يوم تذوقت الموت بلذة فريدة.
.........
حتى لا أقسم من فراغ
مت وخبرت ان الموت مستساغ
وجاءتني دعوات الرحمة صادقة
ووحدها أعادتني لوعيي
ما بقي من ذاكرة في الدماغ.
عدت من البرزخ بعد ان تذوقت سكونه وفتحت عيني لاكتشف قلوبا مشفقة تجمعت حولي متلطفة، شاحذة للمعنويات وهي لا تعلم ان فرحتي لن تضاهيها فرحة
وانا افتح عيني على المحبة وبلساني المقسوم اتذوق طعما أخر للحياة.
........
قد نلاعب الموت كلعبتنا مع الصغار
ونحن لا نعرف لفجوة الموت قرار
الموت لحظة لا تعي فيها وجعا
ولا تحسب للزمن الوقور وقار
ولا همك ان كنت مشردا او كنت في الدار
تتوقف عجلة الزمان. ولا تعتبر اعتبار
لاناقتك او لعريك او لما كتبت من أشعار
تمحى من الوجود وتتعطل ذاكرتك للحظة
وكأن كل ما حدث من حولك ما كان صار!
......
وهل ثمة ما أصدق من البكاء؟!؟!
ألف ضحكة لا تضاهي دمعة فزع رأيتها تسقط من عين حبيب في قمة هلعه ولوعته على ما ظنه مصابك او مصابه، رأيتها فاثلجت صدرك وأنت تعود للتو من عالم اللاوعي، في عين صادقة تأكد تعلقها بك في الخير فتبتسم لها معتذرا وتعاود تشبثك بالحياة، ليس حبا في الحياة إنما رغبة منك في تلبية مراد من يريدك الى جانبه حيا ولو بنصف جسد.
.......
شهوتي ان اموت للمرة الاخيرة صديقا للمبدعين.
سأكتفي بما توفر لي، حتى اللحظة، من سعادة واقضم من عنقود الذكريات، ذكريات سعادتي، حبة حبة، لعل مؤونتي منه تسد حاجتي البسيطة لغذاء مقتصد.
ولائمي الباذخة كانت تسيل لعاب الجائعين وتزبد من نهم الطامعين وتعصر على بطون المعوزين.
لكن شهوة الفناء يفسدها علي تربص الانتهازيين.
قد يتسلل الحسد الى نفوسهم ويغبطون بوهيميتي فيلبسون قناع المجاملة ويخفون وراءه طبع النسور القمامة تلك التي تحلق بعيدا وتترصد الغزلان الغضة في حديقتي عسى ان يظهر عليها العلة والهزال. حينها سيشهرون المخالب والقواطع لينهشوا من لحمها القليل.
ألم تروا أعينهم الشبقية اشبه بسنام حادة يخيطون بها اقمشة متينة، تعجبك الوانها ويغريك تطريزها؟ لكنهم يمكرون ويدسون فيها عثة الخراب على امل ان يبلى الكساء يوما ويساقط خرقا وتصير حينها عاريا؟؟؟
عند عرائك سيتندرون ويتغامزون ويتلامزون ويستعجلون حتفك لتخلو لهم جنائنك الوارفة وقصورك الدافئة ويتقربون من اهلك وحاشيتك تحت عنوان الوفاء لحضورك بالغياب.
عندها سيلبسون قناع الطيبة والحنية ويجعلون من الاحتفال بذكراك فرصة حتى يتذوقوا في خجل من بقايا موائدك وسيراودون طهاة ولائمك ليطبخوا لهم طعاما لذيذا حتى لو كانوا ليسوا بقادرين على تمييز البهارات النادرة التي كنت تقدمها لعمال مطبخك ليصنعوا منها اشهى الاطباق على فقر موادها.
لكن عندها ربما سينسى طهاة ولائمك خبرتهم وسيمزق عازفو جوقتك الاوتار ويثقبون المضارب والدفوف ويكسرون المزامير ويقسمون ويتعاهدون على الحداد وفاء لشخصك المميز ويختزلون فرحهم في استذكار خصالك ومناقبك في ترانيم صامتة.
ربما حينها وانت في قبرك، ستهب عليك الذكريات مثل نسمة رقيقة، لأنه عند موتك ستتوقف عجلة الزمان ويختم سجل الذكريات بتوقف الاحداث كلها، جميلها وقبيحها، ويصير كل زادك بكرة فيلم توثيقي، تعيد مشاهدته متى شئت لكنك لن تضيف اليه شيئا جديدا ... تكرر مشاهدته، تستذكر حيثيات احداثه، تتسلى مرة وتبكي مرارا، في انتظار ان تقوم الساعة ويؤول سجلك في يد الله، ليحاسبك على نواياك ويغفر لك، بفضله وكرمه ما اقترفت من خطايا عن غير قصد.
محمد المهدي حسن (22-09-2020)