في المركز الثقافي المنزه السادس :
حفل موسيقي من حديقة الزمن الجميل مع الفنان الحبيب الرايس وتلامذته وأصدقائه
......
عبر المايسترو سي الحبيب الرايس رئيس نادي أصدقاء الحبيب الرايس وتلامذته عن سعادته في نهاية حفله الذي قدمه بدعم من " الكندي للمجموعات الموسيقية " لأنه رأى اليوم جمهورا كبيرا حضر للمركز الثقافي والرياضي بالمنزه السادس بعدد غفير وتساءل بابتسامته المعهودة
-- هل مازال في تونس من يتابع النوعية الفنية التي اختارها لمسيرته الطويلة نسبيا و هل مازال في تونس من يتمسك بذائقة فنية جميلة وعريقة كانت ضاربة بجذورها لا في تونس فقط بل في البلاد العربية كلها .
والملاحظ أن تساؤلات سي الحبيب في محلها لذلك انطلقت منها لأنها تستبطن قضية فنية كبيرة وتنتقد الأوضاع الجارية في الوسط الفني بذكاء ومن حقه ذلك وعلينا ان نعرف أن معطيات ثقافية وسياسية واقتصادية كبرى تداخلت في المجتمع التونسي في الثلاثين سنة الأخيرة فأحدثت فيه متغيرات عميقة وغرست في ثقافته مستجدات بدت لنا طارئة لكنهاإستقرت لأن المخططين لها برمجوا لها هدفاواساسيا وهو التجذر والاستقرار أحدثت ذائقة فنية أصبحت مهيمنة لا تستهوي أحباء الفن الراقي فهي سريعة متسارعة تظهر اليوم لتنتهي غدا لأنها من صادرة عن المصنع الاستهلاكي
..فعلا كان الجمهور الذي تابع الحفل الذي اختار له رئيسه
عنوان من"روح الكردي " مطلعا
واختار عشويته الفنية عن دراية بنوعية ما تضمنه
ودون مبالغة أقول بأنه هذا الجمهور راق شلرك في نجاح الحفل يذكرنا بجمهور الحفلات الجميلة التي كانت تنظم في المسرح البلدي في الستينيات والسبعينيات حيث كان الناس يتهيؤون لها فيدخلون المسرح في مظهر لائق وفي لباس رائق وكأنهم يدخلون حفلات زفاف
او حفلات إستقبال رسمية
فالحاضرون لا يصفقون الا للأغاني الناجحة والطقطوقات اللذيذة والرقصات المتميزة
ولا تهيج أعصابهم كما يحدث اليوم فيرقصون الى أن يخرج البعض منهم من آداب الرقص وقواعده الفنية ..
لقد كان هذا الحفل متميزا
فقد اختار له المايسترو الحبيب الرايس وصلات من المالوف ومجموعة من الأغاني الشرقية الشهيرةمن مثل يا"مالكا قلبي " و"توبة" و"امتى الزمان" و"نسم علينا الهوى"وهي من الأغاني التي طالما تغنى بها التونسيون وهي لمحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وصباح فخري وكارم محمود والاخوان الرحباني وصباح وختم الحبيب الرايس حفله بأغنيتين من تونس " أنا نغير والله نغير" للفنان الراحل علي الرياحي و"تبعني نبنيو الدنيا زينة" للراحل الهادي الجويني..
وقد جدد سي الحبيب في طريقة الأداء إذ قام بتوزيعها غنائيا دون مطربين منفردين بل جعلها جماعية أداها جميع أعضاء "الكورال" مع متغيرات ترتيبية فاحيانا يغني الجميع واحيانا يتقدم الصف النسائي واحيانا اخرى يكون الدور على الرجال ..وهكذا ..وإذ اعتمد على الغناء الجماعي على طريقة المالوف والموشحات الأندلسية فانه حافظ على العزف الفردي وقدم الى الجمهور مواهب لها مستقبل فني بحول الله ..
وللعلم أن هذه الفرقة جمعت ثلاثة أجيال خاصة على مستوى الغناء أغلبهم هواة يعشقون الفن الغنائي الراقي وتدربوا عليه وجودوا اصواتهم في أدائهم وأساليبه في هذه الفرقة نفسها ففيهم الطبيب والأستاذ والإداري ولا أحد منهم محترف رغم ان الفرقة ست
حتفل بعيدها العاشر قريبا . أما العازفون فانهم كلهم من الشباب بعضهم تخرج بديبلوم الموسيقى وبعضهم مازالوا طلبة ..ومن المؤكد أن مرورهم بهذه الفرقة لن يكون عابرا بالنسبة لهم إذ يكتسبون التجربة والحضور .
وعلى ذكر مسألة الحضور اشير بتقدير كبير الى ان هذه الفرقة شدت اإهتمام ما ان تم فتح الستار فقد برزت بهيبة عالية في عدد العازفين في الجانب الاوركاسترالي.وفي عدد أعضاء الصف الغنائي ..
وهم كلهم في لباس موحد وهو ما يؤكد أن جميع المنتمين للفرقة يريدون احياء الروح القديمة للفرق المنظمة الراقية بجديتها وعمقها الفني وتمسكها بالذائقة التي ترفع من شأن الانسان ولا تهبط به كما يحدث في كثير من الأحيان هنا وهناك ويعتبر البعض ذلك من التجديد الموسيقي والثورة على الأذواق القديمة المتخلفة والاخلاقيات الرجعية..
وللعلم أن الفرقة إختارت أن تكرم في شكل إهداء خاص الفنانة الدكتورة شيراز الجزيري وهي اولا استاذة جامعية في اللغة الاسبانية بكلية الاداب والفنون بمنوبة بما سمح لها أن تترجم بعض الاغاني التونسية الى الإسبانية وتغنيها مع إتقانها لرقص الفلامنكو ..وثانيا هي منتجة لبعض العطور ..وأيضا تظهر في رمضان على إحدى القنوات رئيسة مطبخ تساعد النساء على الطبخ والنجاح فيه مع الإبتكار والتجديد الغذائي
أي أنها تعتمد في كل ما تخصصت فيه بالعلم والمعرفة والحسبان..وفي نطاق تكريمها قدمت رقصة جميلة من الفلامنكو وقد تجاوب معها الجمهور خاصة وأن شكلها وتسريحةشعرها يعطيانها الروح الأندلسية في بعدها الاسباني المتجدد ..
وقد كتبت الاستاذة شيراز الجزيري إثر الحفل قالت
"هذا المساء، سعادتي لا توصف بنجاح عرض " من روح الكردي" من إنتاج الكندي للمجموعات الموسيقية بقيادة الفنان القدير و الأستاذ الفاضل حبيب الرايس Habib Erraies .
الفيديو يوثق لرقصة مستوحاة من فن الفلامنكو الإسباني صممتها خصيصا لهذا العرض الفني الرائع على أنغام أغنية " مكتوب" للفنان الكبير الهادي الجويني.
كم جميل أن نجمع بين ضفتي المتوسط و أن نثمن تراث تونس و اسبانيا عن طريق الفن.
شكرا جزيلا للفنان القدير حبيب الرايس و للمجموعة الموسيقية المتميزة على هذا العرض الفني الرائع."
وفي كلمة......
أبارك لهذه الفرقة حفلها هذا الذي قدمته محتواه وأعطت عنه فكرة شاملة الشاعرة سونيا عبد اللطيف أبارك نجاحها وشد الجمهور السميع اليها .وأتمنى لها المزيد من التطور والرقي للمحافظة على منهجها حتى لا نشارك جميعا في قتل الفن الراقي الذي يكاد اليوم يدخل نهائيا في التراث فنضطر الى عمليات احيائية للتاريخ فقط..ونحن في حاجة الى أن نحافظ عليه من أجل بث ذائقة راقية بموسيقى عارفة وأداء من الزمن الجميل ..
وأبارك أيضا عودة الحفلات والعروض الى المسارح ودور الثقافة ومراكزها ..
وأنهي هذا العرض الصحفي بالتذكير أن هذه الفرقة أعدت حفلتها هذه منذ أشهر لكن عدوى الكوفيد وأوضاع البلاد حتمت عليها إنتظار تغيير الأحوال ..وها هي الأحوال تتغير ..أدامها الله علينا ....من اجل تونس الحب والفن والياسمين تنطلق من جديد ..بروح عالية .
تغطية الكاتب محمد بن رجب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق