ستبقى وحيدا
اليوم أو غدا سوف تبقى وحيدا.. حتى بالأمس كانت وحدتك هي ملاذك الوحيد بعيدا عن ضوضاء الفكر الضال و الاندماج مع العالم البشري الذي تحكمه روابط الماديات و تبادل المصالح
ستبقى وحيدا برغم وجود المئات من شياطين الإنس حولك في كل مكان.. برغم وجود من يدعون الرفقة و الصداقة و الحب و الرعاية. برغم وجود من يدعون القرابة و صلة الرحم و الدم. برغم وجود الكثير من حولك سوف تبقى وحيدا. ليس لأنك تتمسك بالفضيلة و المثالية أو ليس لأنك تعاملهم بما يرضي الله و ضميرك و مشاعرك بل لأنك تتعامل معهم كإنسان. فالإنسانية في هذا العصر أصبحت جريمة يعاقب عليها الأغبياء و الحمقى قبل معاقبة القانون البشري الذي لا يعترف إلا بالمصالح و حب النفس و الأنانية. سوف تظل وحيدا ما دمت تعطي بلا مقابل و بلا حسابات.. سيظل البعض يستغل عطاءك و كأنه حق مكتسب لهم.. فلن يعترف أحدا بما تفعله أو بما يشغل فكرك أو حتى بما يؤلمك. الكل يريد منك الطاعة و العطاء فقط لا غير حتى و إن كان على حساب نفسك و مشاعرك. المهم لديهم أن يسلبوا منك راحة البال و كل ما هو في يديك. حتى و إن كانوا يملكون أكثر منك و ليسوا بحاجة لك إلا أن قانونهم في الحياة هو الانتهاز و الابتزاز و الاستغلال بقدر ما استطاعوا. فلن يرحمك أحد و لن تجد أحد بجانبك عندما تقع في محنة او احتياج. لأن المبدأ واحد لا يتجزأ بل و هو حب النفس و المشي على ظروف الآخرين و انتهاز الفرص و السير قدما على أكتاف الذين يتعاملون بكل إنسانية أو حتى بكل احترام.. حتى حياءك و خجلك من النطق بكلمة لا. يستغلونه على أنه ضعف منك و لا يدرون أنه قوة تمتلكها أنت في عالم لا يدرك معنى العطاء و التقدير. ليس هناك أحدا يستطيع أن يتحمل وجعك و ألمك سواك مهما كانت قرابته منك. فأنت يا عزيزي تعيش عصرا من جليد تجمدت فيه المشاعر و أصبحت الوقاحة و الاستغلال هما مذهب الغالبية. هذا إذا لم يكن الكل..
و لذلك لا تحزن.. فالوحدة أحيانا قد تكون الأقرب إليك من أقرب الناس.. و لا تندم لأن جزاء عطاءك عند الله.. و لا تيأس لأنه يكفيك أن تنام و أنت مرتاح البال و الضمير.. و لا تشغل بالك لأن القليل في يديك أكبر بكثير مما في يديهم ما دمت راضي بما تمتلكه... فليس الكل يدرك معنى الرضى مثلك و ليس الكل ينضج بالفكر و يسمو بالعقل مثلك. اترك لهم الدنيا ينهشون منها كالذئاب فلن يشبعوا مهما اقتاتوا منها و مهما علت بطونهم. فالذي تفعله اليوم هو ما سيبقى لك في الآخرة. و لذلك اقول لك سواء كنت حيا أو ميتا سوف تبقى وحيدا
د/هاني الجبالي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق