من روايتي الجديدة
لقد كشفت له الأيّام أنّ الدّنيا ما زالت بخير...باشر عمله كمهندس في الإعلاميّة واستقبل حياته الجديدة مبتهجا راضيا عن عمله أشدّ الرّضا فقد يحقّق الآمال والأحلام وهو على ذلك الضّيق منذ سنين...كان يخيّل إليه أنّ كلّ ماحوله رهيبا...لم يحفل الآخرون بضيقه...بعثره المحتفلون في ساحة القصبة...خنقته المدينة بأحلامها المرتجفة...تتعاقب صور الماضي تموج في ذهنه كأمواج البحر العاتية وتنحدر كأنّها القباب أو السّحاب...لطالما أخفى دموعه عن والديه ...كان من الصّعب أن تعشقه الجميلات لم يمهلنه الوقت كي يبقى معهنّ...تطلّع في المرآة وقال :«لو تعلم يا أحمد كم حلما سكنني»...ودّ لو زفّ لأمّه خبر ارتباطه بفتاة حسناء قائلا:
-أمّي هيّا حضّري روحك إنت وبابا باش تخطبولي فلانة...
بردت قهوته وتفاصيل الماضي لم تبرح ذهنه...عادت به الذّكرى إلى يوم انتفض من نومه مرتعشا من برد الصّباح على صوت رجل في السّفينة الّتي كانت تشقّ بهم عباب البحر خلسة إلى إيطاليا وهو يقول لصديقه :«علينا أن نتخلّص من بعضهم ليخفّ وزنها وكي لا نغرق جميعا»ومن دون أن يدريَ وجد نفسه مرميّا وكأنّه كيس...أخذ يتخبّط في الماء...بدأت الأمواج تتجمّع مرعبة مزبدة وبينه وبين السّاحل آلاف الأمتار
وبدأت الرّياح العاتية تقذفه في كلّ الاتّجاهات إلى أن تمسّك بأشلاء مركب وبعد لحظات مرّت ثقيلة عاد البحر إلى هدوئه
ومن حسن حظّه أن مرّ قارب بحّار فأنقذه من الهلاك المحقّق...غادر يومها الشّاطئ وقد اصطدمت أحلامه بالخيبات...دخل المنزل وكان قد سمع مادار بين أمّه وأبيه فجعل يقلّب نظره بينهما...خيّم على البيت صمت رهيب وإذا بأمّه ترتمي في أحضانه وتسأله متعجّبة:
-أين كنت يا بنيّ؟لماذا غبت كلّ هذه الفترة؟ماذا حصل لك؟
لماذا أنت في هذه الوضعيّة المزرية؟
اهترأ عظامه من فرط السّباحة وسكنت نزلات البرد صدره...
جاءه أبوه معاتبا:
-ظننتك لن تعود ...لماذا اخترت هذا الطّريق المسدود؟هل قصّرت معك؟
ارتمى الفتى على الكرسيّ منهارا...لم يشعر بالدّفء إلاّ معهما
...لطالما تحمّلا جنونه وأفكاره السّلبية في المدّة الأخيرة...كاد يموت كالجيفة أو يكون طعاما للحيتان...
تابع
حميدة بن ساسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق