تحية الأمل والفكر و الإرادة
التطور الفكري والثقافي في الدول النامية , إشكاليات جذور وحلول
(المحاضرة 3 ) رماز الأعرج
2 مظاهر الضعف والتخلف العلمي
أ : لا يوجد إنتاج علمي وفكري جاد يلبي متطلبات المرحلة والطموح
الخريجين من التعليم العالي مثلا , لا إنتاج حقيقي لهم بعد التخرج , وينشغلون بالتعليم أو بالعمل مباشرة , من اجل العيش , وتسرقهم الحياة ومشاغلها , ونادرا ما يعود منهم بعد فترة للإنتاج و الاهتمام والتجديد , أو الدراسة بعد , ويكتفي البعض بالعمل العادي في اختصاصه وتعتبر ناجحا ما دام قادر على العيش من خلال العمل في اختصاصه .
غالبية المعلمين منشغلين بالتعليم وحسب , ولا دخل لهم بالمناهج وتطويرها أو تغيرها , ولا يوجد أي تفكير في البديل , ويقتصر دورهم على التنفيذ الآلي والتلقين لكل شيء , من مناهج إلى طرق ووسائل التعليم وغيرها من الأساسيات لهذه العملية البنائية الحساسة للمجتمع البشري .
تتجلى الكثير من مظاهر الضعف لدى الخرجين الذين تقتصر معلوماتهم على ما تلقوه في المراحل التعليمية , بحيث تغيب الثقافة والإبداع والتفكير السريع والحر والعلمي والمنطقي , ويتجلى الضعف من خلال الممارسة , بحيث ضحالة المعلومات وسطحيتها تجعل من الإنسان ضعيف في العمل و الإنتاج , وفاقد الشيء لا يعطيه , و أثبتت جميع الدراسات المختصة أن المعلومات الأولية التي نتلقاها عن أي موضوع تشكل المرجع الأساس لنا في كل شيء لاحقا , وتصبح هي المعيار الذي نقيس عليه ونبني معلوماتنا اللاحقة عليه , وعملية المعرفة والتعلم تسير تماما كما يبنا البيت الحجري , كل حجر منها يؤسس لحجارة قادمة ستقام على وجوده.
رغم أن دماغ الإنسان ليس حرفيا كما جهاز الحاسوب ولكنه يشبهه إلى حد ما , ولكن الفارق الأساس بينهما , هو أن الحاسوب يعتمد على البرامج التي نضعها به , ولا شيء يمكن أن ينتج غير ذلك , ولكن في الحالة الإنسانية بالضرورة أن ندرك أن الدماغ لديه طاقات إبداعية , ولكنها بحاجة إلى طريقة ومنهج ينسجم مع طبيعتها وحاجاتها , وفي حال عدم توفر ذلك سيكون وضع الدماغ محزن و شبيه بالحاسوب تمام , وسيفقد القدرة الإبداعية الابتكارية وهذا ما نعيشه اليوم من مظاهر الخلل المروعة التي وقعنا بها وجرفنا تيارها دون أن نعلم .
على الصعيد التطور العلمي والتطبيقي والنظري أيضا حين النظر والمقارنة مع بعض الدول النامية المتقدمة نجد لديها مستوى علمي كبير متطور عن مستوى الدول العربية , مثلا كوبا دولة محاصرة منذ أكثر من 6 عقود وما زالت إلى اليوم , ولكن كوبا في بعض المجالات العلمية مثل الطب والعلاج والأدوية مثلا هي من الدول المتقدمة على مستوى العالم , وفي ضل جائحة كورونا الأخيرة أثبتت كوبا هذه الدولة الصغيرة المحاصرة إنها فاعلة وذات مبدأ إنساني حقيقي , وقدمت نموذج من أرقى النماذج حول العالم , بل هي أرقا بألف مرة من الدول التي تفرض عليها الحصار والملاحقة .
في هذا السياق لا يمكن البحث بدون الرؤية والتأثير المباشر للوضع السياسي والاقتصادي للبلاد , ووقوعها في براثن بنوك النصب الكبرى , والمعروفة للجميع , وهذه البنوك لها شروطها التي تجعل من البلاد تعيش حالة من الإعاقة الاقتصادية ولبنيوية التي تحولها إلى أداة الشركات الكبرى بشكل كامل , وهذه الشركات لا حاجة لها بتطوير أي اقتصاد أو بنية تحتية إستراتيجية لأي بلد , بل يجب أن يكون تابع لنظامها التعسفي الذي أثبتت التجارب كلها بلا استثناء وحشية هذا النظام و عقمه وتدميره للبنية الاقتصادية للبلاد وتحول الدولة إلى جهاز عاجز عن إيجاد إي حلول سوى الإغراق في الديون ونسيان إقامة أي بنية اقتصادية قابلة للتطور وبناء مجتمع متوازن ينتج ما يحتاج من المختصين والباحثين في جميع المجالات والقطاعات في البلاد .
أن البنية التابعة هذه تشكل المعيق الأساسي للتطور العلمي , وقد يكون استيراد التقنيات والخبرات أسهل من إنتاجها , ولكن هذا السهل يجعل البلاد غارقة في التبعية وعدم القدرة على إنتاج العلم و الإبداع العلمي والاختراع , هذا كله يحتاج إلى بنية مادية وتكامل لا بد من تحقيقه لأجل إقامة بنية تحتية لهذا الإبداع الفكري العلمي المنشود , وإلا لا جدوى من أي شيء , والعلوم والطاقات العلمية لا تقام في الهواء بل تحتاج إلى بنية تحتية وأساس قاعدي تقام عليه , وخطط ورؤية شمولية لمسار تطوري مخطط ومدروس .
هكذا تسير المجتمعات ولا يمكن أن تتطور بشكل عشوائي على الهمة وحسب توجهات كل فرد و إبداعاته الذاتية , رغم كل الأهمية للإبداع الفردي الغير مدروس ولا موجه ضمن مسار ما وخطة جدية ومثمرة تحقق مسار معين استراتيجي في نهاية المسار .
ب : تشتت المفكرين الجادين وقلت عددهم
على الرغم من المساحة الجديدة في عالم الرقميات وتوفر المعلومات النظرية بلا أي تكلفة مادية سوى الجهد المبذول وقيمة الاشتراك الشهري لوسائل التوصل الحديثة , إلا أن الغالبية العظمى من النشاط يتركز حول مواضيع قصيرة وسريعة مراعاة لواقع ومساحة الوسائل والتقنيات الحديثة للتواصل بحيث أصبحت هي المنبر الأساسي لكل فرد , وكل إنسان بغض النظر عن ثقافته ومستوى تعليمه بإمكانه الوصول إلى هذه الوسائل وإقامة علاقات تواصل مع الآخرين أينما كانوا على كوكب الأرض ما دام لديهم القدرة والرغبة في التواصل والتفاعل الاجتماعي بكل أشكاله الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي والمعرفي وغيره .
لكن يبقى الأهم الآن وهو كيف نستخدم هذه الوسائل والتقنيات ولماذا نستعملها وما نستفيده هنا , و كلا يخضعها لحاجاته ولما يرغب , والعالم يخضعها للعلم والفنان للفن والإعلامي للإعلام والمفكر والباحث للبحث و الإنتاج الفكري الخ ,
ج كثرة الأكاديميين وقلت المفكرين و المثقفين الحقيقيين المنتجين للفكر والعلم
تخرج الجامعات العربية التي تعد بالمئات آلاف الأكاديميين كل عام , وتحتوي على آلاف المدرسين وذو الشهادات العليا , ولكن لو أجرينا مقارنة بسيطة كم منهم يبدع وينتج ويفكر في التجديد والسير مسار الإبداع والتطوير لما درسه وتطبيق النظريات ومتابعة كل جديد في اختصاصه على الأقل , سنجد أن النسبة مخجلة ولا تتناسب مع عدد الخرجين الهائل الذي يصدر بآلاف سنويا .
أن الباحث الجاد في الموضوع يكتشف شيء غريب ومؤسف , وهو أن غالبية المبدعين والمجددين في الفكر والأدب والعلوم النظرية الكثيرة من ضمنها الفلسفة و المنطق والعلم والتاريخ وغيره , هم ليس من خريجين الجامعات بل الكثيرين منهم لم يتلقوا أي تعليم جامعي عالي , وهذا دليل آخر على عقم المناهج بشكل عام من الأساس إلى رأس الهرم التعليمي في كل شيء .
د قلت الاختصاص العلمي و المواد والإستراتيجية
مثل الفلسفة و الفلك والفيزياء الحديثة وعلم الفضاء والذكاء الاصطناعي وغيرها من العلوم الأساسية
يشكل غياب الفلسفة كعلم أساسي وضروري في التعليم بكافة مراحله ابرز مظهر من مظاهر الخلل والضعف , سواء في المناهج أو في طبيعة المواد المعتمدة للتعليم في هذه المادة البنائية التأسيسية الفكرية النظرية الضرورية لكل الاختصاص والمهن المتطورة أيضا .
مع ضرورة إدخال الفلسفة المعاصرة الحديثة كمادة أساسية هامة في تعليم الفلسفة , مثل فلسفة الشيفرة الكنية , كونها احدث فلسفة عصرية تعكس العصر والتجديد في الفكر الفلسفي الإنساني والعربي , وتشكل رؤية ونهج علمي حديث وسهل ومجدي للفلسفة , بحيث تقدم دراسة نظام الكون كمادة نظرية فلسفية أساسية , وتركز على هذا الأساس كبنية فلسفية قاعدية للفلسفة , ويبقى الباقي من الفلسفة موروث تاريخي يحترم , ولكن الفلسفة يجب أن تعني بعلم الكون بالذات ونظامه , كيف لنا أن نعيش حياة ولا نفهم نظامها ولا نعرف عنه شيء سوى أن تجاوز قوانين الطبيعة خطر قد يدمر الحياة وكل شيء .
أن العصر الحديث يتطلب فهم حديث وتأسيس جاد وحقيقي لجيل مبدع يؤسس منذ البداية على التفكير المنطقي , من بداية التعليم والتربية حتى أخر مراحل العليم والتخرج , وبذلك نكون قد بنينا الخامة القابلة أن تكون خامة إبداعية ومنتجة للفكر والإبداع والتجديد في كل شيء .
سديم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق