السبت، 6 نوفمبر 2021

قراءة في قصيدة بوح الغرام للشاعر العراقي المغترب ضياء تريكو بعنوان( العشق ومقامات الهمس المقدسة)بقلم الأستاذة : منيرة الحاج يوسف /جربة /جريدة الوجدان الثقافية


 قراءة في قصيدة بوح الغرام للشاعر العراقي المغترب ضياء تريكو بعنوان( العشق ومقامات الهمس المقدسة)

بقلم الأستاذة :
منيرة الحاج يوسف /جربة
قصيدة باذخة تغنّى فيها الشّاعر بآيات العشق حين تكون كتابا مقدسا تتلوه عناصر الطبيعة برمّتها.
استهلّها بالخطاب المباشر القائم على الأسلوب الطّلبي يوجّهه إلى عاشقة، والطّريف فيه أنّه يطلب منها هي أن تقول بدل أن يجهر هو بالقول وهو غير مألوف في علاقة الحبيبين في مجتمعاتنا العربية الأصيلة التي كانت تمنح حقّ التّصريح بالحبّ للرّجل وتحرّمه على المرأة لكنّ الشّاعر بحسّه العالي يصيخ بسمعه إلى همس أنثاه فإذا بصداه يتردّد، إذ هو همس قد كسر كل قيود الصمت واخترق الفضاء والسماء وتكحّلت به العنقاء وفتردّد في الكون حتى غدا من ذاتها وذرّاتها علوا وشموخا وارتفاعا يعانق الأثير والسّحاب المطير، ويتماهى مع كل عنصر في الطّبيعة هو به جدير.
إن غلبة معجم الطّبيعة الخصبة الجميلة، ماهو إلا تعبير شفيف عمّا استلهمه الشّاعر من همس العاشقة الصّامت صوتا، الصّارخ كتابة حتى تحوّلت الأطيار والأشجار والأمطار أناشيد مقدّسة يستمدّ منها العشق معانيه السّامية ويتّخذها العشّاق دستورا لا يحيدون عنه.
مكّن الوصف في المقطوعة من الارتقاء بحرف العاشقة إلى مقامات رفيعة موغلة في عوالم الجمال البديع أمّا الاستعارات والمجازات فارتقت بدورها بالحرف من مجرّد بوح إلى أنهار قدسيّة زكيّة تمنح الحياة للقفار وتحرك السّواكن وتنطق الجماد كما دعم الجناس غير التّام إيقاع القصيدة بما أحدثه فيها من أصوات تشبه الهمس أسهم حرف السين من مضاعة دلالتها الشعرية وعمّق شجن المعنى
يرتقي الشّاعر في قصيدته بمعاني البوح إلى مرتبة مختلفة عمّا عرفه الشعر العربي فلا هو البوح المباشر المبتذل المغرق في اللّذائذ ولا هو البوح الصّوفي بالمعنى الدّقيق للكلمة إنما هو بوح إنسانيّ راق يعانق الطّبيعة ويستلهم منها عمقه وطهارته مما جعل الشاعر في آخر قصيدته يحكم للعاشقة بالتّفوق في العشق لتفرّد بوحها فمن غيرها أحقّ بالعشق وما من كُفُؤٍ يراه لها لها ؟
هذه القصيدة الغزلية تعرض نمطا مغايرا للعشق المعلن المعروض في كلّ مكان وتتغنّى بقيم العفّة والرّقي فتعيد للمشاعر النقيّة ألقا فقدته في زمن العولمة زمن الشّاشات المشوهة بشبه العواطف والرسائل الملوثة بالحروف المدنسة والكلام الذي لا يرقى إلى مقام النزاهة والنبل .
هذا الطرح الجديد النقي لمفهوم العشق والتصريح بالمشاعر يعيد للمرأة ما فقدته من حسن جوهرها وطهارة روحها وعنفوان اعتدادها بنفسها وصفاء علاقتها بالرّجل باعتبارها أقدس علاقة على وجه الأرض وقد نجح الشّاعر نجاحا لافتا في إضفاء هذه اللّمسة الفريدة من العفة المغلفة بالجمال
على أبيات قصيدته (بوح الغرام).
قصيدة :بوحُ الغرام
--------- ضياء تريكو صكر
*******************************************************************
قولي لهمسِكِ والصّدى يتردَّدُ
---------------------- طافتْ بهِ العَنقاءُ حيثُ السّؤدَدُ
فالعاليــاتُ مِنَ الغيوثِ بوارقٌ
------------------------ والمُمْطِراتُ هواطِـلاً تتوسّـــدُ
مدّي بســاطَكِ للأثيرِ معـانقـاً
------------------------ فيُوائمَ الأطيــــــارَ حينَ تُغَـرِّدُ
سِلسالُ حرفِكِ سلسبيلٌ سيْلُهُ
------------------------ زاكٍ نميــرٌ فيضُـهُ.... والمَورِدُ
أندى غرامُكِ فالقَفـارُ شـجيرةٌ
------------------------ فإذا بهـــا حتّى الزّنابِقُ تَهْجُـدُ
كالأثْلِ كالصّفصافِ أيكُ لطافِهِ
------------------------ كالفـيءِ طلّهُ، للنّوارسِ معْـبَدُ
آياءُ نبضـــكِ للفئيـــدِ هَداهِدٌ
------------------------ للعاشــــــقينَ تأوّهٌ وتنهُّــــــدُ
ما الخَصْمُ كفئاً للغرامِ وحُكمِهِ
----------------------- يُنْئي الخصومةَ بوحُكِ المُتَفَرِّدُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق