الاثنين، 30 أكتوبر 2023

جمالية السرد في رواية "موت بطعم القهوة" للكاتبة ليندا عبد الباقي بقلم طاهر مشي

 جمالية السرد في رواية "موت بطعم القهوة"

للكاتبة ليندا عبد الباقي
الرواية وسيلة ينقل بها الكاتب، الأحداث، ويشارك احساسه العامة. فيسعى إلى الحديث عن وقائع الحياة بدأفع علاج الواقع الإنساني والنفسي والاجتماعي،
مما جعل واقع الرواية في الأدب العربي مرتبط بالأوضاع الثقافية والاجتماعية والسياسيئة في العالم العربي،
لتولد العديد من التجارب في شكل روايات، من بينها
"موت بطعم القهوة "
للكاتبة ليندا عبد الباقي صاحبة دار ليندا للطباعة والنشر والتوزيع... سوريا... السويداء
رواية مختلفة بما جادت به قريحة المبدعة من جمال.
لتستهل كتابها بإهداء، جمعت فيه الخبرة والحنكة والابداع لتتميز روايتها المنحوتة على البياض.
من هنا تنطلق الرواية ليقودنا الاهداء إلى عمق جلي من احساس الكاتبة البديع، منبأ بولادة جديدة.
فقالت:
"الاهداء
العمر الهارب من ذلك الزمن الردئ
للدمعة التي تقاذفتها السطور
للنظرة المتأرجحة مع شظايا الذاكرة"
رسمت مشهدا بإحساس ينبض بالانسانية حملته ما بداخلها من ألم وحزن وتفاؤل، فهذا الزمن الردئ احتواها فلم تنكر وجودها شمعة تنزف من صلبها لتطرز لنا حلة خضبتها بالدموع، لكن الأمل دائما موجود فنظرتها التاملية ووقوفها الطويل وهي تقلب الذاكرة، خجل من هذه اللحظات الفارقة كانت مدخلا للرواية، ليدوي صوتها في الأعماق، فتدون شظايا الذاكرة المزدحمة، وترسم رواية جديدة بمنهج آخر واسلوب منفرد، حيث الصمت، شكل الضوضاء ومخاض عسير لتولد "موت بطعم القهوة"
لأن لم تفصح الكاتبة علنا عن فصول الرواية وأجزائها، ألا أنها اعتمدت نصوص قصيرة في شكل أقوال مأثورة للمشاهير، حتى تلخص بها فصول الرواية فشكلت فاصلا وصفيا، وعنوانا كبيراً للاحداث التي تدور في الرواية، فاعتمدت الكاتبة شخصيات ثابتة واخرى متحركة لبناية هيكل الأحداث بتسلسل. ابداعي.
فقد بنت رواية حداثية لتخرج من الطابع الكلاسيكي وتقترب أكثر من الروايات العالمية والسرد البديع التي تجعل القارئ متشبثا بمتابعة الأحداث بمتعة وراحة نفسية، رغم الاختلاف الضمني في فحوى الروايات من أحداث ومواضيع مختلفة.
وقد رسمت كاتبتنا ليندا، مسارا خاصا بقلمها، وبصيغة جلية في الوسط الأدبي، سواء القديم أو الحديث، حتى نتعرف على روايتها من خلال اسمها المرصع بالياقوت.
هذا الأمر الذي ينطبق على العديد من الكتاب المتميزين، فعندما نطرح اسم الأديب الروسي ديستوفيسكي أو الكلمبي ماركيز حتى نتعرف على طبيعة سردهم المرتبط بطبيعة عيشهم والحقبة الزمنية التي تغطيها الرواية،
فكلما نغوص بين السطور الا وتزداد القراءة متعة وتشويقا
كقولها:
"ذلك اليوم كان الزوج يلتهمها بنظراته كلما دخلت وخرجت!
وكانت هي تتعداه بنظرات الارتباك والخجل والانكسار
كان يخيل لها بأن شيئا جديدا سيغزو حياتها ..."
هنا تضع الكاتبة ثلاثة نقاط لتشد القارئ وتفتح له مجال للتصور والتخمين في بقية الأحداث،
ثم تستشهد بنيتشا كفاصل ومدخل للفصول التالي:
"لم يترك الأغنياء للفقراء
سوى الله
نيتشه"
مع تشعب الأحداث تسير بنا الكاتبة مع الزمن ليبرز جليا دور الزمن في السرد، فيختلف الوقت باختلاف الأحداث من ليل ونهار، وصبح وظهيرة، ومساء.
هنا نستمتع بكل التفاصيل التي جسدت المشاهد، وفي بعض الاحيان تنخر العقل الباطني للقارئ ليفضي استنتاجاته وتوقعاته التي يبنيها بتلقائية من تفاصيل الرواية.
هذا التراوح بين الأحداث والسرد المتقن، جعل عنصر المكان بارزا في جل الأحداث، فتعددت الأمكنة بصفة تدريجية متزامنة مع الوقائع المسرودة.
كما شكلت الطبيعة عنصر أساسي وفعال في سرد الرواية، فأضفت على الأحداث جمالا وابداع وحنكة، فتصوغ كاتبتنا لحظات سردية إبداعية تشجي المتلقي وتبرز حذقها لأدوات التعبير وأسس الكتابة،
قالت:
"صوت المطر المحمل بالريح يطغى على كل الأصوات"
صورت الكاتبة لوحات فنية بأساليب مختلفة وبريشة مبدعة، مؤمنة بذاتها وما ولج في خلدها من جمال لتجسدها على صفحات بيضاء.
رواية "موت بطعم القهوة"
حيث احسنت اختيار الشخصيات المكونة لفحوى الرواية، لتترابط الأحداث بتقنية إبداعية بما فيها من تغييرات ( الزمان – المكان) ليبرز التطور الفارق للرواية العربية، رغم الاختلاف الجلي للنقاد حول ظهور الرواية العربية وارتباطها بفن الرواية العالمي، حيث ولدت بأنامل الكاتب المصري محمد حسين هيكل، (1888 - 1965) رواية زينب.
لتمضي الرواية في تطور مع منتصف القرن العشرين ونقلة نوعية كبرى ميزت محتوى الروايات التي ظهرت آنذاك في مصر، والشام والعراق .... منها "الحي اللاتيني" لسهيل ادريس 1955 .. و"أنا أحيا" لليلى بعلبكي ... و "السراب" لنجيب محفوظ 1949، وغيرها من الروايات الخالدة.
وفي سياق التطورات، نجد أن كاتبتنا أبدعت في استعراض تجربتها البشرية، بكل ما حملت ذاتها من ابداع ووسائل فنية من سرد، وجمالية اللغة وتوظيف الشخصيات، لتبرز ملامح الرواية جلية مشكلة مشاهد نموذجية، من واقع تعيشه المرأة العربية بغض النظر على الحدود الجغرافية، والصراع العلني بين العقل الباطني للمرأة والرجل، الذي تتمظهر نماذجه من خلال تصوير المعاناة التي تعيشها المرأة في كل الأقطار العربية،
لقد انتقل الصراع الداخلي للكاتبة، بعد التأمل والتمحيص، إلى بناء جمالي في شكل لغوي وبمنهج سلس، مستنجدة بكل الأساليب البيانية الفنية ودلالات جلية، لتنقل لنا الصراع الذاتي بين الرجل والمرأة بتقنيات سردية بارزة في جمال المسميات والشخصيات والادوار المتقنة التي شكلت فيه المرأة رمز الجمال والحياة وليس الموت،
هكذا أكون قد عرجت برواية الكاتبة ليندا عبد الباقي، باسطا إبداعها دون خوض في أحداث الرواية التي سيستمتع القارئ بمتابعة أحداثها وتفاصيلها،
هو غوص في ذات الشاعرة المبدعة وهي التي عبرت عما يخالج مكنونها بإحساس راقي نعيش معها الحدث، ونستمتع بمخطوطها الجديد.
ويبقى الجمال جمال الروح
متابعة شيقة
الشاعر طاهر مشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق