الجمعة، 24 نوفمبر 2017

مريم خضراوي الشاعرة العابثة بثنائية الحب والحياة ★*★*★بقلم الاستاذ// أياد النصيري// العراق★*★*★

مريم خضراوي الشاعرة العابثة
بثنائية الحب والحياة
أياد النصيري
*************************************
قارئ ( مريم خضراوي)لابد له من أن يحمل حيرته معه فهي  الشاعرة ممن لا يقرلهم  قرار فالقناعات لا يمكن أن تجد لها موضع قدم في خندق الشاعرة المفتوح على أرض الشعر فهي تنظر إلى القصيدة باعتبارها هِبة الحياة في كُنهها الغوريّ؛ فالشعر،عند (مريم) قدّم لها القدرة على الخلق والتخليق بالمعنى المجازي، وأعطاها عصا السحر، كما منحها متعة تلوين العالم بحبر الذّات، وغسل أقنعته بماء الكلمة المقدّس. وتمثل (مريم)صوتاً يتمتع بسماته الذاتية الخاصة بين جيل الشاعرات في  تونس حيث غرقت حروفها الأولى في معين الذاكرة الصوفيّة تارة، وفي تأملات الذات وتشظيها تارة أخرى. كما كتبت شعر النثر بجوار  ومضاتها الشعرية ودراستها للأدب العربي وتركت لروح النص أن تختار شكله وهيئته ومزاجه .
حيث القلق الذي يشكل معظم مفاصلها  والذي لن يظهر على السطح لأنه اتخذ من لجة القصيدة مركزا له لن يمنحها هذا القلق سوى الهمّ الهائل من البحث عن المختلف لا ضمن حركة الآخرين فحسب بل مع نفسها ومع ما تكتب من قصائد ومتابعات وقراءات. فهي مسكونة بالوسواس الذي اسمه في القدامة شيطان الشعر
(مريم خضراوي )  شاعرة عربية من  تونس  الخضراء حاصلة على شهادة البكالوريوس آداب...اخصائية  في العلاج الطبيعي....نشرت معظم قصائدها في العديد من  الصحف والمجلات الادبية  بتونس .....مديرة منتدى  (حوار الفن  والفكر والادب )حصلت على عدة تكريمات من مؤسسات ثقافية  ...  لديها ديوان شعري  تحت اليد معد للطبع
(مريم خضراوي)العابثة بالمفردات تنتقي المفردة بكل حذر كي تجد لها مكانها الجميل في رسم كلماتها لتشكل عندها قصيدة رصينة  لغويا من  حيث تراكيبها اللغوية وعبر نصوصها الشعرية، بدءاً من (غابت النجوم) الى( اذا رف الرمش ) وبتعدد التجارب الكتابية وتحولات القصيدة.. بإختلاف المقاصد وبقصدية انشاء النص تعمل على الابتعاد عن التجارب الأخرى المستهلكة في كتابة الفعل الشعري، محاولة تهشيم زجاج القصيدة المقروءة والمطروحة على منضدة المتلقي-- القصيدة المتداولة
فالنص الشعري سواء كان عموديا أو تفعيلة أو قصيدة نثر لم يعد منحازا الى بنية هندسية واحدة بعد أن استطاعت النصوص أن تتصدر حركة المغايرة. بل وكذلك الحال مع المتلقي الباحث عن القصيدة المختلفة
العنوان كما هو متفق عليه عتبة النص وبوّابته التي يمكن الولوج من خلالها إلى مفاصل المتن ومحتواه ..بل يمكن اعتباره البوصلة التي توجّه القارئ إلى النص سرديا كان أو شعريا وهو النواة المكثّفَة التي يمكن للنص أن يتمدد وينتشر من خلالها ويفتح بوابة التأويل وتلقي  الدلالات والإشارات التي تسبق النص ..إشارات تستفز الفضول وتضيء الطريق أمام المتلقّي-حيث لا أعرف السبب الذي  جعل الخضراوي على عدم كتابة عناوين لنصوصها
اتسمت نصوصها  الشعرية بسلاسة المفردة
الصور الشعرية مكثفة وللغاية ودلالاتها موظفة ببراعة مع الحفاظ والتركيز على وحدة الموضوع في القصيدة وهو أمر صعب في قصيدة النثر
الخيال الشعري خصب وبعيد وممتد رغم قصر النفس الشعري
*********************
ولي في هواك يا غائبا نشوة
يسكرني خمارها وليس يداويني
نشوة روحي من روحك
تظل رغم البعد حاضرة
تثلج صدري وتلهب جيدي
رغم النوى تنسج قصيدي
رحلت عنك كذبا
وكنت ابكي والدموع تعاتبني
وبعض من اشعارك تواسيني
فلا هي تطربني ولا هي تنسيني
**********************
تتداول اللغة الشعرية لدى الشاعرة(مريم الخضراوي) من خلال اندماج الصور التي تعتمدها ، وهنا تنهض المخيلة ودورها في المعاينة والتطبيق  فقد لزمت المفردة من أطرافها كي لاتغيب عن الوعي الشعري الذي تملكه وهذه دلالة خاصّة تتحلى  بها الشاعرة ضمن اسلوبية معينة يتكئ عليها للتخلص من الشوائب والحشو وكذلك تمتهن الحداثوية في سعيها لايجاد نصّ يرضي البصر والبصيرة  ويمكن الحديث هنا عن نوعين من المعينات والقرائن فمنها مايتعلق بالعوامل أو أطراف التلفظ والقول والكلام . من ثمّ تحيل معينات العوامل على المتكلم والمستقبل وتسمى بالمعينات الذاتي.أما المعينات الثانية  فتحيل الى اللفظة وتلفظها
وسياقها التواصلي
حيث نلاحظ ثراء لغة الشاعرة واتساع مروحة موضوعاتها وخصوبة مخيلتها ومايوحد هذه القصائد على تباينها هو مصدرها القلبي وجذورها المكانية الطالعة من هامات السحاب وغلالات الضباب وتلك الأحلام الجميلة
حيث نجد أن  مجمل نصوصها الشعرية في شكلها ومضمونها، رائعة ودفاقة بالرومانسية التي طغت على أبياتها و تمتاز بالتجديد الحقيقي، كما أنها، جسدت حس الشاعرة و صورت أفكارها وانطباعاتها وأعماقها في اتصالها المباشر بالحياة ، كما أن كلماتها غاية في الرقة والشفافية والوضوح
*******************
وحصحصت فينوس الشوق
وانا اعترف امام القمر
وانضو عن العمر
ثوب القدر
احصي ما ولى منه
وعبر ...
وكلما انجلت شتاءاتي ..
انسكب الحنين وانهمر ....
فتتسرب الى قلبي وحشة...
ويعصرني الم
وارتمي في حضن القمر
احتمي من الوحشة بحلم
واعترف
ان قلبي رغم الضنى
يحنو عليك
********************
..كثفت الشاعرة الصور والرموز كدعوة إلى فتح شهية العقل لتجوس بين ربوع القصيدة متحسسة مفاصلها لتفك شفراتها وطلاسمها فترتسم اللوحة واضحة المعالم بيّنة الأبعاد .إن الذات المتكلمة في هذا النص تبثّ الرسائل إشارات برقية  بكل وعي وإدراك ..تستبطن ..ترسما وشما على ستارة مخملية ..تكشف ثم تنتقل من الوجدان إلى الفكر ..إلى ذات الآخر ..ذات متلقية ..إلى مخاطب تستفزه وتدعوه إلى اليقظة ..تعرض المعادلات وتتحدى وتنتظر النتائج ..اختارت الشاعرة(مريم خضراوي) إستراتيجية مميزة في منطق اختيار الكلمات المتآلفة طورا والمتخالفة طورا آخر لتقود القارئ إلى توليد حالة الدهشة ينساب الحدث  من خلالها محيرا مستفزا وتتجلى الصورة وتتشكل مكتظة بالرمز لتستولي على اللب تشده بل تجبره على الغوص أكثر ليقتنص درر النص المكنونة
************************
كلما جاء مساء
وعدني غروبها بان اراك
في مساء قريب
ومنيت نفسي بك....
يا منية الروح هل سيعود الشروق
هل سيجمعنا مساء
هل سنضحك يوما امام شفق
ونستقبل قمرا معا
و ليلا طويلا طويلا
هل سينام قلبي في شفق قلبك
هل اعوم كشمس حالمة في بحرك
ويغمرني موجك حتى يروي صدري
الا يكفيه البحر كم ابعدنا
الا يكفيه العمر كم فرقنا
اشتهي يا شمس ان يغمرني صبحك
وحبيبي عندي وانا عنده
طفلة يحضنني ويهمس لي احبك
وافرح
لان الشمس لاول مرة ستشرق
يا منية الروح هل تعرف اني احبك
و اني ما احببت يوما
لاني انتظرت ان احبك انت
واني ساعتنق المحظورفي حبك
يا منيتي تاخر القدر
وجاء حبك في مشيب الحظ
ولكني ساحبك
وسانتظرملمس صدرك
كما يلامس هذا الشفق الغيب وينتحر....
*********************
شعر الشاعرة هو ذلك الضوء القادم من اعماقها ليضئ روحها الخالية، وتستمر الشاعرة في رسم لوحاتها مضيفة بعض البصمات التكميلية، ليطلع منها لوحة جميلة متناسقة الألوان  فبدون القصيدة تصبح روح الشاعرة لوحة خالية من الألوان
يقترن حضور القصيدة بالحياة (  الغروب- الشروق- الشفق- القمر- الأرض- الشمس)   بينما تصبح حياة الشاعرة قاسية وخالية من البهجة في حالة غيابها أو تأخرها عن المجئ وهذا يتضح من خلال استخدام الشاعرة (مريم الخضراوي) للجمل الشعرية العميقة التي تنقل الأحساس بالمرارة وصعوبة العيش والتي يستطيع القارئ ان يتلمسها من خلال المفردات والعبارات( أراك- بك- قلبك- أحبك- صدرك- حضنك- أضمك)   ) وكأن القصيدة هي التي تمنح الشاعرة الحياة وليس العكس. وهذا يعبر عن العلاقة الوثيقة بين الشاعرة وقصيدتها فشعر الشاعرة هو ملجأ تلجأ اليه  لتستضل به من حرارة الواقع كما أنه فسحة يدخل منها الضوء لينير ايام الشاعرة وساعاتها المعتمة، وهو العالم السحري الذي تستطيع الشاعرة ان تستخدم فيه عصاها السحرية بحرية لتخلق عالمها الخاص بها، ولتعيش ايامها كما يشاء، ولتقول كلمتها الأخيرة
************************
هل سينام قلبي في شفق قلبك
هل اعوم كشمس حالمة في بحرك
ويغمرني موجك حتى يروي صدري
الا يكفيه البحر كم ابعدنا
الا يكفيه العمر كم فرقنا
اشتهي يا شمس ان يغمرني صبحك
وحبيبي عندي وانا عنده
طفلة يحضنني ويهمس لي احبك
وافرح
لان الشمس لاول مرة ستشرق
يا منية الروح هل تعرف اني احبك
و اني ما احببت يوما
لاني انتظرت ان احبك انت
واني ساعتنق المحظورفي حبك
يا منيتي تاخر القدر
وجاء حبك في مشيب الحظ
ولكني ساحبك
وسانتظرملمس صدرك
صورتك في عيني لوح بها الخيال
كشفق في لوح بحر
هزت كياني وجعلتني اكره العمر
كان العمر في حضنك يشل التاريخ
ويمحو الارض
كاني ماعشت الا لاضمك
وامحو سنة الغروب والشفق
وقانون الفلك
ومراسم البشر
يا شمس
يا شفق
يا بحر
كل فلسفة لا تعنيني
كل تراجيديا
كل فن
ان لم يرسم ضمة سافلة
وحنانا منحرفا
يؤتيه مزاجي مثالي
هو حبيبي انا
فاشهد يا مساء ووقع يا بحر
اني احببت منحرفا صديقا
وعاشقا قس
*******************
تملك  الشاعرة  (مريم الخضراوي)معجما شعريا ثريا من حيث الدوال والمدلولات  كما أنها تبني صورها الشعرية بعمق وتأن خلاقين باستخدامها لعدة أساليب بلاغية جديدة كالتشبيه ، والاستعارة ، والكناية تتأسس موسيقاه الشعرية على صوتيات وظيفية جميلة الإيقاعات  والتنغيمات  والنبرات والمقاطع المتميزة بعيدا عن الثقل  والنشاز  والحذلقة  والتقريرية المباشرة تحتاج هذه البنى الصوتية إلى دراسة خاصة  (علم الوظائف) الذي سأتطرق له في الدراسة المقبلة
********************
يا سيد القلب
حسبي من الدنيا
ان تكتب لي شعرا
وان اكون الكلمات
حسبي اني ملهمتك
واني حرف نقشته يداك
ان كنت شاعرا
فانا  القصيدة
وان كنت نبيا فانا العقيدة
يا شاعري الهمني دستورا
يؤسس لدولة الشعور
واشواقا كل يوم جديدة.
************************
نجحت الشاعرة في توظيف كل تقنيات القصيدة الحداثية وخاصة  الرمز الذي غرفت من معينه بذكاء فجعلت القصيد رحلة بحث عن الكنوز الجمالية المخبأة بين ثنايا المعاني دون أن ننسى لعبة الإيقاع التي وزعتها بكل اقتدار على مدى النص سواء على مستوى التناغم الداخلي أو اللازمة المموْسقة للمفاصل البنائية أو تلك النغمات الشجية التي تكثفت في آخر القصيد أنينا وحنينا تردد صداهما بين طيات الشجن برق أمل شامخ وقرار لايلين
حيث تشكل   الصور الشعرية إذن وحدات حسية  متنوعة  وبنى غنية تثيرها المواقف البارزة داخل القصيدة  فالنص يظهر ثريا من حيث الكم والكيف  لأنه يرتكز على الوصف كما أن الصور تعتمد على جوانب إيحائية  جزئية  مستقلة  ودلالات ذاتية موضوعية ومنفتحة تخلق الشكل العام للقصيدة
تقسم (الخضراوي) الصور الشعرية إلى عدة جوانب فرعية قريبة وبعيدة  لكنها تظل متضافرة دلاليا لبناء رموز تتلاحم على مستوى الموضوع  ونوع السرد إنها توحد بين الأشياء المختلفة التي تسكن عالم الشاعرة ، كما أنها تساعدها على خلق عدة علاقات بين هذه الجوانب الفرعية القريبة والبعيدة لترجمة ما يدور بكيانها  حيث تبرز هذه الصور مشتعلة ونافذة عن طريق التجربة الشخصية للشاعرة المبدعة (مريم الخضراوي)
************************
لا يقبل الهوى في اشواقه شريكا
ولا يغفر الشرك..
يا كعبة حج اليها القلب
وفي عليائها صلى
مهرة انا
والقصيد فارس
والجمال معركتنا..
*********************
لا تستطيع الشاعرة أستدراج القصيدة بأرادتها، فهي تنتظر بصبر ولادة القصيدة  فقدومها أو أكتمالها يحتاج ألى مجموعة من العناصر والتي تتجانس مع بعضها البعض لتمهد لولادة شرعية لقصيدة مميزة وتتلخص هذه العناصر بالعاطفة، الأفكار ألأسلوب والموسيقى. وتمهد الشاعرة برشاقة لقرب حضور القصيدة
مريم الخضراوي) الشاعرة  التي أجاد ت في مناحي شعرية كثيرة متفوقة في رسم معالم الجمال والفن من خلال الحبك والنظم وتآلف الكلم ولعل ما يمكن استنتاجه هو اختيار الألفاظ بعناية كبيرة للدلالة على الحزم في أفق خدمة الموضوع
فالشاعر الحقيقي هو القادر على التحليق والتعبير عن عواطفنا ومكنوناتنا ومشاعرنا لذلك جاء لفظ الشعر من  الشعور والشعر لفظ مشاكس دال على حالة إشراق باطنية وإلهام لفظة أكثر شكاسة منها يلج الشاعر إلى عالم يظل في حاجة إليه لفتح باب الإبداع
*********************
اذا رف الرمش وبرق شوق المقل
اخذتني عيناك في اسراء ومعراج
ما بين شفتيك والاحضان
حلما لا يغمض له جفن
*********************
..كلماتك العِذاب نصوصك الجميلة النازفة  بالحنين والحب والجمال والشوق ..آهك المحمّلة بجمرات الانتظار والقلق واللهفة .. نفَسك. الطويل في التصوير وفي بثّ الآخر مناجاتك ودعوتك للقاء .. نفَسك المسافرة بين صخب الشعور والتعابير المتقنة والمعبرة والمتوهجة. كل ذلك ألف  قصائد تلج القلب والذائقة وصدر الزمن الساكن الذي أخر موعد اللقاء قوامها الخيال والانزياح والموسيقى الهادئة وأسلوب تصويري جامع بين السرد والنداء وكأن الذات تبحث عن كل البدائل0
أياد النصيري  -العراق-2017
قراءة في نصوص الشاعرة  مريم خضراوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق