حتى نؤسس لصحافة حرة ومستقلة..تكون بوق السلام وصوت الأمة..وملاذ المظلوم ولجام الظالم بمنآى عن الرقابة،الترهيب،التخويف -الهرسلة و"لسعة المنشار"-(...)
.. يشهد قطاع الاعلام والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات طفرة عالمية تستدعي من جميع المؤسسات الاعلامية والصحفية مواكبتها والاستفادة منها لأبعد الحدود عبر توصيل المعلومة والخبر الصحيح من مصادره الموثوقة للقارىء والمشاهد والمستمع دون تشويه أو تحريف.
ولأن المؤسسات الاعلامية، صحفاً كانت أو محطات إذاعة أو فضائيات أو وكالات أنباء أو حتى صحافة إلكترونية،جزء من المجتمع، عليها البحث عن كل الوسائل المتاحة للقيام بدورها التعليمي والتثقيفي والتربوي والتنويري لأفراد هذا المجتمع وكشف الحقائق أمامه بصدق وموضوعية لكون أي إخلال بالمضمون من شأنه تشويه صورة الصحافة والصحفي نفسه والجهاز الإعلامي الذي يعمل به.
فد لا أجانب الصواب إذا قلت أن الصحفي صاحب رسالة نبيلة،عليه أن يسعى لإيصال رسالته هذه بكل إخلاص وتفان من دون تحريف للأحداث والوقائع، وعليه الابتعاد عن تملق المصادر وألا يكون أداة لتلميعها بحق أو دون حق.
ومن هنا بات لزاما عليه أن يكون دائما أداة اصلاح وبناء في المجتمع وعليه أيضا أن يعبر عن معاناة مجتمعه وممارسة التقييم المهني والمعالجة الموضوعية المهنية لكل قضية يتناولها بكل نزاهة، بعيدا عن الدعائية وخدمة الأجندة الشخصية.
وبصورة عامة فإن مهنة الصحافة، شاقة ومتعبة والحقيقة يمكن الوصول اليها بعد تعب وجهد وعبر الأبواب المفتوحة دون تحايل أو رشوة أحد للحصول عليها أو بطرق ملتوية أخرى.. فالمعلومة قد تكون مفيدة بقدر ما تكون مضرة أيضا.
ولكن..
بقدر ما يطالب الصحفي بالالتزام بأخلاقيات مهنته وتجنب البذاءات والابتعاد عن تلفيق التهم والاكاذيب التي قد تقود إلى سحب الصحيفة من الأسواق او تعطيل صدورها.. يجب أن تصدر الدولة، أي دولة،تشريعات وقوانين للصحافة تؤكد على حرية التعبير والحرية الصحفية عموما، وتحمي الصحفيين وتضمن حقوقهم،والأهم أن يلتزم الصحفيون بميثاق الشرف المهني الذي يضمن ويحمي الأطر الاخلاقية المطلوبة.
ومن جانب آخر،بالإضافة إلى التمسك بالأخلاق الفردية والجماعية، ومراعاة القيم،والثوابت والواجبات الأخلاقية العامة،يجب على الصحفي الالتزام بالمحرمات الأخلاقية أيضاً،وأن يتجنب ارتكابها.والمحرمات الأخلاقية هي تلك الخطوط الحمراء في نطاق الأخلاق الفردية والاجتماعية،والاثنان هما وجهان لعملة واحدة. وفي بعض الأحيان تصبح مسألة مراعاة الواجبات الأخلاقية والالتزام بها محدودة ومقيدة بشروط وقيود معينة.
وعلى سبيل المثال: على الرغم من أنه يجب على الصحفيين الالتزام بضرورة بيان الحقائق والأمور والأحداث، حتى وإن كانت قليلة الأهمية، ولكن بيان الحقيقة كلها يكون أحياناً أمراً صعباً، وأحياناً أخرى متعذِّراً. وبعبارة أخرى: عدم بيان الحقائق، وليس قلبها وإظهارها بشكل معكوس،يصبّ أحياناً في صالح المصلحة العامة.ومن هنا يبدو أن الرقابة على الصحف، وانتقاء المواضيع،ضرورياً في بعض الأحيان.وبتعبير آخر: يبدو أن بيان بعض الحقائق الاجتماعية أو الفردية يأتي خلافاً للمصلحة العامة،ويتسبب بالإساءة إلى مكانة الأفراد وحيثيتهم،أو يفسح المجال أمام الدخول إلى دائرة الحرمات الخاصة للأفراد،أو الإساءة إلى العفة العامة.
وفي هذه الحالة فإن بيان هذا الصنف من الحقائق،التي تورد الفرد والمجتمع إلى هذا المستوى من العواقب الوخيمة،يأتي خلافاً للمصلحة العامة بالتأكيد، ويعتبر خطاً أحمر لا يجوز تجاوزه. ومن هذا المنطلق فإن الأخلاق تحكم بوجوب الحذر من محرَّمات العمل الصحفي،وأخذها بعين الاعتبار..
سئل مونتسكيو عن أخطر الناس فقال: «الممنوع من الكلام لأنه سيتحدث بعضلاته».. وقيل لبيتهوفن وقد ثقل سمعه: «أي خسارة عظيمة أن تفقد سمعك وأنت الفنان العظيم!». فقال: «ستكون خسارتي أعظم لو فقدت لساني لأنه عنوان حريتي».. اما تولستوي فيقول ان الصحافة بوق السلام وصوت الامة وسيف الحق القاطع وملاذ المظلوم ولجام الظالم ، اما توماس جفرسون، الواضع الرئيسي لإعلان الاستقلال الأمريكي،فقد كتب سنة 1787 فيقول، "لو تُرك الأمر لي لأقرر ما إذا كان ينبغي أن تكون لدينا حكومة بدون صحف،أو أن تكون لدينا صحف بدون حكومة،لما تردّدت لحظة في اختيار الأمر الثاني".
وهذا لايعني أن الصحف كانت متساهلة معه عندما أصبح رئيساً. فقد نال نصيبه من التحقيقات الصحفية المحرجة. لكن جفرسون ظل ثابتاًً في تأييده حتى لأدق التمحيص الذي تجريه وسائل الإعلام لأنه كان يدرك أنه في غياب مثل تلك المحاسبة وفي غياب التدفق غير المُقيّد للأفكار، يتعطل النمو الخلاق للدولة ولا يكون أهلها أحراراً.
ومن هذا المنطلق نجد أن الصحافة ما هي إلا سلطة شعبية تنهض برسالتها بحرية واستقلال من أجل تأمين وممارسة حرية الرأي والفكر والتعبير والنشر والحق في الاتصال والحصول على المعلومات الصحيحة ونشرها وتداولها كحقوق أصيلة غير قابلة للمساس بها. وتسهم الصحافة في نشر الفكر والثقافة والعلوم والارتقاء بها. والصحافة وسيلة للرقابة الشعبية على مؤسسات المجتمع من خلال التعبير عن الرأي والنقد ونشر الأخبار والمعلومات في إطار من الدستور والقانون مع احترام المقومات الأساسية للمجتمع وحقوق وحريات الآخرين.
ولذلك يجب على المجتمع الدولي وأصحاب القرار والمواطنين في كل مكان،كي يبذلوا كل ما في وسعهم لضمان تمكين الصحفيين من مواصلة عملهم بدون عائق أو مانع،من أجل أن ينتفع الناس في العالم أجمع بحرية تداول الأفكار.
أثناء مسيرتي الإعلامية ككاتب صحفي بصحف تونسية،عربية ودولية،وخلال إجرائي لتحقيقات صحفية في مجالات عديدة،تعرضت للعديد من المضايقات التي حالت في بعض الأحيان من إتمام تحقيقاتي في كنف المسؤولية الضميرية وفي ظل تسهيلات لوجستية من بعض المؤسسات العمومية والخاصة..وهذا موضوع آخر سيسيل الحبر الغزير في مقالات قادمة على مهل..!
ما أريد أن أقول ؟
أردت القول أن حرية واستقلال الإعلام من أهم الحقوق السياسية في مجتمع يتطلع للتعددية السياسية والفكرية. فلا معنى للتعددية دون حرية. ولا فائدة من هذه التعددية إذا لم تتوافر لها الحرية والاستقلال الإعلامي. وتحتل قضية حرية الرأي والتعبير مكانة بارزة كأحد أهم حقوق الإنسان وذلك منذ صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948م. وفي 15 نوفمبر 1989 اعتمد المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة بالإجماع في دورته الخامسة والعشرين الاستراتيجية الجديدة للاتصال، التي تجلت فيها فعلاً في التغيرات الجذرية التي طرأت على الوجه السياسي لأوروبا والعالم أجمع بعد سقوط سور برلين وأكدت الاستراتيجية الجديدة على أهمية المبادئ الأساسية المتمثلة في حرية التعبير وحرية الصحافة وتنمية وسائل الإعلام المستقلة والمتعددة..
وهنا أذكّر :
احتلت تونس المرتبة الـ73 في الترتيب العالمي لحرية الصحافة لسنة 2021، لتتراجع لأوّل مرة منذ سنة 2011، بمرتبة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة،حيث وصف مدير مكتب شمال إفريقيا لمنظمة "مراسلون بلاحدود" صهيب الخياطي،هذا التراجع بـ المؤشر الخطير جدا".
وتم الإعلان عن التصنيف العالمي لحرية الصحافة في تونس لسنة 2021،خلال ندوة صحفية مشتركة بين النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ومراسلون بلا حدود "مكتب تونس"، انتظمت اليوم الثلاثاء 20 أفريل 2021،بمقر النقابة.
واعتبرت نائب رئيس نقابة الصحفيين أميرة محمد،أن تراجع ترتيب تونس بنقطة واحدة في هذا التصنيف كان متوقعا، لأن الفترة الماضية سجلت محطات كبرى في المواجهة بين الصحفيين والحكومة والبرلمان في علاقة بمشاريع القوانين التي تخص القطاع،وكذلك الاعتداءات التي طالت الصحفيات والصحفيين خلال اداء عملهم، إضافة إلى أن سنة 2021 انطلقت بمؤشرات خطيرة جدا لعل أخرها التعيينات المسقطة على رأس شمس أف أم ووكالة تونس افريقيا للأنباء،وهو ما اعتبرته "ضربا في العمق لاستقلالية وسائل الإعلام".
وأشارت أميرة محمد إلى اقتحام القوة العامة لمقر وكالة تونس افريقيا للأنباء، واصفة ذلك بـ "السابقة الخطيرة جدا والتي تهدد حرية العمل الصحفي".
ما الذي نريده ونسعى لتحقيقه ؟
صحافة حرة ومستقلة تكون بوق السلام وصوت الأمة..وملاذ المظلوم ولجام الظالم بمنآى عن الرقابة،الترهيب،التخويف -ولسعة المنشار-(...)
ولنا عودة إلى هذا الموضوع عبر مقاربة مستفيضة..
محمد المحسن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق