دراسة نقدية مبهرة للناقد و السيناريست الكبير
أ. محمد هلال البيليعن قصيدتي :" مش سامعني "
للشاعرة غادة سيد
اقدم لحضراتكم النص أولا ثم اترككم تستمتعوا بهذه الدرر النفسية وهذا العطر الذي يخضب كل كلمة بل كل حرف من هذه الدراسة الماتعة.
♥️النص
ليه بحايلك مش سامعني
و الا اعاتبك و تلاوعني
انت قلبي و الا ضدي
تبقى ملكه و انت كنت يا قلبي ملكي !!
ده حبيبك .. اللي كان في يوم حبيبك
ليه بتتشبث بحبه لو يسيبك
اصلي عارفة ان حبه مش بايدك
بس حاول خلي ايدي تكون في ايدك
انت ناسي ... انت ناسي عمايله فيك
لما حبك .. واما حبيته يجافيك
كان يقرب .. كان بيبعد و يناديك
واما بتروحله يقولك .. صوت ندايا مكنش ليك..
ليه بتوعدني يا قلبي
ليه تقولي خلاص نسيته
واما طيفه يعدي جنبي
تسيبني ليه وتقول هويته
كنت داري او تخبي
او تعمل نفسك نسيته
مش تسيبني و تجري مني
و تروحله لحد بيته
هضغط عليك واعصرك من بين ضلوعي
واما هجمد هبقى صخر يحوش رجوعي
وده بحر غدرك بطرده دي مش دموعي
لو سبتني وخذلتني..
هيجيني يوم وانفض قلوعي....
♥️أرجو أن تهيئوا النفس لاستقبال هذا الفيض الساحر من الفكر و البلاغة والعمق في دراسة من أجمل ما رأيت
========
♥️أحيانا تتداخل الأنماط الكتابية في المنتوج الأدبي الواحد
والبعض يري هذا تضاربا والبعض يراه مهارة خاصة
وأنا أري أنه لايجب تصويب العيون النقدية تجاه المسمي الفني للعمل
ولهذا أتعرض لنموذج متعدد المتجهات فهو نص شعبعامي مميز
بدأ بنداء استهلالي لمجهول حيث كتبت الشاعرة العفوية الموهوبة غادة السيد
ليه بحايلك مش سامعني
فمن هو المخاطب؟
واللا اعاتبك وتلاوعني
بدأت بسؤال حائر لبطل ليس له حضور حتي الآن ربما هو حبيبها الذي اختفي في بئر التجربة
ثم تجيب في السطر التالي
أنت قلبي واللا ضدي
إذن هنا تم تشخيص القلب ليقف أمام البطلة في لفتة لغوية تقول
أنت قلبي واللا ضدي
والمعادلة اللفظية تقول
أنت معي أم ضدي
إذن هي تزيد المعني روعة بلاغية غنائية بوضع قلبي مكان معي ليكون حاصل المعادلة الرياضية عتاب ولوم في مطلع كلثومي كلاسيكي مفتقد كلغة كتركيب كصياغة كعبق
ولهذا أقدمت علي قراءة هذا النص الستيناتي الرائحة والعطر والإحساس
ثم تبدأ في رصد فلاش باك القسوة والحرمان في تجربة مريرة تذكر بها قلبها المفقود عشقا والمختطف من بين ضلوعها قهرا
النسق المضمر يظهر مدي ضعف التكوين الوجداني للبطلة وربما للكاتبة
ثم تطرح مشهد غدر معبر بقدرة فنية عالية من غادة سيد تقول
كان يقرب كان بيبعد ويناديك
واما بتروحله يقولك صوت ندايا مكنش ليك
نعومة الصياغة في شعر غادة سيد تجعلك متعلقا بالفكر الدرامي وسمات البطلة برقتها وضعفها وبساطتها التعبيرية
كل الجمل الشعرية تظهر انكسارا في تركيبة نفسية محبطة لم تجد من تتحدث معه فحدثت نفسها وقلبها
ثم يرتفع مستوي الانفعال ممزوجا بالفن بالأدب بالوعي الفكري والقدرة علي تكوين متخيل شعري بلغة مرتفعة راقية فتقول في لحظة فوران إبداعية
(هضغط عليك واعصرك من بين ضلوعي
واما هجمد هبقي صخر يحوش رجوعي)
هنا نحن في أعلي منطقة إدهاش نصي مع غادة سيد
هنا انزياح دلالي إسلوبي جديد
ستتحول لصخر يمنع الرجوع
نقلت الحقل الدلالي للبحر والموج والصخر في لحظة عبقرية أبهرتني
ثم تكمل الضربة القاضية تصويريا معلنة عن شاعرة مخيفة فنيا فتقول
(وده بحر غدرك بطرده دي مش دموعي)
جملة تصيبك بالقشعريرة المتعاطفة
فترتجف احتراما لقوة التخييل(عظمة) تجعلك تقف مساندا لبطلة مهزومة تذكرك بدراما حافية علي جسر من ذهب
هي تطرد الدموع البحر الغدر
هي شاعرة جيدة للغاية أتمني أن تتخذ القرار لتكون في الصف الأول قريبا
تمتلك القدرة العقلية علي تنظيم وتنسيق اللوحة الشعرية بهدوء شديد
تستدرجك بسيناريو متماسك للحظة تأثر في القاعة الحزينة من سينيما الحزن والقهر
غادة سيد عبرت بحوار ذاتي جدا عن مأساة تاريخية وقضية لم تجد حلا واقعيا حتي الآن
هي الحب من طرف واحد تجاه طرف جاحد
لغة الشاعرة غنائية سهلة
ألفاظ تحمل طاقات أكبر من الوجه المباشر للكلمة
تراكيب بسيطة تحمل عمقا مؤلما
الفكر هو أكثر مايميز الشاعرة
وكيف لا وهي في الأصل كاتبة معروفة متمكنة من ادواتها اللغوية بمرجعية ثقافية كبيرة
نحن أمام طاقة فنية هائلة وباقة إبداع تشحن ذاتيا وشخصية أدبية قوية
غادة سيد أشكرك يا مبدعة
قراءة نقدية
محمد هلال البيلي
♥️ يعجز اللسان والقلب عن الشكر والثناء و العرفان لشخصكم المبدع الرائع
شكرا للناقد والسيناريست الكبير أ. محمد هلال البيلي على هذه الدراسة القيمة. مزيدا من العطاء و التألق لإثراء الحركة النقدية في الوطن العربي
ردحذف