تجليات الإبداع الفني..وتمظهرات المؤثرات الجمالية..في شعر الشاعر التونسي القدير أ-خالد العجرودي- قصيدته -أرض الأحلام نموذجا-
-في القصائد وحدها نعيد بناء العالم -ألن غسنبرغ-
هذا هو الهدف الأسمى للشعر عموما،أن يبني عالما آخر،عالما مختلفا عن العالم الذي نشغل فيه حيزا من المكان وبرهة من الزمن.
احرقا يجب و عليكم و حرام
احرقا غباء الممنوع.و ليس الان و قبل و بعد
يا روحينا كونا شمسين او قمرين
في مملكة الوجد..كونا ملكين..( أ- خالد العجرودي)
قد لا يحيد القول عن جادة الصواب إذا قلت أن لكل تجربة شعرية مؤثرة رؤيا حمالية،ولكل رؤيا مكونات أو مرتكزات فنية ترتكز عليها في تحقيق إثارتها وحراكها الجمالي،وهذا يؤكد سبب توجه الدراسات الأسلوبية والنقدية المعاصرة إلى كل ما يثير الرؤيا الشعرية،ويحركها من الصميم،سواء على مستوى البنى اللغوية،أم البصرية،أم الإيقاعية،وهذا يؤكد السبب المباشر في توجه الدراسات النقدية المعاصرة إلى إبراز الجوانب الفنية/ الرؤيوية / أو العاطفية التي تثير الشعرية،وتبتعث نواتجها الدلالية وفواعلها الرؤيوية المحركة للشعرية من جوانبها كله،اوأغلب تلكم الدراسات تسعى للكشف عن البنى الدالة العميقة التي توجه حركة النصوص الشعرية الإبداعية في توجهاتها الجمالية/ ومستبطناتها الشعورية العميقة،مما يدل على أن ثمة رغبة جامحة لدى جمهرة من النقاد إلى البحث عما خفي من الدلالات بالاستعانة بالإيقاعات البصرية،لأن المداد اللغوي ما عاد يفي بالغرض في ظل التفاعلات الكثيرة التي تشهدها القصائد المعاصرة،سواء أكان ذلك بالشكل اللغوي أم بالشكل البصري،أم بالمحتوى البؤري العميق..
ويرى الكثير من النقاد أن ما هو خفي من الدلالات المستبطنة أكثر أهمية ورَوِيَّة مما هو عائم على السطح،وإن أية تجربة نقدية مثمرة ينبغي أن تخوض في هذا العالم المعتم الذي تخفيه القصائد،ويظل القارئ عنه بعيداً آلاف الخطوات،ووفق هذا التصور فإن من واجب النقد أن يخوض في هذا الحراك الرؤيوي العميق لا أن يقف على ما هو بادٍ أو ظاهر من إيحاءات،ورؤى ودلالات،وإن من يطلع على قصائد الشاعر التونسي السامق أ-خالد العجرودي بعمق،سيجد أن البعد الرؤيوي هو المدخل الجوهري لحركتها من الباطن أو الجوهر،نظراً إلى تشعب الرؤى التي تبثها قصائده في مدها،وانفتاحها الرؤيوي النصي.
قصيدة «أرض الأحلام» وجدت فيها سطوعاً وبريقاً،تتراقص حروفها تعبيراً عن اشتعالها من دون اشتعال،والتهاب من دون نار وحرارة دائمة.
يعتمد الشاعر في بناء قصيدته على البناء المتوازن الذي يظهر وكأنه انسياب نهرٍ وإيقاعات عصافير،كما يعتمد أيضا على استنفار الذائقة الفنية للمتلقي واستدراجه-قسر الإرادة-إلى مربع الدهشة والإدهاش يقول:
في الحب العظيم
اتهجى جسدك بدقة جراح
افحصه بلؤم قابلة جبلية
فراشنا كان رمليا
وحيدين كنا..مع العناصر كلها
و الله نام
للحظة صرت خالقك
و كنت من قبل خالقتي
ذاك الشعر لا يشبه ليلا
مر كمنفضة الحزن على وجعي
و شممت فروة راسك كالذئب
و عضضت الاذن و الشفتين
و الريق/الخمر اشعل سعار الشهوة و الحب
وضعت خدي بين قباب مقامك
و مصصت الرمان ..و اندلعت في الرأس الشهب
و دماء نائمة فارت
و لعقت البض كدب مجروح
ذاب لساني و ما عاد مني
و اندلعت اغنية فرح و الجسد ينوح
نواحي كان عرقا في شهر الكانون
من اين سرقت النار قولي لي
من شوق القلب ام من دغل مفتوح
اه من ذاك الدغل
ما مسته يد و العطر فيه
و الرأس يدوخ
كم حبا قلت
بعدد من انطفأ من نجم
جب للجسد الموتور
حب للحلم المكسور
حب لأوهام الشاعر
و حب للكون حين نغمره بالماء
لخطايا ..هي احلى ما فينا
تسعدنا..و تصير موسيقى ليالينا
تكون حروف قصائدنا ..
حين تأخذنا لآقصى الدنيا ..فنضحك فرحا
و حين نعود للآرض/القبر ..تبكينا
ياهذا المرمر ياهذا العاج
يا هذا اللحم المتبخر في الأهات
اجعل هذي الليلة خارج كل حساب
اجعل هذا الحظ خارج كل الابراج
يا خيمتنا الدنيا…
زيدي في كسر الاوتاد
زيدي في النار
الجسدان صارا جسدا
و الكون موسيقى وله
و الريح عصف هياج
يا ماءانا اتحدا
يا قلبينا كسرا اغلال العادة
احرقا يجب’ و عليكم و حرام
احرقا غباء الممنوع.و ليس الان و قبل و بعد
يا روحينا كونا شمسين او قمرين
في مملكة الوجد ..كونا ملكين
كونا التاج
يا حبيباتي الذئبات
يا اشقائي الدببة
تعالو حولي للرقص
دعو الدم يسيل و النار في العظم
دعونا نطير سويا
لآرض الاحلام
لقد توسل الشاعر لغة انسيابية رقيقة تخدم غرض القصيدة ومقصدها مصبغا عليها أسلوبا مرنا وشفافا في بناء متناغم ومتناسق كأنه يستحضر مقولة كيتس عن بناء الشعر " إذا لم يجيء الشعر طبيعيا كما تنمو الاوراق على الأشجار..فخير له ألا يجيء " .
هذا ما جعلني أندهش وأتوقف ملياً أكرر الأبيات الشعرية لقصيدة الشاعر التونسي القدير أ-خالد العجرودي(أرض الأحلام ) فقد قرأتها مرات ومرات ولم أفق من قراءتي في كل مرة من تفرّدها،فقد أدهشتني بجمال لغتها وحسن التصوير وسلاسة الفن عندما يتعاطى مع روح اللغة المتزنة والمعبرة عن المعنى الذي تداعت له خيالات الشاعر وروعة بنائه للغة،ودرجة صياغته للمعاني التي عبر عنها تعبيراً رائعاً صبغ جمال المعنى بالكثير من الصور الفنية.
وقد اكّد لنا إن الشعرية قيمة تفاعلية مؤثرة في خلق المؤثرات الجمالية التي تباغت القارئ بمستوى المكتشفات النصية التي تحقق غايتها وقيمتها الإبداعية.
على سبيل الخاتمة :
قد لا أجانب الصواب إذا قلت أن الشاعر التونسي الفذ أ-خالد العجرودي مولود بالشعر،ممسوس به،ومعجون بجسده وتكوينه وكينونته الأولى،لذا فلا غرو أن تتحول السيرة الشعرية لعاشق الشعر إلى هيام وولع،بل صلاة للشاعر المتصوف في رحاب حضرة الشعر المقدس،والجميل،والذي يمثل لديه كل شيء،وقبل أي شيء،وبعد أي شيء.إنه الشعر ولا شيء سواه..
الشعر الذي يمثل اتجاهه،وقيمه،وعالمه،وطبائعه الجمالية الحالمة،والشعر الذي يصوح مع مفرداته كالمجذوب في حضرة الذّكر/ الشعر/ النص/ القصيدة/ السرد الشعري/ السيرة الشعرية،وغير ذلك،فنراه يتحلّق حوله،ويطوف معه،ويسافر على ظهر براقه،ليعرج إلى معارج الكون،عبر سماوات الخيال والواقع، وعبر مركبة الشعر الوحيدة التي صنعها بتفرّده “شعريار” البطل في الكون الشعري الممتد..
قبعتي..يا شاعرنا المتميز أ-خالد العجرودي.
محمد المحسن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق