الاثنين، 5 يوليو 2021

قَسْورة في الجُحْر/ جمال الطرودي/ تونس/جريدة الوجدان الثقافية


 - قَسْورة في الجُحْر -

 اشتكت حيوانات الغابة من شدّة بطش قسورة و فتكه بالعديد منها بكل قسوة حتى صارت تعيش في رعب. لاتغادر مكامنها خوفا على حياتها من الأسد. فتفشّى الوباء بينها حتى تناثرت الجثث على الطرقات و تحت الأشجار.

ابتكرت البهائم أثناء الحجر القسريّ وسيلة تواصل بينها معتمدة على حاسّة الشمّ القويّة عندها.

لقد ألّفت لغة حروفها  من الروائح. تنتشر في أرجاء الغابة شيئا فشيئا و لا يفقهها قسورة.

و لمّا اطمأنّت إلى أن الضّرغام جاهل بلغتها، جعلت تتبادل رسائل تصوّر  قتامة المصير و تدعو إلى الإتّحاد لأجل التغيير.  

حتى تطوّر الأمر،  يوما، وجدت فيه جميع حيوانات الغابة نفسها خارج الملاجئ، تطوّق عرين  قسورة بهنس.

 آنئذ فهم بهنس قصدها  و جعل يناور معها. لقد عرف أنّ قوّته لا جدوى منها اليوم أمام هذه الجموع الثائرة. فوعدها أنّه لن يصيد بعد اليوم حيوانا من حيوانات الغابة  و لو دغفلا أو جحشا أو حتى خنّوصا أو خرزا كي لا يفجع بهيمة في صغيرها. لكنّ البهائم لم تجرؤا على مهاجمته و التخلّص منه فالكل يعلم شدّة بأسه و قدرته على الفتك بمن سوف تطاله يده في قتاله الأخير . فأرغمته على أن يلزم عرينه لايغادره أبدا . و طعامه سوف يكون من جيف الحيوانات النّافقة.

  منعته من ممارسة الحكم و التّنقّل. فصار الرّهيص محجورا  عليه في إقامة  جبرية  في جُحْره.

ثمّ أمّرت عليها حمار الزّرد لأنّه حيوان عاشب ،قويّ ، صبور ولايتعب أثناء الجري و راء أتان الوحش.

فكان أوّل مرسوم أصدره أمير الدّواب أنّ سكّان الغابة كلّهم سواسية، لا يظلم حيوان حيوانا  آخر، فلا يرفسه و لا يفترسه، لا ظلم بعد اليوم!

هلّلت الحيوانات لحكمة الحمار ثمّ تفرّقت في أرجاء الغابة تسعى لأجل القوت الذي صار  الحصول عليه شاقّا. لقد أجدبت الأرض بعد مدّة الحجر القسوريّ لأنّ الحيوانات العاشبة لم تسمّد التّربة بروثها و لم تحرث الأرض بحوافرها و لم تجزّ أوراق العشب القاحلة  بأسنانها لتجد الأوراق الغضّة تحتها طريقا إلى الشمس .

مضى زمن لا يشتكي فيه مفترس نظرا لكثرة الحيوانات النافقة جرّاء الجوع و ظروف العيش السيئة  التي تواصلت بعد خلع المحجور.  

ولمّا  تحسّنت الأحوال قليلا، بعد أن صارت الحيوانات حرّة، تتنقّل بكلّ حرّيّة الى المراعي، تحسّنت صحّتها و  قلّت الجثث و صارت المفترسات تشكو الإملاق. فكان بعضها يغتال خفية عاشبا  خرج مطمئنا للسّهر في إحدى العلب الليلية،  فلم يذد عنه قانون حمار وحشيّ، بلا أنياب.

 و لمّا تكاثرت الجرائم، اجتمع مجلس الدّواب و أصدر قانونا يسمح للمفترسات بافتراس الحيوانات الوافدة إلى الغابة قصد الرّعي، و سمح لها بمهاجمة الزرائب  المنتشرة حول الغابة. بما  أنّ سكّانها خونة باعوا أنفسهم إلى ذي رجلين عدوّ الغابة و عدوّهم اللّدود، هكذا  خطب الضبع تحت قبّة البرلمان و هيّج مشاعر  الكراهيّة بين الزوايل.

فرحت المفترسات و الفرائس ولحست ذيل التمساح الذي ترأّس الجلسة، وقمعت صوت الزّرافة التي عارضت حتى  بحّ صوتها، مبيّنة أنّ العنف  الموجّه إلى الغير لا بدّ يرتدّ يوما على فاعله . و كان هذا آخر كلام مسموع للزرافة فقدت إثره صوتها و أمست معارضة بكماء .

جعلت الحشود تهاجم المزارع و الحقول  المتاخمة للغابة ، ليلا، فتعيث  فسادا في الزّرع و الضرع.

عاش سكّان الغابة مدّة في رغد من العيش ينعمون بالفيء الذي يجنونه من الغارات الليلية على الأجوار . حتى أفاقوا ذات صباح على طلقات البنادق تحصد رقابها، من كلّ صوب، و لم ينج منها سوى من فرّ بجلده، تاركا غابته السعيدة للخرفان و البقر و الكلاب ترتع فيها،تحت عيون رعاتها الذين قطعوا الأشجار و جفّفوا الأنهار.

**( جمال الطرودي/ تونس)**

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق