دموع بحجم المطر..تنهمر على خد نحاسي
"العبرات كبيرة وحارة تنحدر على خدودنا النحاسية..العبرات كبيرة وحارة تنحدر إلى قلوبنا".(ناظم حكمت).
-من ذا الذي قال..إذا تصفحت ديواني لتقراني..وجدتَ شعرَ المراثي نصف ديواني ؟-
مشتاق إلى ذوات كثيرة وأشياء شتى..بي حنين عاصف إلى إبني ،ذاك الشجرة الباسقة التي انتهت قبرا واجما،زاده البياض حيادا.. أين منّي وجه نجلي في مثل ليل كهذا..بسمته العذبة..بسمته الأصفى من الصفاء..عتابه-الطفولي- لي آخر الليل حين أعود ثملا وقد شردتني أزقة المدينة..أين منّي حضنه الدافئ وهو يهدهدني وأنا الطفل والشاب والكهل..لم أعرف اليتم يوم غاص أبي الرحيم إلى التراب..واليوم تشهد كائناتي وأشيائي أنّي اليتيم..كهل تجاوز الخمسين بعشر عجاف..ولكنّي أحتاج إبني بكل ما في النّفس من شجن وحيرة وغضب عاصف..أحتاجه لألعن في حضرة عينيه المفعمتين بالآسى غلمانا أكلوا من جرابي وشربوا من كأسي واستظلّوا بظلّي عند لفح الهجير..لم أبخل عليهم بشيء وعلّمتهم الرماية والغواية والشدو البهي..واليوم تحلّقوا في كل بؤرة وحضيض لينهشوا لحمي وحروف إسمي ..
آه -غسان- كيف سمحت لنفسي بتسليمك إلى التراب..؟!
حنيني شائك ومتشعّب مثل حزني تماما،وكياني مكتظّ بالوجوه والذوات..
صوت بين بين المدى والمدى يناديني..غسان في منامي يقول :القبر بارد يا أبتي أرسل لي قميصا من الصوف..
فأجيب:”قلبي يإبني غدا برحيلك كالحجر الإردوزاي..بل كالماء في الجب العميق..لذا سأسرج جوادي للرحيل..قليلا من الوزر أمتعتي..ولن يثقَل جوادي بالقليل..
سلاما لروحك الطاهرة يا مهجة الروح..يامن تسكن خلف شغاف القلب..ذاك القلب الذي تحوّل إلى مزق ونفايات..وتشظت معه الرّوح إربا في الأقاصي..
غراب ينقر نافذتي في المطر الشتوي
يتابعني في عواء السنين
ألوذ بقرنفلة تعبق بالذكريات
يخاتلني عطرها عند المساء...
وكان المسير..
وسايرت حزن البلاد التي أرهقتني خطاها
ومرّت قوافلهم دون أن تردّ عليّ
السلام
فعانقت حزني حد البكاء
وقد أورق الجدب في القلب
وطوّقت غيمتي في سماء الحنين
ومضيت وحيدا في ثنايا الجراح
ضاربا في وهاد المساء الكليل
علّني أعبر نهرا يطهّر أدران روحي
ويفضي بليلي الطويل الى جهة في البلاد تترفّق بي.
تستردّ صيفا يحط على راحتيه.. اليمام
تمسح على مقلتيّ عناء الرحيل
تعطيني منديلها المخمليّ
وعطر الأمان البريء
وباقة ورد تركتها الحبيبة.. إرثا اليّ..
يردّ شبابي..وينأى بجرحي عن القيظ
والغادرين...
ها هنا هدأة الليل أرتّب أفكار نفسي
أهدهد الحزن بهدوء اليتامى
وأطلّ من فوق،من فوق سطح الحياة
على ما مضى من غبار السنين
وصد صرتُ وحيدا تماما...
ولا أحد أشكو اليه رسول الظلام الذي صرته
ربّما كان ينقصني إبني كي يرى وجع القلب
لكنه لا يرى
كل هذا الذي يفضي الى وجع القلب
آه إبني..
سرقتني الحياة..فما عدت زرتك إبني
مرة بعد خمس عجاف وقد هرمت
تذكّرتك
فحننتُ اليك يا مهجة الروح..
أقول حننتُ الى عطف يديك
وابتسامتك العذبة..
ونبل فؤادك إذ يضيء عتمات روحي في مثل ليل كهذا..
آه بنَي..
ها هي الريح تغسل أوجاعها بالصهيل
فمن ذا الذي سيحثّ الخطا ويستحمّ معي
في دمي
كي يعرف كيف أكفكف دمعي...
ألملم جرحي
ويعرف قومي
كيف إليّ السبيل...
محمد المحسن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق