عندما يتطور الوعي ويختلط بفكر ناضج وثقافة واسعة ويتفهم الناقد المعاصر حركة المجتمع ويطَّلع على تاريخ الشعر؛ يصبح على دراية كبيرة جدًا بطبيعة الشاعر نفسه، حيث أنه بهذه المعطيات قد تجاوز الرؤية الفنية الواقعية إلى الرؤية التي تمنحه قدرة هائلة في الكشف عن مكنون الشاعر وجوهره وكشف معانيه وإيجاد زوايا جديدة في أسلوب النقد المعاصر برؤية تتناول العلاقة الحميمية مابين النص وكاتبه وما تخلفه هذه العلاقة من جمال وإمتاع وإقناع.
فمن وجهة نظري المتواضعة أن ما يفعله محمد هلال البيلي _الناقد والشاعر والسيناريست_ هو بمثابة وضع حجر أساس لرؤية نقدية معاصرة تختلف تمامًا عن كل مدارس النقد السابقة.
ولي الشرف أن تنال قصيدتي "درب الهوى"
هذه القراءة النقدية من الناقد والشاعر والسيناريست محمد هلال البيلي .........
فيقول:---
دعنا أيها الشعر نهرب معك وربما منك
دعنا نهيم عشقًا ولوعة دون ضجيج الصراخ الشعري المحيط بالساحة الفنية الأدبية
دعنا وتفهم ما أقوله لك أيها الشعر
لقد أرهقتك القصائد فلم تعد لذة ولا متعة ولم تعد ملاذًا للجائعين حبًا وشوقًا للمشتاقين عشقًا للعاشقين.
وقد أعددت لك مائدة حب جديدة تعيدك إلي قديم ما عشناه سويًا
مطران جبران إبراهيم ناجي نزار جويده محمد المصري
نعم محمد المصري
هذا الشاعر الهارب من سكنات الوجع المعاصر بكل أشكاله إلي أرق وجع وأحلي عذاب
عذاب الحب كما حمله لنا تراث سومه
قصيدة درب الهوي
سفينة نجاة لكل عشاق النص الرومانسي الحالم
فهيا بنا لنهرب معه ونخرج من عالمنا إلي عالمه العذب الجميل
يبدأ متحدثًا بكلمات ترتفع قيمتها الفنية والتعبيرية والدلالية مع تراكيب متقنة
يبدأ ويشتكي لنا مرارة الفقد
وقسوة الحبيب
حبيبي لا يناجيني وماضينا يلاطفني إذا عادت أمانينا
لفت نظري بشدة استخدام محمد المصري لهذا الفعل يلاطفني
تشخيص الماضي وجعله كفًا حنونًا
لماذا هذا الملاطفة بها قوة قوة تعبيرية خطيرة
لماذا؟
هذا فعل حميمي للغاية لا يمكن أن يشعر به إلا من عانق الخيال في حضرة محبوبه
دلالة الملاطفة عميقة للغاية
أقوي من العناق ذاته
لأن العناق حسي بالدرجة الأولي وهدفه واضح في العلاقات
أما الملاطفة فهي حنان بلا مقابل عطف بكف لا يستهدف سوي راحة من يعشق
يقول
ودمع العين يبكيني وأعرفه
وأعرفه
من قال أن الدمع غريب علي صاحبه يا مصري القصيدة العربية
وأعرفه
هي إيحائية لما بعد الدمع
وأعرفه البعدية
يعرف ماذا سيفعل الدمع بقلب عاشق محترق متوهج لاينام ليله
وأعرفه أي أعرف ماذا سيفعل بي في لوعة الفراق ونوبات أزماته القلبية العنيفة
ولحظة الحزن ربما تنسي الذكريات
هنا تمرير دلالي موفق جدا لماذا؟
لأنه يعطي مقدمات تغير سمات شخصية البطل المعذب
نسق خفي يبدو في النص
ربما يحاول الهرب ولا يستطيع
فهو ينسي الأغنيات
وهنا الأغنيات ترمز بلا شك لكل جميل في ذكري عشق معلق
الحقل الدلالي في النص بمجموعة الكلمات المعجمية هو الحب العشق المعذب تحت لفظ عام يجمع الموقف الدرامي لمحنة انهيار وجداني نبيل
فصرت إذا أصابتني بعينيها
أهيم بها وتروينا مآقينا
نسيج اللغة وقماش الجمل كله محمل بدلالات لغوية وبصمة رومانسية واضحة
والإصابة بالعين أشد قسوة من الرمي بالرصاص أحيانا
ثم يتدراك الموقف ويعود إلي اعترافات ليلية ويكتب لها
أنا باق علي عهدي معذبتي
عسي أن نلتقي يوما بلا قيدٍ
هنا نقطة تحول تأويلية
ماهو القيد المذكور في القصيدة؟
علينا أن نفتك به لنعرفه أو نعرفه لنفك هذا القيد
ربما هو قيد إجتماعي تقاليدي أدمي معصم العلاقة الرقيقة
ربما هو قيد المسافات والسفر
ربما هو قيد الخلافات والفروق الفردية التي أطاحت بالحب النقي
ثم يطرح إجابة ظاهرية
ونهوي عندما يهوي معادينا
إذن فالمحنة مستوردة ومعلبة منذ زمن أيها الشاعر
إلي أن يضرب بقوة لتستيقظ القصيدة مع خروج عن المألوف باستدعاء لغة عقائدية
فمن يبقي علي درب الهوي عبدا
بإخلاص سيهديه الهوي دينا
والدين هنا بمعناه اللغوي وليس الشرعي حتي لا يختلط الأمر علي البعض.
هو وضع شرطا صعبا للغاية في نصحه للبطلة الغائبة في خبيئة النص
قال بإخلاص
ربما لأنه تجرع الغدر أو المكر أو النسيان أو الضياع في محصلة تجارب سبقت النص
وربما يحذر البطلة من بئر الخيانة وربما يوجه إرشاد مفسر بتجربته المريرة
هنا نلاحظ ونحلل ونفسر الموقف العام
اللغة جمالها في أنها لغة تذكيرية بما مر علينا في أجمل عهود الشعر كما ذكرت
تعمد المبدع المصري أن يصوغ من هذه المفردات نصه الحالم
الذكاء الإنتقائي للمضمون أعجبني فهي قصيدة العودة إلي زمن الحب الجميل
البناء محكم بني علي أسس كلاسيكية رائحتها ذات عبق تاريخي رقيق
إعادة الفيلم أحيانًا هي أمتع مايعرض علي شاشة الشعر المعاصر
التماسك الدلالي وحالة الإتساق والترابط والإنسجام بين كل عناصر التجربة يدل علي خبرات عميقة بحرفة كتابة النص الفصيح
الموسيقي غاية في الرقة والهدوء باتزان أعطي لشروط كتابة القصيدة مكانة كبيرة
الصورة الشعرية الهادئة نشرت عبيرها في حدائق العشق الأبدي
الفكر الشعري متقنع ومرتب ورزين
والقوة العقلية لدي محمد المصري أعطتنا الثقة ونحن نتابع المحنة
قوى الجذب في النص من وجهة نظري جاءت في أنها تجربة مكررة كمضمون وطرح فني لكنها غائبة كواقع كتابي ولهذا كانت اللهفة عندما قرات هذه النزف الشريف والحب العفيف من الشاعر المبدع محمد المصري
فلسفته في معايير الأخذ والعطاء كانت درسًا فكريًا
البناء الفكري منظم للغاية
الدلالات البلاغية عبرت عن الحالة بقوة وصراحة دون تعقيد
الألفاظ توجت مشاعر الفقد ببراعة
التراكيب بسيطة مبكية تعبر عن حالة حزن عشنا من خلالها الألم والمعاناة
قدرة الشاعر المبدع محمد المصري علي أن يمد الكلمة بطاقات إضافية دلاليًا ورمزيًا
وتحويلها من المستوي النمطي للكلمة إلي ساحة الإيحاء هي مقدرة كبيرة منه
الدراما والحالة الحوارية مع الذات مرة
ومع الحبيبة الغائبة مرة
أعطى تنوعًا منعشًا للنص
الزمن كله ماتع بلا ملل أو زهد
المحصول اللفظي معقول إلي حد كبير
الوعي وقوة الحس الشعري واضح في حلاوة النفس الشعري
النفس الموسيقي له مكانه بالنص بإيقاعات منغمة ارتفعت بالمستوي النغمي للحالة
أخيرا اتوجه بالشكر للشاعر الكبير المخضرم محمد المصري أن أهدانا فرصة عظيمة أن نقرأ ونحلل نصه الجميل متمنيا له تجارب ناجحة في عالم الشعر الجميل
قراءة نقدية
محمد هلال البيلي
""وهذا هو النص""
درب الهوى
---------------------
حبيبي لا يناجيني و ماضينا
يلاطفُني إذا عادت أمانينا
ودمعُ العينِ يبكيني و أعرفه
وهجرُ القلبِ ينسيني أغانينا
أيا قلبي أَمَا تدريگ من تهوىٰ
وإن هواكَ في صمتٍ يناجينا
فصرتُ إذا أصابتني بعينيها
أهيمُ بها و تروينا مآقينا
أنا باقٍ على عهدي مُعذبتي
وما قلبٌ كقلبي لو تشائينا
أما زالت ليالينا تحاورنا
عسى أن تنجلي يومًا ليالينا
عسانا نلتقي دومًا بلا قيدٍ
ونهوىٰ عندما يهوي مُعادينا
أيا مَن كنتَ بالماضي تعاديني
گفىٰ هجرًا فقد ضلت مساعينا
ألا تدري إلامَ الحبُ يأسِرُنا
ألا تدري لَگم نهوىٰ مُجافينا
فمن يبقى على دربِ الهوى عبدًا
بإخلاصٍ سيهديه الهوى دينا
ومَن يبقى كمَن لا يُبتلى أبدا
محالٌ أن يرى عزًا بوادينا
محمد المصري،.......


كل الشكر والتقدير والاحترام لحضرتك أستاذ طاهر و لجريدة الوجدان الأدبية ولكل القائمين عليها
ردحذفتحياتي و تقديري واحترامي.
ودعواتي بالتوفيق دائمًا إن شاء الله