أنا لا ألتفث إلى الوراء أبدًا،لكنّ صوتك لا يزال يرنّ في أذني ،كأنّي أسمعك من خلفي تناديني...
صديقي توقف...لا تذهب ،لا تكتب إن
الروايات لا تبدأ هكذا..
.لكنّني هكذا يا صديقي
فأنا أصمّ حين أرغب أن أصير أصمًّا ، لأني لا اريد سماع أصوات المجانين البلهاء، حين أكون في طريقي أسير وحيدًا في الشوارع،تراني أمشي وأمشي
أداعب الأحجار والحصى بقدميّ حافيًّا ،أحمل حداء جدّي كتذكارٔ غالي أعلّقه فوق صدري كأنّه وسام فيه كل مجدي وفخري...
أسير في الطرقات لوحدي، فاقطع الوديان والشعاب مبتسمًا أحيانًا،وحزينًا أحيانًا أخرى، وأمشي بين الحقول والبساتين وأبقى أمشي وأمشي ...دأئمًا كنت وحيدًا يا صديقي أتأمل الدنيا ، أحاول أن أتعلم منها دروس الحياة وأتألم مع ذكرياتي وحيدًا..
...أدندن وأغني ،والدمع سائل على خدّي ،أرثل القرءان وأبكي...
لا أنتبه لأحد ولا أسمع صوت أحد ،اعشق المشي وأعشق اللعب ،أداعب الحجارة بقدميّ الحافيتين ،حين كنت صغيرًا كان حلمي، أن أصبح لاعب كرة قدم كبير...
لكنّ أمّي المسكينة لم تكن تمتلك مالًا لتشتري لي حداءًا البسه وألعب به في الشوارع والساحات والملعب مع اقراني...الأحدية كانت غالية وأمي رحمها الله لا تملك ثمنها...
الحياة كانت صعبة ولا تزال صعبة يا صديقي...
وأنا لم اعد صغيرًا كما كنت صغيرًا ، لكنّني مازلت طفلًا ...
نعم يا صديقي أنا طفل كبير ،
طفل مشاكس ،أصدقك القول أنّي لا أزال إلى الآن
أتسلق الجدران واقفز فوق الأرصفة أقطف الورود الجميلة المتفتّحة من الحدائق ،أشم عطرها وحين تذبل ،افتثها بيدي ثم ارميها....
....كانت هذه رسالتي الأولى التي أرسلتها من هنا من ديار الغربة إلى صديقي وأخي " زيدان" في الديار هناك في وطني العزيز الغالي " الجزائر "
....."ياريثا"..." rita"
...يا حبيبتي ثقافتنا تختلف كثيرًا عن ثقافتكم هنا
وتفكيرنا أيضًا مختلف...
تبتسم " ريثا" ثم تشعل سيجارتها تسحب نفسًا عميقًا إلى صدرها وتمسك يد " رابح"
..._ وتساله ..
إذن أنت مجرد طفل كبير مجنون كنت تمشي في شوارع بلدتك كالمجنون ،معلّقًا حذاء جدك على رقبتك فوق صدرك ،وتهوم في الشوارع والغابات ..
أخبرني يا " رابح "
كيف جئت إلى هنا ..؟ إلى أمريكا وما قصة حداء جدّك وما سبب كل ذاك الجنون الذي كنت تعيشه في وطنك..
...يحضن" رابح " ريثا يضمها إلى صدره ويمسح على شعرها ،يقبّلها من جبينها ،ويقول...
ليس الآن يا حبيبتي...
سيأتي يوم وأخبركِ بكل التفاصيل ،سوف تعلمين كل شيئ عنّي وعن وطني وعن بلدتي ،وأهلي هناك...
الآن أسألكِ أنتِ
هل إقتنعتِ بديني ..؟
بعقيدتي ..
هل قرأت الترجمة الكاملة لأجمل وافضل كتاب في الكون ...؟
ماذا تقولين في القرءآن ...؟
إنّه كلام الرب يا عزيزتي...
تسكت ريثا وتتنهد تنهيدة طويلة كأنها تخرج آهات وآهات من صدرها.
_ ليس الآن يا رابح
لكن أعدك يا حبيبي بأن أجيبك على سؤالك هذا بأقرب وقت...
لم يبقى إلّا القليل يا حبيبي...
.///®..يتبع®\\..
من رواية " قتلت جدّك دمك يغلي"
قلم : كمال جغادر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق