قراءتي في ديوان شعري " مازلت حيّا " للشاعرة والفنانة التشكيلية الدكتورة " فوزية ضيف الله " / ( Faouzia Dhifalah ) / تونس ..
والذي جاء في 288 صفحة ..صادر عن دار المقدمة/1 نهج الأديب محمود الشبعان حميم / المرناقية _ منوبة .
ا================================ا
__ " مازلت حيّا " .. ليس مجرد عنوان ، بل صرخة احتجاج وتمرد ، صرخة وجع و نداء وجود . " الأنا " التي تزأر لتقول : انظروني... مازلت أحيا رغم كل ماكان وما هو كائن .. رغم كل مافعلتم وتفعلون . عنوان الديوان هو القصيدة الثالثة فيه والتي تقول :
☆☆" " مازلت حيّاً
في الطريق
إلى نفسك
تدرك أنك مازلت حيّا
وأن الصخور
صارت مرايا
وأنك عدت
بعد الغياب
طفلاً أبيّا ......"
" مازلت حيا ...
أرتب قلقي ..
ضفائر أنثى
وأطبخ حسّي
وذوقي
وبؤسي
ثم أخبئ ميزان يأسي
وأردد في وجه المدينة ...
مازلت حيّا !!"
أما الغلاف ، فلوحة فنية تخبرنا أن الشاعرة لاتكتب الشعر فقط بل ترسمه لوحاتٍ وتلونه ألواناً بريشة الفنانة التشكيلية المحترفة . وعندما تقرأ قصائدها، تتعرف عليها كدكتورة في الفلسفة تجعلك تجول معها في عالم الحِكمة وفلسفة الحياة و مآثرها .
مئة وثلاثة وستون عنواناً ، لو جمعتها لشعرت أنك مع قصص ألف ليلة وليلة . محطات تتوقف فيها مع الماضي البعيد البعيد ، مع التاريخ والأساطير والفلسفة ، مع المسرح والرواية والشعر ، مع الموسيقى والرسم والرقص ، مع الحزن والفرح والتفاؤل ، مع الخيال تارة والواقع مرات ومرات . و جاءت كالآتي .....
أنا امرأة/ أطلّ الزمان / مازلت حيّا / سحابتي الزرقاء / هل للرقص أحزان ؟/ تحت الرصيف / دعيني ألون جرحك / وجع بلا أوزان / غياب / تَجَسْدُنْ / مدينة الرسام / ماذا تركتِ ؟/ يأتي المساء / زرقة حرف / إلى جينيفياف/ إنزعاج/ دون سكّر / بحر اللقاء / فوهة فرن / نصّ مقشّر / تأبّط جراحك وانهمر/ تمهل قليلا / عندما يزورني الغضب / صمت سأحتمي بالصمت / غربة جوارب / إلى أمي / إلى عينيك / من وصايا زرادشت / كبرت ياكتبي / هل أشتاق ؟ / معبد الفنان / تاريخ بلا ميلاد / في المقبرة / حب طفولي / كاسكا / طفلان يلعبان / على إيقاع الخيل / لتكن مثل قطّي / حديث مع المطر / سؤال / عشق / حكايا / تألق / بلاغة عشب / ظلال / مامعنى أن تكون بلا جسم؟ / رحيل / بلا ضجيج / أزرار / قبل عشرين عاما / ثورة ضد القبيلة / تفاؤل / عشاؤنا شعر / ذكرى / خارج الزمان / عناق / تمرد / غسيل الماضي / وثبة بلا أنياب / حب لا يشيخ / موسم الرمان / كلما بكى قلبي / ربيع / أهلا بالفرح / قلب النخلة / دروس / إرشادات ماقبل النوم / عندما تنزل الأمطار / إيقاع الليل / غاب الرغيف / شهيق / تحت الماء / خمسون مرة / وشم / وظلت الريح تعزف / وظل الوقت نائما / التفاحة / يمامتي / لن أنام / قطعة سكر / قصيدة الروح / موت بارد / قلب ميت / بيني وبين نفسي / حين تمر الريح / لم أكبر / أشتاق لفن / مفرق الغياب / بكاء / انا كل الهويات / وشاح / أنا وقهوتي / عثرة قدم / ألف سؤال / إلى فرنسيسكا / فجر / بنات الحقول / قلم البوح / مونا ليلى / كن صبورا / ذبول / أمي / جرح عاطر / تسلق / إلى يعقوب / حنين / أنت الرياح/ ألف حياة/ تهيأ لي / احتياجات نبتة/ عصيان/ ثبات/ بعض من يوم/ انغرز الخنجر في صدري/ نسائم/ ترشفت حزنك/ يحضرني الغياب/ ما أتعس الحيطان/ صلاة/ أسمائي ثمانية/ روح راقصة/ يا غارسة الشوك في جسدي/ يحضرني البحر/ أنا وفكرتي في المطبخ/ حلم ساجد/ ليموناضتي ثلج ونار/ إني ضاحك هاهنا/ بوح/ إلى إياد/ دميتي/ ظل ولون/ هل تذكرين؟/ أنصت/ بلا جواز/ حقيبة الألوان/ قهوتي السمراء/ فوق أكوام البطيخ/ لقاء لغوي / مواويل / صيف بلا عطر / طلاسم / كانت / حنين/ هل تعلمون / رسم على بطن حبلى / بلا ضفاف/ تكلم / حكاية نهد / رسمت يوما حائطا/ خبز وحلوى/ إن الزمان قماش / حرية / إقلاع .
ا==============================ا
__ بين ثرثرة البوح وصمت الحروف ، بين أنين الشموع وصراع الفكر ، بين فكر تكتبه وأفكار تنفتح عن مضمونها ؛ ترفع " فوزية ضيف الله " الستارة عن مسرحِ هذا الديوان . قصائدَ تسجد بين يديها ، كلمات تستقوي بها ، تحمل روحها لتستكين بين السطور . تنحر ملامح التاريخ والحاضر بقلمها ، تتصفح الذاكرة فتصطك أنفاسك وأنت تقرأ .
__والبداية مع مقدمة وتعريف بقلم الدكتورة جيهان المثلوثي تقول فيها :
" إن الشعر هوس إنساني، أكثر الفنون هموما ، أخطرها بحثا ، أعمقها قضية ، أبعدها مراما، وأعلاها قدسية ومقاما. "
" أثبتت هذه الشاعرة أن القصيدة هي أسمى وسائل التعبير في مختلف الميادين ، وهي أعلى مراتب الإبداع .........
" ومع كل قصيدة أكدت لنا أن هذا الشعر لا منفى له غير الجمال الذي نكتبه به ، فهنيئا لها بشعر جميل أمتعتنا بقراءته. "
__ ثم توطئة بقلم الشاعرة ص11..." ترددت كثيرا قبل التفكير في نشر هذه القصائد .......
صحيح أنني كنت قد كتبت الشعر منذ الصبا وقبل ولوجي عالم الفلسفة ، لكن الفلسفة أبعدتني عن الشعر سنوات . وبعد أن التحقت بعالم الفنون التشكيلية ، عادت لي الرغبة في الكتابة الشعرية ، وادركت أن اللوحة التشكيلة تكتب شعرا وان القصيدة ترسم رسما .........." .
__ وقبل الإهداء تقول :
ص13..
" واخلع عنك نفسك القديمة ....
وانطلق ...
نحو نفسك التي انتظرتك طويلا ...."
فوزية ضيف الله
__ ثم الإهداء
" إلى روح أمي "
ا======================ا
عالم مدهش وفراشة تحط على كتفيك في مساء صاخب متخم بالكتب ، وأنت ترتشف قهوتك ومع كل ذرة بنّ تراها تعبث مرحاً وألقاً حولك .
شاعرة سرقها المداد فكتبت للأنثى الوطن والحياة وسر الوجود . كتبت للطبيعة ، للبحر ، للصحراء ، للجبل ، للسحر والقمر ، عن جناحي طير صلّى بروحها ، عن شمعة منها استعارت بقاءها لتطفئ نار الوله في ظل الأرق . غيمة تعانقك تغريك بالوصول فكرة فكرة ، وحكايات تنسحب موجة موجة أوّلها مع امرأة :
☆☆ ص17 ...." أنا امرأة
أنا امرأة ولدت من رحيق الجبال
أنا امرأة جاءت من بريق الصحاري
ودفء البوادي
وعمق الجدال
فلا تترك الشعر ينام وحيدا
لا تترك الحرف ينام حزينا
طبطب على بابه للسؤال
وانشر على ملامح عطره ...عطرا جديدا
لاتنس أن الهوى لا يقال .."
_____ ونقرأ أيضا ...
☆☆ ص...25
"هل للرقص أحزان ؟
كان لي صديقاً واحداً
هو قلبي الخفيف بلا آلام
واليوم هجرتُ طريقه
لمّا تقاسمتُ معه ...
بعضاً من الأحزان " .
☆☆ ص33....." غياب "
" عشقت غياباً وألف كتاب
وكل كتاب .. يسطّر في حرفي
اسم الغياب ..
عشقت خريفاً وكل خريف
يحرّف حرفي ويغزل خوفي
صلاة الغياب
وكل الفصول تلازم فصلي ..
فصل الغياب
وتنزع من صَرفي
حرف الغياب .."
☆☆ص36 ... " مدينة الرسام "
" كل المدن أقفلت أبوابها
ومدينة الرسام بلا أبواب
طرقاتها مرسومة .. بحلمه
وشعبها مازال حزنه يزداد
برق الخريف ..
يدوّي في أرجائها
والصيف حلّ
أما الربيع ... غاب ".
☆☆ص152......" خمسون مرة
أموت في اليوم خمسين مرة
ومرة بعد الخمسين أحيا فأصحو لألعب
تعزف يدي على يديك خمسين
لحنا غريبا مزيجا من الصبر والانتظار
يداك تصلي على صفحة الدهر خمسين مرة
صلاة الفنون مزيج من الفكر والانتشاء .. ...."
___من عالم المشاعر والأحاسيس ، من أعماق الروح وعصف الأنفاس ، من عالم الأصدقاء والحاضرين ، إلى عالم الفلاسفة و القديسين . من عالمها الخاص ، إلى زرادشت ، جينيفياف ، كاسكا ، فرانسيسكا وغيرهم .. أسماء لها رمزيتها ودلالاتها وغايات من ذكرها .... نقرأ :
☆☆ص66..." من وصايا زرادشت "
" تنزف دماؤك من رأسك ...
فلا تهتم لوّن بها حلمك
واغتسل من إثم وجودك المعدوم
تتمزق أوصالك شوقا
فلا تهتم إغمس يديك في جرحك
وارقص
وتزين بأوجاعك وانطلق نحو موسيقى
شكّلتها دماؤك ....
إذا نزف مصيرك ... جدّف للأمام
لاتنظر خلفك ولا تهتم
كلهم باقون مع خيباتهم ...
ضع يديك فوق جرحك وغني... بصوت خافت
فجروحك تنام على غنائك فحسب ....
لن تلتئم جراحك إذا بكيت ...
اغرز أنيابك في جلدك ... ولا تلتفت لصراخ أحد
واحمل همومك نحو نفسك ...
وتنفس من دمائك... واستحم في جراحك ...
ولا تكفّ عن الغناء والرقص ...
ليتلون غدك بما ترسمه يداك "
☆☆ ص43 .." إلى جينيفياف "
" أيا ربّ هذي السماء . دعها لنا
ودع لنا العشب والأمنيات ..
قليل من الماء
يكفي لسقي .. اللقاء
فتنت الأرض
حبّاً جميلا
ويلوّن العشق ..
كل الفضاء .."
☆☆ص79..." كاسكا "
" كاسكا لمن ترقصين ؟؟؟
لمن تسكبين الماء يافاتنتي...
أنا النار والبرد ... فاطلي
بالماء أو بالرقص ...
ألا فارقصي...
دعيني أموت لأحيا
دعي الماء فوقي وتحتي .."
____ فمن هؤلاء ؟ وماذا أرادت الشاعرة أن تقول من خلالهم؟ وما رمزية حضورهم في قصائدها ؟ . للرد على هذا ، افتح النافذة وتنفس عطر الحروف ليأخذك إلى عمق أعماق المعاني والصور . ثم إلى
التاريخ مع نساء خالدات ورموز للحب والتضحية والصدق والوفاء تذكر منهن الشاعرة في قصيدتها :
☆☆" على إيقاع الخيل
مازلت أذكر
وميضا كان يشتعل
مثيل البرق ...
في البيداء .. ينبلج
سلمى وليلى ..
والخنساء ..
تنوعد ..
وصهيل الخيل ..
رمحاً ..
شقّه ..غمد ......."
__ وذكريات عشقها الأزلي تقول فيها :
☆☆ص118 ..." ذكرى
فتحت خزانتي
لأختار تاريخا أرتديه
كل الطبقات تداخلت
سحبت الكلّ
فسقطت ذكراك
في الصفحة الأولى
لمحت عينيك
وفي الصفحة الثانية
ابتسمت ..
وفي الصفحة الثالثة
...........
وبكيت "
___ وكل تلك القصائد مهداة للأم التي تقول لها :
☆☆ص202 ...." أمي
كلّ روايات تعبي كانت تلونها أمي
وبعد أمي ..
حاولت أن ألون تعبي
لكن ألواني كانت هي الأخرى تبحث عن لمسة
أمي ..
تقاطرت ألواني ...
بين أصابع الفرشاة باكية ...
ثم انفجرت ... بركانا من السنابل
بزغت سنابل لوني يانعات
في كل سنبلة يحضر وجه أمي
يستقبل الشمس ويحتضن الأمنيات
ويأتي الصيف وتبحر سنابلي بلا مراكب
وتعود ممتلئة بصوت أمي ولمسة أمي
وإذا نمت ..
أترعرع كزهرة بريئة في حضن أمي "
ا=============================ا
خاتمة ...
_ يقول " أحمد شوقي " : " لايزال الشعر عاطلاً حتى تزينه الحكمة ، ولا تزال الحكمة شاردة ، حتى يؤويها بيت من الشعر ."
_ والشعر كما يقول " روبرت فروست " : " هو ماينتج عن عثور إحساس على فكرته، وعثور الفكرة على كلمات ."
__ هكذا زينت الحكمة والفلسفة هذا الديوان ، واحتضنتها قصائده . وهكذا لملمت الشاعرة أفكارها وحاكت لها أثواب المشاعر والأحاسيس في عالم الفن والتصوير والتخييل والإبداع ، ثم رسمتها حروفا وكلمات ، انزياحات وتشابيه واستعارات تضيء بكل الألوان وتنوء بجبل متراكم يختزن الصور والمعاني والدلالات والرموز . نصوص تناولت مواضيع مختلفة تراوحت بين قصيدة ، شذرة أو صورة في كلمات كما في ...
☆☆ ص 210 ...." ألف حياة
عطر يدي
يدغدغ أنفك ذات صباح جميل
فتستفيق فيك
ألف حياة "
__ وأنهت بحكمة ونصح وإرشاد في قالب قصيدة :
☆☆.." إقلاع
ضع فوق كل جرح
زرا للإقلاع
لون ماتبقى من يومك
واترك فراغا لحلمك
واستمر في الطيران "
___ إذا تنوعت نصوص هذا الديوان ، واحتفظت جميعها بالشعرية أو مايسمى بروح النص التي تشيع فيه الحياة ؛ أنجزته شاعرة مثقفة متميزة ، بارعة في العثور على لغة مكثفة تحقق لقصائدها الإيقاع الشعري والصورة الفنية المتكاملة ضمن ترابط وتماسك بنية النصوص داخليا وخارجيا ، من حيث استخدامها لأدوات لغوية وتضمين الأنا الشاعرة بين مفرداتها ورصد الذات بين المعاني وواقعية مواضيعها ودلالات عناوينها ، وكذلك عنصر الوجدان والعاطفة .
صور حسية ، تراكيب لغوية متينة ورصينة ، لوحات فنية وفلسفة عميقة مترجمة في قصائد وشذرات شعرية منسجمة ومتكاملة شكلا ومضمونا ، منسوجة بخيوط الحداثة ومابعد الحداثة ، تثير مشاعرك وتستفز حواسك لتفتح لها كل الأبواب ، فتطالعك عند الفجر لتقول : أنا لست خارج السرب ، بل أنا السرب كله .
قصائد غرستها الشاعرة " فوزية ضيف الله " تحت جذور الأزهار ، في ثنايا وسائد الحلم ، في جوف الليل وسماء النهار مزركشة بتنهيدة الصباح ، مغطاة بقطر الندى تمتص شهيق الذاكرة وعشق الوجود .
باسمة العوام / سورية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق