تجليات البعد الفني والأسلوبي في قصيدة "حلول" للشاعرة التونسية القديرة أ- سميرة بنصر
(قراءة أسلوبية وفنية )
عندما نتحدث عن الشعر نتحدث عن الذات المرتبطة بالكون والحياة،لأن الشعر هو كون وحياة وبناء وتأمل.فالشاعرة التونسية القديرة أ- سميرو بنصر تتمتح رموزها من رحم الفلسفة،سواء تعلق الأمر بالعنونة أو في معمارية القصيدة ذاتها،فيها تثري البياض وتربك في ذات الآن المتلقي،حيث تأخذ اللغة الشعرية براعتها الفلسفية بكل أبعادها الأنطلوجية،لأنها (الشاعرة أ- سميرة بنصر) تسكن اللغة قبل أن تسكنها،وعبرها تؤسس برمجية لفظية توطد دعائم الرؤيا وترفض كل تجربة لا تتأسس على المعاناة،فبالنظر في أبعاد هذه القصيدة التي نحتتها أناملها-ببراعة تحسَب لها (حلول) سيدرك القارئ أن الكلمة لا تأخذ بناءها الإيحائي الرمزي إلا بتوظيفها توظيفا جماليا،فالقصيدة-هنا-تعلن عن شكواها كلما رن أنين برومتيوس،وكلما دنت من الولادة..كلما ضحكت ضحكة عشتار،هكذا ظلت الشاعرة تسائل الوجود بلغة فلسفية تتجاوز حدود الذاكرة،لتحيل على مفهوم التفلسف القصيدي في بعده العلائقي والتفاعلي وأيضا على المستوى البناء الهيكلي النظمي.
إذن فالشاعرة تواجه التناقضات الأنطلوجية والرمزية في رؤية معرفية وفنية،تتجلى بوضوح في هذه القصيدة،فهي الوجود الشعري والكوني والفردي والجماعي والقريب والمختلف،لأن العلاقة مع الذات الشاعرة بسياقاتها الواقعية والمعرفية هي عبارة عن جدلية تفاعلية يحضر فيها اللغوي والرمزي والبقاء والرحيل.فعبر هذه الثنائيات التي تقسم-جسد-القصيدة تتولد لنا إشكالات سواء على المستوى المعرفي أو على المستوى الإبداعي الشعري أو على المستوى الأنطولوجي.
ومن هنا تطرَح الأسئلة التالية: هل معرفة العالم الشعري ممكن؟
وهل بإمكاننا النفاذ إلى الرؤيا الخاصة بالشعر؟
ولماذا حضور الأديولوجي والمعرفي والفني في شعر الشاعرة؟
تشكل هذه الأسئلة بالنسبة لنا مرتبة عليا مفتوحة قابلة للمسائلة والمحاورة،فالذات الشاعرة هي موجود ضروري لوجود القارئ والناقد،لأن التفكير في شعرها هو شرط لوعي الذات الباحثة عن السكون والصمت الذي يذب في أعماقها،لأنها ترغب بالاعتراف بهذا الجسد المقموع فينا كما يقول نيتشه،فنشأة العلاقة الحوارية مع -القصيدة-(التي بين أيدينا) هو انتزاع واعتراف بالحرية الكامنة وراء هذا الكون الشعري،فالشاعرة أ- سميرة بنصر هي هذه الآنا التي تحاكم نفسها لكي تؤسس أناها المثلى،فالمبحوث عنه هو هذا المضمر والكامن وراء الكلمات والحروف والأشياء،إنه جسد ولغة ونفس ووطن وحب وموت وحياة وغربة وضياع وتفكيك وتوليد.
إنها اللوحات التي رسمتها الشاعرة في قصيدتها المذهلة (حلول) لتشكل هذه الآنا والوجود والإنسان،لأنها تبني اللحظة الهاربة من وعيها إلى لحظة لا واعية قصد تحقيق ولادتها الجديدة.
فالشاعرة التونسية السامقة أ- سميرة بنصر تستوطن لغة ببراعة فنية من خلالها تقرب لنا كل الفلسفات التي تمهد لهذا الجسد الشعري والهامشي باعتباره تاريخ للرغبات والتضحيات.
فهذه القصيدة (حلول)-في تقديري-هي حمولة فكرية وأدبية ونقدية تعمل على تحطيم كل الأقانيم الرومانسية الأفلاطونية والذاتية المطلقة التي أعلنت انتماءها للميتافيزيقيا،فالشاعرة تخلق أساطير تراتب لكي تقحم الفكر بثنائيات متناقضة مثل الروح والجسد،البقاء والرحيل،السكينة واليقظة..
هذه المرجعية الفلسفية تحيل على الإطار العام الذي يحدد مجال-سميرة-لأنه يظهر المعرفي والجمالي أكثر ما ينم عن قوة تقليدية.فالشاعرة إذن سايرت أدونيس في متونه الملقحة بالفلسفة وبالهموم الإنسانية،وتناغمت معه في شعريته التي تستمد تشكلها من مختلف الفلسفات العالمية،لذا تبقى هي مغلفة بمراس إبداع كوني تريد خلخلة المتناهي لكي تزرع الاختلاف كمقوم أساسي وجوهري في شكل كتابة شعرية،فقصيدتها (حلول )هي شهادة ميلاد جديدة تعيدها،وتعيدنا أيضا-قسر الإرادة-إلى التربة والهواء والنار والماء،كلها عناصر تخلق لنا حواس لمواجهة العولمة والإنسان والوجود،إنها ثمرة فكرية وشعرية كما عند عباس محمود العقاد أو عند أدونيس،وأمل دنقل لأنها تقاوم النهائي والثابت من أجل إيجاد هذا المتحرك..فسميرة-تملك وعيا ممكنا كما أدونيس لتخاطب اللغة والذاكرة والتراث والإنسان والتربة والوطن والحياة والموت من أجل إنشاء علاقة بديلة حول نشأة الذات والوظيفة الجمالية في إطار فكري ومذهبي جديد.
تبقى هذه الشاعرة التونسية الفذة أ-سميرة بنصر كشاعرة تقدم لنا جانبا من جوانب العلاقة بين الفلسفة والشعر،لأن هذا الأخير هو الذي طور هذا الوعي وأمده للفيلسوف من أجل محاكمة الوعي السائد.
وتبقى هذه القصيدة (حلول) مفتوحة على كل القراءات،لأنها هي المؤجل والضمني حيث تنتظر تفكيك شرايينها وتلقيحها بلغة إيحائية تستجيب لتطورات الكتابة المعاصرة.
أُهنيء الشاعرة (أ- سميرة بنصر) على هذه القصيدة،ولازلت عند موقفي بل ربما عند إصراري أن المتابع لن يلاحظ ماهو أدنى في شعرها بين قصيدة وأخرى،وهذا التصاعد هو شارة النجاح..
لها مني باقة من التحايا مفعمة بعطر الإبداع..وأدعو القراء الكرام إلى الاستمتاع بهذه القصيدة العذبة والتناغم مع ايقاعاتها الجميلة المدغدغة للمشاعر والحواس..
حلولٌ
رَمَى قلْبي سُهيْمٍ من لحاظٍ
تسَلّلَ حينَما لعبتْ شَمولُ
بمَا تَحتي وما فَوقِي وألقت
رغائب لا تني ولها هٌطول
تُحاصرني السِّهام فكيف أنجو
ولي في كل ناحية عَذًول
تَضيقُ بنا الأمَاكن والمَعاني
ويَفْسحُ رافديْه لنا الفُضُول
تؤججنا الموانع سافرات
وتقتُلنا المواجِع والسُّدولُ
ومن تيهٍ إلي تيهٍ رَحيلي
وفِي خلدي محاصرة أجولُ
نَصيبي من ملاذَ الرَّاحِ غُبْــنا
وقدْ غَسقَ الظّلامٌ فما أقولُ؟
مَواجِيدٌ.. وفيها العيْنُ ظمأى
إلى عينٍ يُشافيها الحلوُلُ
....
سميرة بالنصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق