الاثنين، 20 سبتمبر 2021

صوني لابوتانسي كاتب من ذهب بقلم : السعيد بوطاجين / النادي الأدبي .

 .قال الأديب والشاعر والمسرحي الكونغولي صوني لابوتانسي بنبرة متشائمة: " الأموات لا يموتون كلية لأنهم يرفضون الموت..، هناك عودة إلى الحياة الطبيعية لأن الأحياء لا حق لهم في الحياة ..) .

صوني لابوتانسي
كاتب من ذهب
بقلم : السعيد بوطاجين / النادي الأدبي .
( . الأديب الكونغولي صوني لابوتانسي ( 1947 كينشاسا ــ 1995 برازافيل)، ظاهرة إبداعية في المسرح والرواية والشعر، رغم حياته القصيرة التي لم تمنعه من نشر عدة مؤلفات ناضجة فنيا، وغاية في الوعي بمقوّمات النص الأدبي، وبرؤية استباقية نادرة لأنه كان يجيء من المستقبل نحو الحاضر، بتعبير أدونيس، وهو يذهب من الحاضر إلى الماضي والمستقبل بخطى مؤكدة، انطلاقا من المحيط الخارجي الذي بقي متجذرا فيه، ومن الممكنات التخييلية التي عادة ما يكون الواقع متكأ لها، كما فعل " جورج أورويل" في رواية 1984 عندما كتب نبوءاته العظيمة، تأسيسا على تمفصلات مجموعة من الأبنية التاريخية والحضارية التي أهلته للحديث عن أحداث لم تقع بعد، أو كم فعل الروائي الروسي مكسيم غوركي في رواية " الأم " التي تنبأ فيها بالثورة البولشيفية لعام 1917، وقد أشاد بها فلاديمير لينين.
كان وعي هذا الكاتب وعيا مشابها، ومركبا لأنه واسع الاطلاع على تفاصيل المجتمع وثقافته ورغباته وماضيه وحاضره وقضاياه الأنثروبولوجية و محكياته وأدوات الكتابة كشكل إقناعي مستمد من بلاغة الأمة عبر التاريخ، إضافة إلى مراجعة الجانب اللساني في حدّ ذاته ، لذلك اتسمت لغته وأساليبه بمفارقات مكثفة عكست قدرته الخارقة على تطويع كيفيات التعامل مع اللغة وممكناتها التواصلية، كما تعكس ذلك روايته الحياة ونصف، أو رواية ما قبل الشعب، لقد قام بمراجعة جذرية للأنماط المكرسة بحثا عن صيغ تعبيرية أكثر قوة وإقناعا، شكلا ودلالة، مع التركيز على أهمية الآداب التقليدية في علاقاتهابالآداب غير التقليدية التي بدأت تغزو الكونغو قادمة من الفرنسية والانجليزية.
لم يغفل صوني لابوتانسي قضايا المحكيات الهوياتية المتأصلة في النتاج المحلي، الشفهي والمكتوب، وفي الذاكرة الجمعية كسند قاعدي في فعل الكتابة برمتها. لقد كان ملمّا بالتعارض الحاصل ما بين الآداب الشفهية وبعض الآداب المدونة حديثا، ما بين منطق الفِرق والأعراق وحتمية التجديد النسبي الذي ظل منغرسا في الموروثات القديمة التي تتعرض لتهديد آليات التحديث التي تكتسح الآداب والفنون المحلية، ومن ثمّ إمكانية محو الأبعاد الافريقية الأكثر عمقا وأصالة من الأدوات المستوردة من المنجز الغيري. لقد حافظ الكاتب، رغم تحديثاته الأصيلة، على هويته "السوداء" بالاستثمار في التقاليد والخرافات التي مررتها له جدته عن شعوب البانتو وخصوصياتها الاجتماعية واللسانية والسياسية والسردية، دون إغفال الآداب الفرنسية والانجليزية. لقد كانت جدته رمزا ثقافيا استلهم منه كثيرا.
لقد كان عنصر المثاقفة من القضايا المسكوت عنها في النقد والمطارحات لأنه لم يقم، في جوهره الفعلي، على التبادلات المعرفية والابداعية بين المستعمِر والمستعمَر، بين المصدر والمستورد، بقدر ما أسس على امتصاص وتبني الأفكار والأنماط النموذجية الغربية الجاهزة للاستهلاك، دون تبيئة عارفة بالأشكال والدلالات والمقاصد الوافدة. ما أنتج، في حالات كثيرة، مجموعة من النصوص الواقعة تحت تأثير الابداعات الأوروبية الضاغطة، شكلا ومنظورا، أي نوعا من الامحاء في الذوات الغيرية.
هل أدرك الكاتب هذه المعضلة المعقدة التي تميز بعض آداب العالم الثالث، وخاصة الشعوب الإفريقية المستلبة تاريخيا ؟، يبدو الأمر كذلك بالعودة إلى رواياته الست وأشعاره المبعثرة ومسرحياته الكثيرة، تأليفا وإخراجا، إضافة إلى العروض التي تم تأليفها جماعيا ضمن فرقة "روكادو زولو" التي كان مديرا لها، وهي فرقة ركزت على مؤلفين أفارقة واقتباسات ركزت على القصص والروايات والابداعات المحلية ، ثم قدمت في مسارح البلد، قبل أن تنتقل إلى أوروبا، بداية من 1985، بشخصيتها المستقلة وطقوسها الافريقية كثقافة مميزة تجعلها قائمة بذاتها، ومن هذه المسرحيات التي شهدت رواجا كبيرا بسبب هويتها وموضوعاتها " قوس الدم " ، " وعي الجرّار" ، " أنا أرملة الإمبراطورية " ، " أنطوان باعني قدره" ، " أنا القلب الموقع أدناه " ، إلخ.
هناك، على سبيل المقارنة، قرابة نسبية ما بين هذا الأديب، الذي يعدّ ظاهرة سردية وشعرية وفكرية ومسرحية، وبين الروائي الجزائري كاتب ياسين في فكرة المزاوجة بين الأجناس الأدبية : التوفيق بين السرد والشعر والعرض، أو الانتقال من الرواية إلى المسرح من أجل ضمان جمهور أوسع، وهو ما ميز بعض الكتّاب الأوروبيين الملتزمين بقضايا مجتمعاتهم. لذا كان توجه " صوني لابوتانسي " نحو مخاطبة الفئات الشعبية المسحوقة بدل التركيز على النخب، أو على الكِتاب الذي كان يشهد انحسارا كبيرا من حيث النشر والاستقطاب، مع اختلاف واضح بين الكاتبين في التوجه الأيديولوجي. لقد كان المسرح منقذا، ومصدر قوة بالنسبة إلى هذا الأديب الذي اعتمد على حفريات اللغة والانقطاعات والحركات، على الكلمة والحلم في فعل المسرحة، كما أشارت إلى ذلك الممثلة ماري ليوتينتسيبيندا.
الروايات ظلت بدورها، بالإضافة إلى تمسكها بالواقع الإفريقي المخصوص الذي يتعرض لأكبر المظالم، محليا ودوليا، مرتبطة بالعناصر اللغوية، بالقلب والتلاعب والتنويعات والعدولات والمفارقات التي جاءت في قالب سخرية سوداء، شاملة، عنيفة وضاجة، كما يمكن أن يتجلى في ما قبل الشعب. وهناك، إلى جانب ذلك، الاشتغال العميق على البلاغة والأساليب المضادة للمعيار المتواتر في الحكي، وعلى الخطاب المقلوب الذي يقوّض المعارف السردية المعيارية. لقد كانت كتاباته ورشة مفتوحة على الممكنات التواصلية التي لم تعهدها اللغة الفرنسية ذاتها، كما في رواية "الحياة ونصف" التي يصبح فيها الأسلوب قيمة اعتبارية أساسية، كما لو أنه شخصية في المتن، أو موضوعا قاعديا يتعذر عدم الالتفات إليه كخاصية جمالية مهيمنة، وكطريقة مميزة في تمرير مجموع البلاغات المتراصة، بنوع من الرفض المستمر للحياة الدموية، ومن العبقرية النادرة في تاريخ الأدب الإفريقي الأسود.
لقد اشتغل الكاتب كثيرا على قضايا فلسفية عميقة، على الزمن المادي والفلسفي، المكان، الجماليات المحلية، النواميس المتوارثة، الوجود والعدم، كما فعل سارتر، على المفاهيم والمنظورات المكرسة اجتماعيا، وكان عادة ما يعيد قلب القاعدة الصلبة التي توجه الأمة نحو العمى، أو مساءلة النموذج بحثا عن الحقائق على مستوى الكمون، وليس على مستوى التجليات التي عادة ما تسوق للوهم الذي تصنعه الأجهزة والشعوذة. قال الكاتب بنبرة متشائمة: " الأموات لا يموتون كلية لأنهم يرفضون الموت، هناك عودة إلى الحياة الطبيعية لأن الأحياء لا حق لهم في الحياة". الموت إذن هو القاعدة في كاتاما لانالازي، الأصل الثابت في إفريقيا حيث تتبوأ الانقلابات والدكتاتوريات، وهو الموضوع المتواتر في نصوصه بكثرة، كما يمكن أن نجد ذلك مع غابريال غارسيا ماركيز في أمريكا اللاتينية، وذلك لتقارب المجتمعين في بعض الممارسات السياسية.
لقد كان لابوتانسي، صوت إفريقيا الحر لأعوام، يفكر في الموضوعة والفكرة والجملة واللفظة، وظل، في كلّ نصوصه التي تستحق عدة قراءات، يبني على العقل والذات بدل النقل تأثرا بما يأتي من الآخر، من الغرب تحديدا، وكان بصيرا: " الأرض لم تعد دائرية في الواقع، ولن تكون كذلك"، وظلت الرموز الثقافية المحلية في صلب اهتماماته السردية والمسرحية والشعرية. كان ذلك، بالنسبة إليه، منطلقا قاعديا، وعودا أبديا، كما تقول الفلسفة. هناك رجوع مستمر إلى الموروثات، إلى حكايات جدته، إلى الواقع، و إلى الذاكرة الجمعية التي كانت رافدا له، وقوة مرجعية جعلته تمثيليا، ومؤهلا للنظر إلى العالم بعينيه، معبرا بذلك عن الجنسية السردية الزنجية التي كان أحد المدافعين عنها، رفقة الرئيس السينغالي الشاعر ليوبولد سيدار سينغور.
ربما كان الطابع المحلي اللافت هو الذي جعله يفوز بعدة جوائز وطنية وإفريقية وأوروبية، المحلية الانسانية التي ميزت بعض الأعمال الخالدة في المنجز البشري، كما حصل مع الكاتب الروسي أنطوان تشيكوف، أو مع القاص السوري زكريا تامر، أو مع الأديب التركي عزيز نسين في قصصه المثيرة التي لم تبتعد عن الحارات الشعبية وقضايا الأمة، لكنها ظلت راقية، وعميقة، وخالدة أيضا. لم تخطئ جريدة لومانيتي الفرنسية التي كتبت عنه بعد رحيله : "هذا الشاعر كان أنبل صوت في الكونغو، ولم يتوقف عن مناصرة شعوب بلده؟". هذه إحدى القيم التي أبقت عليه حيّا في ذاكرة الكونغو. لقد عاش مع الأمة، وكان لسانها، إضافة إلى التقنيات المبتكرة والدفع بالخيال إلى أقصاه، مستفيدا من طبقات المعرفة التي شكلها الوقت، تلك التي شكلته وجعلته كاتبا لا يشبه سوى نفسه، رغم إغراءات الثقافات والآداب الوافدة من الغرب.
Peut être une image de 2 personnes et texte

درْ على هدأة البحر..ولا تترك بقايا دموع على الجفن بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 درْ على هدأة البحر..ولا تترك بقايا دموع على الجفن

الإهداء: إلى أمّي التي أنجبتني في عتمات الفصول..وشمخت فوق زخّات العذاب..حين أتاها الذبول..
..يا إلاهي..
تموت التي وهبت قمحها للغيم
وأطعمت من حليب اللوز..
صبايا
مرّ على نضجهن..
نصف قرن ونيف..
هكذا هي أمّي..
كلّما انهمر الغيم..
وجْدا..
وتشظّت مرايا المساء..
خبّأت ودائعها..
في كفّة الرّيح
وشدّت على وجع..
بحجم السماء..
ثم قالت..
"لا تخف يا محمد"..
لك مقعد على بساط المدى..
ووتد تلتفّ من حوله..
كل الثنايا
لك مفاتيح الفصول..
قلب جميل..
وأمّ بهيّة..
تؤجج..
إذا حاصرك السّيل..
جمر العشايا..
..لك إشراق البراري..
وخيطان..
من مطر
وشوق يضيء
في شعاب الهدى..
لك نرجس الرّوح
يتفتّح عشــــقا ..
بين شقوق المرايا..
فلا توغل في الدّمع..
و"لا تحمل مشكاة الحزن..على عاتق الليل"
ستبصر وجهي..
خلف تخوم الصدى
يضيء في غلس الظلمة..
ولا تصغ لعويل الصّمت..
فلا شيء أشدّ بهاءً.
.من الموت
ولا تكن طيرا..
أضاع بلا سبب
عشبةَ البحر
وحلّق في فجاج الكون
علّ تجود الفصول..
بما وعدته الرؤى..
درْ على هدأة البحر ..
ولا تترك بقايا دموع
على الجفن
ولي أنّني خائفة..
لحظتان ..
ودمعة
عينايَ لا تبصران
إلى أين تمضي الرّوح
في مثل هذا الصّمت العظيم..
إنّي أرى من بعيد..
طائرا يقتات من مهجة الليل..
يمتشق غيمة للهدى..
ويمضي بي..
إلى لجّة الغيم
حيث سديم الصّمت ..
واختلاج الحنايا..
كن صبورا..
مثل أبيك تمامَا..
إذا ما ظُلِمـــتَ
وديعا كزهرة لوز..
إذا ما صفحتَ..
وإن كان لا بد من حلم
"على قدر حلمك تمشي"
لئلا يباغتك الليل ..
في منعطف للثنايا..
كن عند وعدك..
فما خنتَ وعدا
وما هدّك اللّيل..
ولا بعثرتك المنايا
هي ذي وصيتي من الآن..
لا تخنها
فروحي تظلّ.
.ترفرف من حولك
تضيء..
وتخبو..
ثم تحطّ على نرجس القلب..
كي ترسمَ..
خلف الشغاف هيئة نورس..
وتسافر عبر مخمل الرّيح..
فتظلّ تهفو إلى طيفي..
وتكتب فوق جدار السديم
وصايا..
لا تُجتَبَى..
ويبقى نسيم الأمومة..
ينضح من شقوق المرايا..
وبين الضلوع نجمة..
يلهِب نورها..
في غمرات البنفسج
عطر العشايا..
"ابق المصابيح..
مضاءة في فيض الليالي..
وفيضي
مصالحة بين نور السماوات ..
ونومي"
واسأل عن غيمة..
راقصت الرّوح
في زمن الجدب..
ثم توارت خلف برزخ للهدى
ولا تسَل أحدا
حين يداهمك الليل:
ترى..
هل أتى طيف أمّي؟
فذاك سؤال عليل..
سيمضي سدى
وسَل..
دون ريب :
من أين تأتي الهدى؟
وكيف سيُنسَف هذا الضلال
وتُرسَم فوق سطوح الرّوح..
ملامح وجه توارى..
وظلّ نشيجا
في فيض الدجى..
محمد المحسن


نعيرُ إبليس بقلم الشاعر أحمد صلاح

 نعيرُ إبليس

سأرسمُ عن موطني صورةً
بدمعِ اليراعِ على مهجتي
أصورُ فيها السُّعادَ١ التي
أغارَ عليها بنو جلدتي
أنا قلمٌ سالَ من حزنِهَا
بنافورةِ الدمعِ في مقلتي
يمانيُ أَصْلِيْ على أرضِهَا
ولدتُ لتحضنني تربتي
لمستُ الأمانَ بأكنافِها
وذقتُ السعادةَ في الوحدةِ
توحدتْ الأرضُ في أمنياتي
فزادَ التوحدُ من قوتي
وصارَ الشمالُ جنوبًا لأرضي
وسارَ الجنوبُ إلى القبلةِ
وعانقَ شمسانُ٢ عيبانَنَا٣
وأورفتْ النخلُ في الغيظةِ٤
وبحرُ المكلَا٥ رمى صيدَهُ
ليأكلهُ سَاكِنُوْ صعدةِ٦
وعشنا سويًا على أرضِنَا
ونقتسمُ الحبَّ في اللقمةِ
تشيدُ السواعدُ أمجادَنا
وتحمي البنادقُ للحرمةِ
ومَا أوجعَ القلبَ في مأربٍ٧
بكتهُ الحديدةُ٨ في غُصَّةِ
ومَا أهطلتْ دمعَهَا أبينٌ٩
تُكَفكفُهُ الْأَيْدِي في حجةِ١٠
إلى أن دعا الناسَ إبليسُهَا
ونادى هلموا إلى جنتي
هلموا لكي تنصروا دينَكُمْ
وتستحضروا العدلَ في الأمةِ
وتستأصلوا الظلمَ من بينِكُمْ
إذا ما أتبعتمْ خُطَى خطوتي
فثارَ الجميعُ لأهدافِهِ
وساروا إلى الويلِ والحسرةِ
فحُلتْ دماءُ بني عابدٍ
لإخوتهم من بني مُرَّةِ
ومُدتْ أكفُ بني ساَمرٍ
لتغتالَ دينَ بني عُمرةِ
فماتَ الجميعُ ولم يحدثوا
سوى ما نراه من المحنةِ
وما دمرَ الجهلُ من شامخ
وما أحدثَ البطشُ من علةِ
وما احتضنت من عرايا لحودٌ
وما دفنتْ من أسى الغيلةِ
فما أورثوا الدينَ إلا خبالًا
كما توجوا الظلمَ بالعِمَّةِ
|
أحمد صلاح
اليمن-صنعاء
٢٠٢١/٩/١٧م
معاني الكلمات
١- السعاد : اليمن
٢- شمسان : جبل في مدينة عدن
٣- عيبان : جبل في مدينة صنعاء
٤- الغيظة : مدينة في جنوب اليمن
٥- المكلا : مدينة في حضرموت اليمن
٦- صعدة : مدينة في شمال اليمن
٧- مأرب : مدينة في شرق اليمن
٨- الحديدة : مدينة غرب اليمن
٩- أبين : مدينة جنوب اليمن
١٠- حجة : مدينة شمال اليمن
J’aime
Commenter
Partager

صراخ بقلم الشاعر د. عبد الفتاح العربي

صراخ
بقلمي الشاعر د. عبد الفتاح العربي
أنا صراخ في داخلي
خشخشة
في داخلي صراخ
أنا اصرخ في احلامي
و في يقظتي و آلامي
كل العالم يصرخ
و يصدح بكلام و ثرثرة
و خطابات في الجماهير
و تصفيق له من الحمير
و يعدهم و يمضي
و تجدهم يصرخون
في بعضهم يمدحون
و ينافقون
و يتعاركون
و يتصاحبون
و يبيعون ضمائرهم
حتى صغارهم
يبيعون
يصرخون
في بئر عميق
يجيبهم
صوت دفين
يلعنهم
و يرجع الصوت
جهوري
لا يسمعه و يعيد
الصراخ من جديد
كأنه مكبل بالحديد
محبوس من سنين
في زنزانة صغيرة
و شباك صغير
يطل منه كل صباح
لعل الحرية تلوح
و النسمة منه تفوح
و عفو السماء تبوح
و يأتي السجان
يصرخ من جديد
و في يده الحديد
و جاء الصراخ
من بعيد
و الناس كلهم يصرخون
فالصراخ سمة
العاجزين
و النباح للكلاب
الجائعين
و الذئاب تعوي
في كل مكان
و في كل زمان
و لم تترك للنعاج
حتى البرسيم
قال لهم ملك الغابة
اصرخوا و طالبوا
و اخرجوا و نددوا
فكتبوا بيانات كثيرة
و تظاهروا و رفعوا
لافتات كبيرة
مكتوبة بالسواد
و عليها رموز لجميع
الحيوانات
و كثر الصراخ و النباح
و العويل
و كثر التطبيل
و هذا و ذاك و هم و هن
و كل الوجود موجود
و لم يبقى في الوجود
ألا الجبار والقادر القدير
صاح فيهم الصيحة
الأولى
و إذا بهم جاثمين
و صراخهم هفت
و حسهم خفت
و رؤوسهم هبطت
و انتهى الصراخ
و لماذا نصرخ
مادام في داخلنا
صراخ
و صراع
و آهات و آلام
لعلنا نصرخ لكثرة
الألم فينا
و بعثرة امانينا
و فراغ عقولنا
قبل امعائنا
و ذوبان حبال آمالنا
و تقطع إيماننا
و ضعف بصيرتنا
و اتركونا نصرخ
لتفيق فينا
همتنا
و نحمل عقولنا في رؤوسنا
و نصرخ صرخة العارفين
لا صرخة المقهورين
صراخ الهمم
لا صراخ العدم
الشاعر د. عبد الفتاح العربي