السبت، 22 يوليو 2023

إصرار على الانعتاق ــــــــــــ عبد الغفور مغوار


 إصرار على الانعتاق

-
عبد الغفور مغوار (المملكة المغربية)
-
في صحراءٍ بلا نهاية تعلوها أبراج الرمال، وتحت سماءٍ شاحبة تلتهب بنار الصحراء، كان هناك مخيمٌ للأسرى، حيث يعيش جنديٌ شاب اسمه يوسف. كان يوسف قد وقع في أيدي جبهة البوليساريو بعد معارك شرسة، وتم احتجازه في هذا المكان المظلم والمرعب.
كان يوسف يواجه يوميًا ظروفًا قاسية ومحنًا لا تحصى. تعذبه الحرارة الشديدة في النهار، والبرودة القارسة في الليل، وكان يضطر للعيش على ما يقدر عليه من الماء والطعام المحدودين. كما كان محاطًا بأعداء لا يعرفون رحمة، وقلوبهم مليئة بالكراهية والحقد.
في ظل هاته الأوضاع القاسية، كانت هناك لحظات تائهة لروح يوسف، حيث تجول خياله وتاهت أفكاره بين أماكنٍ أخرى بعيدة. كان يحلم بالحرية والعودة إلى وطنه، حيث يمكنه السير في شوارعه الضيقة والتجول بين أهله وأحبابه. كان الحنين لوطنه وأحلامه الجميلة هي ما جعله يصمد في وجه كل هذه الجحيمية المطلقة من هذه العصابة الإجرامية.
في إحدى الليالي الباردة، وهو ينام تحت سماء تزينت بالنجوم، شعر يوسف بشيء غريب يتمدد من داخل صدره. لم يكن يفهم ما يحدث، لكنه شعر بالسكينة والسلام الذي لم يشعر به منذ زمن بعيد. وبينما كان يفكر في ذلك، بدأ جسده يرتفع عن الأرض ويطفو في الهواء.
فوجئ يوسف بأنه يحلق فوق الصحراء، يطير بلا أجنحة كالطائر. كان هذا حلمًا غريبًا وخارقًا، فعقله لم يستوعب بعد ما يحدث. رأى الصحراء الشاسعة من الأعلى، وكأنه يتسلق السحاب ويعانق الفضاء.
حلق يوسف بين النجوم والكواكب، وشعر بأنه ذو قوة لم يكن يعلم بها من قبل. أصبح جنديًا من النجوم، يحمل قوة الكون في داخله، ويشعر بأنه يمكنه التحكم في مصيره وقدره.
ومن هذا الحلم الغريب، استعاد يوسف طاقته وعزيمته. تغيرت نظرته للحياة وللأشياء من حوله. لم يعد يشعر بالأسر والعذاب، بل بالحرية والقوة. أصبحت لديه ثقةٌ بأن الحلم يمكن أن يصبح حقيقة.
صار يوسف كل ليلة يعاود النظر إلى الصحراء من الأعلى، ولكن جاءت الليلة التي كانت نظرته فيها مختلفة تمامًا. لم يعد يرى أحلامه بعيدة المنال، بل رآها بالقرب منه، وكأنها تنتظره ليمتد إليها بيده ويحققها.
وبهذا الاكتشاف، قرر يوسف أن يكون الجندي الأسير المنعتق، الذي يسعى لحريته بكل قوة وصمود. فبدأ يخطط للهروب من المخيم والعودة إلى وطنه. وعلى الرغم من التحديات والصعوبات التي واجهته كلما فكر في الشروع بالهروب، إلا أنه كان واثقًا أنه سيتمكن من تحقيق ذلك.
في أحد الأيام، وبعد أن استعد لكل شيء بدقة، هرب يوسف من المخيمات وانطلق نحو الحرية. تحرك بصمت وسرعة، وواجه العديد من التحديات في طريقه. ولكن قوة حلمه وإصراره كانت كافية لتخطي كل شيء.
استطاع يوسف أن يصل إلى حدود الصحراء والعودة إلى وطنه. شعر بالسعادة والاحتفال عندما رأى أهله وأحبابه يستقبلونه بفرح وابتهاج. كانت تلك اللحظة التي رسم فيها حلمه وأحلامه على واقع، وصار هو الجندي المحرر الذي كان يحلم به.
عاش يوسف بعد هروبه حياةً جديدة، حيث تحققت له أمنياته وأحلامه. صارت صحراءً بلا نهاية تحت قدميه ليست فقط مكانًا للحرية، بل مكانًا لتحقيق كل الأحلام والأمنيات التي يحملها قلبه.
-
فاس، في: 22/07/2023

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق