كان الطقس هذا الصباح مشمسا.. يفوح الربيع فيه من كل الأحلام.. أخذت فنجان قهوتها.. وكالعادة دفترها واقلامها.. واتجهت نحو مكانها المعتاد على صخرة عالية عند ضفاف صديقها البحر.. حيث اعتادت مداعبة الحروف بنسمة عطر خواطرها المستمدة من حياتها وحياة كل المحيطين بها .. كان البحر هادئا.. وما ان وصلت حتى هاج الموج وكانه يرقص فرحا لقدومها.. نزعت نعلها.. واقتربت من مياهه مبتسمة وكأنها تهمّ بعناقه.. ثم أغمضت عينيها.. وسافرت نحو تاريخ قريب.. تذكرت آخر مرة قابلت فيها صديق طفولتها وحبيب عمرها... ومرّ من أمامها شريط طويل.. لقصة روتها لها جدتها ذات مساء جميل.. وهي تعلمها كيف يصل الرجال الى مرتبة الأمير... وكيف يصبح الشاعر سيدا.. وان كان فقير.. فالشعراء يحملون الحب في كلماتهم .. على طول طريق في الأغلب هو عسير.. قصة جميلة.. جمال وجه جدتها وهي تتأمله وكانها تحفظه خطا خطا.. بكل تقاسيمه.. كان قلبها الصغير زمانها يستمع بشغف الى قصة الفقير الذي أحبته سيدة القصر.. وتخلت عن عرشها .. لتكون قربه ورفيقة دربه الطويل... وقد حفظت بطلتنا اوصاف ذلك المحبوب.. وطبعت صورة تقريبية له بخيالها.. وأحبت شخصيته حتى كرهت كل الرجال غيره وكانه لم يكن بطل قصة.. بل شخصا حقيقيا ..كبر معها.. رافقها بأحلامها عمرا.. شهد صباها.. شبابها.. آلامها وافراحها.. كان دائما يمسك يدها.. يدفئها.. لكن لا أحد كان يراه غيرها... حتى التقت به مباشرة.. في أحد قاعات السينما.. عندما سمعت صوتا يسألها .. " هل المكان فاضي وهل يمكنني الجلوس؟" .. من فرحتها سحبته بقوة نحو الكرسي وكانها تقول له " أين كنت.. فقد كرهت غربتي ومللت البقاء... كانت الحركة التي أشعلت نيران الحب بقلبه .. ومنذ تلك اللحظات .. اصبحت قصة جدتها حقيقة مع بعض الاختلاف.. هي لم تكن سيدة قصر.. ولا هو كان فقيرا معدما.. لكنها تخلت عن العالم لاجله .. ورضيت بالقليل من أجل ان تكون معه.... لكن جدتها لم تخبرها ان سحب الحياة.. شديدة السواد.. تحركها رياح أقوى من الأحلام.. دمّرت قصة الحب.. ليفترقا الحبيبان .. وينزوي حمام السلام.. في جزيرة بعيدة... يحيط بها الموت من كل ناحية... مرّ شريط الذكريات.. لتنهمر دموعها.. صامتة.. تغسل ما بقي من حكم ومواعظ جدتها... فالناس لم تعد تؤمن بالربيع..
الاثنين، 1 مارس 2021
خريف حلّ باكرا بقلم الكاتبة لمياء السبلاوي
والحروف هرمت وأصبحت قاسية.. وحبر الأحلام لم يعد ورديا .. ورغم ذلك مازالت وفية لروايات جدتها... ولم تصنع لنفسها صديقا أو حبيبا غير ذلك الذي رسمته امراة عظيمة بروحها ذات شتاء بارد... تدفئها ببوطولاته وجنون العاشق فيه.. عاشق جمع كل الدماء بعروقه.. لكن القدر أثبت انه مجرد حكاية من حكايات البدو...توارثها الجدود.. حتى وصلت إليها... فكل شيء تغير.. وحتى الشتاء لم يعد باردا... ولا شيء في تلك القصص كان حقيقة... الا سيدة القصر... التي واصلت طريقها وحيدة... انهمرت دموعها من جديد... لدرجة جعلت السماء تبكي لبكائها... مما جعلها تعود مسرعة لبيتها... دون أن ترسم شيئا ما عدى عدد حبات الدموع التي اختلطت بحبات المطر.. وورقة شجرة تحكي قصة خريف حلّ باكرا....
بقلمي لمياء السبلاوي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق