رمضان في زمن كورونا :تداعيات دراماتيكية..على الفرد والمجموعة
مع كل جائحة تَضرب العالم يُكتَب تاريخ جَديد للبشريّة وتَرتَسم خارطة مُختلفة للتّوازنات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبُلدان. وما يعيشه العالم اليوم إثر تفشي فيروس كورونا (Coronavirus (COVID-19 هو صُورة مُمَاثلة لتداعيات أكثر الجائحات والأوبئة التي ضَربت البشريّة عبر حقبات تاريخية مختلفة.
تعدى انتشار المرض الحُدود الجُغرافية للصين ليَشمل جميع أنحاء العالم وليَفرِض على الدول مجموعة من التَّراتيب الصّارمة لوقف تفشيه القاتل بين البشر إلا أن تداعِياته كان لها الأثر العميق على إقتصاديات البلدان وسِياساتها من الداخل والخارج.
تسبّب فيروس كورونا المُستَجد في تغيير لمسار البلدان السياسي والإقتصادي وبَرزَت النّقائص التي كانت تنخُر القطاع الصحي والإجتماعي للبلدان، وعلى الرغم من صُمود بعض الدول أمام تفشي الوباء السريع إلا أنها تعاني اليوم من نُقص حاد في الإمكانيات المالية واللوجستية لاستكمال حربها الضَّروس ضِدَّ مُخلفاته على القطاع الإقتصادي والإجتماعي. وبدا التأثير الاقتصادي الفوري للجائحة واضحا مما ساهم في وضع خطة طوارئ عالمية وتفعيل الإجراءات الاحترازية والتضامنية التي من شأنها حماية الاقتصادات من الأضرار المحتملة.
لم يكن للجائحة تأثيرا من حيث العلاقات الخارجية فقط بين البلدان بل هَدَّدَت تماسُك المجتمع المَحلي في حدّ ذاته. وقد حاولت الدول المُتضررة من الفيروس أن تلجأ إلى جميع الأساليب المُمكنة لتوعية المواطنين بخطورته، فاعتمدوا في البداية أساليب التَّوعية والتعريف بالوباء ثم لجؤوا إلى أساليب أكثر صَرامة كالحَجْرِ الصِّحي الوُجوبي والزَّجْري والعِقاب للمخالفين للنصائح الوقائية المُعتَمَدة، وهذا ما سبب حالة من الفزع والخوف.
وكان المُجتمع المدني كغيره من الفاعلين يجهَل ما سَتؤول إليه الأمور وخاصة مع إلغاء الدولة لجميع الفعاليات الثقافية والرياضية والمسابقات الأدبية والمهرجانات والنَّدوات والمعارض وغيرها. فكان يقف عاجزا،مُتفرجا لا يَعرف أي السِّياسات التي يَجب اتباعُها أمام هذا الوضع الكارثيّ العالميّ. إلا أن أصواتا تعالت من داخل المجتمع تُنادي بوُجوب تظافر الجُهود وتوفير الإمكانيات الماليّة واللوجستيّة الضّرورية لمُجابهة خطر هذه الأزمة العالمية. وانطلقت مُكونات المجتمع المدني في تحديد الأولويات مُعتمدة في ذلك على تجارب البلدان التي فتك بها الفيروس، لتصحح الخطأ في الإجراءات وتصوِّب تدخُّلاتها لتكون فعَّالة في تطويق الأزمة.
من هنا وجب التّحرك وفتح أبواب التّضامن والتآزر الذي تدعَمُه مُنظمات ومُكونات المجتمع المدني والاكتفاء بالمُراقبة الجادّة لأنشطتها. وبدأت الحاجة إلى انخراط العديد من الجمعيات التَّنموية والتَّضامُنية في هذه المُبادرة وحُدِّدت أدوارها مُسبقا لتُباشر النقائص الموجودة، تقيِّمها،وتُعالجها بأفضل الطرق المُمكنة.فالمجتمعات لا تبحث عن جمعيات ومنظمات تتواجد فقط عند الرخاء والسِّلم الاجتماعي بل هي في حاجة ماسَّة لها لتتدخَّل سريعا عند الأزمات والمصائب.وتَكمُن إضافتها البَناءة حقا في أدوارها الثلاث الرئيسية:
دور توعوي تحسيسي،يقوم على توعية المواطنين وتحسيسهم بضرورة الالتزام بقواعد الصحة الأساسية وطرق الوقاية من هذا الوباء الخطير.
دور ردعي ميداني،يقوم على توفير الرّصيد البشري المؤهل لحسن سير ونجاعة التدخل الميداني.
ودور رقابي،وذلك بالمتابعة اللصيقة واليوميّة لتطورات الأزمة وكيفية الحدّ من النقائص الموجودة.
ختاما أقول : يشهد الراهن التونسي وباء كورونا حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية وهو ما يستوجب تظافر الجهود وتوحيد القوى لتجاوز هذه الأزمة العالمية و تفادي سيناريوهات خطيرة،وذلك بإستباق آثار هذا الوباء والحد من تداعياته على صحة المواطن و على المجتمع ككل عبر تشريك كل الأطراف خاصة منظمات المجتمع المدني.
أخيراً وليس آخراً،وأمام انهيار المنظومة الصحية فان الرِّهان الحقيقي اليوم يقع على عاتق المواطن، على وعيه والتزامه بتداعيات الأزمة، وضرورة احترام التدابير الوقائية لحماية نفسه أولا والإحاطة ببقية مكونات المجتمع. فالوعي المُجتمعي بمشكلات المرحلة الراهنة هو أساس الخروج من براثن الأزمة والتّفاعل الإيجابي يساعد الدولة على توفير لا فقط الإمكانيات والطاقات البشرية،بل أيضا مجموعة من الأفكار المتجددة والآراء التي يمكن لها أن تساهم في استنباط حلول فعالة تساعد الدول التي لا تمتلك كل الضروريات لمجابهة الأزمات.
ولنا عودة إلى هذا الموضوع الشائك والمتداخل عبر مقاربات مستفيضة..
محمد المحسن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق