مقال حقا،جدير بالاهتمام.
........
المقبول والمرفوض، في المبالغات الشعرية..
يكتبها الشاعر الناقد /سامي ناصف.
........
يقول قيس بن الخطيم:
(ضربته في الملتقى ضربة... فزال عن منكبه الكاهل.
فصار ما بينهما فجوة..
يمشي بها الرامح والنابل.)
من النظرة الأولى رأيته شعرا مختلفا، فيه مايثير الحواس، من خلال وصف بطولات وآماجد، ومدى قوة الشاعر،في رسم موقف الأخذ بالثأر من قاتلي أبيه وجده.
وبعد بُرهة من الوقت أخضعت النص وهذين البيتين لمقياس العقل والعادة، فالعقل البشري لا يتصور ضربة سيف تفصل الكاهل عن المنكب وتترك فراغا يسمح للرامح، والنابل أن يمُرَّا بينهما، كما أن العادة لم تُثبت ذلك أبدا. فهذا من الشعر الذي يقولون عنه: إنه سَقَطَ في شَرَكِ (الغلو) المرفوض عقلا، وعادة.
ومن المعلوم أن هذا الغلو المرفوض منتشر بشكل مقصود، أوعن جهل بين كثير من الشعراء المحدثين الآن. كما أنه كان موجودا عند القدامى.
..( فائدة)
المبالغة في الشعر، لها مفعول السحر في وهج التركيبة، وروعة الصورة، حينما يَمْهَرُ الشاعرُ استعمالها،ويجيدُ توظيفها.
والمبالغة من علوم البديع.
وقسّمها البلاغيون إلى ثلاثة أقسام:
الأول: التبليغ، وهو ما يقبله العقل،والعادة.
الثاني: الإغراق، وهو ما يقبله العقل، وترفضه العادة.
الثالث: الغلو،وهو ما يرفضه العقل، والعادة.
..(بيان)
ولقد وصل بعض الشعراء بالغلو إلى درجة أن يَمُجَّهُ العقلُ، وترفضه العقيدة، لكنه شيطان الشعر!
انظر إلى قول أبي نواس مادحا الأمير حينما قال:
وأخفت أهل الشرك حتى إنه... لتخافك النطف التي لم تخلق.
حتى إن الغلو في الدين مذموم، وذلك من خلال قول الله تعالى (قل يٰأهل الكتٰب لا تغلوا في دينكم غير الحق... إلى آخر قوله تعالى، آية- ٧٧- سورة المائدة.
وهناك من يعتمدون نسخ بعض آيات القرآن بين أشعارهم دون حسن توظيف،أو تنصيص،ولا ينسبون الآية لاسم السورة،حتى يبقى للاستدلال جلاله.
..(نماذج)
شاركني الرأي في هذا الغلو الممقوت حينما تسمع أو تقرأ قول أبي نواس في مدح الأمين؛
يا أحمد المرتجى في كل نائبة..
قم سيدي نَعْصِ جبَّارَ السموات.
ولقد طال جناح شيطان الشعر- المتنبي- فوقع في شباك الغلو الممقوت، وعَدَّ - الثعالبي- على المتنبي كثيرا من خروجاته الشعرية على الدين، بحجة الإبهار في استجلاء معاني جديدة وصور داهشة، ومن الأبيات التي عدها الثعالبي على.- المتنبي- في مدحه للخليفة. قوله:
ولو كان علمك بالإله مقسما..
في الناس ما بعث الإله رسولا.
أو كان لفظك فيهم ما أنزل...
التوراةوالفرقان والإنجيلا.
ونرى كثيرا من الشعراء من ينزعون هذا المَنْزَع في العصر الحديث، دون انضباط عقدي، أو عقلي، أو معرفي، فينزلون الله - تعالى- منزلة البشر في شعرهم، بدعوى المبالغات، أو الخروج عن المألوف عبر المجاز، أو يُسَوِّغُ لهم الانزياح اللغوي ذلك؛ متناسين الانضباط العقدي لحفظ مقام الذات العلِيَّة (الله) متغافلين حدود المقبول، أوالمرفوض، أوالمرذول.
ومن أسوأ ما كتب في ذلك قول ابن هانئ الأندلسي:
مادحا الخليفة قائلا:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار...
فاحكم فأنت الواحد القهار.
..(نداء)
دعوة إلى حفظ مقام الله، والأنبياء عندما تكتبون شعرا، فلا يُجَرجركم شيطان شعركم بحجة المحاز، والصورة الشعرية، إلى التجريء على مقام رب البرية؟
كتبها الشاعر الناقد /سامي ناصف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق