الأحد، 11 يوليو 2021

مكتبة الوجدان و "هاجرة ليل "المجموعة القصصية للقاصة نجوى العريبي اعداد وتقديم الشاعرة سعاد عوني

 مكتبة الوجدان

السلام عليكم ورحمة الله رواد الوجدان الثقافية أهلا وسهلا بكم
..لنا في مكتبتكم اليوم كتاب جديد مدهش ويغري العقول لإقتنائه والإطلاع عليه "هاجرة ليل "عنوان المجموعة القصصية للقاصة نجوى العريبي أديبتنا التونسية أصيلة مدينة دار شعبان الفهري ولاية نابل متحصلة علىى الأستاذية في اللغة والآداب والحضارة العربية تباشر التدريس بالمعهد الثانوي بني خيار تكتب القصة القصيرة جدا وتكتب قصيدة النثر وتبهرنا دهشة وحياكة في مجال القصة.... هاجرة ليل عنوان النص السادس عنونت به القاصة المحموعة التي تتضمن 122 صفحة عن دار الاتحاد للنشر والتوزيع
ومقدمة ضافية للدكتو الناقد حمد حاجي من تونس
"هاجرة ليل "هو العنوان ..عتبة تحيلنا على فهم سريع للمحتوى أو العتبة السر عنوان طريف وخليق بأن بثير فضول من يقرأه..سيقول القاريء ترى ما هو سر إنقلاب هاجرة (الحر الشديد)إلى زمن اخر غير النهار...يشرع على الفور في قراءة الأقاصيص ولا يلبث ان ينسى نفسه وما حوله من زحمة الأحداث المثيرة والمشوقة التي أجادت في حبكها وتفوقت على نفسها في سردها باسلوب رشيق..نعم سوف يذهل القارئء حين يرى مجموعة رائعة استطاعت ان تنسج خيوطها حول مضامين ارتبطت حينا بواقع حال فيه من الألم والوجع وحرارته كهاجرة تلفح الإنسان في عز الليل رمزية مختلفة ومذهلة... الالم وأقصاه في عتمة لا نهاية لها....نصوصها تعتمد نظاما تأشيريا مدهشا وكانها بذلك تترك مسافة ومساحة جمالية تحفز القاريءعلى حب الاستطلاع وأهمية المدلول الذي تؤشر عليه الكلمة شضايا متناثرة وأطراف مترامية تجعل الدرامي معاشا ومستنبطا وكذلك بعدا تشكيليا وفنيا ميز عدة نصوص...مثلما في قصتها الثالثة نشيد الألوان
نشيد الألوان
إنّه افتتاح المعرض. احتللتُ الصدّارة عن جدارة، فموضوعي في قلب الحدث، وأنا فخر أمّي أيضا . حملتني ودمعها منهمر، فظرف حملي موجع، قصف ورعد ووابل رصاص وإرهاب غادر، يستشري ، ينكح الموت الحياة ليفرّخ جثثا..
في هذه القتامة ، ولدت فكرة ثمّ صرت واقعا ، قضّت أمّي ساعات وأيّاما بل أشهرا ، تصل النّهار باللّيل ، ترسمني بدقّة، وتشكّلني بأناة. لا تهمل شاردة أو واردة ، ترصد نموّي، تلوّن أحداثي وشخوصي بتفان لتبعث فيها الحياة. تبتهج وتحزن للون تمرّد ، فلم ينصع لريشتها. يتملّكني خوف أن تجهضني ، أحيانا تمسك بالمحمل كلّه ويتهيّأ لي أنّها سترميني خارج المرسم ، تتركني لساعات في وحشة ثمّ تعود إليّ ضمآى ضمأ الصّحراء إلى الماء . كنت أرقبها تكاد ترقص طربا وهي تمزج ألواني النّارية بتدرّجاتها ، ولا أفهم سرّ حزنها وهي تراني مشهدا مجسّدا ، أ لهذا الحدّ يزعجها أن ترى أحمري يسربل جسم ذاك الطّفل وأمّه تحاول إخفاءه وراءها؟ ، تعجز ، تصرخ ، تتلقفها ريشة أمّي وهي فاغرة فاها إلى أقصاه ، النّيران تلتهمها ، أحمر ،برتقالي ، ألسنة اللّهب أفاع يرقصها نغم الموت وعزف الدّمار ، تسمني أمّي بأشكالها الهندسيّة الحادّة ، المسنّنة ، حرائق تتوهّج .
غير بعيد ، جثّة والد الطّفل مذبوحة من الوريد إلى الوريد ، الرّأس انفصل عن الجسد و نافورة من الدّماء متدفّقة ، وشبحان أسودان يرقصان في حركات بهلوانية ، يتقاذفان الرّأس كرة ، يقطفان متعة المذبحة .
أمّي تسترسل في مزج ألوانها ، السّهاد يتملّكها والرّيشة تهتزّ وتنخفض ، تميل ، تعلو ثمّ تنخفض ، تنحني تعرك انكسار الدّمار ، غبار رمادي وأتربة... فجأة تستقيم!
ببعض ضوء متسرّب
أرقب أمّي تقترب ، تبتعد ، تمحو وتعيد تشكيل الطّفل شاخصا بعينيه النّجلاوين، وحيرة تدمي، وفزع ينهشهما. يتمسّك بتلابيب أمّه ثمّ لاشيء غير أحمر قان يسيل في اضطراب. ووسط
الأحمر المتخثّر بنتونته والبرتقالي المتحفّز ، إلى الأصفر الممزوج برائحة شواء متصاعد ولدت أنا . هنا كان بيت عامرا وهناك كانت مدرسة . لم يبق غير ركام من الإسمنت والحديد والأنقاض.ذات فجر محرق ولدت . وكان مخاضي عسيرا ، جئت مزيجا من الوجع والقهر . ألواني الدمويّة ، المدمية لعلّها تنشد حلم شعبي في الخصوبةالخضراء والإعمار بألوان قوس قزح.
آمنت بي أمّي لذلك توّجتني في صدارة القاعة.
رأيت العيون تتفرّس بي، ألواني الصّارخة تثب إليهم، تذكّر البعض منهم فاجعته، كم خجلت من دموع المحزونين ترقرقت في مآقيهم! لو أتيت في زمن غير هذا الزّمن لربّما كنت حمامة سلام ترفرف، أو خبزا أكفي به مؤونة كلّ الجائعين، ماء أروي به العطاشى، لكنت دفءا أدثّر كلّ المحرومين..
أنا هنا أتابع الجميع، حتّى هؤلاء الذين لووا أعناقهم بعيدا عني وأشاحوا بوجوههم يتعمدون تجاوزي، ودّوا لو الأرض ابتلعتهم،فضحاياهم تجسدت أمامهم . أوداجهم المنتفخة من نهش لحم المساكين تضارع أحمري القاني الذي يفقأ عيونهم . يفرّون خوف أن تلحقهم أرواح المظلومين ، وأمّي تتسمّر أمامي فترغم الرّكب على التّمهّل، و إذا برجل مكتنز لم أكد أفرّق بين وجهه وقفاه لانحشاره مثل بالون، داخل سترة باهضة الثمن، لكنّها عجزت عن جعله أنيقا، فقبحه باد للعيون. يوشوش في أذن مرافقه، ثمّ يطأطئ رأسه الأقرع الذي بدا حباب العرق ينزّ منه، يخاطب أمّي:
هذه اللّوحة تقطع الأنفاس، لقد اخترت لها مكانها، إنّها لا تقدّر بثمن... موضوعها في قلب الحدث. يصفّق من حوله. ويتعالى صوت أحدهم:
- دمت نصيرا للسّلم والمظلومين .
أعماقي تقرف منهم ، "يا لهم من منافقين ، وصوليين... أبواق مزمّرة، مطبّلة... يشتريني بالمال تكفيرا عن صمته عن الجرائم، والدّمار، أنا خزيه. أكيد سيرمي بي إلى المحرقة بمجرّد حوزه إياي... عديم الإنسانيّة هذا سيتملّكني!"
تدثّرني أمّي بعناية فائقة، تفهم نظرة عتابي، تحنو عليّ في رقّة:
_ يعزّ عليّ فراقك ، غير أنّ رسالتك خطيرة ، سيجوب بكِ العالم لأجل قضيّتنا العادلة، كوني بخير.
يحملونني برفق ومن جديد يُحتفى بي ، قاعة فسيحة ، جدار لي بمفردي لا يشاركني فيه أيّ من إخوتي ، خلفية محايدة تتماشى وتوهّجي . سأشدّ الأبصار وأثير المشاعر بألواني المتّقدة، لا بدّ للضّمائر أن تصحوَ، حتّى تخمد همجية الطّامعين، وتكفّ عصيّ الجلاّدين...
أنا هنا بعيدة عن مسقط رأسي ، وأضواء كثيرة مسلّطة عليّ ، مصادح بأشكال مختلفة ، إعلاميّون يتهافتون "يبدو أنّ أمّي أصابت فيما ارتأته لي ، الأمّهات دوما يحاكين الأنبياء...". القاعة تغصّ بالحاضرين ، الأقرع ببذلته الأنيقة يدخل دخولا مسرحيّا ، يعتلي المنصّة ، كم كرهت أن أكون خلفه ، لكن لأجل عيني الطّفل النّجلاوين ، لأجل كلّ عيون الأطفال الحزانى والأمّهات الثكالى ، تنازلت أمّي عنّي وفارقتها ، أنا حمّالة قضيّة...
يتكلّم الأقرع، يتطاير رذاذ بصاقه ليصيبني وابلا، يشير إليّ بالبنان، كلماته تصمّ الآذان، حروب، ضحايا، أوبئة، فقر وجوع... التّصفيق مرّة أخرى يعلو، بينما أبصارهم تمرّ عليّ عابرة ، تعمى بصيرتهم عن حرائقي، ألمي، مخاضي، الجميع متلهٍّ، يشكر نعم الأقرع ، يصلّي لخطبته الرنّانة... في غفلة منهم، وبخطى حثيثة تقترب منّي شابّة، في ثوبها الأبيض، تمدّ ذراعيها تحتضن الطّفل الصّريع، تقبّله، دموعها تغسل وجعي، تسرّ لي"لا تجزعي سينفضّ هذا الكرنفال من حولنا . سينصرف هؤلاء المهرّجون وينسونك. لن أتركك معلّقة على هذا الجدار البائس ، أمامنا رحلة طويلة، شاقّة وطريقنا محفوف بالأشواك، لكن سنبلغ غايتنا، سنبلغ..."
مع تحيات الشاعرة سعاد عوني واشراف الدكتور طاهر مشي
لكم مني أجمل المنى ...إلى منجز آخر وكاتب...









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق