الجمعة، 2 ديسمبر 2022

أُرِيدُهَا بِرُوحِهَا بقلم الكاتب رفيق بوجاه

 أُرِيدُهَا بِرُوحِهَا

لِ رفيق بوجاه
فِي أَواخِرِ خَرِيفِ سَنَةِ 2020 السَّنَةُ اَلَّتِي إِكْتِسِحَتْ فِيهَا جائِحَةُ كُورُونَا العالَمَ ،
فِي القَيْرَوَانِ رابِعَةِ الثَّلاثِ وَ أولَى المُدُنِ الإِسْلاميَّةِ فِي المَغْرِبِ العَرَبيِّ وَ الأَنْدَلُسِ
، فِي حَيِّ المَنَارِ الحَيِّ اَلْبُرْجوازيِّ اَلَّذِي تَمَرْكَزَتْ فِيه مَبَانٍ جَديدَةٍ لِعَدَدٍ مِنْ الإِداراتِ الحُكوميَّةِ ، أَمَامَ فيلّا مِنْ الفيلّاتِ الفَخْمَةِ و أَثْناءَ وُقوفِهِ أَمَامَ خَليطٍ إِسْمَنِيٍّ مُتَّكِئٍ بِمِرْفَقِهِ عَلَى عَصَى اَلْكُرَيْكِ جَذَبَ صابِرُ أَجيرُ البِناءِ هَاتِفَهُ اَلْنوكْيا المُتَواضِعَ الأَسْوَدَ ذَا العِشْرِينَ رُوحًا مِنْ جَيْبِ سِرْوالِهِ القِّماشيِّ الأَزْرَقِ مَمْنيا نَفْسِهِ بِإِنْتِهَاءِ شَقاءِ هَذَا اليَوْمِ .
ضَغَطَ عَلَى زِرٍّ مِنْ الأَزْرارِ أَضَاءَ بِهِ الشّاشَةَ ، نَظَرَ إِلَى الوَقْتِ فَأُدْرَكَ أَنَّ الشِّقَاءَ لَمْ يَنْتَهِ بَعْدُ .
أَمْسَكَ بِاَلْكُريكِ بِيَدَيه الْإِثْنْتِينِ ، مَلَأ اَلْجَرْدَلَ مُتَمَلْمِلًا مِثْلَمَا يَتَمَلْمَلُ فِي نِهايَةِ كُلِّ يَوْمِ عَمَلٍ .
حَمَلَهُ وَ مَشَى فِي تَثاقُلٍ إِلَّا أَنَّ صَوْتَ صاحِبَ الفيلَا اَلَّذِي هَجَمَ عَلَيْهمْ مُخْتَرِقًا شَبَكَةَ صَمْتِهِمْ جَعَلَهُ يَنْتَبِهُ .
يُدْعَى اَلْمُخْتَرِقُ "عَلي" و هوَ رَجُلٌ ضَخْمُ الجُثَّةِ ، عَريضُ الكَتِفَيْنِ ، يَحْمَرُّ وَجْهَهُ إِذَا غَضِبَ كَثِيرًا أَوْ فَرِحَ كَثِيرًا أَيْضًا و هوَ رَجُلُ أَعْمالٍ .
يُعْرَفُ بَيْنَ النّاسِ بِالتَّدَيُّنِ إِلَّا أَنَّهُ في الحَقيقَةِ يَتَّخِذُ مِنْ الدّينِ مَطيَّةً وَ واجِهَةً لِلتَّرَبُّحِ بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ .
تَوَسَّطَ عَلي الرِّجالَ الثَّلاثَةَ ثُمَّ تَوَجَّهَ بِنَظَراتِهِ وَ كَلامِهِ فِي تَرَّفُعٍ إِلَى المُعَلِّمِ مُحَمَّدٍ ( وَ هِيَ كَلِمَةٌ تونِسيَّةٌ تَعْنِي رَئيسَ اَلْبِنائينَ ) حَيْثُ قَالَ ، " تُشِيرُ السّاعَةُ الآنَ إِلَى الثّانيَةِ وَ النِّصْفِ وَ إِنَّ إِرْتِبَاطِي بِمَوْعِدٍ ضَروريٍّ يُجْبِرُني عَلَى المُغادَرَةِ لِذَلِكَ يُمْكِنُكُمْ المُغادَرَةَ الآنَ .
هَذِهِ أُجْرَتُكَ وَ أُجْرَةُ العَامِلِينِ . "
بَعْدَمَا أَنْهَى الرَّجُلُ كَلامَهُ سَريعَا
رَكِبَ سَيّارَتَهُ السَّوْداءَ الفَارِهَةَ وَ غادَرَ مُخَلِّفًا وَرَاءَهُ كَثِيرًا مِنْ الغُبارِ .
حِينَهَا ، نَظَرَ ثَلاثَتُهُمْ إِلَى بَعْضِهِمْ بَعْدَ أَنْ زَالَ عَنْ وُجوهِهِمْ اَلْتَّجَهُّمُ اَلَّذِي يَكْتَسِحُهُمْ فِي حَضْرَةِ السَّيِّدِ وَ إِزْدَانَتْ أَفْوَاهُهُمْ وَ عُيونُهُمْ بِبِسِماتٍ مُتَبادَلَةٍ فَرَحًا بِقُدُومِ اللَّحْظَةِ المُنْتَظَرَةِ ، لَحْظَةُ جَنْيِ ثِمارِ الشَّقاءِ .
أَلْقَى كُلٌّ مِنْ صابِرٍ وَ أَحْمَدُ الأَجيرِ اَلْآخَرِ مَا كَانَ فِي أَيْديهما وَ تَوَجَّهَا نَحْوَ المُعَلِّمِ اَلَّذِي بادَلَهُمَا البَسْمَةَ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ ، " لَقَدْ حالَفَنا الحَظُّ اليَوْمَ يَا شَباب .
فَقَدْ أَعْتَقَنا بَاكِرًا مِنْ عُبُودِيتِنَا المُؤَقَّتَةِ اللَّعِينةِ هَهههه "
واصَلَ الرَّجُلُ قَهْقَهَتَهُ فِي خُفوتٍ أَثْناءَ نَقْدِ ثَلَاثِينَ دِينَارٍ لِكُلِّ أَجيرٍ بَعْدَ خَصْمٍ أُجْرَتَهُ .
إِثْرَ إِنْتِهَائِهِ صَرَخَ ، " إِنَّنِي ذاهِبٌ إِلَى الحانَةِ لِشُرْبِ بَعْضِ قَواريرِ البيرَةِ فَهَلْ تَذْهَبَان مَعِي ؟ "
أَجَابَ أَحْمَدُ ، " أَذْهَبُ مَعَكَ إِلَى جَهَنَّمِ حَتَّى يَا مَعَلْمِي هَهْهَهَه . "
نَظَرَ الرَّجُلَانِ سَرِيعًا فِي نَفْسِ الوَقْتِ إِلَى صابِرٍ اَلَّذِي قَالَ ، " وَ اللَّهِ إِنَّ شِقالَةَ كُسْكَُسي أُلْقِيَ عَلَى سَطْحِهِ قِطَعُ لَحْمِ خَروفٍ ، حَبّاتُ حُمُّصٍ ، زَبيبٍ أَحْمَرٍ وَ يقطين نُصِبَتْ عَلَى المَائِدَةِ الزَّرْقاءِ ذَاتِ الأَرْجُلِ القَصيرَةِ إِلْتَفِفُتُ حَوْلَها كُلُّ مِنِّي أَنَا ، أَمَانِي زَوْجَتِي وَ الأَطْفالُ عَشَّشَتْ فِي خَيَالِي مُنْذُ الصَّباحِ وَ إِنَّهَا مَازَالَتْ مُصِرَّةً عَلَى التَّعْشيشِ و مَازَالَتْ مُصِرَّةً إِصْرَارًا خاصَّةً عَلَى إِسْتِفْزَازِ مَعِدَتي لِذَلِكَ فَإِنِّي سَأَرْكُضُ إِلَى عَمِّ حُسَيْنٍ الجَزّارَ فِي شارِعِ النَّحّاسينَ قَبْلَ أَنْ يُغْلِقَ مَحَلَّهُ فَكيلو جِرَامِ اَلْهْبَرَةَ لَدَيْهِ بِعِشْرِين دِينَارٍ فَقَطْ .
هَذَا ثَمَنُهُ وَ رَبِّ الكَعْبَةِ و هوَ ثَمَنٌ لَنْ أَجِدَهُ حَتَّى وَ إِنْ بَحَثَتُ فِي كُلِّ أَرْجاءِ المَدينَةِ .
و لِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَنْ يَتَسَنَّى لِي مُرافَقَتُكُمْ . "
نَظَرَ أَحْمَدُ إِلَى مُعَلِّمِهِ مُحَمَّدٍ غامِزًا ثُمَّ قَالَ ، " إِنَّهُ يَعْشَقُ اَلْدِفْءَ . . . الأُسَريَّ هَهْهِهْهَهُ . "
قهقَهُ صابِرٌ ثُمَّ أَجَابَ ، " بَلْ إِنَّنِي مُتيَّمٌ بِهِ .
طَيِّبْ سأُغادِرُ .
نَلْتَقِي فِي الغَدِ إِنْ بَقينا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الحَياةِ الدُّنْيَا .
تَصْبُّحَانِ عَلَى خَيْرٍ . "
تَرَكَ صابِرُ مُحَدِّثيهِ وَ توَجَّهَ نَحْوَ عَمودٍ كَهْرُبائيٍّ قَفَلَ فِيه دَرَّاجَتُهُ العَتيقَةَ الزَّرْقاءَ المُتَهالِكَةَ .
فَتَحَ القُفْلَ ، جَذَبَهَا إِلَيْهِ ، أَعَادَ إِقْفالَ القُفْلَ ، جَلَسَ عَلَى كُرْسيِّها غَيْرِ المُريحِ وَ غادَرَ نَحْوَ العَمِّ حُسَيْنٍ مُغْنِيًا أُغْنيَةَ الفَنّانِ المِصْريِّ مُحَمَّد مُنيرِ ' رَبَّك لما يرِيدْ أَحْلامَنا حَتتحقق و كلامنا حيتصدق' . . . "
قَادَ الدَّرّاجَةَ بأقصى سرعة ولّدها جهده .
كَانَتْ حَرَكَةُ سَاقَيه كَحَرَكَةِ سَاقَيْنٍ يَصْعَدانِ دَرَجاتِ سُلَّمٍ لَكِنْ فِي نَسَقِ أَفَقِي .
حَتْمًا لِذَلِكَ اطْلِقَ حِينَهَا عَلَى هَذَا الْإِخْتِرَاعِ الوافِدِ مِنْ الغَرْبِ إِسْمَ الدَّرّاجَةَ .
بَعْدَ زُهاءِ الثُّلُثِ ساعَةٍ بَلَغَ الجَزّارَ لّاهِثًا لَكِنَّهُ مُنْشَرِحَ الصَّدْرِ وَ مُدَنَّدِنَا نَفْسَ الأُغْنيَةِ .
قَالَ ، " السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا عَمُّ حُسَيْنٍ .
زِنْ لِي كِيلُو جِرَام هَبْرَةَ خَروفٍ مِنْ أَجْوَدِ مَا تَبِيعُ بِرَحْمةِ والِدَيْكَ . "
أَجَابَ ، " وَ عَلَيْكُمْ السَّلامُ .
يَرَحَمْ والِديًّ وَ والِدَيْكَ .
حاضِر يَاوِلَدِي . "
إِلْتَفَتَ القَادِمُ مُنْذُ ثَوَانٍ إلى الشارع و أَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِهِ .
أَخْرَجَ أَجْرَتَهُ المُكَوَّنَةَ مِنْ وَرَقَتَيْنِ ، وَرَقَةٌ مِنْ فِئَةِ العِشْرِينَ دِينَارٍ وَ أُخْرَى مِنْ فِئَةِ العَشَرَةِ .
نَظَرَ إِلَى الأُولَى مُتَمَعِّنًا ثُمَّ قَالَ فِي نَفْسِهِ ، " هَلْ مِنْ المَنْطِقِ وَ العَدْلِ أَنْ أَدْفَعَ ثُلُثْي أُجْرَةَ شَقاءَ أَكْثَرَ مِنْ 8 سَاعَاتٍ مِنْ العَمَلِ ثَمَنًا لِكيلو جِرَامٍ واحِدٍ مِنْ اَللَّحْمِ فِي وِلايَةٍ هِيَ الأُولَى فِي النَّشاطِ وَ الإِنْتاجِ الفَلّاحيِّ ؟
هَلْ مِنْ المَنْطِقِ وَ العَدْلِ أَنْ تَكونَ نِهايَتهُ المِرْحاضَ ؟
وَ العَجيبُ أَنَّنِي لَمْ أَشْتَرِ بَقيَّةَ مُسْتَلْزَماتِ العَشاءِ مِنْ خُضَرٍ فَقَدْ فَعَلَتُ ذَلِكَ بِالْأَمْسِ .
ثُمَّ لِنَفْتَرِضْ أَنَّنِي لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ فِي الأَمْسِ مَاذَا عَسايَا أَنْ أَفْعَلَ اليَوْمَ ؟
أ تُرَانِي أَقْتَرِضُ ؟ "
ظَلَّ يَنْظُرُ إِلَى الأَرْضيَّةِ أَثْناءَ إِنْغِمَاسِهِ فِي التَّساؤُلِ ثُمَّ مَا لَبِثَ أَنْ قَالَ جَهْرًا ، " عَلَى كُلِّ مَنْ شَابَهَ دَوْلَتَهُ فَمَا ظَلَمَ . فَهُوَ نِتاجُ سِيَاسَاتِهَا بِالضَّرُورَةِ . "
حِينَهَا مَدَّ لَهُ الجَزّارُ كِيسَ اللَّحْمِ قَائِلًا ، " تَفَضَّلْ يَا وَلَدي . "
أَجَابَ صابِرٌ بَعْدَ أَنْ عَادَ إِلَيْهِ إِنْشِرَاحُ صَدْرِهِ ، " هَاتْ يَا عَمُّ هَاتَ فَنِهايَتُها مَوْتٌ وَ رَبِّ الكَعْبَةِ لِذَلِكَ لَنْ أَحْرِمَ نَفْسِي وَ لَنْ أَحْرِمَ دُودَ قَبري . "
إِبْتَسَمَ الجَزّارُ عِنْدَمَا لَامَسَتْ أَنامِلَهُ الوَرَقَةَ النَّقْديَّةَ وَ قَالَ ، " أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لَكَ فِيه صِحَّةً وَ شِفاءًا . "
حَيَّا صابِرُ الرَّجُلَ عَلَى دُعَائِهِ الطَّيِّبِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الوَرَقَةِ المُتَبَقّيَةِ وَ هَمَسَ ، " حَتَّى تَكْتَمِلَ المُتْعَةُ يَجِبُ أَنْ يَكونَ العَشاءُ مَتْبُوعًا بِكَأْسِ شَايٍ أَحْمَرٍ شَديدِ التَّرْكيزِ مَرْفوقًا بِبَعْضِ سَجَائِرَ اَلْكْريسْتو ( الكِرِيسْتَال ) التّونِسيَّةِ الأَصيلَةِ .
نَعَمْ هوَ كَذَلِكَ هَهْهَهَهُ .
طَيِّب عَلَى الظَّالِينِ آمِينْ . "
رَفْعَ عَيْنَيْهِ ناظِرًا إِلَى مُرادٍ بائِعِ التَّبْغِ فِي الضَّفَّةِ الأُخْرَى مِنْ الشّارِعِ فَوَجَدَهُ يُمارِسُ عادَتَهُ الشَّبْهَ سرِّيَّةً .
لَقَدْ دَأَبَ مُنْذُ فَتَحَ مَحَلَّهُ عَلَى الجُلوسِ عَلَى كُرْسيٍّ أَبْيَضٍ كَفَرَسِ نَهْرٍ ضَخْمٍ بَخيلٍ يُراقِبُ كُلَّ أُنْثَى تَمُرُّ أ كَانَتْ حَسْناءَ أَمْ لَمْ تَكُنْ .
تَوَجُّهَ صابِرُ إِلَيْهِ وَ قَالَ ، " وَفِي أَنْتَ لِعَادَاتِكَ يَا صاحِبي هههه . "
أَجَابَ مُبْتَسِمًا ، رَبِّي لَا تُقْطَع لِي عادَةً . "
صابِرُ " عُلْبَةُ كْريسْتو بِرحمةِ الوالِدَةَ . "
أَجَابَ البائِعُ ، " وَ رَحْمَةِ أمي لَا أَمْلِكُ سيجارَةً تونُسيَّةً واحِدَةً .
كُلُّهُ مُسْتَوْرَدٌ . "
ضَاقَ صَدْرُ صابِرٍ كَأَنَّهُ يَصَّعَدُ فِي السَّمَاءِ ثُمَّ مَا لَبِثَ أَنْ تَذَكَّرَ حَدِيثَ صَدِيقَهُ أَمين حَوْلَ هَذَا المَوْضوعِ حَيْثُ قَالَ لَهُ ، " هَلْ تَدْرِي يَا صَدِيقِي أَنَّ الحِزْبَ صاحِبَ الشَّعْبيَّةِ الأَكْبَرِ فِي الجُمْهُورِيَّةِ اَلتّونِسيَّةِ الثّانيَةِ حِزْبٌ لِيبِيرَالِي التَّوَجُّهِ مُتَسَتِّرٌ بِجُبَّةِ الدّينِ .
هَلْ تَدْرِي أَنَّ مِنْ مَبادِئِ اللِّيبِيرَالِيَّةِ مَنْعَ الدَّوْلَةَ مِنْ الْإِسْتِثْمَارِ وَ حَصْرَ دَوْرِها فِي سَنِّ اَلْقَوانينِ وَ تَوْفيرِ مُناخٍ إِسْتِثْمَارِيٍّ لِلْمُسْتَثْمِرِينَ وَ بِذَلِكَ تُقْصي اللِّيبِيرَالِيَّةُ عَلَى القِطَاعِ العُمُومِيِّ لِذَلِكَ فَإِنَّ مَا نَشْهَدُهُ مُنْذُ سَنَةِ 2011 مِنْ فَوْضَى فِي المؤسَسَاتِ العُموميَّةِ هوَ بِغَايَةِ تَفْليسِها وَ خُوصْصْتِهَا .
هَلْ تَدْرِي أَنَّ المَساعيَ تَهْدِفُ إِلَى خَوْصَصَةِ قِطاعَ اَلتَّبَغِ ، شَرِكَةِ فَسْفَاطَ قَفْصَةِ ، الخُطوطِ التّونِسيَّةَ .
هَلْ تَدْرِي أَنَّ الخَوْصَصَةَ سَتَشْمَلُ قِطاعَ الصِّحَّةِ عَبْرَ السَّماحِ بِالْفَوْضَى فِي القِطاعِ العُمُومِيِّ لِتَسوءَ الخَدَمَاتِ.
كذلك المطارات من تأخر مواعيد الرحلات و سوء الخدمات أيضا.
كَذَلِكَ قِطاعُ التَّعْليمِ ، أَلَمْ تَلْحَظ التَّزايُدَ الكَبيرَ لِلْمُؤَسَّسَاتِ التَّعْليميَّةِ الخاصَّةِ .
لِذَلِكَ فَعَدَمُ إِيجَادِكَ لِلسَّجَائِرِ التّونِسيَّةِ اَمْرٌ طَبيعيٌّ فِي ظِلِّ هَذَا المُخَطَّطِ .
و إِنَّ هَذِهِ الإِضْراباتَ المُقامَةَ مِنْ قِبَلِ المُوَظَّفِينَ وَ العُمّالِ بِوَعْيٍ أَوْ دُونِ وَعْيٍ تُسَرِّعٍ فِي بُلوغِ الهَدَفِ المَنْشودِ بِشَكْلٍ أَساسيٍّ.
تَصَنُّعُ الدَّوْلَةُ لِلضَّعْفِ وَ مُشاهَدَتُها لِكُلِّ ذَلِكَ أَمْرٌ طَبيعيٌّ أَيْضًا فَهُوَ مُخَطَّطٌ مِنْ صُنْدوقِ النَّقْدِ وَ البَنْكُ اَلْدُوْليينِ ، الدّوَلُ الفاعِلَةُ فِي الشَّأْنِ التّونِسيِّ وَ الأَحْزابُ اللِّيبِيرَالِيَّةُ .
إِنَّهُمْ بِإِخْتِصَارٍ يَا صَدِيقِي يُرِيدُونَ قَبْرَ مَفْهومِ اَلدَّوْلَةَ الرّاعيَةَ، الرَّئيسَ الرَّاعِي أَوْ الحُكومَةَ الرّاعيَةَ "
تَنَهَّدَ صابِرٌ بِعُمْقٍ وَ قَالَ ، " آهْ أَيْ غَدٍ يَنْتَظِرُنا ؟ !
اللَّعْنَةُ عَلَى ذَاكِرَتِي وَ اللَّعْنَةُ عَلَى السَّجائِرِ سَأَكْتَفِي بِالْإِسْتِمْتَاعِ بِاللَّحْمِ وَ كَأْسِ الشّايِ الأَحْمَرِ وَ رَزَقَنِي اللَّهُ الصَّبْرِ حَتَّى إِيجَادِ عُلْبَةَ سَجَائِرٍ . "
نَظَرَ صَابِرُ إِلَى عَرَباتِ الغِلالِ اَلْمُنْتَصِبَةِ فَوْضَوِيًّا فِي الشّارِعِ مُسَبِّبَةً فِي تَّثاقُلِ حَرَكَةِ المُرورِ وَ قَالَ ، " هَلْ أَشْتَرِي ؟ "
ثُمَّ أَرْدَفَ ، " لَنْ افْعَلْ فَقَدْ يَطْرَأ طارِئٌ . "
بَعْدَ أَنْ أَلْقَى الفِكْرَةَ فِي سَلَّةٍ مُهْمَلاتٍ أَفْكارَهُ مُعْتَبِرًا إِيَّاهَا وَسْوَسَةََ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِمْتَطَى دَرَّاجَتَهُ وَ قَصَدَ حَيَّ المَلَاجِئَ ( حَيٌّ شَعْبيٌّ فِي المَدينَةِ ) .
بَعْدَ أَنْ نَزَلَ المُنْحَدَرَ الشَّهيرَ فِي الحَيِّ وَلَجَ إِلَى أَحَدِ اَلْأَنْهُجِ الجانِبيَّةِ ثُمَّ تَوَقَّفَ أَمَامَ مَنْزِلٍ مُتَواضِعٍ لَمْ يَعْرِفْ الطِّلاءَ إِلَيْهِ سَبيلا مُنْذُ بِنَائِهِ .
دَفَعَ الْبَابَ ، دَخَلَ وَ أَدْخَلَ دَرَّاجَتَهُ فَوَقَعَ نَظَرَهُ مُباشَرَةً عَلَى وَجْهِ زَوْجَتِهِ أَمَانِي اَلَّذِي لَمْ يَكُنْ كَعَهْدِهِ بِهِ بَشوشًا إِنَّمَا كَانَ أَشْبَهَ بِجَمْرَةٍ مُلْتَهِبَةٍ فِي قَلْبِ بُرْكانٍ مُتَقَّدٍ .
صَرَخَ صابِرٌ ، " يَا إِمْرَأَةَ مَاذَا حَدَثَ . "
أَجَابَتْ مُومِئَةً بِرَأْسِهَا إِلَى إِحْدَى الغُرَفِ ، " لَقَدْ قُضِيَ الأَمْرُ . "
رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّماءِ و قَدْ شارَفَ عَلَى الكُفْرِ بِاللَّهِ كُفْرًا بِهَذِهِ اللَّحْظَةِ إِلَّا أَنَّهُ أَمْسَكَ عَنْ ذَلِكَ وَ تَوَجَّهَ مُباشَرَةً إِلَى الغُرْفَةِ اَلَّتِي أَوْمَأَتْ إِلَيْهَا زَوْجَتُهُ .
وَقَفَ أَمَامَ الجُثَّةِ اَلْمُنْتَصِبَةِ أَمَامَهُ زُهاءَ الدَّقِيقَةِ يَنْظَرُ إِلَيْهَا دُونَ أَنْ يَنْبَسَ بِبِنْتِ شَفَةٍ ثُمَّ فَجْأَةً نَزَعَ عَنْهَا اَلْأُنْبوبَ ، أَلْقَاهَا عَلَى كَتَفِهِ وَ غادَرَ دُونَ أَنْ يُكَلِّمَ زَوْجَتَهُ وَ لَكَأَنَّها غَيْرُ مَوْجودَةٍ أَصْلًا .
ظَلَّ يَسيرُ حَامِلًا مُصيبَتَهُ فَوْقَ كَتَفِهِ ، إِعْتَرَضَهُ جارُهُ ، جارَتُهُ وَ آخَرُونَ لَمْ يُكَلِّمْهُمْ و لَمْ يُكْلِّمُوهُ بَلْ إِكْتِفوَا بِالنَّظَرِ إِلَيْهُ نَظْرَةَ حُزْنٍ وَ أَسَفٍ رَاجِينَ مِنْ اللَّهِ أَلا يُصيبَهُمْ مَا أَصَابَهُ و إكتفى هو بغض بصره.
بَعْدَ سَيْرِ زُهاءَ الخَمْسِينَ مِتْرًا بَلَغَ الحَانُوتَ الأَوَّلَ.
وَجَدَ صاحِبَهُ جَالِسًا أَمَامَهُ .
هَمَّ بِسُؤَالِهِ إِلَّا أَنَّهُ عَدَلَ حِينَمَا لَمَّحَ قُرابَةَ العَشْرِ جُثَثٍ مُلْقاةً فِي إِهْمالٍ فِي رُكْنٍ مِنْ الأَرْكَانِ .
واصَلَ سَيْرَهُ .
بَلَغَ الثَّانِي ، الثّالِثَ . . . التّاسِعَ حَتَّى دَخَلَ إِلَى العاشِرِ اَلَّذِي سَأَلَهُ بِأَمَلٍ يَحْتَضِرُ ، " هَلْ لَدَيْكَ قارورَةَ غَازٍ . "
أَجَابَ اَلْبائِعُ فِي ضِيقٍ وَ مَلَلٍ ، " عِنْدِي جُثَثٌ فَقَطْ ، هَلْ تُرِيدُ جُثَّةً ؟ "
قَالَ صابِرٌ ، " أُريدُها بِروحِها . "
أَضَافَ البائِعُ ، " واللَّهُ يَا وَلَدي مُنْذُ رُضوخِ رَئيسِ الحُكومَةِ لِمُعْتَصِمي الْكَامُورِ عَبْرَ تَوْقيعِ إِتْفَاقِيَّةٍ تَحْتَوِي عَدَدًا مِنْ إِجْراءاتِ التَّنْمِيَةِ سُخِرَتْ لَهَا ميزانيَّةُ 80 مِلْيونَ دِينَارٍ إِقْتَنِعَ أَغْلَبُ الشَّبابِ المُعَطَّلِينَ عَنْ العَمَلِ أَنَّ مَنْعَ الإِنْتاجَ فِي شَرِكاتٍ حَيَويَّةٍ فِي وِلايَتِهِمْ هوَ الحَلُّ لِتَشْغيلِهِمْ وَ لِلْإِنْطِلَاقِ فِي بَعَثِ مَشاريعَ تَنْمَويَّةٍ .
و قَدْ زَادَ تَصْريحُ رَئيسِ مَجْلِسِ النّوّابِ فِي هَذِهِ القَناعَةِ حِينَمَا صَرَّحَ فِي حِوارِ تَلْفَزي مُبَارِكًا إِتْفَاقِيَّةَ الْكَامُورِ ، " مَا تخرج الصَّدْقَة إِلَّا مَا يَتَزَازَاوْ إِماليها " وَ نَتيجَةً لعَتامَةِ الأَمَلِ فِي أُفُقِ الحَياةِ وَ لِما ذَكَرَتُ لَكَ سَابِقًا أَغْلَقَ عَدَدٌ مِنْ شَبابِ وِلايَةِ قابُسَ المِنْطَقَةَ الصِّناعيَّةَ اَلَّتِي تَحْتَوِي عَدَدًا مِنْ مَصانِعِ قَواريرِ الْغَازِ مَانِعِينَ العَمَلَ وَ الإِنْتاجَ فِيهَا مِمَّا قَلَّلَ بِنِسْبَةٍ كَبيرَةٍ جِدًّا التَّوْزيعَ فِي تونُس كُلُّها وَ خاصَّةً الجَنوبَ وَ الوَسَطَ . "
بَقِيَ صابِرٌ أَثْناءَ حَديثِ الرَّجُلِ شِبْهِ غائِبٍ عَنْ الوَعْيِ ، يَسْمَعُ حَدِيثًا يَرْفُضُ سَماعَهُ و يَرْفُضُ تَصْديقَهُ لَكِنَّهُ إِسْتَحَى مِنْ إِسْكاتِ المُتَحَدِّثِ قَبْلَ الْإِنْتِهَاءِ لَكِنْ وَدُونَ وَعْيٍ مُسْبَقٍ مِنْهُ دافَعَ دَخْلِي دَفَعَهُ إِلَى الْإِسْتِدَارَةِ إِلَى بَابِ الحَانُوتِ لِتَقَعَ عَيْنَاهُ عَلَى صَديقِهِ الدَّاخِلِ تَوًّا حَامِلًا مُصيبَتُهُ هوَ الآخَرُ .
لَمْ يَتْرُكْ لَهُ مَجَالًا لِلسُّؤَالِ اَلَّذِي أراد طرحه بَعْدَ أَنْ افْشَى السَّلامَ ، " لَا يوجَدُ يَا أَمينٌ لَا يوجَدُ . "
أَمينٌ ، " يَبْدُو أَنَّ جَميعَ الْقِيرْوَانِيّينِ قُبِضَتْ أَرْواحُ قَواريرِهِمْ مَعَ بِدايَةِ هَذَا الْإِعْتِصَامِ اللَّعينِ .
و لَا حَياةَ مِنْ دُونِ رُوحٍ يَا صَدِيقِي . "
صابِرٌ ، " هَذَا مُؤَكَّدٌ . لَكِنْ مَا الحَلُّ ؟ "
أَمينٌ ، " ممممم طَيِّبٌ يُمْكِنُكَ التَّوَجُّهُ فِي فَجَّرِ الغَدِ إِلَى المِنْطَقَةِ الصِّناعيَّةِ بِالْباطِنِ المُتَواجِدِ فِيهَا مَعْمَلُ تَوْزيعِ قَواريرٍ وَ الْإِصْطَفَافُ أَمَامَهُ فِي صَفٍّ مِنْ المُؤَكَّدِ أَنْ يَبْلُغَ طولُهُ مِئاتِ الأَمْتارِ وَ مِنْ المُحْتَمَلِ بُلوغَهُ الأَلْفَ اَوْ أكثر .
وَ اَلَّذِي يُمْكِنُكَ أَنْ تُصَابَ بِعَدْوَى كُورُونَا هُنَاكَ فَلَا إِحْتَرَامَ مُطْلَقًا لِلتُّبَاعُدِ المَفْروضِ نَظَرِيًّا مِنَ الحُكومَةِ .
كَمَا يُمْكِنُكَ أَيْضًا إِيجَادُ سَبيلٍ مِنَ السُّبُلِ إِلَى السّوقِ السَّوْداءِ لِتَشْتَرِيَ واحِدَةً بِثَلاثِ أَضْعافِ ثَمَنِها أَوْ الْإِنْتِظَارِ حَتَّى تَضْغَطَ دوَلُ شَمالِ المُتَوَسِّطِ وَ الجَزائِرِ عَلَى حُكومَتِنا لِإِيجَادِ حَلٍّ أَوْ أَنَّهَا تُساعِدُ عَلَى تَوْفيرِهِ فَالْإِتْحَادُ الأوروبّيُّ لَازَالٍ يُذْكَرُ جَيِّدًا الثَّلَاثُونَ أَلْفًا اَلَّذِينَ فَرُّوا مِنْ جَهَنَّمَ تونُسَ نَحْوَ جَنَّةِ المواطَنَةِ الأوروبّيَّةِ مَعَ إِنْدَلَاعِ أَحْداثِ 2011 وَ ضُعْفِ الدَّوْلَةِ فِي تِلْكَ الفَتْرَةِ .
أَمَّا الآنَ و إِنْ كَانَتْ الدَّوْلَةُ فِي حالَةِ ضُعْفٍ فَوُجُودِ نِظامٍ هَشٍّ أَفْضَلُ مِنْ الْإِنْحِدَارِ نَحْوَ الفَوْضَى .
الفَوْضَى عِنْدَنَا تَعْنِي تَهْديدًا لِلْأَمْنِ القَوْميِّ عِنْدَهُمْ . "
اطبقَ الصَّمْتُ عَلَى الثَّلاثَةِ المُتَوَاجِدِينَ داخِلَ الحَانُوتِ حَتَّى دَخَلَ رَجُلٌ خَمْسِينِيٌّ ، مُتَوَسِّطُ الطّولِ ، أَسْمَرُ اَلْبَشَرَةِ ، حَليقُ اللِّحْيَةِ صَرَخَ أَمينٌ قَائِلًا فَوْرَ رُؤْيَتِهِ ، " سِي اَلْمولِدي مَرْحَبًا .
أَعْرِفُكُمْ بِسِي المُولِدِي هوَ أُسْتاذُ فَلْسَفَةٍ و هوَ أَيْضًا وَ خاصَّةً أَحَدُ أَلْسِنَةِ الدِّفَاعِ عَنْ الحِزْبِ الحاكِمِ فِي المَدينَةِ . "
نَظَرَ أَمينٌ فِي عَيْنَي الأُسْتاذِ وَ قَالَ ، " هَلْ تَعَلَّم يَا سِي اَلْمولِدي أَنَّ عَجْزَ الحُكومَةِ اَلَّذِي يُمَثِّلُ حِزْبَكُمْ الدّاعِمَ الأَوَّلَ لَهَا عَلَى تَوْفيرِ ضَرورَةٍ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ الأَساسيَّةِ ' لِلْمُوَاطِنِ التّونُسيِّ ' هوَ فَشَلٌ لِحِزْبِكُمْ بِدَرَجَةٍ أولَى ؟
هَلْ تَعْلَم أَنَّ كُلَّ الحُكوماتِ اَلَّتِي تَعَاقَبَتْ بَعْدَ ' الثَّوْرَةِ ' هِيَ حُكوماتٌ فاشِلَةٌ عَمَّقَتْ فَقْرَ ' المواطِنِ ' وَ وَسَعَتْ فَجْوَةَ التَّفاوُتِ الطَّبَقيِّ لِيُصْبِحَ المُجْتَمَعُ التّونِسيُّ مُخْتَصِرًا عَلَى إِثْنْتِينِ و هُما الفُقَراءُ وَ الأَثْرياءُ ؟
هَلْ تَعْلَمْ أَنَّ الطَّبَقَةَ الوُسْطَى نُسِفَتْ وَ لَمْ يَعُدْ لَهَا وُجودٌ ؟
هَلْ تَعْلَمْ أَنَّ أَزْمَةَ قَواريرِ الْغَازِ اَلَّتِي نَمُرُّ بِهَا نَتيجَةَ فَشَلِ الحُكوماتِ المُتَعاقِبَةِ فِي تَحْقيقِ وُعودِها بِالتَّشْغيلِ أَسَاسًا و هوَ السَّبَبُ الأَوَّلُ اَلَّذِي دَفَعَ الشَّبابَ لِلتَّظَاهُرِ وَ الْإِحْتِجَاجِ ضِدَّ النِّظامِ السّابِقِ ؟
هَلْ تَذْكُرُ وَعَدَ القياديُّ فِي حِزْبِكُمْ وَ رَئيسُ كُتْلَتِهِ فِي جَلْسَةِ مَنْحِ الثِّقَةِ لِحُكومَةِ الحَبيبِ الصَّيْدِ بَعْدَ إِنْتِخَابَاتِ 2014 ؟
لَقَدْ وَعَدَ بِتَوْفِيرِ 400 أَلْفِ مَوْطِنِ شَغَلٍ .
لَازِلَتُ أَذْكُرُ جَيِّدًا تِلْكَ العَجْرَفَةَ اَلَّتِي اتَّسَمَتْ بِهَا مُدَاخَلَتُهُ .
و حَتْمًا إنَّكَ تُدْرِكُ أَنَّ حِزْبَكَ كَانَ مَوْجُودًا فِي كُلِّ هَذِهِ الحُكوماتِ إِمَّا بِالتَّشْكِيلِ أَوْ المُشارَكَةِ .
و هَلْ تَعْلَمْ أَنَّ مَنْ خَرَجُوا رَافِضِينَ لِحُكْمِ النِّظامِ السّابِقِ خَرَجُوا مُطالِبينَ بِالْعَدَالَةِ ، الحُرّيَّةِ وَ الكَرامَةِ الْإِجْتِمَاعِيَّةَ و لَيْسَ لِتَحْكُمُوا أَنْتُمْ ؟
هَلْ تَعْلَم أَنَّ الكَثيرَ مِنْ التُّونِسِيُّينَ يَحِنونَ لِحُكْمِ النِّظامِ السّابِقِ نَتيجَةَ مَا يُكَابِدُوهُ مِنْ مَصاعِبَ الحَياةِ فِي حُكْمِكُمْ ؟
هل تدرك أن عموم الشعب كره كل الطبقة السياسية؟ "
اَلْمولِدي ، " كَلامُكَ صَحيحٌ لَكِنْ مِنْ الطَّبيعيِّ أَنْ يَشْهَدَ الْإِنْتِقَالُ مِنْ نِظامٍ إِسْتِبْدَادِيٍّ إِلَى نِظامٍ ديمُقْراطيٍّ إِنْتِكَاسَاتٍ نَتيجَةَ تَغَلْغُلِ النِّظامِ السّابِقِ فِي الإِدارَةِ وَ مَفاصِلِ الدَّوْلَةِ وَ الْحَمْدَلَلَهِ أَنَّ الثَّوْرَةَ التّونِسيَّةَ لَمْ تَنْزَلِقْ إِلَى حَرْبٍ أَهْليَّةٍ مِثْلَ الثَّوْرَةِ السّوريَّةِ أَوْ إِرْتِدَادٍ إِلَى النِّظامِ الدّيكْتاتوريِّ مِثْلَ الثَّوْرَةِ الرّومانيَّةِ أو المصرية . "
أَمينٌ ، " و مَا دَخْلُ عُمومُ الشَّعْبِ فِي صِراعاتِكُمْ عَلَى حُكَمِ تونُسَ وَ اَلَّذِي هوَ حَقيقَةً صِراعٌ بِالْوِكالَةِ بَيْنَ دَوْلَتَيْنِ أَسَاسًا هوَ المَتْبوعُ التَّقْليديُّ وَ العَمُّ سَامْ .
أ لَسْتُمْ مَدْعُومينَ وَ مَحْسُوبِينَ عَلَى العَمِّ سَامْ ؟
ثُمَّ هَا قَدْ تَوَافَقَتَمْ مَعَ المَرْحومِ الْبَاجِي قائِدِ السِّبْسِي فِي لِقاءِ بَارِيسَ الشَّهيرِ بَعْدَ أَنْ أَقْسَمَ كِلّاكما أَلَّايَتَحالَفَ مَعَ الآخَرِ .
أَلَمْ يَقُل السِّبْسِي أَنَّ حَرَكَتَهُ وَ حَرَكَتُكُمْ خَطَّانِ مُتَوَازِيَانِ لَا يَلْتَقِيَانِ وَ إِنْ إِلْتِقِيَا فَلَا حَوْلَ وَلَا قوَّةَ اَلَا بِاللَّهِ .
كَذَلِكَ فَعَلْتُمْ مَعَ قَلْبِ تونُسَ فِي إِنْتِخَابَاتِ 2019 ، فَبَعْدَ تُهَمِ الفَسادِ وَ إِسْتَغْلَالِ الجَمْعيَّةِ الخَيْريَّةِ فِي حَمْلَةٍ إِنْتَخَابِيَّةٍ مُبَكِّرَةٍ تَحَالُفَتُمْ مَعَهُ .
لِأَنَّ مَا يَجْمَعُكُمْ هوَ اللِّيبِيرَالِيَّةُ وَ البَرْنامَجُ اللِّيبِيرَالِيُّ المُرادُ تَطْبيقُهُ فِي تونُسَ .
إِنَّ عُمومَ المُوَاطِنِينَ
وَ إِنْ كَانُوا يُبارَكونَ جُزْئِيًّا جَوَّ الحُرّيَّةِ اَلَّذِي سَادَ بَعْدَ 2011 وَ اَلَّذِي بَلَغَ حَدَّ الفَوْضَى نَتيجَةَ ضُعْفِ الدَّوْلَةِ لَكِنَّهُمْ ساخِطونَ وَ بِشِدَّةٍ عَلَيْكُمْ نَتيجَةَ تَرَدِّي كُلٍّ مِنْ الوَضْعِ الْإِقْتِصَادِيِّ وَ الْإِجْتِمَاعِيِّ .
مَجْلِسُكُمْ الْفَسِيفْسَائِيُّ اَلَّذِي عَجَزَ عَنْ تَوْفيرِ كُتْلَةٍ تَتَحَمَّلُ مَسْؤوليَّةَ الحُكْمِ وَ تَكونُ قادِرَةً عَلَى تَكْوينِ حُكومَةٍ بِمُفْرَدِهَا نَتيجَةَ إِمْتَنَاعِكُمْ عَنْ تَنْقيحِ الْقَانُونِ الْإِنْتِخَابِيِّ هوَ سَبَبٌ رَئيسيٌّ فِي هَذِهِ الفَوْضَى اَلسّياسيَّةِ . "
اَلْمولِديُّ ، " كَلامُكَ نسبيا صَحيحٌ لَكِنِّي اقْولٌ لَكَ مَا قَالَهُ اَلشَّيْخُ فِي سَنَةِ 2013 تَقْرِيبًا ' الحَمْدُ لِلهِ أَنَّ المواطِنَ التّونُسيَّ يَضْغَطُ عَلَى اَلْزَرِّ فَيَجِدُ الكَهْرَباءَ وَ الحَمْدُ لِلهِ أَنَّهُ يَفْتَحُ الحَنَفيَّةَ فِينْسَابَ الْمَاءُ ' وَ أُضيفُ عَلَى مَا قَالَهُ الحَمْدُ لِلهِ عَلَى وُجودِ الخُبْزِ وَ كُلُّ المَوادِّ الأَساسيَّةِ فِي الأَسْواقِ . "
إِنْفَجَرَ أَمينٌ ضَاحِكًا وَ قَالَ ، " أَنْتُمْ حِزْبٌ ليبْراليٌّ وَ مُؤَكَّدٌ أَنَّكم تسعون لِرَفْعِ الدَّعْمِ الحُكوميِّ وَ هَا نَحْنُ بَدَأْنَا نُشاهِدُ ذَلِكَ تَدْرِيجِيًّا عَبْرَ الرَّفْعِ فِي تَسْعيرَةِ الْإِسْتِهْلَاكِ وَ الْأَدَاءَاتِ لِكُلٍّ مِنْ فاتورَتَي الكَهْرُباءِ والْماءِ وَ حَسَبَ عِلْميٍّ هُنَاكَ نيَّةٌ لقونْنَةِ الشَّراكَةِ مَعَ القِطاعِ الخاصِّ عَبْرَ مَجَلَّةِ الْمِيَاهِ اَلَّتِي بِصَدَدِ الإِعْدادِ أَمَّا عَنْ الخُبْزِ فَمُؤَكَّدٌ أَنَّكُمْ سَتَرْفَعونَ الدَّعْمَ عَنْهُ إِضافَةً إِلَى السُّكَّرِ اَلَّذِي يَرْفَعُ تَدْرِيجِيًّا حاليًّا وَ الزَّيْتِ ( زَيْتُ الحاكِمِ ) كما انكم و من المؤكد ستقومون بتحرير الأسعار. "
ضَاقَ اَلْمولِديُّ ضَرْعًا بِكَلامِ أَمينٍ وَ قَالَ ، " نَعَمْ سَيَرْفَعُ الدَّعْمُ وَ سَيُعَوِّضُ بِمَبَالِغَ ماليَّةٍ تُدْفَعُ لِمُسْتَحِقِّيه فَقَطْ . "
تابَعَ صابِرُ الحِوارَ الدّائِرَ بَيْنَ صَديقِهِ وَ لِسانِ الدِفَاعِ لَكِنْ فَجْأَةً إِلْتِفَتَ إِلَى البائِعِ سَائِلًا ، " هَلْ لَدَيْكَ فَحْمٌ . "
البائِعُ ، " لَقَدْ نَفِدَ . "
صابِرٌ ، " تَبًّا لِلَّحْمِ وَ الكُسْكُسي سَيَكُونُ العَشاءُ لَبْلابي يُدَفِّئُ أَطْرَافِي وَ أَمْعَائِي فِي هَذَا البَرْدِ . "
قَالَ أَمينٌ بَعْدَ أَنْ تَجاهُلَ اَلْمولِدي ، " فِكْرَةٌ طَيِّبَةٌ يَا صَدِيقِي . "
صابِرُ ، " نَعَمْ يَا صَدِيقِي هِيَ كَذَلِكَ .
سَأْتُرٌكُمَا لِتَواصُلَا نِقاشَكُمَا العَقيمِ اَلَّذِي لَا يُغْني وَ لَنْ يُغْنيَ فَقيرا مِنْ جُوعٍ .
تُصْبِحونَ عَلَى خَيْرٍ إِنْ بَقِيَ خَيْرٌ فِي هَذَا البَلَدِ المَنْكوبِ .
الْقَى قارورَتَهُ عَلَى كَتَفِهِ وَ سَارَ فِي نَفْسِ الطَّريقِ اَلَّتِي أَتَى مِنْهَا .
هَمَّ بِالْغِناءِ ' رَبِّكَ لِما يُرِيدُ أَحْلامَنا حَتَتَحَقَّقَ ' لَكِنَّهُ أَمْسَكَ وَ قَالَ ، " لَمْ يَشَأ اللَّهُ أَنْ يُحَقِّقَ حُلْمي البَسيطَ لَكِنَّ مَهْلًا مِنْ تَرَاه المَسْؤولُ عَنْ ذَلِكَ ، هَلْ هوَ اللَّهُ أَمْ الدَّوْلَةُ أَمْ الحُكومَةُ ؟
هَلْ أَنَا فاعِلٌ فِي قَدْرِي أَمْ مَفْعولٌ بِي ؟
تَبًّا أَصُمَتْ يَا عُقْلي . "
بَلَغَ بَابَ دَارِهِ بَعْدَ تَعَبٍ ، دَفَعَهُ بِقوَّةٍ ، دَخَلَ فَإِعْتَرَضَتْهُ أَمَانِي بَعْدَ أَنْ سَمِعْتْ دَفْعَ الْبَابِ ، أَلْقَى القارورَةَ فِي رُكْنٍ مِنْ الأَرْكَانِ وَ قَالَ موَجِّهًا كَلامَهُ إِلَيْهَا ، " هَذِهِ خَمْسُ دَنانير، أَرْسَلِي الوَلَدَ لِشِرَاءِ لَبْلابيٍّ .
سَيَكُونُ عَشاءُ اللَّيْلَةَ .
مَدَّ إِلَيْهَا الْمَالَ ، دَخَلَ إِلَى غُرْفَةِ نَوْمِهِ مِنْ دُونِ أَنْ يَنْتَظِرَ مِنْهَا قَوْلًا وَ أَلْقَى بِجَسَدِهِ عَلَى السَّرِيرِ لِيُخَلُّدَ إِلَى النَّوْمِ سَرِيعًا .
أَشْجارٌ كَثيرَةٌ ، أَصْواتُ ثَّعالِبٍ وَ ضِباعٍ ، صُراخٌ قِرَدَةٍ .
هَكَذَا رَأَى صابِرُ نَفْسِهِ أَثْناءَ نَوْمِهِ .
إِسْتَدَارَ إِلَى مَكانٍ مِنْ الغابَةِ المُتَواجِدِ فِيهَا فَشاهَدَ قارورَتَي غَازٍ ، واحِدَةً كَبيرَةً وَ الأُخْرَى صَغيرَةً .
سُرَّ كَثِيرًا حَتَّى أَنَّهُ تَبَسَّمَ أَثْناءَ الحُلْمِ .
رَكَضَ إِلَيْهُمَا لَكِنْ فَجْأَةً صَعدَا رَجُلَانِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ مَنَعاه .
تَفَحَّصَ وَجْهَيهما ، إِنَّهُ اَلْمولِديُّ لِسانُ الدِّفَاعِ وَ عَلَي رَجُلِ الأَعْمالِ .
هُمْ بِتَجاوَزِهِمَا لَكِنَّ اَلْمولِديَ مَنَعَهُ وَ قَالَ ، " إِلَى أَيْنَ . "
صابِرٌ ، " إِلَى قارورَةِ الْغَازِ . "
اَلْمولِدي ، " إِرْحَلْ مِنْ هُنَا .
إِنَّهُمَا لَنَا . "
صابِرٌ ، " لَا سُلْطَةَ لَكَ عَلَيَّ لَتَمَنْعَنِي . "
اَلْمولِدي ، " أَمْنَعُكَ بِسُلْطَةِ الحِزْبِ الحاكِمِ . "
صابِرٌ ، " طَيِّبٌ أَنْتَ قياديٌّ فِي الحِزْبِ الحاكِمِ .
فَهْمْنا .
لَكِنْ مَاذَا عَنْ السَّيِّدِ ؟ "
أَجَابَ عَلَيُّ ، " أَنَا مَنْبَعُ سُلْطَتِهِمْ وَ أَصْلُها . "
صابِرٌ ، " أَنَا مواطِنٌ وَ المُوَاطِنُونَ فِي الدَّوْلَةِ المُحْتَرَمَةِ لِمُوَاطِنِيهَا سَواسيَةٌ فِي الأَيّامِ العاديَّةِ فما بالكما باليَوْمَ فَإِنَّهَا فَوْضَى وَ لَا سُلْطَةَ فِي الفَوْضَى . "
اَلْمولِدي ، " آآآآ . "
صَرَخَ صَرْخَةً قَوَيَّةً بَعْدَ أَنْ إِسْتَلَّ صابِرٌ سِكّينًا مِنْ طَيّاتِ ثيابِهِ و طَعَنَه في فَخِذَهُ فَخْرَّ مُتَأَلِّمًا و هُمَّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مَعَ عَلي لَكِنَّهُ فَرَّ وَ قَدْ سَبَقَتْهُ بَطْنُهُ و لَحِقَتْ بِهِ مُؤَخِّرَتُهُ قَبْلَ أَنْ تَلْتَفَّ بِهِ مَجْموعَةٌ مِنْ الضِّباعِ أَفْواهًا عَلَى شَكْلِ مَيكْرُوفُونَاتٍ .
تَرْكَهُ صابِرٌ يَفِرُّ وَ عَادَ إِلَى اَلْقارورَتِين ، أَلْقَى الكَبيرَةَ عَلَى كَتَفِهِ وَ غَابَ حالَما بالشِقالَةِ المُنْتَظَرَةِ .
رفيق بوجاه
Peut être une image de 1 personne

الحُلْمُ بقلم أ. الشاعرة منية نعيمة جلال

 الحُلْمُ

شامةٌ عَلى خَصْرِ"حواء"
صَوْتٌ ٱخْترقَ أنسِجَتي
صارَ أقْرَبَ مِنَ الوَريدِ
أوْقَدَني نارا
أَرْهَقني نِداءً
صعودا... نزولا
أُسْدِلُ جُفوني
لِٱُطفِئَ الصُّراخَ مِنّي
تتعثّرُ رُموشي
بِزَحْمةِ التمنّي
وأَكداسِ الرّجاء
ٱُضيعُ بابَ الطّوارئ
أتَّكِئُ على جدار أقمتُه بي
بعُذرِيةِ ٱمرأة
تَسْتوي مسافاتها
بمسافات السّماء
بِحُلمها الخَمْريّ المُعتّق
الّذي لا يَهْرَمُ أبدا
الحُلمُ" ياسادتي" ضمير مُستَتِرٌ
تَقْديرُهُ شامة على خَصْرِ " حواء"منذ بدء التّكوين
وَأنا وَرثته يقينا
شكّل خطوط كَفّي
ونامَ في المُقل
بعلامة الرّفع حينا
بالنّصب أحيانا
وبالجرِّ حين يُجْهَضُ
يَسْتَلِمُني أمْسي الموؤودُ قَسْرًا
مُعلنا وِلادةً تاجّلت
ٱَسْقُطُ بلا مُقاومة
في شهوة :
" هلاّ... ليت... لَوْ"
يَتَلَقّفُني طيفُه الوريفُ
يَمْنَحُني فَيْئا شهيّا
مُتواريا عن أتونِ العيون
بلا عُقَدٍ.. بلا أحْجِيَةٍ
في غَفْلَة مِن تجاعيد المرايا
لنقترِفَ معا لُعبَة المُحال
أنا حُلمٌ بِملامحِ ٱمراة
مَدَدْتُ جدائلي مَعبرا
لِأمْسٍ معه مَضى ولمْ يَمْضِ
لا يزال يًدَغدغُ ذاكرتي
أُلْقِمُهُ بشيء من ٱصطباري..
بشيء من ٱنتظاري
وبكثير من ٱمتلائي به...
"طيفه " رضاب عذب
وحده يَسُدُّ رَمَقي
وحده يُزيلُ
حزنا آسنا... بربريّا
أرهقني
ٱستوطن بجيدي.. بجلدي
يقتات من شراشفي...
من قمصاني
ثَوى بجسدي... أغرق خافقي
أُسائلُ الزّمن المستحيل
أنْ يَدُلّني على هدهد سليمان
علّه يأخذني لِأرْخبيل عاطفيّ
لا يَتّسعُ إلاّ لِإثنين
لا شريك لي وله
إلاّ طائر " البتروس"
إلاها بَحريّا
يمنحُنا " بركة الماء"
الإستارُ مِنَ العدد في الحُبّ
يُغَيِّرُ وِجْهَةَ الرّيح
زلزلة للمشاعر
بمقياس " ريشتر"
بوصلة معطوبة
توقِفُ النّبضَ
عَدٌّ لِحَدّ غير آمن
يفوق النّصاب
جولة خاسرة
تُبْطِلُها العيونْ
وقُطّاعُ طُرُقِ الحبّ
للجوارح لغة
كما المدّ والجزر
لايفقهها العقلاء
ولا الأجساد المكلومةُ
الرّابضة على مذبح الوجع
لابُدّ أنْ أجِدَ إلى قلبه سبيلا
وأن أمنحَه ما لايَجرؤُ عليه
إلاّ مجانين الحبّ...
وانا مجنونة حبّ
تورّطتْ في أبجديته
إلى درجة الحُمّى
سُقيتُ جيناته
وأنا في رحم " أمّي"
أسقطُ ثانية.. ثالثة ورابعة
في شهوة " هلاّ.. ليت.. لو"
أكتحلُ بإثمد " زرقاء اليمامة"
لِأُدرِكَ " طيفَه" في عيون الحلم
ليكون لي ومنّي
تتفتّحُ أزرارُ حواسي
لو شققتم أنسجتها
لوجدتم أجمعها
أضحت في حُبّه " مفردة"
تحترِقُ بطيب " حنين فائض"
وياتيني طيفه
كالزّيزفون
يُزهرُ ولا يُثمِرُ
غيمة تعرّت من أوراق التّوت
تُحرقُ ولا تُمطِرْ...
دالاّ بلا مدلول
مبتدا بلا ضمّة.. بلا خبر..
ياء يتيمة.. شاردة
أضاعت نداءها...
أدركتُ في التوّ وفي الآتي
أنّه أضغاث أحلام
أنه أخطأ سدرة" النّبض"
سقط سهوا بين الحاء والباء
منزلة بين المنزلتين...
لاوجه.. لاصوت..
لا لون.. لا طعم..
لا وظيفة في نحت " سبويه"
آن لي أن أكونني
ٱمراة الأيام القادمة
أُعلنُ قيامتي
وقيامة " كل النساء"
على كفرة الحبّ...
زبانية " الخدوش"
وسجنة الفرح...
الذين أتقنوا
الرّقص على جمر المشاعر
وأجادوا إتلاف بارقة " الرّجاء"
ٱبتعت تذكرة عبور
لي ولشبيهاتي
لنعرج فوق العثرات
أحلامنا هي الباقيات الصالحات
على إيقاعها يبدأ النّبض دورته
لملمتُ فساتين " الفرح المصلوب"
علّقتها على مِشجَب " النّسيان"
حَمَلتُني إلى حضن دافئ
يُدثّرني
سمّيته " حبيبي"
ٱقترفت شهوتي
في أرضه... أرض اللغة
طرّزت جسدي
خرائط شعر
حوّلتُ حكايتي
وحكاية "حواء"
قصيدة...
هذه القصيدة.....
بقلمي : أ. الشاعرة
منية نعيمة جلال
Peut être une image de 1 personne et position debout

الأربعاء، 30 نوفمبر 2022

سنتان و نيف بقلم الكاتبة منى البابوري

 سنتان و نيف 28.11.2022

قد مضى من العمر
سنتان و نيف
سقطت فيها كل الأقنعة
مثل أوراق الخريف
تحطمت كل اعمدة البيت
و بات منظرها جد مخيف
احترقت فيها الافكار
و تشنجت الاعصاب
و صار ذكر الأمر شيأ سخيف
ذبل وجه القمر
حزن الورد و الشجر
و لم يعد ما يحصل شيء لطيف
ترى هل ستزهر الازهار
بعد الموت
هل يعلو الصراخ
و يخرج القلب عن الصمت
هل ستفك القيود
و تعبر الحناجر
عما احست به من كبت
سنتان و نيف
كدت انسى فيهما نفسي
و لم اعهدها تفاصيلي
سنتان و نيف
نسيت مالهدوء و مالسهر
و تشابه عندي نهاري و ليلي
سنتان و نيف
بين القبول و الرفض
اخترت قبول الامر
و الوقوف على هذه الأرض
سأقاوم و سأستمر
بحلو كان مذاق الحياة
او كان مر
فلدي زهرتان جميلتان
هما
من سيزهر قلبي لأجلهما
طول العمر
منى البابوري
Peut être une image de 3 personnes, personnes debout et intérieur

دعائم التغيّير والتحوّل بقلم الأستاذ : شكري بن محمد السلطاني

 دعائم التغيّير والتحوّل

يولد المولود على الفطرة مزوّد بملكات وقدرات وإستعدادت للتعلّم والإرتقاء .
ويتميّز بفرادة وخصوصيّة وراثيّة تظهر في سُحنته وبيولوجيته لتبرز من بعد في تفاعلاته وإنفعالاته وفي تعلّقاته وإختياراته ، فمورّثات الأجداد والآباء لها آثار عميقة ووقع لا يمكن التغاضي عنها في مسيرة وصيرورة الأبناء والأحفاد ، إذ أنّها تُوجّههم نسبيّا من حيث لا يدرون إلى مدارات جذب أو نفور سوى إعتقاديّا أو علائقيّا أو وجدانيّا .
فكيف يُعالج الإنسان المسائل والأمور ويتصرّف في حياته ؟
من يُحدّد سلوكه وإختياراته؟
وما هي دعائم التغيير والتحوّل إن رام الإرتقاء والنموّ والتحوّل نحو الأفضل ؟
للإنسان جانب ظاهري مكشوف يبرز للعموم عبر عقليته وعاطفته ونفسيّته وهي مجال ودائرة وعيه التّي بها يُجاري نسق حياته ويتصرّف كوحدة نوعيّة وظيفيّة ، وكذلك له جانب خفيّ باطني دائرة لاوعيه حيث مخزن لاشعوره وعقله الباطن الكامن في كينونته من خلال رسوخ العادات وتمكّن وسائل التربيّة والتّعليم على مرّ زمانه من صياغته على شاكلته وثبات حاله ، ولمكامن الكبت والعُقد والأمراض النفسيّة التّي إنغرزت في أعماق ذاته في غفلة منه تأثير كبير وركزا في خباياه وثناياه وخصوصياته النفسيّة والمعنويّة .
وكما للخيبات والكبوات والعثرات التّي تركت ندباتها وآثارها في محطات حياة الفرد دوافع وحوافز ومثيرات داخليّة توجّه سلوكه ، فغالبا ما تطفو على السطح دون وعي الشخص وإدراكه.
لا يُمكن أن يتناول وعيّ الشّخص ذاته وتأثير بيئته ومجتمعه إلاّ بعد مخاطرته وخوضه تجربة ذاتيّة قوامها التأمّل والنّقد الذّاتي ، وذلك أملا في معالجة دائرة لاوعيه والتخلّص مما رسخ من شوائب وعوالق في غياب وعيه وتمام إدراكه ونباهته ،إذ عليه بإقتلاع البذور الرديئة والحشائش السامّة من حديقة نفسيته الباطنيّة من إنتقاص لشخصه و سلب لحظوظه وإمتهان لشخصيته في فترات زمانيّة مضت حيث وسائل تربية وتعليم وإتّصال هضمت حقّه وداست على مواهبه ودعائم إبداعه وقادته للإذعان والخضوع والخنوع.
فلا بدّ حتما من مدواة فشله وكسله بأمله وعمله ومثابرته وثقته بنفسه لكي يمحو بعزيمته وهمّته ووعيه وجُهده كلّ مكامن و دواعي ومنابت الفشل.
ولكن بأيّ عقليّة وعاطفة ونفسيّة سيرتقي ويتجاوز ؟
فقلب المُعادلة تتّم من داخل دائرة وعي الإنسان الصاحي ومن فطنته ونباهته الذاتيّة والإجتماعيّة .
إنها حقيقة منعطف تاريخي هام للتّحرير والتحرّر من كل العوائق والمعوقات والقيود والسّجون لمن رام التغيير والتحوّل والتّجاوز والإرتقاء .
1__ العقليّة :
إنّ ميزة الإنسان نيّته وأفكاره وقراراته وإختياراته وتوجهّه للفعل والتصرّف ولنشاطه الذّهني دور كبير لمعالجته المسائل والمشاكل والتحديّات والتحكّم في مسار حياته وزاوية نظره لما حوله.
العقليّة المتزّنة المنضبطة بضوابط واقعيّة عقلانيّة تتّسم بلا إفراط ولا تفريط ، لا ضرر ولا ضِرار وذلك بإتخاذ منطقة مُثلى حيث تَمثُّل الأشياء والأحداث والمرويات والمواضيع والإشكاليات والتحدّيات من منظور عقلاني نسبيّ واقعي مجرّد عن الأوهام خال من سوء الأفهام لكي يسلك الإنسان سلوكه الحسن برويّة وحكمة وليتحكّم في صيرورة حياته ويختار بين البدائل في خضمّ التغيّرات والتحوّلات .
العقليّة المتزّنة بُعْد نظر وإرتقاء وتجاوز وسعة ثقافة وأفق رحب من العلوم والمعارف والخبرات .
فلا شيء يأتي من فراغ وخواء ولا تدفّق وفيض دون إمتلاء وإشباع.
2__ العاطفة :
قوام الأحاسيس والمشاعر دعامة السّلوك والتوجّه وشُعلة الأداء والفعل.
لذلك العاطفة المتشنّجة التّي تغشاها مثاليّة واهمة لا تُجدي نفعا ، كما سلبيّة الأحاسيس وبرود العاطفة تُحيل الإنسان للموت الأسود حيث الذلّ والهوان لكلّ ذليل يصافح العار .
إنّ إتّزان العاطفة وموازنتها على معابر العقل وراجحته معيار لسلامة التّدبير وحكمة السّير والتّسيير .
3__ النفسيّة :
تُعتبر نفسيّة الفرد أحد مقوّمات شخصيته ومرآة تعكس خلجاته ونبضات شعوره ووجدانه لتعكس مزاجه وحالته العقليّة والمعنويّة وإنطباعاته وتمثلاته وأحلامه وأوهامه.
يسير الإنسان سير زمانه بنفسيّة ملازمة له حاضنة لمشاعره وعقليته فينفعل ويتفاعل بمدلولاتها ومعاييرها ورموزها ودلالاتها ويتصرّف هانئا بحاله .
فكم راض عن نفسه مُعجب بها منصاعا لأوامرها وتوجيهاتها وأحكامها وتقييماتها وشطحاتها ومرواغاتها ومخاتلاتها.
تكمن الخطورة في إلتصاق النفسيّة بالنّفس بالأنا السطحيّة التّي يعجز الإنسان عن تغييرها ومداواة عللها ومعالجة خللها وهفواتها ، إذ كيف السبيل لذلك وهو الذّات والموضوع ، المطرقة والسّندان ؟!
فلكي يكبر الإنسان وينمو ويرتقي عليه بإعادة صياغة ذاته ،ولا سبيل لتحقيق ذلك دون السّير على جراحه وآلامه وأوصابه وأوجاعه وعثراته وكبواته وفشله.
إنّ من دعائم التّغيير والتحوّل نحو الأفضل معالجة الجانب الواعي للذّات البشريّة من عقليّة وعاطفة ونفسيّة وإستحكام أمرها بالإنضباط ونُكران الذّات ،فعدم الرضا عن النّفس خلّة حميدة تسمح لصاحبها بالنّقد الذّاتي والسعي للإصلاح .
وحين تستقيم الأمور والأحوال النفسيّة تصبح الفرصة سانحة للولوج للجانب المظلم من الشخصيّة لمعالجتها والتعامل معها بحكمة ودراية .
فإنه لا تغيير ولا تحوّل دون تغيير للنّفوس.
الأستاذ : شكري بن محمد السلطاني
Peut être une image de 1 personne, barbe et intérieur

أجلت كل شئ أحبه بقلم الكاتب عبدالله النجار

أجلت كل شئ أحبه
حتى أترك
ساحة القتال
مرت السنوات
وراجعت نفسي
وجدتها لم تنجز
ما عليها من أعمال
لم يجدى الندم
للأسف
لا مكان لسفينة
الإمداد والإنزال
سبحان الخالق
سبحان مغير الأحوال
كل الحياة فائتة
كانت ستمر بسلام
إن لم نصنع
المصائب والأهوال
يا من تصارع
من أجل المناصب
عد لصوابك فالحزن
أمسى فوق الإحتمال
فقطعة من رغيف خبز
وإن قلت تحي الآمال
// عبدالله النجار
Peut être une image de ciel et texte