على هامش الذكرى العاشرة لإستشهاده
حتى لا ننسى..الراعي/الشهيد مبروك السلطاني
"ليس بين الدم والدمع مسافة..هذه تونس التي تتحدى..وهذا الوعي نقيض الخرافة " ( مظفر النواب-بتصرف طفيف)
هي ذي مرتفعات الجبال..تبكيك بدمع حارق يحزّ شغاف القلب..
وها أنا أراك-أيها الراعي الشهيد-تبتسم ابتسامة مجلّلة بالحزن.
وتلك مفعولات الموت ضاريا كاسرا.
جبل الشعانبي أحد هذه الجبال الواقفة في المهبّ ما بين المادي الصلب والأثيري الشفاف.لابد أن يكون هذا المكان مرتعا لنجوم السماء.
هوذا جبل الشعانبي إذن:مكان محمّل بالإشارات،غابة من رموز وايماءات.لا يمكن للمرء أن يعبر من هناك ولا يرى بعضا من تلك الإشارات والإيماءات التي تملأ المكان بالقسوة
والهشاشة.فالمشهد يربك الجسد ويدوّخ الحواس..بمفردك-يا مبروك-كنت في عراء الخليقة الدامي..
-شويهاتك-ستظل ظلالها في ذاك المكان مثل رفّ جناح.
يكفي أن نحدّق-جميعا-في عينيك وسنراهما طافحتين بهالة من سحر الموت وجاذبيته وفتنته.
الكلمات التي تمجّد-الإستشهاد-تبدو ذليلة لم تتمكّن من القضاء على فجائية الموت وضراوته وطابعه الكاسر.
وعبارة"الراعي الشهيد"ليست سوى تميمة تدرأ الوجع وتدجّن الموت،لكنّها لا تمحو طابعه المتوحّش الضّاري.فوراء عبارة الشهداء نفسها ثمّة شباب وأطفال وجنود بواسل..سقطوا في العتمة.بيوت اجتاحها النّوح.قلوب داهمها الوجع كاسرا.ثكل ودمع ولا عزاء.
على الهضاب المجاورة لقطيعك تلمع-أنياب وحوش أدمية-تحت شمس باهتة.
ثمة حشد من غيوم رمادية بإلكاد تتحرّك.
يكفي أن تحدّق فيها قليلا.
يكفي أن تديم النظر إليها،وسترى يدا خشنة معروقة تمتدّ من خلال تلك الغيوم وتتوعّد الحياةَ نفسها بالويل والخراب.
إنّها يد-الإرهاب الأعمى-المأخوذ بدم الأبرياء.
لكن لتونس رجالها الذين ما هادنوا الدّهر يوما.ولذا لا يجب أن تنتهي الحياة إكراما للذين تسابقوا إلى الشهادة إعلاء للحياة.
التونسيون يعلمون علم اليقين أنّ هناك من عقد العزم على إفساد العرس الثوري..على إبادة الحياة وتحويلها إلى جحيم.وهم على يقين أيضا أنّه يستدرج البلاد إلى الهاوية..!
وها نحن نتسابق إلى الشهادة لأننا مؤتمنون على استمرار الحياة.ومن هنا تستمدّ المواجهة في ديارنا عنفها المدوّخ الضاري.
هل لدي ما أضيف؟..قطعا لا.
إذن هو ذا منطق حفاة الضمير في مطلع الألفية الثالثة..نعم..وليعمّ الجحيم..ولتظل تونس ترنو ببصرها إلى الآتي الجميل..
محمد المحسن

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق