الخميس، 22 أبريل 2021

بأي حال أتى رمضان هذا العام وكيف سيمر في ظل الظروف الاستثنائية الحالية؟ بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 "رمضان بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا رمضان..بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ" *

بأي حال أتى رمضان هذا العام وكيف سيمر في ظل الظروف الاستثنائية الحالية؟
هذا ما شغل بال الكثير من المسلمين قبل ما يزيد عن أسبوع،بمعنى قبل حلول الشهر المميز بالطقوس الدينية والعائلية، فماذا سيغير كورونا هذا العام؟
بعد ما يزيد عن أسبوع استقبل المسلمون في العالم أكثر شهورهم قدسية،رمضان الذي أتى هذا العام على غرار العام الماضي في ظروف استثنائية غيرت بشكل غير مسبوق مظاهر الحياة العامة والاختلاط بين الناس وستغير الوجه المألوف لهذا الشهر المميز أيضا.
فقبل سنة فقط من الآن لم يكن أحد ليتصور أن شهر الصيام سيكون خاليا من أهم مميزاته وخصوصياته: العزائم والولائم العائلية لوجبة الإفطار وصلوات التراويح وموائد الرحمن وربما فريضة الحج كذلك..
ورغم أن الشهر افتقد منذ انتشار جائحة كورونا اللعينة،أبرز ما يميزه من طقوس جماعية خاصة واقتصر الأمر على التعبد الفردي مع الأسرة الصغيرة داخل البيت بدلا من مظاهر التعبد الجماعي "إلأ أنها تجربة جيدة أن يعيش الفرد رمضان بعيدا عن الأشكال الطقوسية والمظهرية التي تخرجه في كثير من الأحيان عن مقاصده وأهدافه الحقيقية بل أحيانا تؤدي إلى عكس الحِكم التي شرع من أجلها،لذا أعتبر أنها ستكون تجربة خاصة ومفيدة مع ما سنفتقده من عادات أخرى جميلة مميزة لهذا الشهر،ومع كل الأمنيات طبعا بأن ينتهي بلاء الوباء في أسرع وقت ممكن".
للمرة الثانية، نصوم شهر رمضان على إيقاع الحياة الذي فرضته كورونا، ونحيي كل أجواء وطقوس رمضان في البيت. وفي مقدمة هذه الطقوس، فاكهة رمضان الروحية: صلاة التراويح. ونُقيم إفطارات جماعية عن بعد، كل في بيته، لكن بفضل التكنولوجيا كنّا معا. أما في الفضاء العام، فبدلا من اقتسام فرحة ودفء أجواء رمضان، تباعدنا مراعاة لمسافة الأمان.
فهل يعد ثاني رمضان في ظل كورونا أسهل أم أصعب من سابقه؟ وهل سيكون من اليسير استبدال العادات المتوارثة في المناسبات الدينية والاجتماعية مرة أخرى، بعادات تلائم الوضع الراهن؟ وكيف نتجاوز الآثار النفسية للتباعد الاجتماعي على المجتمعات العربية؟ وماهي البدائل الصحية؟
وإذن..؟
هذا العام، تشهد معظم الدول العربية والإسلامية حظراً للتجوال،وهي حالةٌ أقرب إلى الاعتكاف داخل المنازل،فتكاد الشوارع-ليلا-تخلو من المارّة والمركبات،ويقضي كثيرون نهارهم نائمين وليلهم ساهرين...
إذن لا فروق تذكر بين الطقوس والسلوكيات المتبعة حالياً بفعل كورونا وتلك السنوية المصاحبة لشهر رمضان. وكأن كورونا فرض قسراً سلوكاً رمضانياً مبكّراً، ما قد يفقد تلك الطقوس والتغييرات جاذبيتها وعبقها المعتاد، فالمسلمون يمارسونها بالفعل منذ أسابيع عدة.
أما عن جوهر ما يحمله الشهر الكريم،فالأمر مختلف،فشهر رمضان يحمل لمسلمين كثيرين جوهراً مميزاً وشديد الخصوصية والتفرّد،فيبسط روحانيات وينشر سلاماً وتسامياً،ولا يدانيه في ذلك المزيج التصوفي بين التعبّد والتزهد، سوى شعائر الحج. على أن جوهر الحج توسل للرّب، أما رمضان فتبتّل للرب وتنفل لعباده. وسيأتي شهر رمضان، ومسلمون كثيرون في العالم قد رأوا بأعينهم قدرة الله على البطش بعباده، وإن كانوا على يقينٍ مسبق بالقدرة الإلهية، إلا أن من رأى ليس كمن سمع.
لا يعني ذلك أن رمضان هذا العام سيزيد المؤمنين إيماناً أو سيستقبله المسلمون بيقين أعلى وعقول أوسع دراية وقلوب أكثر هداية. صحيحٌ أن مسلمين كثيرا عادوا إلى الله، وبعضهم راح يبحث في مرجعياته العقيدية عن ملجأ روحي وفكري يلوذ به. ولكن هذه الرّدة إلى الروحانيات والإيمانيات لم تكن مقصورة على المسلمين وحدهم، فمعظم الديانات والعقائد، عاد إليها أصحابها بحثاً عن مهرب أو مخبأ من ذلك القاتل الخفي المجهول، كورونا.
وبينما يُفترض أن يتطلع المسلمون إلى شهر رمضان للتعبد والاسترحام والتضرع من أجل رفع البلاء،لا شواهد توحي بوجود تلك الروح الإيمانية المعتادة في استقبال رمضان.
كأن المسلمين عاشوا بالفعل خلال الأسبوع الماضي لحظات العجز والتسليم والعبودية،وبلغوا ذروة الخضوع للقوة الإلهية المطلقة. ودخل عليهم رمضان،وقد فرغت طاقتهم الإيمانية،ونفدت قدرتهم على التحمّل.
وبدلاً من المسارعة إلى رحمات ومغفرة من ربهم،علّه يرفع عنهم بلاء كورونا،وهو كفيل به، يبدو أن الفيروس لم يصب فقط الأجساد،وإنما ضرب أيضا القلوب والنفوس،حتى إن جاءها رمضان وجدها وحيدة منعزلة،ربما حتى عن ربها.
وفي ظل جائحة كورونا التي لا تزال –وهي وفي عامها الثاني- تخيم بظلالها على العالم بأسره، ستبقى وقاية النفس من الوباء وسلامة المجتمع لها الأولوية على تلك العادات والطقوس بما فيها صلوات القيام وصلة الأرحام، بحيث تقتصر صلة الرحم على اتصالات ومكالمات عبر الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي، وستقتصر الصلوات في المساجد على الفرائض والتراويح وفقاً لضوابط وشروط معينة، ولا يوجد تعارض في ذلك مع الحكمة من الشهر الفضيل، لأن الأحكام تتبدل في ظل الظروف المحيطة، فما كان مستحباً قبل الجائحة أصبح مكروهاً أو محرماً خلالها، ذلك أن قدسية الحياة مقدمة على قدسية الدين، قال تعالى عز وجل: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}. وعن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَضَى أَنْ «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ»، وعن أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ، مَنْ ضَارَّ ضَارَّهُ اللَّهُ وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ». وهذا ما استوجب منع الاختلاط والتجمعات وصلة الأرحام والاعكتاف في زمن كورونا لتفادي كل هذه المخاطر التي تعد عاملاً أساسياً في نشر الفيروس، ولما تعود به من ضرر على المجتمع ككل.
لكن..ورغم هذه الظروف،تبقى للشهر بهجته وروحانيته،حيث يتمكن المسلم بالخلوة من التقريب أكثر في علاقته بخالقه،قدوةً بالرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي كان يحب الخلوة في غار حراء مهبط الوحي. قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: «ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاء، فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاء يَتَحَنَّث فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّد اللَّيَالِي ذوات الْعَدَد- قَبْلَ أَنْ يَنزِع إِلَى أَهْله وَيَتَزَوَّد لذلك، ثُمَّ يَرْجِع إِلَى خَدِيجَة فَيَتَزَوَّد لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءهُ الْحَقّ وهو في غار حراء».
والخلوة تمكن الإنسان من التأمل والتفكير بعيداً عن ضغوط الحياة والالتزامات الدنيوية والروتين اليومي.. وتسمح للعبد بأن يكون مع الله وهو جالس في بيته، يكلم الخالق عز وجل وهو يقرأ آياته وسوره الكريمة.
الصيام في رمضان ليس فقط امتناعاً عن الأكل والشرب، بل هو أيضاّ امتناع عن كل المتع والشهوات التي تقطع على المسلم الطريق إلى الله. ومن تمام الصيام الابتعاد عن الغيبة والنميمة قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا}. وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغيبة، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «أتدرون ما الغيبة؟
قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول،فقد اغتبته،وإن لم يكن فيه فقد بهته».
وسيساهم حظر التجمعات والزيارات في التخفيف من الإشاعات والأخبار الكاذبة التي تصرف المسلم عن مقاصد الصيام، ونشر الخير وإشاعة المحبة بين الناس،فيرتقي الناس بسلوكهم إلى سلوك حضاري وروحاني،خاصة بالتضامن مع المحتاجين عبر إخراج الصدقات والزكاة.
المسؤولية توجب احترام كل التدابير الاحترازية لتقليل تفشي الوباء، وهي فرصة جميلة لنرجع لزمن العادات الرمضانية الطيبة والبسيطة، بعيداً عن التكلفات الكبيرة والعزومات الباهظة والتفاخر بالأكل والزينة والولائم الكبيرة.
ولمحاولة قصر الأعين عن متع الدنيا،قال تعالى: «وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى».
على سبيل الخاتمة:
يتميز شهر رمضان الفضيل بخصوصية مباركة وروحانية كبيرة،وهذا ما يدعو إلى التأكيد بأنه يجب الالتزام بالإجراءات الوقائية والاحترازية المتبعة،إذ إن الرهان أصبح الآن قائماً على وعي المجتمع باعتباره حجر الأساس في مواجهة الوباء واحتواء انتشاره،لأنه مهما كانت طبيعة الإجراءات الوقائية والخطوات الاحترازية،فإنها تظل بلا جدوى دون الالتزام الكامل والطوعي بها من جانب أفراد المجتمع، فالمجتمعات التي استهانت بتنفيذ التعليمات والإرشادات ما تزال تعاني حتى الآن،وتكاد منظومتها الصحية عاجزة عن توفير الرعاية الصحية بشكل جيد للمصابين، لهذا فإن وعي المجتمع والتزامه الكامل بكافة الإجراءات الاحترازية والوقائية،يظل أساس التعايش مع وباء كورونا،والقضاء عليه بشكل نهائي.
وأخيراً يظل عدم التهاون بتطبيق الاشتراطات الصحية وأهمها ارتداء الكمامة والتباعد الجسدي وغسل اليدين وبجانب ذلك الحرص على أخذ التطعيم خير وقاية، مع تناول الوجبات الصحية خلال الفترة من الإفطار إلى السحور، وممارسة الرياضة ومنها المشي، وإعطاء الجسم كفايته من الراحة والنوم،وتعزيز المعنويات النفسية بالتفاؤل ومتابعة الأخبار الإيجابية وتجنب الأخبار المحبطة.
بقي أن أشير إلى أن منظمة الصحة العالمية دعت الحكومات للنظر بجدية في مسألة إلغاء المحافل الاجتماعية والدينية وتعويضها بالبدائل الافتراضية،وذلك تماشيا مع مستوى الخطر، الذي على الحكومات تقييمه.
وبينما أكدت المنظمة على التزام الجميع بقانون التباعد الاجتماعي، حثت أيضا على منع التجمعات في الأماكن المرتبطة بالأنشطة الرمضانية الاعتيادية، مثل جلسات الإفطار الجماعية والولائم.
وشددت المنظمة على ضرورة بقاء كبار السن والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة في منازلهم،على اعتبار أنهم أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بالوباء.
وأكدت على أهمية النظافة الشخصية وعمليات التعقيم، مع التشديد على تقديم نصائح مرئية مضاعفة تتعلق بكيفية اتباع الإجراءات الاحترازية خلال شهر رمضان.
وختمت منظمة الصحة العالمية بيانها بالتأكيد على ضرورة اعتناء الجميع بالصحة النفسية، فلا بد من طمأنة الأشخاص بأنه لا يزال بإمكانهم ممارسة طقوسهم والإحتفاء بشهرهم الفضيل.
محمد المحسن
*بيت شعري لأبي الطيب المتنبي مع تصرف طفيف أملاه مسار المقال.
Peut être une image de 1 personne

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق