حين يعدو- دون كلل أوملل- الشاعر التونسي الكبير طاهر مشي- خلف قوافل الحرية..
"العمر قد يمضي بنا يجري
يبقى ثراه الطيب
والورد "
-طاهر مشي
الشاعر التونسي
السامق، طاهر مشي الذي أنجبته ولاية سيدي بوزيد الشامخة (مهد الثورة التونسية
الخالدة ) ذات زمن موغل في الدياجير، شاعر ينتمي إلى
جيل التسعينات، برز في
المشهد الشعري التونسي وكذا العربي بصوته المميز عبر قصائد عذبة داعبت بلطف وجدان
المتلقي التونسي والعربي بشكل عام ..
غاص في عمق أمهات
الكتب القديمة والحديثة، وأعجب بشعراء
أفذاذ لا يقلون عنه شأنا...
عشق لغة الضاد منذ
نعومة أظفاره، وبدأ كتابة
الشعر وهو على مقاعد الدراسة، ونشر بواكير
قصائده في الصحف والمجلات، كما أسّس
مجلات ومجموعات الوجدان الثقافية.
هو أيضا صاحب الجريدة
الشهرية الرائدة الوجدان الثقافية.
له عدد من الدواوين
الشعرية الواعدة والطموحة نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر: همس الوجدان (2016)،
نبض وأوتار (2017)،شارك أيضا في ديوان العرب (2019)..إلخ
وقصائده -كما
أسلفت-عذبة جدًا، فيها حس
وجداني وخطاب عاطفي لاهب، عامرة
بالعبارات المدهشة اللافتة والصور الشعرية الخلٌابة والجمل الاستثنائية التي تثير
المتلقي وتبهره وتهزه وتجعله أسير عالمه الشعري، وأسير في
رحاب كلماته.
طاهر مشي شاعر بسيط مدهش عفوي، يمتلك موهبة
حقيقية، ولغته نابضة بالغة الروعة والجمال، ويمتاز بروحه الشاعرية المتوثبة، المتوقدة، الثائرة، الحالمة بالحرية، وقدرته على
البوح والتعبير، وكلماته
تلامس الوجدان وتدخل شغاف القلب دون استئذان.
انه صوت شعري تونسي
صارخ وغاضب ومتمرد ومتألق في ذات الآن، يتسم
بالشفافية العفوية الجميلة، ملتصق بطين
الأرض ويعزف أوتاره الخالدات للقادمين في موكب الآتي الجليل..
منحاز لكل فقراء
وجياع الأرض، ويصرخ معهم
بلغة شعرية صافية فيها دفء الإحساس العفوي الصادق، كما يغني
للأرض، الربيع، البنفسج، الياسمين والوطن فيقول في إحدى قصائده :
كأنه الأمس
“””””””””
ربيع مزهر
وأنا الفتيُّ بين
الرّبوع
أسابق الرّيح
والعصافير
نردد معزوفة الرّبيع
وساقاي الحافيتان
تعاقران الثّرى
وعطرك يهمى الدّروب
وكل الثنايا مخضبة
بالياسمين
***
كأنّه الأمس
والحلم يراودني
أغادر مثقلا بالوجع
والجرح ينزف
لتثمل أوصالي
فيصيبني الوجل
الليل يحتوي هواجسي
وأنا مسافر والعمر
يمضي في عجل
هيهات هيهات
***
كأنّه الأمس
وأنا أغادر حلمي
المبعثر
فانشقت الزّهور عن
الرّبيع
وبات الجدب يسكن كل
الرّبوع
أقلب الصفحات
كلما اشتد الوجع
وجرحي النازف
يتوغّل في أعماقي
يدوي صداه
على أوتار أوردتي
***
كأنّه الأمس
وقد أوهموني أن
وطني أخضر
….
كأنه الأمس
الشاعر التونسي
القدير، طاهر مشي- يحاكي في
قصائده الأرض والوطن والريف والقرية والبيادر والبحر والسماء والإنسانية المعذبة
وجموع الكادحين المسحوقين الحالمين بمملكة الحرية والشمس.
أشعاره وكل قصائده، لم تولد صدفة بل ارتوت جيدا من منابع
الإنسانية الفذة حيث تعزف الحرية لحن الخلود، وترفرف
الكلمات الشعرية المفعَمة بالحب لكل ما هو جميل فوق الأرض وتحت السماء، بجناحيها عاليا ثم تحوم حول منابر الشعر
ومجاريه الصافية صفاء روحه الجميلة.
سألته ب"عفوية
مطلقة" من هو الشّاعر النّاجح من وجهة نظرك؟
فقال : "الشّاعر
النّاجح هو الذي يذهب إليه الشّعر لا الذي يذهب إلى الشّعر مستجديًا بنات الخيال، وهو الذي يكون على اطّلاع واسع على الشّعر
العربيّ قديما وحديثا، وكذلك على
الشّعر العالميّ، فشاعر اليوم
غير شاعر الأمس، إنّه يحتاج
إلى تنمية ثقافته، ليكون قادرًا
أن يصبح ناقد نفسه، فالشّاعر
الناجح ناقد عليم بشعره وشعر غيره.
الشاعر النّاجح هو
الذي يكون الشّعر من صميم دمه وخلاياه، فهو يتنفّس
الشّعر، ويخلص له من خلال تطويره أساليبه من لغة
وصورة وحدس.."ّ
الشّاعر النّاجح هو
الذي يذهب إليه الشّعر لا الذي يذهب إلى الشّعر مستجديًا بنات الخيال، وهو الذي يكون على اطّلاع واسع على الشّعر
العربيّ قديما وحديثا، وكذلك على
الشّعر العالميّ، فشاعر اليوم غير شاعر الأمس، إنّه يحتاج
إلى تنمية ثقافته، ليكون قادرًا
أن يصبح ناقد نفسه، فالشّاعر الناجح ناقد عليم بشعره وشعر غيره.."
وحين سألته عن الحرية
وتجلياتها الخلاقة في مثل زمن كهذا مفروش يالخيبات والانكسارات ؟
أجابني برصانته
المعهودة :
"هل سمعت باسمها "يا محمد" إلا في
الخطابات الرنانة، روايات
المعارك والملاحم والبطولات؟..
من عرفها إلا تمثالا
وبيارق، شعارا ونشيدا..من دقّ ب”اليد المضرجة”بابها
فتحت له ودخل ملكوتها..؟
من شارك الحشود في
أعراسها قبل أن يعود إلى بيته كئيبا ووحيدا..؟
الحرية يا -محمد- شجرة لا تتغذّى بغير الدّماء..إمرأة
ميثولوجية تسكن الرّيح، وتعوي مع
ذئاب الفيافي..قمر في بلاد ليس فيها ليال مقمرة ولا أصدقاء..أحلام ثوار سقطت
أوهامهم في خريف العمر..رجف يستبدّ بالأرض قبيل انبلاج الصباح..
كلمة حق جاسرة تنطلق
سهما مارقا ليستقرّ في مآق تقطر بالضغائن والأحقاد .
ولكن..
لسنا ندري لماذا ينسب
للحرية غالبا لون الدّم، مع أنّه أصلا
الدليل القاطع على غيابها..؟ !
لماذا يقترن إسمها
بأحداث ملفقة وأفكار مزوّرة، كأنّ الواقع
المترجرج وحده لا يكفي؟!.."
ثم أضاف :
"الحرية خيانة دائمة للذات، فمن يجرؤ على مخاصمة نفسه وزعزعة قناعاته والتخلّص
من عاداته والتنازل عن إمتيازاته..؟!"
وها أني أراه يعدو- دون كلل أوملل- خلف قوافل
الحرية..
وقد ألتقي معه ثانية
حين ينبلج صبحها (الحرية) ونصافح بعضنا في غمرة نورها الساطع، الوهّاج..
محمد المحسن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق