الخميس، 21 مارس 2024

على هامش اليوم العالمي للشعر* بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 على هامش اليوم العالمي للشعر*

الإحتفال بهذا اليوم..إنما هو لحظة بحجم الكون لكي يتدبر الإنسان وجوده..ويحتفي حد الإمتلاء روحياً ووجدانياً بالحياة..
"الشعر ركن من أركان كينونتنا،وهو مناسبة للاحتفاء بالتعبير اللغوي لإنسانيتنا المشتركة".
(المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي )
-الشعر فن قديم ومتنوع يشع صورا حية تتألق بإيقاع موسيقي شجي تغلف مجموعة واسعة من المشاعر من الفرح والحب إلى الحزن والتأمل..(الكاتب)
مع الاحتفال اليومَ 21 مارس/آذار 2024،باليوم العالمي للشعر،يكون هذا الاحتفال قد أكمل عقده الثاني،وترسخ في الذاكرة القصيرة للسياسيين وصانعي القرار العالمي في منظمة الأمم المتحدة للثقافة التي أقرته سنة 1999.
إن هذا الاحتفال تأكيد على الحاجة إلى الشعر،هنا والآن،حاضراً ومستقبلاً،بل تأكيد على أن هذه الحاجة تتعاظم لما يشهده العالم في كل حين،وفي غفلة منا،من كوارث وحروب ونفثِ نارِ الحقد والكراهية والتعصب هنا وهناك في جهات العالم.هي لحظات غفلة وغي يسهو فيها الإنسان عن صوت داخلَهُ،والاحتفال بالشعر هو إنصات للصوت الهامس للإنسان،لصوت دواخله،وهو الصوت الذي كلما علا وصدح إلا وصـــدحت معه مشاعر المحبة والسلام،فهو الصوت الداعي باستمرار إلى إنسانية الإنسان.الاحتفال هو تذكير بحاجةٍ ماسةٍ للشعر الآن،لما نشهده من دعوات للتفريق بين الإنسان وأخيه الإنسان،عبر وضع المتاريس وصنع حدود العار الواقعية والافتراضية في هذه الجهة وهذا الإقليم من أقاليم العالم.
الشعر فن قديم ومتنوع يشع صورا حية تتألق بإيقاع موسيقي شجي تغلف مجموعة واسعة من المشاعر من الفرح والحب إلى الحزن والتأمل ..
البعض وصف الشعر بـ"أنه كلام وأجوده أشعره"..يوفر مساحة كبيرة للإبداع وساحة للتجريب اللغوي كما أنه يملك القدرة على تحدي الحدود التقليدية للغة وهو أحد أشكال التعبير الوجداني التي عرفتها البشرية منذ قديم الزمان،وأحد مظاهر الهوية اللغوية والثقافية.
يلعب الشعراء بالكلمات ويشكلونها إلى صور حية واستعارات وألغاز تشعل الخيال من خلال الترتيب الفني للغة والحروف فيخلق الشعراء فضاء يحلق فيه القراء ليتجاوزوا العادي ويطلوا على الاستثنائي.
ويحتفل العالم باليوم العالمي للشعر في 21 مارس من كل عام،وهو مناسبة للاحتفال بهذا الشكل الجميل من التعبير الذي يتقنه قلة مبدعة من البشر وتخاطب به القيم الإنسانية التي تتقاسمها كل الشعوب.
وإذن؟
إن الحاجة إلى الشعر إذا،تتعاظم من أجل أن يحيى الإنسان بسلام على هذه الأرض.والشاعر، هنا واليومَ تحديداً،ينثر كثيرا من ورود الشعر،والمحبة والسلام-التي تتفتح وتزهر أكثر في هذه المناسبة-تماماً كما فعل أسلافه من الشعراء منذ هوميروس وطرفة بن العبد وغارسيا لوركا وبابلوا نيرودا،والسلالة لم تنقطع ولن تنقطع،هؤلاء الذين انتصروا لصوت الإنسان،لصوتِ حريته وكرامتِه،نِشْدَاناً للسلم والسلام.فالشعر يجعلنا مقتنعين بأن الحياة ممكنة بين الناس،وأن الأصل هو السلام.إن الاحتفال باليوم العالمي للشعر تذكير للإنسان بالغاية من وجوده.إنه لحظةُ تفكير في كينونة الإنسان.إنه لحظة بحجم الكون لكي يتدبر الإنسان في وجوده،فالشعر تأمل في صيرورة وسيرورة الكائن في هذا الوجود،هو مساءلة لماهية هذا الأخير.وهو توصيف للعلائق التي شيدتها الذات مع نفسها ومع الذوات الأخرى والأشياء.
أيضا بمساعدة وسائل أخرى مثل المسرح، تنجح المؤسسات المعنية بالشعر في الترويج لهذا النوع من الأدب في أجزاء مختلفة من العالم.
ما أريد أن أقول؟
يعد الشعر أحد أشكال التعبير التي عرفتها البشرية منذ قديم الزمان،فكل القارات وكل اللغات بمختلف ثقافتها تعرف هذا النوع من الأدب،بل ويعد أغنى ما تمتلكه الإنسانية على مر العصور.
أيضا الشعر هو الدعامة الأساسية للتقاليد الشفوية،واحتفظ على مدى قرون بقدرته على توصيل القيم الأعمق للثقافات المتنوعة.
ويعيد الشعر تأكيد إنسانيتنا المشتركة من خلال كشفه لنا أن الأفراد،في كل مكان في العالم، يتشاركون نفس الأسئلة والمشاعر، كما يخاطب القيم الإنسانية التي تتقاسمها كل الشعوب، فالشعر يحول كلمات قصائده البسيطة إلى حافز كبير للحوار والسلام والتسامح والحب والعطاء،لذا خصص يوم دولي لتتقاسم الشعوب أيضا الاحتفال به.
وفي إطار الاحتفال بيوم الشعر العالمي،تقر اليونسكو بالقدرة الفريدة للشعر على التقاط الروح الإبداعية للعقل البشري.
ووصفت المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي الشعر بأنه "ركن من أركان كينونتنا،وهو مناسبة للاحتفاء بالتعبير اللغوي لإنسانيتنا المشتركة".
وقالت السيدة الأممية،في رسالة لها بهذه المناسبة: "الشعر قوت القلوب الذي نحتاج إليه جميعاً، رجالاً ونساءً،نحن الذين نحيا معا الآن وننهل من معين تراث الأجيال السابقة ما يعيننا على مواصلة حياتنا".
إن اليومَ للاحتفـــــال،للامتلاء روحياً ووجدانياً بالحياة، فلنكتــــبْ،إذن،الشعرَ ونقرأَهُ نكاية بالحرب، نكاية بالحدود،نكاية بكل ما يفرق الإنسان عن أخــــيه الإنســان،ويُصيرهما عدوينِ. فلنكتب الشعر تنديداً بمكائد الغزاة والمستغلين،فلنكتبِ الشعر ولنحتفلْ به إعلاء لصوت الحب الذي لا يُعلى عليه…وكل يوم عالمي للشعر والإنسانية والشاعر بألف خير.
محمد المحسن
*يهدف الاحتفال بيوم الشعر العالمي إلى تشجيع العودة إلى التقاليد الشفوية للحفلات الشعرية وتعزيز تدريس الشعر واستعادة الحوار بين الشعر والفنون الأخرى مثل المسرح والرقص والموسيقى والرسم.
أيضا من ضمن أهداف اليوم دعم صغار الناشرين وخلق صورة جذابة للشعر في وسائل الإعلام، بحيث لا يعتبر الشعر شكلا فنيا عفا عليه الزمن، بل شكل يمكن المجتمع ككل من استعادة هويته وتأكيدها.
لذا ترغب اليونسكو في إعطاء فرصة للغات المهددة بالإنقراض للتعبير عن نفسها وثقافتها في اليوم العالمي للشعر الذي يعزز التنوع اللغوي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق