الأربعاء، 21 يوليو 2021

في سبيل صياغة علاقة جدلية..بين الأدب والنقد بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 في سبيل صياغة علاقة جدلية..بين الأدب والنقد

-ما على النقد الأدبي –كفكر و فن وعلم -الإ أن يكون في مستوى التحدي وفي طليعة -الثورة الثقافية الشاملة..كي يسجّل بحضوره الفعال علامة مضيئة في طريق التحول ومنعطف الإنتقال..-
*تصدير:
"حين سئل أبو حيان التوحيدي عن بعض القضايا المتصلة بمراتب النثر والشعر،ومواطن الاختلاف والائتلاف بينهما ووظيفة كل منهما،فرّ د على ذلك بقوله:"إن الكلام على الكلام صعب.."
قد لا أجانب الصواب إذا قلت،أنّ الأدب يسبق النقد، فلولا وجود الأدب لما وُجد النقد الأدبي، فالأدب صنعة إبداعية والنقد هو الذوق لذلك الإبداع. الأديب مُطالب بالتعبير الإبداعي والناقد مُطالب بنقد ذلك التعبير بموضوعية وحيادية، وبما أن الأدب إبداع فيفترض أن يكون النقد إبداعاً هو الآخر. يُعد النقد الأدبي عملية تحليل وتفسير وتقييم الأعمال الأدبية، وتتم عملية النقد من خلال أربع مراحل،وهي الملاحظة والتحليل والتفسير والتقييم.
يتم في المرحلة الأولى قراءة النص الأدبي ومحاولة فهم معناه، ويقوم الناقد في المرحلة الثانية بتحليل النص الأدبي وتفكيكه إلى عناصره الأولية ومعرفة طريقة تنظيم الأجزاء مع بعضها البعض. في المرحلة الثالثة يشرح الناقد العلاقة بين الأجزاء والعناصر ومعرفة ما يود المؤلف قوله، وأخيراً يُصدر حُكمه المبنى على فهمه للنص ككل. يركز النقد الأدبي على تقييم الجوانب الجيدة والرديئة في النص، أي أنه لا يقتصر على البحث عن عيوب النص فقط، وتكون هنالك أُسس ومعايير يرجع إليها الناقد أثناء تحليله للنص الأدبي،إلا أن عملية النقد أحياناً تُعبر عن وجهة نظر القارئ لما يحدث في النص، فقد يرتاح قارئ ما لنص ما وقد لا تعجبه بعض الأشياء في النص نفسه، فما يَعد جيد وجميل لقارئ معين قد يكون غير لائق وغير جميل لقارئ آخر.قد لا يلقى نص ما رواجًا وقبولاً بين مجتمع القُراء في زمن ما،وربما يقفز قفزة نوعية في زمن آخر.
إن معرفة المعنى الحقيقي للنص والمُراد منه أمرٌ ليس سهلًا، وهذا ما يجعل دراسة الأدب مُعقدة ومُمتعة في الوقت نفسه، ولذلك يُعد النص الأدبي مصدر للتأمل والجدل غير المنتهيين، حيث يتنافس النقاد في تقديم قراءات وتفسيرات مقنعة للنص كما يراها كل منهم من منظوره. قد تكون هذه التفسيرات مستقاه من النص نفسه أو من كل ما يحيط بالنص. هنا يمكننا أن ننوه إلى أن النقد الأدبي مر بتحولات عديدة، فقد كان تركيزه على المؤلف وتحول إلى النص ثم تحول أخيرًا إلى القارئ، وهذا ما أدى إلى ظهور العديد من المناهج النقدية، خاصةً في القرن العشرين ومنها النقد النسوي والماركسي ومدرسة النقد الجديد ونقد استجابة القارئ والنقد البنيوي والنقد التفكيكي.
يُركز النقد البنيوي على التحليل الداخلي للنص؛وبالمثل تهتم مدرسة النقد الجديد بالنص ولا شيء غير النص،مستبعدة دور المؤلف أو أي تضمينات سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو تاريخية أو نفسية. على العكس من ذلك يرى أصحاب النقد التفكيكي أن هناك تفسيرات لا حصر لها للنص وأن المعنى يكمن في القارئ ولا يحدده المؤلف. وبشكل مُشابه يهتم نقد استجابة القارئ بمعرفة استجابات القُراء للنصوص التي يقرؤونها،وكما أنهم يمتلكون شخصيات أيديولوجية وسياسية مختلفة فإن قراءاتهم للنصوص ستختلف حتمًا. أدى ظهور هذه المدرسة إلى ضرورة وجود نظرية نقدية تهتم بتأسيس قواعد عامة تُوضح عمل الأدب والنقد معاً. وهنا يجب أن نفرق بين النظرية النقدية (المرتبطة بمدرسة فرانكفورت) التي تُعنى بدراسة الثقافة والعلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية وبين النظرية النقدية الأدبية.
إن ما يفضي إليه الرصد المقتضب للخطاب النقدي الحديث استتباعا لما تقدّم هو أن النص النقدي يتموقع في خانة التقصير-التي يعسر الخروج منها بغير السعي الحثيث إلى أن يكون همزة وصل بين نهضتنا والحضارة الحديثة في العالم، وهذا يقتضي منه “النضال” بقدر ما يستطيع في سبيل المشاركة الفعلية في نبض العالم بالإنتاج والعطاء، لا بالإستهلاك أو النقل لاسيما وأن الثقافة لم تنته بعد بانتهاء الحضارة الغربية أو انقطاع العطاء الغربي للحضارة بتعبير أدق .
على أية حال، بقليل من التفاؤل وبمنآى كذلك عن التعسفية أو الإسقاطية الذاتية أقول :
إن النقد العربي الحديث قد حقّق بعض النجاحات سوى بتحويل مجموع اجتهاداته إلى “حركة من تيارات” لا مجرد التماعات فردية ،أو بإقترابه الجسور من جوهر التجربة الأدبية المحلية، أو بإلتصاقه الحميم بالطبيعة الخاصة للأدب.
و مع ذلك فليست النيات-على طيبتها -هي المقياس أو الحكم في مثل هذه المسألة،بل الفعالية الإجرائية العملية في مقاربة النصوص الأدبية،وهي تتجلى في مدى اتساق المنهج البحثي وملاءمته للعمل الأدبي المتناول،و مدى إقناعه بتماسك طرحه وخصوبة نتائجه .. و تظل المفارقة في حالة توالد مع الأصوات النقدية الجديدة التي تنحت دربها في الصخر بالأظافر، حتى أنها ” تؤسس لتحويل نقدنا العربي الحديث الى حركة قومية من ناحية وتخصصات نوعية من ناحية أخرى.. الأمر الذي يشير ببطء شديد إلى إحتمالات نظرية أكثر شمولا في المدى المنظور (1).
ما أريد أن أقول؟
أردت القول أنّ المتأمل في مسار النقد الأدبي العربي القديم،يتضح له أن هناك نتفا من نقد النقد بأشكال مختلفة وغير واعية بالفرق الكامن بينهما،وبمفاهيم مختلفة كمفهوم الانتقاد،كما رأينا،الذي أضحى مفهوما متداولا في الثقافة العربية القديمة، خاصة في صفوف النقاد،الذين تناولوا تاريخ نقد النقد،ويعزى ظهوره في بادئ الأمر إلى القرن الرابع للهجرة،حين سئل أبو حيان التوحيدي عن بعض القضايا المتصلة بمراتب النثر والشعر،ومواطن الاختلاف والائتلاف بينهما ووظيفة كل منهما،فرّ د على ذلك بقوله: «إن الكلام على الكلام صعب.
وحين سئل لماذا ؟ قال: لأن الكلام على الأمور المعتمد فيها على صور الأمور وشكولها التي تنقسم بين المعقول وما يكون بالحس ممكنا،وفضاء هذا متسع والمجال فيه مختلف،فأما الكلام على الكلام،فإنه يدور على نفسه،ويلتبس بعضه ببعض، ولهذا شق النحو وأشبه النحو من المنطق».
إن العمل الفني الجدير بصفة الإبداع هو ذاك الذي يصوغ جدلية العلاقة بين الماضي و الحاضر والمستقبل في حوار مجلجل ومساءلة عميقة .كما أن النقد المنهجي الجدير بصفة الإبداع هو أيضا ذاك الذي يعتقد في جدلية التطور التاريخي و ينآى عن التضخم النرجسي و الأحكام المسقطة ليستشرف المستقبل بعمق وثبات..
و أخيرا،فإن التقصير في النقد العربي الحديث ليس خاصا بالنقاد كأفراد، بل كحركة نقدية عربية معاصرة شهدت إشراقات خلاقة على درب الإبداع ، منذ فجر النهضة إلى مغيبها. وكل ما أقصده هنا،أننا غدونا نعيش في ظل متغيرات كونية كاسحة تعبق برائحة التحديات،إذ أننا على هذه الأرض في مفرق الطرق بين الإنسحاق خارج التاريخ أو الولادة الجديد في ” ثورة ثقافية ” تصحح التاريخ باشراكنا من جديد في العطاء الحضاري للعالم .
وما على النقد الأدبي-كفكر و فن وعلم -الإ أن يكون في مستوى التحدي وفي طليعة هذه -الثورة الثقافية الشاملة -كي يسجّل بحضوره الفعال علامة مضيئة في طريق التحول ومنعطف الإنتقال..
ختاما أقول،مرت عملية النقد الأدبي بمراحل اختلفت باختلاف العصور المتلاحقة وطبيعة أهلها الفكرية من جهة، وباختلاف النتاج الأدبي الذي قدمه أدباء كل عصر من عصور الأدب، ففي العصر الجاهلي بدا نقد الأدب انطباعيًا عفويًا يخضع للذوق العام للمتلقي، فعندما كان الشاعر يقف على منصته في إحدى الأسواق الثقافية كسوق عكاظ وذي المجنة وذي المجاز، كان الناس عامة يتجمهرون حوله يصغون لإلقائه ويبدون ما لديهم من انتقادات لا تتجاوز حدود الكلمة من النص هنا أو هناك، أو انتقادات تظهر ذوق السامع وحسب دونما حاجة لتعليل الحكم النقدي أو تفسيره، ولم يكنِ النّقد ليختلف عن هذا الحال في العصرين: صدر الإسلام وكذلك العصر الأموي،إلّا أنه في العصر العباسي ومع ظهور المصنفات العلمية واللغوية بدا النقد ينحى منحى علميًا فظهرت الاصطلاحات النقدية وكتب النقد لمفكرين ولغويين متخصصين في النقد والأدب ولكن النقد في هذا العصر كان لا يزال نقدًا جزئيًا يبحث في الكلمة أو العبارة ولا ينظر إلى النص الأدبي كقطعة فنية متكاملة.[2]
وكي لا أطيل أقول:إنّ العلاقة بين الأدب والنقد علاقة وثيقة منذ ظهور الأدب في الحضارات جميعها من اليونانية حتى العربية، أما مفهوم النقد عند العرب فقد بدأ منذ العصر الجاهلي قبل التدوين وكان نقدًا انطباعيًّا شفويًا يقدمه الشعراء في الأسوق التجارية والأدبية الجاهلية كسوق عكاظ وسوق المربد، وتُدرس حركة النقد الأدبي عند العرب ضمن فترتين: الفترة الأولى وتمتد من العصر الجاهلي عندما كان النقد انطباعيًّا،مرورًا بالنقد بوصفه علمًا واضح المعالم له أسسه ومعالمه في عصر التدوين، إلى بداية عصر النهضة في القرن التاسع عشر، الفترة الثانية وهي فترة النقد الحديث والحداثة الأدبية والنقدية التي تمتد من بداية عصر النهضة حتى اليوم..
وأرجو أني..قد أوجزت..
محمد المحسن
الهوامش:
1-الدكتور الراحل –غالي شكري- كتابه :سوسيولوجيا النقد العربي الحديث- ص 2232-
2-بتول قاسم ناصر (د.ت)،محاضرات في النقد الأدبي (الطبعة د.ط)، العراق:مركز الشهيدين الصدرين للدراسات والبحوث،صفحة 22. بتصرّف
Peut être une image de Med Elmohsen


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق