قراءة د. وليد جاسم الزبيدي في المجموعة الشعرية (خلاصات السبعين) للشاعر العراقي- البصري كاظم الحجاج
وصف المجموعة: عنوان المجموعة الشعرية (خلاصات السبعين)، للشاعر العراقي(كاظم الحجاج) الطبعة الأولى، 2019م، من القطع المتوسط، عن دار سطور-بغداد، الغلاف: رسم الفنان العراقي فيصل لعيبي، نصوص الديوان عشرة (صندوق الشطرنج، ذاكوراء، أحلامي مثلي في السبعين، رايات عشائرنا كانت حمراء، خلاصات السبعين -ومضات شعرية-، هنا.. في ظلام النهار-ومضات شعرية- ، أنا طائر التم، أذان القرية مسموع أكثر، روزنامة، سلّة برحي-ومضات شعرية-). مع سيرة ذاتيةٍ للشاعر، وعدد صفحات المجموعة (( 93 صفحة.
العنوان: (خلاصات السبعين)، هو عنوان طالما نجدهُ عند بعض شعرائنا الكبار لمّا تبلغ أعمارهم عند رقمٍ أو خطوط تشكّل علامةً لمسيرتهم، وفي مسيرتهم، ليؤثثوا لها احتفاءً يليق بها ، ومن العنوان يتبادر الى الذهن، أن هذه النصوص ماهي إلا (كشكول) يضعُ فيه الشاعر ما توصّلَ اليه من تجربته عبر (السبعين). فهو خزين ذاكرة، أو ربما هذيانات، أو هلوسات نهاية العمر، و(السبعين) رافقتها مفردة (خلاصات)، فهي ليست (خلاصة)، بل مجموعة من خلاصات/ نصوص، وقد اختار الشاعر العنوان من نصّ عبارة عن (ومضات شعريّةٍ/ هايكو)، لكل خلاصة نص، يحتويها، أو يخرجها بعناية الى المتلقي.
مسارات النصوص: لكلّ نصّ وضعه الشاعر، بطريقةٍ واعيةٍ ومقصودة، وحدّدَ وذيّلَ النّص بتاريخ الكتابة أو تاريخ المناسبة التي أُلقي فيها النّص. بدءاً من (صندوق الشطرنج)ص5- 8، ذيّلهُ الشاعرُ من قصائد الثمانينات،[تاريخ مفقود، بل نصٌّ مفقود أيضاً تذكّرَ بعضاً منه]، وهو نصٌّ يشي بحوارٍ وتحدٍّ بين لاعبين في لعبة الشطرنج، ويتحوّل هذا الحوار بعد انتهاء اللعبة الى حوار بين بيادق الشطرنج. والنّصّ فيه اشارات ورمزية عالية لما فيه من ايحاء لحرب (الثمانين) .
النّصّ الثاني، (ذاكوراء) من ص 9- 14 ، من الذاكرة والتذكّر، تاريخه (كانون الثاني 2015م)، حوارٌ بين الشاعر وزوجته، حديثٌ حميمي، دافيء، (فأنا خجلانٌ، من أن أهرمَ،/ حتى (أخرفّ)... هو العمر ونهاياته، والخوف من الآتي، (أنا يبكيني فلمٌ.. بالأبيض والأسود/ من أيام العشرينات...)، يتذكرُ فيها الشاعر كل شيء، التدخين والكأس، والدين، والعادات والأخلاق، في(الزمن الجميل) يقولُ ص: 13(في أيامي كان الدينُ كذلك: / -اللهُ بداخلنا. لا فوقَ سماواتٍ/ سبع/ اللهُ ضميري وضميرك..)، ويقول: ( في أيامي،/ ما كُنّا ننظرُ في أعينِ بنتٍ/ يهواها صاحبُنا..)، ويقولُ الشاعرُ ( .. والى إن ماتَ صديقي في الاعدادية/ لم أعرفْ إنْ كانَ مسيحياً/ أو شيعياً...). تؤرقُ الشاعرُ تلك الصور في زمن المحبة والنقاء، ويهربُ اليها، لأنه يرفضُ أخلاق هذا العصر، فيختتم النّص مخاطباً زوجته: ص:14(لا تكتئبي!/ إنّي أتعبُ أن أنسى شعري الأبيضَ / في المرآةِ../ لكي أبقى طفلاً يرضعُ،/ لكنْ.. في السبعين!.).
نص : أحلامي مثلي في السبعين/ ص: 15-23 ، أرّخها (نُشرت في 18 شباط 2015م، وهو لا يشكو أو يتألم الى أحد، بقدر ما يبوحُ الى (زوجته) فهي المخاطب، لأنها تقاسمه الهمّ والحب والحزن، بل تشاركهُ في معظمها،كأنهُ في الهرم حتى أحلامه تهرم وتشيخ، وتُصاب بالغثيان والهلوسات، يقولُ : (الليلُ الآنَ- كما الفلم الهنديّ-/ طويلٌ جداً، ونحيفٌ جداً..)، ويقولُ: (أنا أعني..حتى الأحلامُ/ -ومازالتْ بالأبيض والأسود-/ لا أحلامَ ملونةٌ...). ثم مع كل فقرة يُذكّرُ المتلقي أنه لا يزال مع نديمه (زوجته) حيث يقول (تدرين). ثم يقولُ ( أنا عمري سبعون الآن./ أنا أعني سبعين وعامينِ تماماً..). ثمّ يقصّ علينا أحلامه الوردية في رؤية مدينته البصرة (حلمتُ بسوقٍ في العشّار/ بتسعةِ أدوار، (والعاشر للسيارات).. ). ثم ( أفتتحتْ منذُ قليل أوبرا الفارابي/ بالعشار، ومدرسةٌ للباليه بحي الجمعيات) ، ويقول : (سبّاحاتُ البصرةِ فزنَ على سباحات / مدينة برلين!..) . أحلامٌ، وأضغاثُ أحلامٍ، يسطّرُها في هذا النّص الموحي لك بروح هذا العمر ونكهته وحياته.
والنصوصُ الأخرى المتبقية على ذات المنوال في اجترار التاريخ وربط الحاضر بالماضي، مع بعض الاحلام التي تشيخ بدورها وتظلّ بالأبيض والأسود.
محاور نصوص المجموعة:1/ السينما: السينما حلُمُ طفولةٍ وشباب، ظلّتْ عالقةً في رجلٍ خيمته (السبعون) أضحتْ كأنها فسطاط، أو خيمة النابغة الذبياني، أو دلالة من دلالات وتفعيلات الخليل، أو هي دخلت في (حيوان) الجاحظ. السينما حاضرة في نصوصه ، ص 17، يقول( هل كُنّا أطفالاً يوماً؟ / أعني..هل كنّا أصغرَ والليلُ طويل، يكفي للأحلام..)، ثم يقولُ: ( الليلُ الآنَ- كما الفلم الهندي-، طويلٌ جدا..)، ويقولُ : ( كُنّا نذهبُ للفلم الهندي،/ لأجل التبريد/ وكنّا نذهبُ للأفلام الأمريكية / حتى في الحر...) ، وقوله في ص 21، ( فلمان عراقيان من الموصل والحلة / في الأوسكار..). يتبين لنا حب (الشاعر) وتعلّقه بدور السينما، وما فيها من فعل سحري في ذات الانسان على مختلف أدوار حياته، فضلاً أنها مصدر ثقافي ومعرفي للأديب.
2/ الألوان : وأنت تقرأ المجموعة الشعرية تجدها من الغلاف الى الغلاف لا تفارقها الألوان، كأنك في معرضٍ تشكيلي، وأن صاحبنا( الشاعر) هو فنّانٌ فطري، نقرأُ في ص7: ( الجندي الأسود/ الملك الأبيض)، ص14، (شعري الأبيض)، ص 17،18، يقول: ( أنا أعني/ حتى الأحلامُ / وما زالت بالأبيض والأسود)، ( الألوانُ- كما قالَ معلّمُنا استاذُ الرّسم- / .. الألوانُ يحدّدُها مقدارُ الضوءِ..)، ص 19، (الأكفانُ بلا لونٍ، ليستْ خضراءَ/ ولا صفراءَ...) ، و( الأحمرُ والأسودُ / جرحُ ابن أختي أحمر..)، و( كانَ قميصُ ابن أختي أزرق/ حتى في الحُلمِ الأبيضِ والأسودِ ..).
وفي ص: 27 ، يقولُ( البيارقُ صفراءُ لونُ الظهيرةِ/ أو برتقاليةٌ ، كالشفق./ والبيارقُ حمراءُ – ليست دماً-../ البيارقُ حمراءُ..)، ( كانَ حزنُ المضايف أحمر..)، في ص : 60، ( أمسحُ ألوانَ المدنِ، الألوان الرسمية..) وفي ص: 61، يقولُ الشاعرُ : ( .. وأمسحُ لونَ الرملِ عن الأنبار، / وأمسحُ لونَ الجوري عن بغداد./ - أعني جوري السبعينات-/ وأمسحُ لونَ البصرةِ – أياً كان-/ ... / أزرعُ لوناً لبلادِ النهرين من اللونِ/ الأخضرِ، للمدنِ الكبرى... ).
الألوان كاستخدام في حياة الانسان، في مرحلة الطفولة والمراهقة والشباب، تستوهي الانسان في اختياراته في ملابسه والأماكن التي يرتادها، وفي تلوين مخيلته وحتى احلامه، أمّا (السبعيني) فبعد الخبرة والمران، وما اكتسب من تجربة، أصبح لا يتقبل الألوان، بل يعيش عالمه الجميل الرومانسي الموحي للهدوء، بل هو يميل الى العقل أكبر من أي حقل آخر، (السبعيني) أما أبيض أو أسود، صريحاً واضحاً، لا يكون رمادياً، ولا الألوان التي توحي الى التطرف، أو اللا معقول.
3/ التكــــرار: حينما يقرأ المتلقي (المجموعة الشعرية للشاعر الحجاج) سيجدُ تكراراً في الجمل والعبارات والأسطر التي تتضمنها النصوص، لعلّ القارىءَ يقولُ قد أعادها (الشاعرُ) سهواً، أو خطأً مطبعياً، أو هو نوع من الترف أو اللهو لدى الشاعر. أو يعترضُ آخرَ فيقولُ هي علامات الكهولة وعلامات (السبعين) حيثُ النسيان، وهنا يحاولُ الشاعرُ في صورةٍ من صورهِ أن يؤكدَ أنه في عنر السبعين، أو يقولُ آخر، لا هي (الخرف)، أو ( الزهايمر)، ويأتي آخر ليقولَ، لا هذا ولا ذاكَ، بل أرادَ الشاعرُ -في هذا- إشارةً الى صورةٍ من صور العمر السبعيني، حيثُ تكون ظاهرةُ الإلحاح هي السائدة.
فنقرأ في أسطر التكرار: آ/في ص 13، يقولُ : (نحنُ الفقراءُ/ أجّلْنا أكلَ التُّفّاح الى الجنّة!)، وفي ص 34، ( نحنُ الكسالى/ لم نزرعْ تفاحاً/ أجّلْنا أكلَ التّفاحِ..الى الجنّة!) ،ب/ في ص 29، يقولُ الشاعر: ( وأنا في السبعينَ الآنَ/ أحنّ الى الدراجةِ/ بين بيوت محلّتنا (الفيصلية) / والى الأبوابِ../ نصفُ المفتوحة، في نصف الليلِ/ .. لأجلِ المنشورات!) ،ج/ وفي ص35،( تتذكرنا أيام (الحزب) الأولى/ في محلّتنا (الفيصلية).. حيثُ الأبوابُ/ - نصفُ المفتوحةِ/ في نصفِ الليل-../ .. لأجلِ المنشورات!..). د/ وفي ص: 43، يقولُ: ( يا (زها حديد)/ - قبلَ أن ترحلي-/ لماذا لم تصممي لنا وطناً/ سياجُهُ يعلو النخيل..؟) ، في ص:49، يقولُ: ( يا( زها حديد):/ -قبلَ أن ترحلي-/ لماذا لم تصممي لنا وطناً..... / ..سياجهُ يعلو النخيلَ/ عسى أن ينامَ أطفالُنا آمنين / -من تجّارِ قريش-/ كما تنامينَ الآنَ آمنةً هناكَ../ في مقبرةٍ أجملُ من بغداد؟!). ه/ في ص: 44، يقولُ : ( تجّارُ قريش سادتنا/ قبلَ الإسلامِ وبعدَ الإسلام-.. ). وفي ص: 48، (-قالَ الجمعان-: / تجارُ قريش سادتنا –رغماً عنّا- / قبلَ الإسلامِ وبعدَ الاسلامِ./ وقبلَ النفطِ وبعدَ النفط.).
في باب (التكرار) الذي نزعمُ هو تكرارٌ في رسم الكلمات في النصوص، لونتأملها بتأنٍ، هي لم تكنْ تكرارا، بقدر ما هي كلمات تتشابه في الرسم، لكن يضيف اليها في اعادة بعض الكلمات صوراً أخرى لها دلالة في ذات الشاعر، يتلقفها المتلقي في رسالةٍ مشفّرة لم تكن معقّدة، بل هي واضحة تدخل النفوس الصافية والاذهان المتوقدة برائحة تشرين.
ختاماً ، وأنت تقرأ المجموعة (خلاصات السبعين)، لم تكن النصوص مكتوبة للمناسبة التي شارك بها الشاعر وأرّخَ لها، ليس حكماً، بل مكتوبة لظرفها ولوقتها، بل جاءت المناسبة الى الشاعر لتدعوه ليقرأ ما كتبَ، وليصدحَ نصّه على منبر المناسبة. كما نقول :(( خُذِ الكتابَ بقوّةٍ..))، هو(خلاصات السبعين)، كتاب الحكمة والتجربة، بل هي نصوص حوار مع التاريخ السياسي للعراق بين احتلالين ، منذ الاحتلال الانكليزي وحتى الأمريكي، وطبيعة (الحكم)، كتاب هو خلاصة الخلاصة لما كتبهُ شاعرنا السبعيني الكبير(كاظم الحجّاج)، و(خلاصات) تعني هي جمع (خلاصة التجربة)،(خلاصة معرفة)،(خلاصة ذاكرة)، كما يمثّلُ الكتاب(المجموعة)، خلاصة التجربة الفنية في كتابة الأشكال الشعرية بين النثر، والومضة، والهايكو.. تحيةً الى شاعرنا الكبير (كاظم الحجّاج) والى (خلاصاته).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق