحُـدَا والشِّعْــرُ مُلْهِـمُـهَا     

وطَلْـعَـةُ الـبَـدْرِ هَلَّـتْ كُـلُّـهَــا أَمَـلُ.

*   *    *    *

إِنِّــي لَأَرْثـِي لِـحَــالٍ لَــسْـتُ ذَائِـقَـــهَـــا      

لَكِنْ بَرَانِيَ مَنْ فِي العَـيْـشِ قَـدْ قُـتِـلُوا.

حمدان حمّودة الوصيّف... (تونس)

خواطر : ديوان الجدّ والهزل



*رُطَبٌ تُغوي الفؤاد* بقلم الكاتبة ياسمين عبد السلام هرموش

 *رُطَبٌ تُغوي الفؤاد*

بقلمي ياسمين عبد السلام هرموش 

بريشة Somaia Ali 


يا ابنةَ النخيل…

يا خمرةَ الفؤاد،

يا طَرْحًا لا يُقال،

تتدلّينَ من أعلى النخلة

كأنكِ نظرةٌ

أسهرتْ شاعرًا

وأيقظتْ خيالَ قبيلةٍ

تبحث فيكِ عن سرِّ الوصال

ووشوشةِ الجمال.

يا سُمْرَةَ ليلٍ

خبَّأ أسرارَ حُسنٍ

لا تُسمّى ولا تُطال.

يتغزَّلُ بكِ العربُ،

لأنكِ تُضاهينَ حُسن سمراءَ

لو رآها عنترةُ

لنسيَ سوادَ ليلِه،

ولو رأتْها عبلةُ

لأدركتْ أنَّ الجمالَ

قد يهبطُ من النخلِ بلا سؤال.

وفيكِ رِقّةُ بيتٍ

كان امرؤُ القيسِ

يُخفيه بين أطرافِ القصيدة

بيتٍ لو اكتملَ لنهضَ السَّمرُ

على أكتافِ الخيال.

تُشعلينَ السَّمَر

وتُسكرينَ الفؤاد

بلا قطرةِ خمر

وتتردّدينَ كالقصيدةِ

في فمِ شاعرٍ

يخشى أن يبوحَ

بكلّ ما فيه من احتمال.

سَمرتُكِ

لونُ أرضٍ عاشقة

ولِينُكِ

نبضُ يدٍ تعرفُ معنى الوصال.

وإذا لامسَكِ الفمُ

تتكشّفُ ذاكرةٌ

كانت غافيةً في الرمال…



أوراق الأدباء بين أيدي النقّاد بقلم الشاعر رضا بوقفة شاعر الظل

 أوراق الأدباء بين أيدي النقّاد

أصبح الكتّاب والشعراء في زمننا أشبه بأوراقٍ رثّة تتقاذفها أيدي النقّاد. لم يعد النص يُقرأ بصفاء نية، ولا يُستقبل بروحٍ عطشى للمعنى، بل صار يُمحَّص كما تُمحّص السلعة، وتُوزن حروفه بميزان الانطباعات الشخصية، لا بميزان الإنصاف.


النقد في أصله فنّ، غايته الإضاءة وكشف مكامن الجمال والخلل معًا، غير أنّه تحوّل عند كثيرين إلى ساحةٍ للعرض والاستعراض، يفرض فيها الناقد سلطته على حساب صوت الكاتب، فيغدو المبدع مجرّد ضيفٍ على نصّه، يتلقّى الحكم بدل أن يُنصت إلى صدى إبداعه.


إنّ الورقة التي يخطّها الشاعر بمداد قلبه ليست هشّة كما يتوهّم النقّاد، بل هي امتدادٌ لروحه، ومرآةٌ لوجوده. وإن بدت في أيديهم رثّةً، فلأنّهم لم يقرأوا عمقها، ولم ينصتوا إلى ما وراء سطورها.


الأدب لا يشيخ، وما يُكتب بصدق لا يُستهلك. وحدها الأحكام العجلى تتساقط كأوراق الخريف، أما النصوص الصادقة فتبقى غصونًا خضراء، مهما حاولت رياح النقد أن تُهزّها.


بقلم الشاعر رضا بوقفة  شاعر الظل 

وادي الكبريت 

سوق أهراس 

الجزائر

الشعر اللغز الفلسفي والقصة اللغزية الفلسفية



(( لا تَبتَئسْ ..)) بقلم الكاتب /هادي مسلم الهداد/

 (( لا تَبتَئسْ ..))

====***====

لا تَبتَئسْ.. 

وعليكَ بالرّحمن

.. ظلٌّ خَالدُ

ََهو الأَجلُّ العزيزُ

.. .. الأَوحَدُ

كم مِنّةٍ منهُ اليكَ

 وفيكَ مَشاهدُ !

  .......     ......

لا تَبتَئسْ

دَعْ عنكَ مَالَم 

..تَغنَمُ 

ودَعْ الرّماةَ غَدَاةَ

..وهمٍ ، يَألموا ! 

  ......   ....... 

كُنْ أنتَ.. وحتّى 

 .. تَسلمُ 

فَمَا سواكَ اليكَ 

.. مواطِئُ

حسنُ السَّجايا في

..الأنامِ نَسائمُ ! 

.. بقلم/ 

/هادي مسلم الهداد/



( كيف تصنع نذلاً ) بقلم الكاتب عمر أحمد العلوش

 ( كيف تصنع نذلاً )

كيف تصنع نذلاً دون أن تشعر؟ تمنحه من تقديرك واحترامك أكثر مما يستحق ، ترفعه فوق منزلته الطبيعية ، فتراه أمامك يتحوّل شيئاً فشيئاً يعلو فوقك بهدوء قاتل وتنطفئ أمامه كرامتك . كل كلمة امتنان تمنحها و كل لحظة اهتمام تصبح عنده وقوداً لغطرسته وسلاحاً ليهوّن من شأنك ويجعل منك إنساناً أصغر بنظره ، دون أن يترك مساحة للجميل الذي أغدقته عليه.


كم تكون المرارة حين ترى إنساناً كنت تثق به ، ثم يركل احترامك بنذالة ، كل احترامك .. كل تقديرك ..كل كلمة امتنان كانت وسيلة لصنع وهم قيمته. ابتسامته الصفراء..نظراته الجافة.. صوته الخافت الذي يحمل استعلاءً ، كل شيء منه يذكّرك أنك من رفعته وأنك أنت من صنعت له سُلّم غروره.


أتعلم أقسى ما في الأمر؟ أن الطيبة التي زرعتها في قلبك صارت سماداً لنذالته ، كان إنساناً عادياً تراهنت على صدقه أصبح نسخة مشوهة من نفسه ، يتغذّى على احترامك ليزيد من علوه فوقك ويظن أنّ العالم كله يدور في فلكه . كل لحظة معه تكشف الغدر وكل ابتسامة تحمل استعلاءً لا تعرف كيف وصل إلى قلبه.


أما الألم ..فهو مزدوج ، ألم لأنك اكتشفت حجم الخيانة ومرارة لأنك فهمت أنّ العطاء بلا بصيرة والاحترام بلا حدّ قد يحوّل إنساناً عادياً إلى نذل متعجرف. بعض النفوس لا تُشبع إلا بالغطرسة وتقديرك لمن ليس أهلاً له يصبح الوقود الذي يصنع من الطيبة نذالة، ومن الاحترام استعلاءً ومن قلبك الكبير ساحة للخذلان.


وفي النهاية، تبقى هذه التجربة محفورة في قلبك كندبة لا تمحى تذكّرك دوماً أن النذالة أحياناً تُصنع بأيدينا، حين نمنح الإنسان فوق قدره ونمنحه ما لم يكن أهلاً له فيكبر فوقنا ونصغر نحن أمام وهمه الكبير . الحقيقة الوحيدة التي تعلمتها الاحترام بلا بصيرة يخلق من الثقة خيبة ومن الحب مسرحاً للخذلان.


✍️ بقلمي: عمر أحمد العلوش



مفارقات فلسفية حافات الوعي: الإنسان بين وهم الوجود وظلّ الفناء بقلم الكاتب أيمن أصلتُرك

 بقلم .Ayman Asıltürk 

مفارقات فلسفية 

حافات الوعي: الإنسان بين وهم الوجود وظلّ الفناء

مقدمة

عند حدود الوعي، حيث يتقاطع الإدراك مع العدم، يتشكّل الإنسان كمعادلة مفتوحة على احتمالات لا تنتهي. وفي المسافة الفاصلة بين حياته الداخلية ووجوده الخارجي، يظلّ معلّقًا بين حقيقة يحاول الوصول إليها ووهمٍ يلوذ به اتقاءً لصلابة الوجود. وهكذا يبدأ صراع الإنسان مع ذاته: من يكون حقًا، وما الذي يشكّله؟ وهل هو ما يظهر أم ما يخفى، أم ما يتوهم أنه عليه؟

النص

الإنسان، في جوهره الأول، معنى وصِفة لكل من يحمل العقل والهيئة البشرية. لكن الشكل وحده لا يكفي ليكون الإنسان إنسانًا؛ فهناك من يعيش مادّةً وروحًا، يترك أثرًا حسنًا في غيره، ويمنح الوجود قيمة إضافية. وفي المقابل، هناك من يختار بإرادته موضعًا سلبيًا بين البشر، كأنه لا يشعر بوجوده إلا عندما يترك أثرًا معكوسًا أو يُحدث اضطرابًا في توازن الآخرين.

وهناك فئة أخرى تمضي في الحياة دون أثر، تمرّ كعابري طريق؛ لا مبالاة، لا اهتمام، ولا حضور داخلي. حياتهم مجرّد دورة بيولوجية: أكل وشرب وشهوة، بلا بصمة ولا فكرة ولا رحلة تأمل.

وعلى النقيض، يأتي أولئك الذين يرون الحياة تجربة وجودية عميقة، يدخلون عالم البحث والقراءة والمُطالعة، يركضون خلف كل غامض، ويدققون في كل فكرة، لا لأن الحياة تُجبرهم، بل لأنهم يريدون أن يمنحوا ذواتهم صفة مختلفة، متطورة، تتجاوز الشكل لتصل إلى عمق العقل والروح.

أما الوهم، فهو ظلّ ملازم لكل البشر. بعضهم يحتضنه ويقبله، ليس ضعفًا، بل انسجامًا مع ما يريدونه من ذواتهم. وآخرون يجعلون الوهم تجربة عابرة تشبه أي فعل نقوم به دون تفكير. لكن الوهم يبقى قوة خفية، يتسلل إلى العقل، ويُعيد تشكيل الإنسان كما لو أنه يبني ذاته من دخان. فإذا نُزعت عن الإنسان القيود الدخيلة، لانكشفت حقيقته: قلب، وعقل، وأخلاق. ولكن الكمال ليس من نصيب البشر، ولذلك يبقى الإنسان معلّقًا بين نقصه ورغبته في أن يكون كاملًا.

خاتمة

يبقى الإنسان، في كل محاولاته للهروب من ذاته أو الاقتراب منها، كائنًا يخطو فوق خيط رفيع بين وهم يصنعه وموت ينتظره. وبين البداية والنهاية، يُعيد تعريف نفسه آلاف المرات، باحثًا عن معنى يختبئ خلف كل فكرة، وكل خوف، وكل حلم. وفي النهاية، لا شيء يرافق الإنسان أكثر من مفارقته: أنه يحيا بوهم، ويموت بحقيقة، ويتأرجح بينهما على حافة الوعي.

 ملاحظة هامة

 كتاباتي وجهة نظر خاصة بأسلوب فلسفي لا غير ..  

"وفي النهاية، كل إنسان جزء من هذا الوجود، والله الواحد، الأول والآخر، يمنح لحياته معنى."

وانا لله وانا اليه راجعون

بقلم الأديب والشاعر Ayman Asıltürk. 

15/11/2025.  .أيمن أصلتُرك


وتنقض بقلم الشاعر محروس فرحات ..مصر

 ........وتنقض........

وتنقض على نفسي بأفكار 


لما جاءت وبعد مجيئها غابت


أكانت بيننا حلما  فما طال ؟


وصارت مثل إبراق إذا سارت


فإن قلنا هنا نحن فما نظرت


ولا اهتز  لها طرف وما زالت


وألمح فيها أشجانا كبركان


تخبئه  فما ثار   ولا ثارت


كمثل البرق خاطفه لنا يؤذي


فما قرت لنا الأحوال أو دامت


كمثل الريح إن هبت لها صوت


يهز النفس من هول فكم عانت


محروس فرحات..... مصر


أخاييل  تخيلناها  كم أودت 


بروح القلب إن هبت لنا مالت


وتصدق في تجنيها وكم أولت


هدوء القلب إن سكن بما قالت


ألست من سنا الوجد عشقناك


وكنت بين أضلاعي إذا هامت


سكون الليل عينيك إذا صدقت


وإن ولت أقول ما بها راغت


تناسبم  كذا أنت  وكم حنت 


وكم أفضت بها الشوق وما غالت 


وتلك سمائي ما دمت كما البدر


فلا الإظلام أو هباته زارت


وتقضي إلينا بالشوق لها همس


وهمس عواطف شتى وما جارت


وأسال عنها أن غابت لما غابت


وتترك عندي ذا الوهم لنا كالت 


وتنسي  أنها  باتت   بأضلعنا


وما أنت   لنا روح  وما خارت


وكم كانت تسامرنا إذا الليل


يشد رحاله طولا وما عانت


وكم كانت لنا كالروض طيبه


يفوح العطر للآفاق كم كانت


وتلك نجومنا صحب لنا دوما


فنسألها  تجيب عنا ما خانت


ولا كانت إذا الليل  بنا جار


فكم كانت لنا عبقا وما هانت


وتسكب من مشاعرها لنا حبا


وتملأ كأسها حلوا وكم طابت


محروس فرحات ..مصر