الجمعة، 17 مايو 2024

.. القدر الرابع ... رواية / رضا الحسيني (الفصل الثاني)

 ...         .. القدر الرابع  ...       رواية / رضا الحسيني  (الفصل الثاني)

                                   ..     ( الزهور تعشق) ( 22 ) 

          كنت أعرف أن الأولاد يحتاجون منا هكذا نوع من الحوارات ومحاكاة عقولهم والتطورات التي تتلاحق في زمانهم ، في زماننا لم يكن متاحا لي مثلا خالة أو عمة تحكي معي هكذا وتحتوي مابداخلي وتأخذ بيدي للصواب والأفضل 

         وتوالت من بعد ذلك اكتشافاتي ، ولاحظت كيف يرتبط أكرم ابن أزهار بالرقيقة كاميليا بنت هناء ، كنت أراها دائما تشبهني في الهدوء والبساطة والرومانسية ، وكنت أعتقد أنني لو كنت قد أنجبت كنت بالتأكيد سأنجب بنتا مثل كاميليا ، وكم كانت جلساتنا معا في كثير من الأوقات ببلكونتي نسمع في المساء أم كلثوم وهي تشدو بأروع أغانيها ( بعيد عنك ) ، ولا أدري لماذا أعشق هذه الغنوة لثومة ، فأنا لم يمر بحياتي أي حبيب بالتأكيد ، وليس لدي أي مشاعر لأحد بالتحديد ، ربما كنت أعشقها في المطلق ، أو لأن روحي تُناجي روحا لم تأتي وتركتني وحيدة ، نعم كم تمنيت لو كنت عشت يوما ما قصة حب تحتوي هذا الكم الهائل من المشاعر التي بداخل روحي ، كنت أرى أني أستحق كل هذا الحب الذي لم يأتي ، حتى أنني حين أجلس وحدي مع ألبوم صوري كانت من بين أمنياتي لو كان في ألبومي صورة لحبيب ، حتى مجرد صورة حبيب لم يمنحني إياها قدري الغريب 

       ووجدتني أشعر بشيء من الحزن بداخلي ، كيف مر عمري هكذا بلا لحظة حب ، ربما لو أنني كنت أحببت كنت وجدت في حبيبي مايعوضني عن عدم الإنجاب ، فالحب كما أقرا كثيرا في الروايات يملأ الروح والقلب والعمر ، ويضيء العين التي لم تعرف غير  ظلمات البكاء والسكات والوحدة ، فرغم اللحظات التي حاول  فايز أن يأخذني فيها لعالم من المشاعر إلا أنني ماكنت أشعر أبدا بأي تجاوب ناحيته ، كنت دائما أشعر بأنه يفعل ذلك من باب الواجب ناحيتي وكأنه يريد أن يقول لنفسه بأنه يفعل معي مايستطع فعله ، لا أدري لماذا كنت دائما لا أصدقه ، لذلك ظلت أبواب قلبي موصدة حتى الآن ، وكأن قلبي أيضا قد ولد عقيما

                ..                     ..      ( سيد القصر )

          ورغم أنني وصلت لمنتصف الأربعين من العمر مثل صديقاتي ، إلا أنني كنت ما أزال أعيش بحلم الحب ، وكنت أقرأ في الروايات وأرى في الأفلام كيف يكون الحب في سن الأربعينيات هو عالم من السحر والروعة ، كنت أشعر أن شيئا ما سيحدث لي ذات يوم ، وأن عقمي ليس بالضرورة أن يصل لقلبي حتى النهاية ، فإن كان الإنجاب لا أمل فيه لحد كبير إلا بمعجزة إلاهية ، لكن الحب يظل دائما ممكنا في أي لحظة 

        وكانت صفحتي على الفيس يمر بها الكثير من الرسائل التي تحاول لفت انتباهي وجر مشاعري ، لكني أبدا لم أصادف يوما هذا الشعور ، وكم حظرت صفحات ، وكم غبت عن صفحتي لأبتعد عن كل هذه الأمور التي لا تناسبني أبدا 

        فقط كنت كلما كتبت جملة شعرت بها روحي فأرادت أن تطلقها كنفحة عطر بسماء الحياة ، كنت ألاحظ وجود تعليق غريب يستفزني من  صديق لا أعرف عنه شيئا ، فقط كانت صفحته باسم ( سيد القصر ) ، ظل هكذا طيلة عام ، وأخذني الفضول لدخول صفحته هذه لأعرف ماذا يكتب فيها ، كانت المفاجأة صادمة جدا لي ، لم يكتب في صفحته إلا هذه العبارة :

( تعالي ، أهلا بكِ ، أنتظرك أنا والقصر هنا ) ومعها صورة لطفل صغير يبتسم وهو شبه نائم

                                 وفي الغد بقية بإذن الله




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق