«(§)»ثقافة التصنع والتكلف«(§)»
الجزء الأول
بقلمى : د/علوى القاضى.
... كان يعمل بالبنك ، ويغلب على لهجته بعض الكلمات الإنجليزية أوالفرنسية ، وكان يتعمد ترقيق بعض الحروف مثل ( الراء ) كنوع من إظهار التحضر والتمدن كما يفعل أبناء الطبقات الراقية وأهل المدينة حتى أنك تتوهم بأنه يقطن أرقى الأحياء ويسكن القصور والڤلل ، دعانى يوما لزيارته ، ترددت خشية عدم تأقلمى مع مستواه الإجتماعى الظاهرى ، وحينما وصلت قريته البسيطة المتواضعة كأصحابها كانت المفاجأة الصادمة تحولت لهجته فجأة من الأرستقراطية الممزوجة باللغة الأجنبية إلى العامية التى يغلب عليها (مط الحروف) وتعطيش (الچيم) ، ووجدتنى مصدوما حتى أننى لم أستطع التعليق أوالكلام
... وصديق ٱخر يعبر عن رأيه أن القراء ( محمود الشحات ، محمد انور ، محمود القزاز ) ، لايرتاح لهم ابدا ، يجد فيهم التصنع والتكلف ، عكس (حجاح الهنداوي وعبدالفتاح الطاروطي والسيد سعيد) وغيرهم ، يجد في قراءتهم راحة نفسية وهدوء واتزان وسكينه ، لايهمهم من حولهم ولانظرتهم لهم ولاالتهليل
... ومن الملاحظ أن البعض في فترة الخِطوبة يوارو شخصيتهم الحقيقة خلف التصنع ، والتكلف ، ونسوا أن الخطبة ماهي إلافترة للإطلاع على عيوب بعضهم ومدارستها ، ورؤية " هل سيقدران على تقبلها والتأقلم عليها في حياتهما فيما بعد أم لا " !
... أحدهم يربى كلبا وأطلق عليه إسما ٱدميا ، ويسير به مختالا فخورا ، ويحكى عن الكلب أنه شديد الوفاء له ، وهو نفسه فى أشد الحاجة لإعادة تربيته وتهذيبه أكثر من كلبه حيث انعدم عنده الوفاء ، ماهو إلاتصنع وتقليد أعمى وخروج عن المألوف ولفت للأنظار وغضب من الله
... واهتمت السينما بقضية التصنع والتكلف فانتجت فيلما ( أنا لا أكذب ولكنى أتجمل ) وقد أبدع الفنان أحمد زكى فى هذا الدور أيما إبداع
... المشكلة أن البعض يحاول تجميل عيوبه أو مداراتها لأجل إعجاب الطرف الآخر ، وهو لايعلم أنه إن كانت عيوبه لايتقبلها شخص ، فإن هناك أخر سيتقبلها ، فلِمّ العجلة !
... ونتيجة المبالغة فى التصنع والتكلف وطمس حقيقة الأشخاص وسلوكهم فى فترة الخطوبة ، فإن نسبة المشاكل والصراعات تزداد بعد الزواج ، بسبب ظهور عيوب الشخص وانحسار تصنعه وتجمله ، فى حين لوظهرت تلك العيوب في فترة الخطوبة لانفصلا ، وكان هذا هو الأفضل قبل الزواج ، وتكون النتائج أسوأ
... التصنع ملازم لكل الأعمار والشخصيات والمواقف والوظائف والمجتمعات ولايسلم منه أحد إلا من رحم ربى
... كل ماسبق أثار فضولى فى التعمق أكثر فى هذه الشخصية المتصنعة المتكلفة من ناحية : الدوافع والسمات والنتائج والتعامل والحلول
... أيها المتصنع إعلم أن تصنعك وتكلفك لايتقبلها غيرك ، ومزاجيتكِ قد يتأفف منها تلك ، فلا داعى لتصنعك ، فلهذا في الخِطبة عليك أن تظهر عيوبك قبل مميزاتك وأعطوا لنفسكما الفرصة بإكتشاف بعضكما
... ومعجم اللغة العربية ذكر التَّلهوق : أي التصنُّع والتَّكلُّف ، وقال الآمدي في كتاب " الموازنة " : إن التَّلهوقَ لُطفُ المُداراة والحيلة بالقول ، ونقل البحتري في الحماسة عن أبي جَهْمٍ المُحَارِبِيّ :
أَأَبْذُلُ وُدِّي للْعَدُوِّ تلَهْوُقًا ** أَبَى وَحَمَى مِنْ ذَاكُمُ أَبَدًا أَنْفي
أي : هل سأبذل ودي للْعَدُوِّ تصَنُّعًا ؟!
... ويتميز المتصنع بسمات فى طريقة التفكير والتصرف المعتاد تجعله فريدا من نوعه ، وتضطرب هذه السمات عندما يبالغ فى نمط التفكير والتصرف ويصبح غير قادر على التأقلم ، فتؤثر سلبا على حياته وتسبب شعوره ومن حوله بضيق ، فنجد ﻓﻲ ( ﺍﻟﺨﺼﺎﻡ ) ﺗﺨﺮﺝُ ﺍﻟﻨﻮﺍﻳﺎ ﻭﺍلصفات ﺍﻟﻤَﺨﻔﻴﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻋﻔﻮﻳﺔ ، وﺗﻈﻬﺮُ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﻭﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤُﺘﺼﻨﻌﺔ ﻭﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ، وﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭﺍﺕ ﺃﻗﺴﻰ مايمكن
... أرى أن سلوك الشخص المُتصنع نابع من أنه حاول أن يكون ملفتا بطباعه وفشل ، وأرى أن معظم الأشخاص المتصنعين للمثالية والتدين ، غالباً يخفوا ، الكذب ، والإنحراف الأخلاقي ، وفساد التعاملات ، والعدوانية ، لذلك فأنا أحترم الشخص الذي يكون من الأقليه البعيدة عن المتملقين والمتقوقعين والمنافقين والمبالغين في المثالية والعفة والتدين والمتباهين باستقامتهم المائلة ، ذوي الأوجه المتعددة ، صانعي الكلام وفاشلين في الأفعال
، من يكمنون الشر والأنانية ، ويتظاهرون بالخير ويبالغون في الثناء ، ذوي الإبتسامات المتصنعة ، الذين يتصورون انهم خلقوا وحدهم على وجه الأرض ، هؤلاء أقدم اليهم إبتسامة إستهزاء لكل ماذكرته ، ولذوي هذه الشخصية السايكوباتية
... تحياتى ...
...إلى لقاء فى الجزء الثانى؛؛؛
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق