الجمعة، 22 مارس 2024

تجليات الصبر وضبط النفس في غزوة بدر الكبرى*..أفلا يتعظ المسلمون اليوم ؟! (دروس وعبر) بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 (دروس وعبر)

تجليات الصبر وضبط النفس في غزوة بدر الكبرى*..أفلا يتعظ المسلمون اليوم ؟!
تصدير : تجلت لنا بشكل مشرق حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في تسيير الأزمات والشدائد
وأعطى لنا دروسا في معالجته لهذه الأزمات والشدائد والمواقف الصعبة..
-(ومآ أنزلنا علىٰ عبدنا يوم ٱلفرقان يوم ٱلتقى ٱلجمعان)(الأنفال: 41)
شكل انتصار المسلمين في غزوة بدر الكبرى فاتحة الانتصارات في شهر رمضان،شهر الفتوحات والانتصارات والخيرات والتمكين.فإن ما في رمضان من القيم الإيمانية والمعاني السامية لمن شأنه أن يضيف للمسلمين صبر لا ينقطع وعزيمة لا تنفد وإقداما لا حدود له.وما إن تذكر الأحداث المهمة في تاريخ المسلمين والتي حدثت في رمضان،فإن أول ما يحضر في بال كل مسلم غزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها المسلمون بقيادة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على جحافل الكفر وصناديد الباطل من قريش.
لقد كرم الله شهر رمضان بأعظم الغزوات كغزوة بدر الكبرى التي وصفها
الله بالفرقان لأنها فرقت بين الحق والباطل وبين الايمان والكفر،وبين العبودية لغير الله المتمثل في قريش وكل ألوان الجاهلية التي تمثلها،من الأشخاص والأهواء والشرائع والقوانين الوضعية والعادات والتقاليد، وبين العبودية لله الواحد القهار الذي لا إله إلا هو ولا رب سواه ولا حاكم دونه ولا مشرع إلا هو.فانعتقت البشرية من عبادة العباد وتوجهت لعبادة خالق العباد وأصبحت لا تخضع إلا لله إن مواطن العبر من غزوة بدر كثيرة، ذكر بعضها للتأسي والاقتداء حيث قال سبحانه: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ.
أيام قلائل،وتحل علينا هذه الذكرى ـ غزوة بدر الكبرى، يوم الفرقان، يوم انتصرت العصبة المؤمنة قليلة العدد والعدة على ملأ قريش في زهوه واستكباره، فتجذرت دولة الإسلام الناشئة، حقيقة لا سبيل إلى تجاوزها، وخر صرعى فراعين قريش وطغاتها وأكابر مجرميها.. وعند هذه الذكرى المباركة نتوقف ناظرين في حالنا وحال أمتنا المستضعفة المتشتتة المتفرقة المتمزقة، متسائلين: أيمكن أن نكون بدريين كما كان أصحاب بدر من المؤمنين،فينظر الله إلينا نظرة رحمة ورضا،فنفلح كما أفلحوا؟
غزوة بدر كانت حدًّا فاصلًا بين مرحلتين المرحلة الأولى حيث التزم فيها المسلمون بالصبر وضبط النفس،وعدم الاستجابة لأفعال المشركين القبيحة واستفزازهم، فلم تصدرْ من المسلمين ردودٌ لتلك الأفعال والاستفزازات، وكان ذلك استجابةً منهم لأوامر الله عز وجل، ومِن تلك الأوامر قولُه تعالى: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ [النحل: 127، وقوله تعالى: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ الشورى: 43، وقوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ الجاثية: 14.
والمرحلة الثانية هي التي بدأ المسلمون فيها يُدافِعون عن أنفسهم ودولتهم الجديدة الناشئة، وهي التي بدأَتْ بغزوة بدرٍ؛ ولهذا كان يوم بدر ﴿يَوْمَ الْفُرْقَانِ﴾ [الأنفال: 41] يُمثِّل بدايةَ مرحلة المواجهة بين قوة الحق وبين قوى الباطل، كما يُمثِّل أول مراحل الدولة من حيث التشريعاتُ الخاصة بعَلاقة المسلمين بعضهم ببعض،وعلاقتهم بغيرهم، وقواعد الحرب والسلام.
لقد كسب المسلمون مهارة عسكرية، وأساليب جديدة في الحرب، وشهرة واسعة داخل الجزيرة العربية، وخارجها. أما قريش،فكانت خسارتها فادحة،فإضافة إلى أن مقتل أبي جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وغيرهم من زعماء الكف،الذين كانوا من أشد القرشيين شجاعة، وقوة،وبأسا لم يكن خسارة حربية لقريش فحسب،بل كان خسارة معنوية أيضا،ذلك: أن المدينة لم تعد تهدد تجارتها فقط،بل أصبحت تهدد أيضا سيادتها ونفوذها في الحجاز كله.وبذلك تعد غزوة بدر رغم صغر حجمها معركة فاصلة في تاريخ الإسلام،ولذلك سماها الله عز وجل بيوم الفرقان، قال تعالى: {ومآ أنزلنا علىٰ عبدنا يوم ٱلفرقان يوم ٱلتقى ٱلجمعان} (الأنفال: 41)،ففرق بها سبحانه بين الحق والباطل؛ فأعلى فيها كلمة الإيمان على كلمة الباطل، وأظهر دينه،ونصر نبيه وحزبه.
على سبيل الخاتمة :
إن الصورة تشبه الصورة،والحال مطابق للحال،إلا أن الطائفة المؤمنة في بدر كان عندها من اليقين والإيمان والتوكل على الله تعالى ما استجلب نصر الله تعالى ومدده بملائكة يقاتلون مع المؤمنين،بعكس حال كثير من المسلمين في هذا العصر،إذ ركنوا إلى الذين ظلموا،وضعف يقينهم بالله تعالى،وتوكلهم عليه،وجزعوا على دنياهم،ولم يخافوا على دينهم أن يُبَدّل،فوكلهم الله تعالى إلى أنفسهم،وإلى من ركنوا إليهم،فأذلوهم واستضعفوهم،ولم يرقبوا فيهم إلاً ولا ذمة.
ألا فاتقوا الله ربكم،وأروه من أنفسكم خيراً،وألحِّوا عليه بالدعاء لإخوانكم المستضعفين، واسألوه الثبات على الدين،وأن يرد كيد الكائدين.
وصلوا وسلموا على خير خلق الله..
محمد المحسن
*وقعت غزوة بدر في صبيحة يوم الاثنين 17/ رمضان /2هـ،والذي يصادف يوم السبت 8 أفريل/نيسان من العام الجاري 2023،وكان موقعها في أرض بدر،وهي محطة لمرور القوافل المتجهة إلى الشام والعائدة إلى مكة المكرمة،وكانت تمثل سوقا من أسواق العرب المشهورة ساعدها في ذلك موقعها الجغرافي بين مكة والمدينة أسفل وادي الصفراء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق