الأربعاء، 10 مايو 2023

الآن...وهنا ـــــــــــ حبيبة عداد


 الآن...وهنا ...

أحبها إذن ...أثبت حبها حضوره في قلبه واتخذله فيه مكانا...غيابها أثبت مكانتها في حياته فهل يقدران يتخذ له مكانا في قلبها ؟ان يشغل ركنا من حياتها ؟
والاهم من كل ذلك...هل يقدر ان يحيي ما مات فيها ؟...
كان يدرك انها تعاني صدمة نفسية بل صدمات ...وكان يدرك ايضا ان وضعها يستوجب علاجا عاجلا وملحا كانت قد رفضته لسنوات وعاشت تقتات من وجعها تتلذذ بآلامها في مازوشية مقيتة...كانت تحمّل نفسها ذنب كل ماحصل ...رحلة العلاج ومشاقها ...معاناة زوجها نتيجة مرضها ثم موته و موت الجنين...كانت طيلة السنوات الثلاث الماضية تجلد ذاتها جلدا مبرحا فإلى متى ستتحمل هذاالوجع...؟الى متى ستقاوم ومتى تستقيم حياتها وتعود اليها ...؟ هذا ما يجب ان يفكر به...
نظر إليها وهي منغمسة في عملها تتشاغل به عنه وعن كل ما يحيط بها ..همّ بمحادثتها ولكنه تراجع ...تململ في مقعده في حيرة وتردد ثم انتصب واقفا وغادر المكان...
لم يجرؤ على مخاطبتها ...كانت هشة وكان يخشى عليها من كل ما من شانه ان ينكأ جرحا يابى ان يندمل...ولكنه يخشى اكثر ، مما هي عليه ....فما العمل ؟
ظل يسير بخطوات تائهة داخل اروقة الشركة التي كانا يعملان بها دون ان يدرك له وجهة...كان منذ دقائق مكبلا بقيد انتظارها...يتكبد مرارة غيابها، فلم غادر فجاة وقد اشرقت شمسها وعمّ الدفء قلبه والمكان؟ لم تركها وهو الذي ذاب شوقا إليها ؟هل اطمأن لمجرد عودتها إلى المكتب ؟ هل يعني ذلك انها بخير ؟ حقا ؟هل يمكن ان يصدق ذلك ؟الآن ؟بعد ان عرف قصتها وأدرك معاناتها ؟...أيخشى مواجهتها وإعلان حبه لها ؟ اهو الخوف ام الضعف ؟ ام هو العجز امام وجع شاهق إلى هذا الحد ؟كان حجم وجعها اكبر من ان يحتمله فكيف احتملته ؟...وكيف حملته بين جوانحها طيلة تلك السنوات ؟...
كيف لقلبها ان يصمد ولعقلها أن يستوعب ولذاكرتها...آه يالتلك الذاكرة ...ذلك السجن الذي يحبسنا بين قضبانه ونستسلم له بكل طواعية...بل نتلذذ به احيانا...تلك الذاكرة التي تأسرنا ...ترمي بظلالها علينا ...كبيوت العناكب... تقتات من ماضينا ...وتسرق منا حاضرنا ليتوقف عندها نبض الحياة ...
أما آن لها أن تتحرر من قيدها ؟ ان تفك أسرها ؟أن تقطع حبال ماض كبّلها وحبس أنفاسها ؟
كان يردد دون وعي منه...الذاكرة ...الذاكرة ...ودون وعي منه كذلك وجد نفسه قبالتها في غرفة المكتب يواجهها في تحد واصرار...ينظر إليها نظرة من نفذ صبره وحسم امره...
_"عليك ان تنسي !...لابد ان تنسي!..إن الحل يكمن في النسيان...في القطع مع الماضي الأليم وتجفيف منابع الوجع... لابد لك ان تفكي عُقَد الماضي وان تعودي إلى الحياة ! ...عودي الى الحياة ...حياتك...حياتنا...إن الحياة تنتظرنا فلم نلتفت إلى الوراء ؟"نظر ت إليه في دهشة وذهول ولم تنبس ببنت شفة ...لم تكن لتستوعب مايقول فقد كانت تعيش في عالمها الخاص غير مدركة لما يحدث حولها ...منفصلة عن واقع لا يربطها به غير مكتب و وريقات تتشاغل بمراجعتها او ترتيبها او إمضائها... أطرقت ...اشاحت بوجهها عنه...حاولت تجاهله لكنه واصل في استماتة...
"_أجل ...لتتخلصي من لعنة الذاكرة ! لتتركي الماضي للماضي ....ولنعش حاضرنا ! ...فكي قيدك....غادري سجنك...لنبدأ حياتنا ...معا...الآن وهنا ...بلا وجع ...
بلا حزن...بل وإن شئت ،بلا ذاكرة...لنبن معا ذاكرة جديدة...
ولننسج من خيوط حاضرنا أجمل الذكريات...لننعم معا...انت ...انا ...بشهد الحياة..."
كان يهز كتفيها هزا وكانه يحاول إيقاظ صوت الحياةداخلها...صوتا أخفتته الانكسارات وأماته الوجع ...وكان لابد له ان يصدح ويعلو من جديد....نظرت إليه في خوف وضعف ...ثم في شك وإنكار ...ثم أطرقت وقد سرت في جسدها رجفة غريبة وتعالت في ذهنها اصوات مختلفة صارخة متشابكة ...
حبيبة عداد
بتوقيت القلب 4

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق