دراسة نقدية لصديقي الرائع محمد هلال البيلي لقصيدتي ( تأويل ما لا يجب)
صدقا أنت مبدع حد الإدهاش
هذا هو الجزء الأول من الدراسة
أنتظر الجزء الثاني بشغف أيها العملاق
............ ............. ..........
قصيدة
(تأويل ما لا يجب)
محمد خليفة
الرأس للحجاج...
والإسراء لي
والماء لا يروي القطاف قطافنا
هل أمنا هذا المسافر...
في الحنين بلا وجع؟!
يا أول الماء المسافر...
في ملامحنا سدى
صمت الكلام عن الكلام...
فأورقت نار بحجم الكون...
بين الأوردة
السيف للحجاج...
والتأويل لي
والدرب يا زرقاء دانية
على أبواب سيدها
تلوم السالكين...
تطيل سجدتها...
وتقرأ ما تيسر من أنين الأوسمة
والغاصبون بكارة الفجر الذي
ما مل شوقا في العيون
يدندنون
(الآن وقت قطافها)
هذي رءوس القوم...
يا بغداد عارية
وما غاب الهجير
هذي دموع النسوة اللاتي...
على نهر الحكاية...
قد حملن الشعر...
في أرحامهن صبابة
حتى إذا جاء المخاض
تنصلت كل القبائل...
من جديد
لو تورق الأرحام يوما
يا بلادي يؤمها
موت جديد
.......................
الرمز وما أدراك ما الرمز والرمزية
يستعمله من يدرك كيف يقتني الذهب ويستعمله من أدخل نفسه عنوة في عالم الفكر الشعري المغلف بالغموض
الرمز مدرسة متعة التناول واستطاعت أن تموضع ذاتها في مكانة مميزة في منطقة راقية من كومباوند الشعر الحديث
وقاما بتجسير للعلاقات الفنية في البناء المتطور في هيكلة مشوقة للقاريء النخبوي العاشق لفك رموز ودلالات الحالة
وإن كان من مرتكزات الرمزية
الغموض والفن للفن وإدراك قيمة القبض علي اللحظة الحضارية في اللاوعي الفكري وأن الرمز في حد ذاته غاية وأن الفكر الشعري يغلف بالغموض
فلا أنكر أننا أمام حالة رمزية مدهشة كلنا يتابعها باهتمام شديد
شاعر الوعي والمرجعية الفكرية والتمرد العقلاني المتطور
محمد خليفة
هنا في قصيدته
تأويل مالايجب
يلقي بكمية متفجرات رمزية كفيلة بأن تشعل ألف ناقد وباحث وعاشق للتفكر والبحث والتنقيب والتحليل
هو يقول
الرأس للحجاج والتأويل لي
الحجاج قتل رمزا عبر التاريخ
ويعتبر من ثوابت الرمز وسكونية الإيحاء ونمطية الترميز وهذا ليس كلامي وحدي
فبين الثابت والمتحول دارت الكلمات الموحية ذات الطاقات الكامنة في سيرورة تاريخ أدبي عربي كبير
ولكن الجديد عند محمد خليفه هو ضربة البداية
الرأس للحجاج
أي رأس يقصد؟
هيا لنفتح القراءات بين القراءة الأولي والمسيئة لها وبين القراءة الثانية والمسيئة لها فكل قراءة تلغي ماقبلها وهذه هي الإساءة الفنية لا الحرفية
هيا
الرأس للحجاج
هل يرمز إلي رأس مقهور جديد في حلقة الظلمات والرمز والفكر الانطباعي التاريخي التراكمي في صورة الحجاج
هل الرأس هنا تعني القمة والعلو ومقدمة الشيء
هل الراس عند محمد خليفه تقع في دائرة إيحائية خبيئة لم تظهر بعد
يقول خليفه
الرأس للحجاج والإسراء لي
فإذا كان الإسراء المصطلحي هو ما حدث لسيد الخلق سيدنا ونبينا محمد صلي الله عليه وآله وسلم
فما هو الإسراء هنا؟
والإسراء لغة هو السير ليلا
المعني يقترب ودلالة الخوف من بطش الحجاج في وجدان بطل النص تتضح
هل كان من سنن السابقين في تلك العهود الهروب ليلا
هل الإسراء هنا في شخصية بطل النص هو الإسراء الانعكاسي الذاتي
قل ياخليفه
أفصح ياشاعر
هنا نتجه إلي( بعد ما بعد الحداثة )
وما حدث من زلزلة منهجية وضجة فكرية عظيمة
فبعد أن جاءت(مابعد الحداثة بالنستالوجيا وهي الحنين والعودة إلي الماضي العام بكل مافيه
والأدبي بما مايعنيه وأعادت مابعد الحداثة الأدب والفكر الشعري وحاربت تقانات وجماليات الحداثة فأعادت نمطية التجارب وروتينية الأداء الفني الشعري واستغرقت في الانعكاس الذاتي الاختزالي
ثارت عليها(بعد مابعد الحداثة)
وانقلبت علي الماضي بكل أشكاله الحدودية السكونية النمطية وأعادت عمومية التعبير الذاتي الخلاق كمرآة مجتمعية تعكس الوجع الجمعي في فضاء مفتوح او فضاء عمومي للوصل بين الرأس هنا وهو الحجاج برمزية القائد
وبين الجموع التي فضلت الإسراء هربا من واقع مظلم في عيون بطل النص
ومن هنا كانت روعة إطلالة محمد خليفه علي السجادة الحمراء في مهرجان القصيدة
إلي أن ينقل الحقل الدلالي (القهر) بمفردات قاموسية متوحدة الدلالة تحت لفظ القهر
لقد انتقل بنا خليفة المتوهج
بحرفة المتعقل وثقل القلم المتزن
أنظر معي حيث يندفع البطل بحدودية التحرك في ملعب القصيدة
يقول
والماء لايروي القطاف
أي قطاف؟
قطافنا
هنا مسألة لغوية دقيقة للغاية
فإذا كان القطف لغة هو أوان قطف الثمر
فلماذ كتب خليفة
والماء لايروي القطاف(أي الثمرة الناضجة المكتملة النمو التي لم تعد بحاجة إلي الماء لكنها يجب أن تقطف فورا)
وفي نظر البعض كان الأجدر أن يكتب والماء لا يروي البذور أو الجذور أو الأراض
لا
هنا المعني تجاوز تقريرية ومباشرة الماء والثمرة والقطف
هنا دلالة الفقد هنا دلالة ضمنية علي الشعور باللاجدوي ومزج حالة الإحباط بالوعي الفكري في دراما الموت المؤجل
المأء لايروي في هذه الحقبة الزمنية الآنية
الماء لايروي إذن فعطش الارواح أقوي في نفوس العاشقين لكل جميل في هذه الحياة
وإذا كان الماء لايروي فالفناء قادم
وإذا كانت القطاف هكذا فلا تأكلها فإن بها إشارة إلي السم القاتل في عالم لا يرتوي ولا يروي
إلي هنا شخصية بطل النص قد رسم محمد خليفة سماتها بدقة شديدة
الضعف الاستكانة الهروب الاستسلام
ثم ننتقل إلي نقطة اكثر تشويقا في النص
سؤال الحائر الغير مراقب فقد دخل آلي نار القصيدة دون أن يدري أو ندري نحن
يسأل
هل امنا هذا المسافر في الحنين بلا وجع؟
يسأل عن مجهول ذهب بلا عودة
ثم يلقي بكلمته التي قطعت الطريق علينا ويبرز قدرته في استدعاء الرمز الطبيعي
الماء
نعم
النص كله اساسه الماء
يدور حول الماء
الماء هو البطل السنيد في النص
فالماء بدلالته المباشرة يعني الحياة
إذن نحن بين بطلين في سيناريو النص الأدبي
المسافر المجهول المثالي
والماء المسافر في الملامج
وهل المسافر هو الماء هو الحياة والحلم المفقود
أرهقتنا ياخليفه فلا ترسل لي نصا قريبا لأحلله وأقدمه فأنت تتعمد إلقاء القنابل الفنية وتتركها لتنفجر هنا
لا خلاف
إذا كان المسافر المجهول هو الإمام المفقود في وجدان الأمم في تجربة انعكاس عمومي
وآذا كان الماء هو الحياة والرسالة والأمل
فنحن معك للنهاية
هنا عدول لغوي مباح للمعني الوظيفي الواقعي للماء إلي المستوي الفني الإيحائي في ارض ممهدة بالنص
في غياب الماء اورقت نار في الأوردة
إنزياح دلالي وانحراف لغوي أن تورق النار ولا تشتعل
صورة جديدة
فالاشتعال اتجاه وصفي سطحي للغاية لكن أن تورق فهنا دلالة بلاغية للنمو
وأما عن الفارق بين
نار بحجم الكون في الأورده
و
نار بحجم الكون بين الأوردة
فإن (في )الأوردةتحيلك إلي حالة سكون واستقرار للنار في الوريد
لكن بين الأوردة
تعطيك الإحساس بسرعة جريان النار ببن ممرات الأوردة إلي كامل الجسد
وهنا سؤال جذبني
لما كتب خليفة
فأورقت نار الجحيم بين الأوردة ولم يقل بين الشرايين؟
فقد اعتاد الشعراء استعمال الشريان في التوظيف اللغوي أكثر من الأوردة
إنه اللاوعي اللغوي ياخليفه وما أجمله
الفرق بين الشرايين والأوردة يظهر جمال هذه الصورة
فعلميا
الشريان يقوم بحمل الدم المؤكسج إلي جميع أجزاء الجسم ما عدا القلب
لكن الأوردة تقوم بحمل ثاني أكسيد الكربون من الجسم إلي القلب للتخلص من ثاني أكسيد الكربون
إذن دلالة الأوردة أقوي وأجمل وأعمق تدل علي أن الشعور بنار القهر تحرق الأوردة إذن هي تهدد حياة جسد الأمم بالفناء
لأن ثاني أكسيد الكربون سيقتل كل جميل في جسد هذه الحياة إذا احترقت الحياة
ثم يعود لرمز تاريخي أكد عليه مرة أخري
السيف للحجاج والتأويل لي
نعم لقد اتضحت الصورة
الرأس للحجاح السيف للحجاج
الإسراء لي التأويل لي
هنا يتدخل المكر الفني طرفا في المعادلة الفنية
التأويل والتفسير هنا ينبع من ذات من عاصر تجربة الضغط المجتمعي المتحقق في جدول التاريخ الفعلي القابع في بئر وسر وخفاء وجدان بطل النص
إنتهي الجزء الاول من قراءة تقدية لقصيدة تأويل ما لا يجب
للشاعر الكبير محمد خليفة
قراءة نقدية
محمد هلال البيلي

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق