قصة قصيرة ( الأستاذة المتقاعدة)
دخلت هبة الرحمان إلى قسمها المعتاد و الضوضاء تلف أوله و آخره ، بلسان من حكمة عم الصمت و أخذ كل تلميذ مكانه ...سجل أحد التلاميذ على السبورة نشاط النصوص الأدبية ، و الموضوع شعر الطبيعة في العصر الجاهلي. في قراءة واعية للنص قرأت الأستاذة بتمعن و طلبت من سلمى أن تقرأ ..قرأت سلمى بصوت مرتفع و معبر قالت لها : أحسنت بدأت الأسئلة حول فهم النص و كانت البنات كما تعودن الأكثر إسهاما في شرح النص و فرض حيوية و حياة على القسم .دق الجرس
فرح التلاميذ بانتهاء الحصة و هذا ما بدا على لمعان الفرحة من عيونهم . ذهبت هبة إلى قاعة الأساتذة لتتناول جرعة راحة تمكنها من إكمال ما تبقى من الحصص .فجأة دخلت عليهن الأستاذة هدى التي تقاعدت مؤخرا و قد امتلأت سرورا و راحة و رفاهية بعد إتمام مدة الخدمة ...استبشرت هبة لما رأتها و قالت : أهلا و سهلا بك ، كيف خطرنا على بالك اليوم وزرتنا قالت: اشتقت لكن و للأيام التي جمعتنا .كانت لدي أشغال قريبة من ثانويتنا أتممتها و قلت ماذا لو ملأت لحاظي منكن و ووقفنا على ذكرياتنا .من خبر إلى آخر حتى بادرتني بالسؤال : هبة هل أكملت إجراءات تقاعدك،قلت: نعم و الملف دفعته و الحمد لله،ردت:جيد، صبرا أختي ماهي إلا شهور و تنعمي بالراحة، خاصة أن هذا العام يبدو أن المرض تمكن منك و الوهن نسج زواياه على محياك .نعم أدعو من الله أن يعينني حتى أكمل عامي هذا . دق الجرس عدت لإكمال بقية الحصص.
بقيت هبة تعطي و لا تبخل تيسر ما هو عسير تقف و لا تجلس حتى تطمئن على ما تقدمه لأبنائها .و كان أفضل شيء بالنسبة لها أن تلتقي بتلاميذها على قارعة الطريق و يسلمون عليها و تسألهم عن مسار دراستهم .
غادرت هبة التعليم يوم أن قبل ملف تقاعدها ، و قابلت حياة جديدة لم تكن تعلم شيئا عن ما تخفيه ...فعلا حياة الفراغ بعد الفراغ من أعمال منزلية شاقة ، فراغ من حياة مليئة بحياة عطاء ، فراغ من برنامج لم يعد في الوجود ، فراغ من أصدقاء عمل تعودتهم و تعودوها
نعم مرت الأيام ثقيلة جدا و الأمر في ذلك التقت مع كورونا و الحجر الصحي و نتائجه النفسية الوخيمة ..
كم من مرة قلت في قرارة نفسي:أين الحكومة من هذا ؟لماذا لا تستثمر في مثل هذه الشريحة لبناء زهور المستقبل ؟....كم ركنت إلى العزلة ، و الصمت المطبق ، رأيت أن أكتب و اجعل قلمي يجري من نفسي مجرى الدم ، أو أصاحب الكتاب فأنهل منه ، و أشرح صدري بقراءة القرآن الكريم و فهم معانيه ...و أدعو الله ليتمكن حفظ القرآن من نفسي ...كانت المحاولات على قدم و ساق حتى يقبر الفراغ بملء إرادته و على يد هبة الرحمان .
كانت التجربة قاسية و نتائجها النفسية بحر لا خضم له ،لكن في الأفق الرحيل فسحة أمل لأن هبة ستقدم لإكمال دراستها الجامعية .
وهيبة بتشيم (الجزائر )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق