تحية الأمل والفكر و الإرادة
التطور الفكري والثقافي في الدول النامية , إشكاليات جذور وحلول
رماز الأعرج (المحاضرة 5 )
3 الدلالات الفكرية ودورها
في بناء المفاهيم والدلالات الفلسفية و النظرية والتطبيقية
حين الحديث عن الدلالة الفكرية فورا نحن ننتقل بشكل تلقائي من عالم اللغة العادية الدارجة والمستعملة في كل شيء ومتداولة شعبيا مثلا , إلى نوع خاص من اللغة , وهي لغة الفكر , وهذه اللغة من أدق ألغات ومن أكثرها دقة , وهي مختلفة عن أي مجال آخر لذلك اعتبرت لغة الفلسفة مثلا هي لغة المنطق الدقيق وطريقة التعبير الأكثر دقة ومصداقية في نقل الحقيقة وتحويلها إلى أفكار ممكنة مفهومة, منطقيا وعقليا ويمكن ترجمتها وتطبيقها أيضا .
ولكل علم أو اختصاص ومهنة معينة لغتها و مصطلحاتها و تعبيرها , وبذلك ألغة ليس قالب خشبي ما ثابت , بل الثابت في ألغة هو القواعد العامة , والباقي متحرك حسب الحاجة والضرورة , وشكل مفهوم الدلالة في ألغة التباسا تاريخيا بين المفكرين والباحثين المبدعين وعلماء ألسانيات , وكلا اخضع ألغة لغاياته وما أراد , ولا يمكن إلا أن تكون الأمور بهذا الشكل أصلا , فاللغة استعمال وممارسة , وتفكير , والغة وسيلة تفكير بالدرجة الأولى بالنسبة للإنسان , وبذلك تلعب دورا حاسما وأساسي في تكوين أفكاره وتركيبها وتداولها.
والفكر والغة توأمان وكلا منها يؤدي إلى الأخر ويرى بعض اللغويين وعلماء ألسانيات أن ألغة هي وعاء الفكر , لكنا نختلف مع هذه الرؤية رغم احترامنا لها كرؤية واجتهاد علمي , ولكن كلا يبحثها ويراها من زاوية اختصاصه , ونحن هنا بصدد بحث هذا الأمر برؤية فلسفية منطقية محضة لا يمكننا أن نسير غير هذا المسار بحكم طبيعة البحث ذاته وطبيعة اختصاصنا , ولذلك نقول إن الفكر هو الوعاء الحقيقي للغة والمشكل لها وهو المطور لها وصانعها , بدليل أن كل كلمة لا بد أن تدل على شيء معين حتى ولو كان وهمي أو غير واقعي , أي بمعنى أن كل حركة في ألغة لها دلالة رمزية فكرية ما تشكل أساس وجودها وإلا لما وجدة , وبذلك يصبح الفكر هو مؤسس ألغة البشرية و لولا الفكر لما كانت ألغة أصلا , وحتى لغة الحيوانات هي عبارة عن دلالات معينة بالنسبة لها وتدركها بشكلها الطبيعي والأولي .
وكذلك العصور المختلفة , لو نظرنا بدقة إلى لغة الفكر والعلم قبل 100 عام مثلا سنلاحظ على الفور مدى الفارق بينها وبين لغة العلم المعاصرة , رغم وجود الأساسيات المعروفة ذاتها , ولكن حتى هذه الأساسيات نراها تغيرت وتوسعت في الفهم والدلالة والتطور كمصطلح متداول , أن هذا مسار طبيعي يسيره المجتمع البشري وهذا يشكل سنة من سنن التطور الاجتماعي وحركته .
مثلا مفهوم الكون في القديم كان الفلاسفة يسمونه العالم وكان يقصد أحيانا لدى بعض الفلاسفة والعلماء هو ليس الأرض , بل العالم هو المجموعة الشمسية , وعند البعض الآخر العالم هو الكون , وكان الكون يعني حدود معرفة البشر , أي مفهوم متحرك مع مساحة المعرفة البشرية وحدودها , وهذا واضح في التدقيق بدلالات المعاني الفلسفية والمنطقية عند الفلاسفة والعلماء القدامى كلا وحسب عصره ومجاله .
ونحن اليوم دورنا كمفكرين أن نجتهد وكلا في مجاله من أجل تجديد وتحديث الدلالات والمعاني وتدقيقها مع مستوى المعرفة وتطور العصر , وصياغتها بطريقة توضح مسارها الدلالي العلمي الحديث والمعاصر , وذلك لتمكين ألغة و الفكر معا من تجاوز معضلة الابتعاد عن العصر والدخول في دوامة فارغة من الماضي الغير قابل للحركة والتجديد .
في كل المجالات حتى الحرف والمهن ألغة و مصطلحاتها في حركة مستمرة متواصلة بحكم تواصل الحركة والحياة ومسارها , وهذا بالضرورة يتطلب نشاط لغوي مفاهيمي موازي يساعد العقل على التفكير والنهوض والإبداع بدل التقيد و اجترر القديم على قدمه .
وكما هي العادة عبر التاريخ الفكر والفلسفة هي السباقة في تطوير والمفاهيم وتناغمها مع العصر , لهذا سعينا تركز منذ البداية في مشروعنا الفلسفي حول تطوير الفكر و المنهج الفلسفي وبناء رؤية فلسفية حديثة علمية محايدة منطقية مرجعها الواقع المباشر وليس الكتب والنظريات وكل ما لا ينطبق على الواقع لا مجال لاعتماده من الناحية الفكرية المنطقية .
علينا جميعا اليوم كنخب متنوعة علمية وفكرية وفلسفية وسياسية واقتصادية وأدبية وإعلامية ومهنية وتطبيقية وغيرها تقع مسؤولية هذا العمل الكبير , وهي إعادة صياغة عصرنا و إنتاجه من جديد بأيدينا نحن , وما سنقدمه للأجيال القادمة من فكر وثقافة وفلسفة هو ما يشكل لهم خارطة الطريق الحقيقية للمستقبل الأفضل .
رماز الأعرج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق