السقوط
كيف لا تصدقها وهي إبنة قلبها، لقد أصبحت هي وأخوها كل حياتها مذ فقدت زوجها، لم تنس كيف قاطعها والدها واخوتها حين رفضت الزواج ثانية وقررت إكمال رسالة زوجها، حبيبها والوصول بابنائها إلى بر الأمان، و حين يئسوا من أمرها طالبوها بترك العمل حتى لا تلوكها السنة الناس، فهي صغيرة وعلى قدر من الجمال، لكنها تعنتت وتمسكت بإدارة حياتها كما رسمت لها لا ينقصها إلا غياب الزوج الذي راح ضحية تهور سائق مجنون....
لم تنس كم تعبت من أجل أبنائها، حتى حين كانت نفسها تراودها أنها صغيرة وتحتاج حضن رجل، تحتاج من يلقي عليها الثناء إذا تعبت، من يسهر عليها إذا مرضت، كانت تطرد هذه الهواجس من فكرها، كما نبهت على زميلاتها ان يكففن عن لعب دور الخاطبة كل يوم يقترحن عليها عريس، لقد حسمت أمرها، حياتها ملك لأولادها
كبرت البنت التي كانت منذ صغرها صعبة المراس، كثيرة الطلبات، على خلاف الإبن الذي كان يشفق على والدته، ويساعدها في كل شأن يتعلق بالبيت، كما أن طلباته كانت قليلة إن لم تكن نادرة....
تخرجت البنت من الجامعة، وبقيت تنتظر التعيين الذي طال، وهي لم تتعود على المكوث في البيت، لذلك فاتحت والدتها بأمر ذهابها إلى أحد المدن الساحلية لتعمل في احد النزل في مجال اختصاصها المحاسبات، رفضت الام وبشدة لكنها اخيرا رضخت للأمر بعد أن وعدتها البنت بالعودة اخر الأسبوع، والمحافظة على نفسها، وكان الأمر كذلك قرابة ستة أشهر، ثم ابتدأت أخبارها تنقطع، قلت،اتصالاتها، ما عادت تعود إلى البيت كل أسبوع، الاسبوع أصبح شهرا، والشهر أصبح أشهرا وكانت تتحجج بضغط العمل والموسم السياحي، حتى يئست الأم من انتظارها....اإلى أن أخبرها إبنها يوما وكان في قمة الغضب أن هناك فيديو إباحي يتداوله الشباب وان الفتاة تشبه اخته إلى حد كبير،، أسقط في يدها، اغمي عليها، ولولت مستحيل ابنتي لا تفعل ذلك حتى انها لزمت الفراش أياما، والابن يأكله الغيظ من ناحية ومن ناحية أخرى يشفق على والدته، التي قررت الذهاب والبحث عن ابنتها
قصدت النزل الفخم، تسأل عن ابنة ضالة، تحمل صورتها وتذرف دمع الخذلان، علمت انها اشتغلت في ذلك النزل قرابة ثلاثة أشهر ثم غادرت وانقطعت أخبارها.. خرجت تجر خيبتها، تقرع أذنيها كلمات والدها تحتاجين رجل يجابه معك الحياة، وشتائم اخوتها ستندمين يوم لا ينفع الندم.... لكن لا أبدا ابنتها لن تخذلها، لن تنس انها حرمت نفسها النوم والأكل لتوفر لها لباس المدرسة وثياب العيد، لتمسح دمعة ذرفتها يوما حين قالت انها اقل من صديقاتها، لا لا لن تخذلها ابنة قلبها..
لحق بها عامل بذلك النزل، رق لحالها وطلب منها ان تبحث عنها في ذلك الحي، أعطاها العنوان... يا الله لا بد انها تحلم، أخبرها أن ابنتها غرر بها احد العائدين من الخارج واغراها بالمال حتى تساعده في ترويج المخدرات على الشباب المقيمين في النزل، لكن اكتشف أمرها وطردها صاحب النزل لتلتحق بصديقها الذي أقنعها بضرورة كسب المال، المال الكثير، وسيتكفل هو بجلب الزبائن خاصة منهم الأجانب وسيقوم بحمايتها، رفضت في البداية لكن سرعان ما قبلت فهي خسرت كل شيء، ما عاد هناك ما تخشى فقده
ذهلت الأم لا لا، أكيد هو يخلط بينها وبين فتاة أخرى، صغيرتها لن تفرط في شرفها،لقد علمتها الصلاة مذ كانت في العاشرة، صحيح هي مقصرة، وربما تصلي رياء لكنها ربتها على الأخلاق
صدمت الأم من الفتاة التي فتحت لها الباب، أجل لا يمكن أن تكون ابنتها، ابنتها كانت بريئة وهذه التي تقف أمامها تشبه مومسات الخانات الرخيصة... هدتها الصدمة أمام صمت ابنتها وانكسارها، عادت إلى بيتها، لم تغادر غرفتها ولم تنطق بكلمة شخص الطبيب حالتها بأنها صدمة عصبية... كانت تهرب للنوم، كانت تهرب من الحياة حتى انها لم تنتبه إلى ابنها وهو يغادر في جوف الليل حاملا سكينا، اكيد لن يفجعها في ابنة قلبها سيجهز على ذلك القواد الذي سرق منهم الحياة.....
بقلمي
لطيفة البابوري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق