دراسة تحليلية لبعض جوانب قصيدة (يابنت قلبي) للشاعر /إبراهيم الدسوقي
يقدمها الشاعر الناقد /سامي ناصف.
يقول :عبد القاهر الجرجاني.
هو من إذا وجهته إلى فهم الجيد ،عرفه، ومن عرضت عليه شيئا رديئا ،رفضه، ولم يقبله.
وإن الناقد والدارس والباحث يقف أمام كلام الله (القرآن الكريم) باحثا مستكشفا لكنوز بيان القرآن الكريم التي لا تُحصى ولا ينضب معينها ٬ولا ينظر الناقد والباحث إلى النص المقدس بعين التعديل أو التقديم أو التأخير ،لأنه كلام لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
إلا أن نصوص البشر يعتريها النقص ،مهما بلغ أيٓ نص مبلغا من الإجادة .
لأن كلام الناس الذين هم موضع نسيان وسهو .
ومن ثَم : فلا بد أن يبالغوا في البحث والتفتيش وألَّا يتغاضوا عن شيئ يمكن أن يؤثر في سلامة الكلام وبراءته من المطاعن..
.ونعقد سفرا عبر الخريطة النصية لهذه القصيدة (يابنت قلبي) للشاعر /إبراهيم الدسوقي.
القصيدة تلتحف بثياب الشكل التقليدي للقصيدة العربية القديمة، من خلال، وحدة الوزن ووحدة القافية، ليمنح القصيدة نغما آثرا تطرب له الآذان، ولما اعتمد على اختيار روي، اختار حرفا له دلالات تتناغم والحالة النفسية التي تلبست الشاعر - الراء المطلقة- التي علا جرسها، وكانت مصدرا جاذبا للحس، وآلة السمع، بل زاد عليه بنغما آثر أيضا ألا وهو، عنصر التصريع الكامن في البيت الأول، وكأن القصيدة محفلا ماتعا بمصادر المواسيقى المتنوعة.
يقول الشاعر: هل هاتف المحبوب قلبي أم تُرى.. قد أُنبتت في جوف أحزاني القِرى.(ترى… والقرى)
اعتمد الشاعر على التنويع بين الأسلوب الخبري، والأسلوب الإنشائي، وذلك خاضع لتحكم التجربة الشعرية في ذلك.
وكانت البداية، بالأسلوب الإنشائي من البيت الأول عن طريق الاستفهام، فضَمَّنَ البيت استفهامين في قوله: هل هاتف المحبوب قلبي. أم. ترى، بين هل. وأم ، لينقلنا من أول لحظة إلى ساحات الدهشة والتعجب والاستغراب، ويثير فينا عوز البحث عن إجابة مقنعة ، وذلك مقصود.
ثم بعد ذلك يردف بأسلوب خبري للتقرير ثم يردف بأسلوب إنشائي عن طريق النداء ، ليفرغ من خلاله طاقات كامنة في جيوب الوجدان قائلا: يابنت قلبي ليس قلبي منزلا.. إلا لحب لا يباع فيشترى.
ثم بعد ذلك يكثر من الأساليب الخبرية لأنه يكشف عن واقع يحتاج إلى وصف وتقرير
رغم أن القصيدة قصيرة إلا أن هناك حرفا ، صار للقصيدة سيدها، في عمومها لم يحدث تنافرا بل كان مصدرا من مصادر الموسيقى ألا وهو (حرف الهاء) تكرر حوالي ثماني عشرة مرة في البيت الأول نرى الهاء آثرة في قوله : هل هاتف رغم قربهما إلا أنهما لم يكونا مصدر إزعاج، كذلك قوله: سحره، كأنه، همّ، بعشقه، ثراها، عاشقها نورها يدانيه ، بعطرها حبه، نهر فطامه،
لكن في أخر بيت قصد الشاعر التلاعب الزائد بهذا الحرف الذي كان له الأثر في مصدر الموسيقى فقط ، لكنه كان ثقيلا مملا جرجر المعنى إلى الهشاشة ، وكأنها علبة فارغة لا نسمع منها إلا طنينا، انظروا معي في قوله:
(إن هَمَّ هَمّ هُمْ وهاموا فرفرة) كسى هذا الشطر الصنعة المفتعلة الغير مناسبة لتيار الفكرة، ومناخ الوجدان.
هناك بعض الصور الابتكارية الآثرة التي تنم عن شاعرية الشاعر في قوله:
(قد أنبتت في طوق أحزان القِرى) وقوله:(يابنت قلبي) وقوله: (فتبتل الجزع المقيد بالثرى) وقوله:( نهر يلملم شمسه في جَعبة)
هذه الصور الشعرية التي تنعم في مجملها بالابتكار منحت القصيدة حالة من الإمتاع للقاريء والسامع، الذي يحمل ذائقة عبقرية.
أما باقي الصور لا فضل للشاعر في نسجها إلا أنه استدعاها من معين تراثه، فأحسن توظيفها.
واهتمام الشاعر بالبحث حول التفرد في قصائده فيبحث دائما عن معجم لفظي مهجور ليبث فيه الحياة من جديد مثل مفردة (الصَّرى) أكيد تحتاج من غير المتخصص، البحث في المعجم ليسد فجوة فقد فيها المعنى المطلوب ليستقيم عود النص عنده، وكان من الأجدى أن يستبدلها بمفردة مطروقة قوية أيضا غير مبتذلة.
إلا أننا نرى شاعرا مجاهدا يحاول أن يكون له قدم في دنيا الكلمة الشاعرة.
تحياتي كتبها لكم سامي ناصف.
وإليكم النص…
قصيدة بعنوان (يابنت قلبي)
للشاعر /إبراهيم الدسوقي.
....................
هل هاتف المحبوبُ قلبي أم تُرى
قد أُنبتت في جوفِ أحزاني القِرى
أستغربُ الدقَ العنيف وسحرَه
همَّ الفؤادُ كأنه خيلٌ جرى
يابنت قلبي ليس قلبي منزلا
إلا لحِبٍ.... لا يباع فيشترى
من فرط يأس كان يبحث عن سخي
إن البخيل بعشقة "شرا يرى"
ترى ثراها من عقيقٍ أحمرٍ
من عين عاشقها الذي قد دبَّرَ
فالشوقُ نارٌ قد يؤَججُ نورُها
أما اشتياقي لا يدانيه الصَّرى
مرَّت بساحة من تغني بعطرها
فإذا البلابل بعضُ بعض الثرثرة
وارتاح حبه عند ساقٍ من رضا
فتبتل الجذع المقيد بالثَّرى
نهرٌ يلملم شمسَه في جَعبةٍ
طفل يراد فطامه فتحضر
أما المرور لحظة في حينا
إن همَّ همً هُم وهاموا فرفرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق