السبت، 24 أبريل 2021

الناقد توفيق بكار في ذكراه الرابعة بقلم الناقد الاعلامي محمد بن رجب

 الناقد توفيق بكار في ذكراه الرابعة

......
أعيد نشر هذا النص الذي كتبته إثر بلوغ نعيه لم أجر عليه أي تغيير
.........
كان شمعة ثقافية وأدبية لخمسين سنة ...وسيبقى منيرا..
.............
عرفت الجامعة التونسية منذ تأسيسها عددا كبيرا من اساتذة اللغة العربية ..والكثير منهم اختصوا في النقد الأدبي...واحد فقط برز بعمق اتصاله بالأدب التونسي الحديث والمعاصر..لا فقط لأهمية محاضراته ودروسه بل لأنه أيضا كان فاعلا في الشارع الثقافي التونسي محطما بذلك البرج العاجي الذي كثيرا ما جلس عليه الأساتذة الجامعيون في بدايات الجامعة إلى غاية الثمانينيات خاصة منهم القادمون من السربون
...فقد نزل توفيق بكار الى ساحة الادب التونسي ..و اقتحم عالم الثقافة التونسية بأدواته النقدية الحديثة...وثقافته الواسعةوعشقه الكبير للانتاج الادبي التونسي الذي تعرض دائما الى الغبن والاتنكار لأن المتعلمين التونسيين تربوا بعمق في الأدب المصري ..مع الأدب اللبناني وبعض الكتاب من سوريا والعراق ...مع غياب شبه كلي للأدب التونسي ..
..ولأنه كذلك فإنه تمكن من أحداث أثر مهم في الابداع الادبي التونسي بكل ميادينه السردية والشعرية والنقدية
.....وشارك في تطويره ...و اخراجه من ضيقه وفسح المجال امامه ليكون مهما على الساحة العربية..وربما ايضا العالمية...
هذا الأستاذ الناقد هو توفيق بكار الذي توفي اليوم الاثنين 24افريل
......
لقد كان أحد عمالقة جامعة تونس منذ كانت وحدها في البلاد إلى أن اصبحت لنا عدة جامعات ..وتحديدا أحد أعمدة كلية الاداب والعلوم الانسانية في شارع تسعة أفريل ..ثم كلية العلوم الانسانية بمنوبة ..وكليات صفاقس.والقيروان وغيرها
.....
ذاب حبا في الادب التونسي ..وأعلى شانه في فترة كان هذا الأدب درجة ثانية في الذهنية التونسسة العامة
وحتى في أوساط المثقفين والادباء أنفسهم....وأعطاه المكانة الحقيقية التي يستحقها..وساهم بقوة في اقحامه في البرامج التعليمية في التعليم الثانوي وحتي الابتدائي ..وفي البرامج الأدبية بالجامعة... ..وشارك في تشجيع طلبة الدكتوراه على اختيار الادب التونسي في مواضيع اطروحاتهم ...كما شجع عددا من طلبته على الكتابة ومتابعتهم بالنصيحة والراي..والنقد..وقد وجه الطلبة الى ان يكونوا حداثيين لا فقط بدراسة الادب الحديث والمعاصر بل بالتشبع بالحداثة و العمل على ترويجها وتعميقها في كتابتهم وغرسها في ابداعاتهم والنزول بها الى معترك الحياة الادبية والثقافية.
وقد برز بتشجيع ظهور الطليعة الادبية في تونس و الدفاع عنها وعن مكتسباتها وعناصرها
...ودعمهم في الجامعة وفي الاعلام وفي المجلات ...وعرف في كتاباته بعدد من كتاب الطليعة
...وساهم بوضوح في أن يكونوا من أبرز الفاعلين على الساحة الأدبية....
وقد تكون على يديه في نقد الادب
باحثون ودارسون أصبحوا من ابرز الاساتذةالجامعيين ونقاد الأدب الاكادمي والنقد المرتبط بالحراك الأدبي والثقافي اليومي في الشاعر التونسي ..وكل البلاد العربية كلهم نزلوا ساحة الوغى ..اي أنهم لم يلتزموا حدود الجامعة ..بل عملوا مثل أستاذهم على ازالة الحواجز الاصطناعية بين الجامعة والشارع الثقافي وبالتالي اصبحوا رموزا كبيرة في الادب والنقد لا في تونس فقط بل في البلاد العربية ..ولا بصفتهم أكاديميين فقط بل بصفتهم مبدعين في النقد و فاعلين بقوة في الابداع مؤثرين في الحركات الادبية
ونذكر من هؤلاء الاساتذة مما يسمى الجيل الثاني اي جاؤوا بعد المؤسسين و تخرجوا من الجامعة التونسية الاساتذة محمود طرشونة..ومحمد صالح بن عمر وحمادي صمود ومحمد القاضي والراحل الطاهر الهمامي الذي اعد أطروحة دكتوراه المرحلة الثالثة حول الطليعة الادبية وهو امر لم يحدث في أي جامعة عربية حيث يتم البحث على مستوى الدكتوراه في ابداعات مجموعة من الشبان ربما تجربتهم لم تكتمل بعد...وقد نجحت التجربة.....وكتاب الطاهر الهمامي في هذا الامر يعتبر اليوم المرجع الذي يتميز بالدقة والشمولية بل هو المرجع « الثقة» الوحيد حول الطليعة
كما نذكر من الأساتذة المتأثرين بالراحل توفيق بكار محمد القاضي والمنصف الوهايبي وتوفيق الزيدي وحسين العوري ...وغيرهم كثير
وللعلم ايضا أن هناك عددا من المبدعين الذين لم ينالوا شهائد علمية من الجامعة التونسية ونالوا حظوة كبيرة لدى توفيق بكار .نذكر من بينهم عزالدين المدني وسمير العيادي .والناقد احمد الحاذق العرف ..
كما كان يكن تقديرا خاصا بالنقد السيار في الصحف فشكر علنا وفي مداخلاته الدور الذي لعبته شخصيا على الساحة الادبية . (الناقد الاعلامي محمد بن رجب ).....
ونذكر بهذه المناسبة ان الراحل توفيق بكار لم يعمل بمفرده في كل ما قام به لفائدة الادب التونسي بل كان فاعلا مع الراحل صالح القرمادي و المنجي الشملي والبشير بن سلامة
وفي البدايات مع الشاذلي الفيتوري ومحمد عزيزة دون أن ننسى دور مجلة الفكر لمحمد مزالي ...ومجلة «التجديد » المنهجي الشكلي والملحق الثقافي لجريدة العمل التابعة للحزب الدستوري الحاكم ....ومجلة «ثقافة » التي اصدرتها دار الثقافة ابن خلدون ......دورها في احتضان الأدب الحديث
..والتركيز على الطليعة الأدبية ودعم توفيق بكار ..ومحمد صالح بن عمر ..وعزالدين المدني وغيرهم في فترة كان فيها الادب الكلاسيكي مسيطرا ..ورغم أهميته كانت تنقصه الجرأة في احداث الحركية الواسعة والاثارة والنقد السياسي ومواجهة المجتمع.. ...وتبني الحداثة والحركات الأدبية مثل الطليعة .
والى جانب مؤلفاته المشتركة مع صالح القرمادي ودراساته في القصة والرواية والشعر والنقد أدار توفيق بكار سلسلة « عيون المعاصرة » التي تصدر عن دار الجنوب لصاحبها الراحل محمد المصمودي ..وهي أهم سلسلة أدبية في تونس أخرجت للناس روايات من أفضل ما أبدع الكتاب التونسيون..كما أخرجت هذه الدار في ساسلة «عودة النص» تحت اشراف الراحل مجموعة نصوص متميزة من الادب المغاربي الصادر باللغة الفرنسية مترجمة الى اللغة العربية...وقد ينسى الكثير من المهتمين بالادب ان الراحل توفيق بكار اشرف على تنشيط ناد أدبي في المركزالثقافي البلدي بشارع محمد الخامس...وقد تمت ازالة هذا المركز لاضافة مساحته الى مدينة الثقافة التي لم تزف نفسها بعد للحياة الثقافية....(وطبعا أصبحت العاصمة زاهرة بمدينة الثقافة التي تم تدوينها بعد سنتين من وفاته )
وهذا النادي الذي كنت اتابع جل انشطته تولى تقديم عدد من الأدباء التونسيين من الساردين والشعراء
...مع التركيز على الاحياء منهم
...ومن موضوعية هذا الرجل انه لم يفضل كاتبا على آخر بسبب انتمائهم الفكري أو بسبب توجههم السياسي
كان ذلك في نهاية الثمانينيات فقد عرف بمحمد صالح الجابري ومحمد العروسي المطوي...ورضوان الكوني والطاهر الهمامي والمنجي الشملي وعزالدين المدني ومصطفى الفارسي والميداني بن صالح وعلى ما اعتقد ايضا عرف بعبدالواحد براهم وسمير العيادي
..ومن أطرف ما أذكره أن آخر حصة تنشيطية ضمن هذه السلسلة كانت للتعريف بالشاعر أحمد اللغماني الذي تفرغ في مدح بورقيبة او كاد....وقد مدحه بقصائد اعتبرها شخصيا كبيرة...ولا تقل قوة عن بعض قصائد المتنبي في مدح سيف الدولة...= ذلك يوم الجمعة خمسة نوفمبر 1987 وقمت بكتابة نقل موسع عن هذه الجلسة الخاصة باحمد اللغماني والتي تجاوز فيها الباحثون الحديث عن اللغماني للحديث عن بورقيبة مع تعظيمه بشكل زائد عن اللزوم لايجاد صيغة ما دفاعا عن هذه المدحيات ..ونشرت المقال في جريدة الصباح يوم سبعة نوفمبر
...وكان زين العابدين بن علي فجر ذلك اليوم قد أزاح بورقيبة من الحكم ....واعتقد أن لا أحد إهتم بهذا المقال ...فقد كانت تونس كلها مركزة على الانقلاب وعلى بيان بن علي ...كما كانت المتابعات عالمية
...وعلى كل يبقى المقال وثيقة مهمة عن هذا الحدث الأدبي الذي يبرز أحمد اللغماني لكنه ايضا يقدم درسا في الموضوعية الأدبية التي كان يتحلى بها الراحل توفيق بكار الذي لم يكن ينتصر لنظام بورقيبة الا انه لم يحرم أحمد اللغماني من نقد ابداعاته ..وتحليل شعره..ولو كان مدحا ....
وما أنهي به هذه المقالة التي تواصلت مفتوحة على العموم لعدة ساعات قبل أن أقرا لقطة من الذاكرة من حياة الراحل هي مهمة جدا ومؤلمة ايضا كتبتها في صفحتها الباحثة زهرة الجلاصي
..تذكرتها معها ..ففي نهاية الثمانينيات بلغ الراحل سن التقاعد
..فتقدم بطلب التمديد له لأن يحس بانه لم ينه رحلته مع الجامعة ومع الطلبة ومع الأدب التونسي الذي احبه حد الفناء فيه. ..الا أن عميد كلية الآداب رفض التمديد له . وطلب منه أن يتقدم بمطلب تمديد له من وزارة التعليم العالي وهو ما أزعج كل الذين يعرفون توفيق بكار وسمعوا بهذا الموقف الغريب
فنشرت جريدة الصباح افتتاحيتها بقلم عبداللطيف الفراتي طالبت فيه وزارة التعليم العالي التمديد له مع ذكر اسمه في هذه الافتتاحية ..وهو امر لم يحدث من جريدة الصباح على الاطلاق ..فالافتتاحيات لا تتناول الا المواضيع العامة والقضايا ذات البعد الوطني او القومي أو العالمي اوالانساني اما ان تكون خاصة بموضوع من هذا القبيل فلم يحدث على الاطلاق....بل ان الجريدة لم يحدث ان تحدثت عن قضية شخصية في افتتاحيتها ..وحدث ان كتبت اذن عن تقاعد توفيق بكار واعتبرت هذه المسألة وطنية وان تقاعده اذا ما وافقت عليه وزارة التعليم العالي فهو خطأ فادح يتم عن سوء تقدير
ولا بد من ايجاد حل لتقاعد اساتذة و شخصيات فكرية وادبية وعلمية في حجم توفيق بكار...والغريب ان الوزارة لم تتخذ أي اجراء لانقاذ ماء وجهها ..ولم تتحل بالشجاعة لتترك الاستاذ بكار في كليته لتدريس الطلبة الذين يعشقون دروسه
..ويتمتعون بمحاضراته...والاستفادة من اتساع معرفته بالادب التونسي.وبالادب الحديث بصفة عامة...وتمكنه من الادب العربي
..وتظلعه في اللغة العربية التي ان نطق بها حبب الناس فيها...وان كتب بها تعلق القراء بكل حرف خطه و انطلاقا من حبهم لنصوصه يحبون المطالعة .....
لقد صمتت وزارة التعليم العالي وصمتها مخجل فعلا ...
.وكانت النتيجة فضيحة باتم معنى الكلمة فقد سافر توفيق بكار الى فرنسا فور علمه بموقف الوزارة
..ووجد في انتظاره عقد عمل بصفة استاذ متعاون بالسربون ..وكان العقد مجزيا ماديا ..ودرس بكار اذن في كلية فرنسية لعدة سنوات إلى أن بلغ الرابعة الثمانين ....الا انه ابدا لم يبتعد عن الادب التونسي لأنه يحس انه جزء منه ...واصبح الحديث عن الادب التونسي الحديث والمعاصر لا يمكن ان يتم دون الحديث عن توفيق بكار...
رحمه الله...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق