الأحد، 23 أكتوبر 2022

حافظة الشعر العربي (الحلقة الخامسة) بقلم الأديب عبد الكريم احمد الزيدي العراق / بغداد

 حافظة الشعر العربي
(الحلقة الخامسة)
...................................................

ونبقى في سباق حافظة الشعر لننتقل الى حلبة العصر الطربي والزجل والموشحات وزخرف الشعر وبديع اللفظ والموسيقى ، ذاك هو العصر الاندلسي .

وان كان هذا العصر هو امتداداً للعصر الذي سبقه الا ان انتقال الخلافة الإسلامية فيه الى الأندلس ، جدد في روحه وبيئته وتأثر كثيرا بعادات وتقاليد ووسائل العيش وطبيعتها في هذا البلد الغريب عن اجواء العرب وبيئتهم .

وقبل ان اتحدث شيئا عن خصائص الشعر فيه وتعدد اغراضه وما استجد فيه وعليه من البديع ، سأعرض لكم نموذجا من جمال الشعر وصياغته على لسان شاعر الأندلس المعروف ( ابن زيدون ) الذي يقول في حب من فتنت قلبه وهي (ولادة بنت المستكفي) وهي سيدة عصرها وكانت أديبة وشاعرة واثقة من نفسها لدرجة الغرور ، حتى طرزت بالذهب على ثوبها هذين البيتين :

أنا والله أصلح للمعال
وأمشي مشيتي وأتيه تيها

وأمّكن عاشقي من صحن خدي
وأعطي قبلتي من يشتهيها

اما شاعرنا ابن زيدون فقد صاغ قصيدة غزل شعرية غاية في الجمال والعذوبة تقارب فيها روي معلقة ابن كلثوم التي مطلعها :

ألا هبي بصحنك فأصبحينا
ولا تبقي خمور الأندرينا

حيث يقول ابن زيدون في حب ولادة بنت المستكفي :

أضحى التنائي بديلا من تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا

ألا وقد حان صبح البين صبّحنا
حينٌ فقام بنا للحين ناعينا

من مبلغ الملبسينا بأنتزاحهم حزنا
مع الدهر لا يبلى فيبلينا

وتعددت الأغراض الشعرية في الأندلس  (والتي هي اسبانيا حاليًا ) وافتتن الشعراء بسحر اراضيها ومناظرها ، وأول ماظهر فيها نشأة الموشحات والزجل ، بعد امتزاج الأجناس واندماجها مع الحضارة العربية والانفتاح على العلوم والثقافات الأخرى التي سهلتها الترجمة من لغات أخرى ، والموشح كلام موزون منظوم يتكون من ستة أقفال وخمسة ابيات ، وسميت بهذا الاسم لما فيها من تزيين في القوافي والأوزان تشبيهًا لها بوشاح المرأة المرصع بالمجوهرات .

ولربما ازدهر هذا اللون الشعري الطربي والموسيقي لانتشار مجالس الطرب واللهو والغناء وولادة الآلات الموسيقية بظهور زرياب الذي جدد الموسيقى وأحيا الأوزان العروضية وتفنن بها في البيئة الأندلسية .

بدرتم. شمس ضحا .غصن نقا.مسك شم ما اتم ما أوضحا .ما أورقا
ما أتم لا جرم .من لمحا قد عشقا
قد حرم

وصورة أخرى لموشح ثاني بقافية ووزن
حسب دعامات بنائه :

موسى المطر .غيث بكر .ثم انهمر .الوى المرر
كم اعتسر

ثم ابتسر .وكم قدر .ثم غفر .عدل اليسر
باقي الاثر

خير وشر .نفع وضر .خير البشر .فرع مضر
بدر بدر

وهذا سلم موسيقي على وزن مستفعلن
يتكون البيت الواحد من دعامات اربع وأربع حركات ، وينسب لسلم الخاسر .

والوزن في الموشح يختلف عن الوزن العربي ذات التفعيلة الواحدة .

والشعر الاندلسي عمومًا تميز ببساطة التعبير والإيقاع الموسيقي الذي نلمسه في الألفاظ والتراكيب مما سهل غنائها لسلاسة لغتها واستخدامها المحسنات البديعية والتي اكثر منها الشعراء ولكن بدون تكلف ، اضافة الى تعدد أغراض الشعر ابتداءا من المدح وأشهر من نظم فيه( لسان الدين بن الخطيب ) الذي جاء بالقول :

جادك الغيث أذا الغيث همى
يا زمان الوصل بالأندلس

لم يكن وصلك إلا حلما
في الكرى أو خلسة المختلس

ثم نظم في الرثاء كثيرا بعد سقوط الأندلس وأشهر من قال فيه ( ابو البقاء الرندي) حيث قال :

لكل شيء إذا ما تم نقصان
فلا يغر بطيب العيش إنسان

هي الأيام كما شاهدتها دول
من سرّه زمن ساءته أزمان

وهذي الدار لا تبقي على أحد
ولا يدوم على حال لها شان

ثم ينتقل ليقول :

أين الملوك ذوو التيجان من يمنٍ
وأين منهم أكاليل وتيجان ؟

وأين ما شاده شداد في أرم
وأين ما ساسه في الفرس ساسان ؟

وأين ما حازه قارون من ذهب
وأين عاد وشداد وقحطان ؟

والغرض الآخر الذي لازم الشعر العربي في مراحل انتقاله وهو الهجاء ، والذي لجأ اليه الشعراء حتى الى حدود هجاء النفس كما ورد في شعر ( ابن حزمون ) الذي قال :

تأملت في المرآة وجهي فخلته
كوجه عجوز اشارت ألى اللهو

أذا شئت أن تهجو تأمل خليقتي
فأن بها ما قد أردت من الهجو

كأن على الأزرار مني عورة
تنادي الورى غضّوا ولا تنظروا نحوي

ولا نزال في أغراض الشعر الأندلسي الذي زينه الغزل في اجمل ألوانه على لسان شاعره ( الشاعر الأندلسي ابن زيدون ) :

أجدُّ ومن أهواه في الحب ، عابث
وأوفي له في العهد إذ هو ناكث

حبيب نأى عني مع القرب والأسى
مقيم له في مضمر القلب ماكث

جفاني بأِلطاف العدا وأزاله
عن الوصل رأي في القطيعة حادث

تغيرت عن عهدي وما زلت واثقا
 بعهدك ولكن غيرتك الحوادث

وللإشارة الى أدب وشعر الأندلس لابد لنا ان نمضي للتعرف على اهم شعراء الأدب فيه ومنهم :
ابن سهل الأندلسي الذي قال قصيدته المشهورة بالرداء الأخضر :

الأرض قد لبست رداءا اخضرا
والطل ينثر في رباها جوهرا

هاجت فخلت الزهر كافورا بها
وحسبت فيها الترب مسكا ادفرا

وكأن سوسنها يصافح وردها
ثغر يقبل منه خدا احمرا

ولنا أيضا وقفة مع الشاعر ابو البقاء الرندي في اجمل ما كتب :

يا سالب القلب مني عندما رمقا
لم يبق حبك  لي صبرا ولا رمقا

لا تسال اليوم عما كابدت كبدي
ليت الفراق وليت الحب ما خلقا

ما بأختياري ذقت الحب ثانية
وإنما جارت الأقدار فاتفقا

وكنت في كلفي الداعي الى تلفي
مثل الفراش أحب النار فأحترقا

يامن تجلى الى سري فصيّرني
دكاً وهز فؤادي عندما صعقا

انظر ألي فان النفس قد تلفت
وارفق علي فان الروح قد زهقا

ولجميل وعذب هذا التوصيف الشعري البديع وانتقاء مفرداته التي لا تطرق ابواب القلوب ولكن تدخلها بلا أستاذان نعود الى شاعر أندلسي اخر وهو ( لسان الدين بن الخطيب ) الذي قال قصيدا الى قريب الموشح :

يا غزالا ترك القلب المبلى
حين ولى في خفوق وكآبة

كيف يشكو القلب مني خفقانا
ودواء المسك في تلك الذوابة

ولأهمية شعر الغزل وعذوبته في هذا العصر ، فلا بأس ان نعود الى الشاعرة (ولادة بنت المستكفي )التي قالت :

لحاظكم تجرحني في الحشا
ولحظنا يجرحكم في الخدود

جرح بجرح فاجعلوا ذا بذا
فما الذي اوجب جرح الصدود

وفي المدح نجد الشاعر ابن وهبون وهو يمدح ابن عباد فيقول :

قل الوفاء فما تلقاه من أحد
ولا يمر لمخلوق على بال

وصار عندهم عنقاء مغربة
أو مثل ما حدثوا عن ألف مثقال

ولذكر شعراء الأندلس فاننا نحتاج الى حلقات طوال ، وسأكتفي بذكر اهم وأشهر من صدح قوله فيهم وهو الشاعر ابو اسحق الالبيري  ، وجاء في اقواله :

تَفُتّ فؤادك الأيام فتا
وتنحت جسمك الساعات نحتا

وتدعوك  المنون دعاء صدق
ألا يا صاح أنت أريد أنتا

أراك تحب عرسا ذات خدر
أبت  طلاقها الأكياس بتا

ثم يقول :

فلو قد ذقت من حلواه طعما
لآثرت التعلم واجتهدتا

ولم يشغلك عنه هوىً مطاع
ولا دنياً بزخرفتها فتنتا

سأكتفي بهذا القدر من الإسهاب الذي ورد لزاما لاهميته ولكي امضي معكم الى متن وختام الموضوع ان شاء الله في منشور اخر .

تقبلوا مني كل آيات الود والامتنان ولما لقاء متجدد باذن الله تعالى .

.................................................
عبد الكريم احمد الزيدي
العراق / بغداد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق