الخميس، 21 مارس 2024

(رمضانيات) تجليات الجهاد المشرقة..في شهر رمضان الفضيل بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

(رمضانيات)
تجليات الجهاد المشرقة..في شهر رمضان الفضيل
الصَّومُ جُنَّةُ أقوامٍ من النَّار..والصَّوم حصنٌ لمَن يخشى من النَّار
والصَّوم سِتر لأهل الخير كلِّهمُ..الخائفين مِن الأوزار والعــــــارِ
(ابن الجوزي*)
-التذكير بالجهاد في هذا الشهر المبارك هو نظرة للوراء بماض وضّاح،لعله يرشدنا للنهج الصحيح لنستطيع الخروج من مستنقع التطبيع أو الوجوم والخنوع،اعتادته الأنظمة العربية الإسلامية،قذف الله في ضمائرهم الوهن ونزع المهابة من قلوب أعداء الأمة.(الكاتب)
الجهاد في سبيل الله فيه عزة الإسلام،كما أنه أفضل الأعمال وأجلها،وما وصل المسلمون إليه من ذل إلا عندما تركوا الجهاد،وركنوا إلى الدبلوماسية التطبيعية من حجم الضعف الذي يعتريهم،فتكالب عليهم الآفاقون وحفاة الضمير..
وإذن ؟
أتى رمضان إذا،كعادته بزمان يشبه كل عام،فيه الحروب والظلم والمآسي والدماء التي تراق على الإسفلت،وبتفاضله أيضا بما فيه من هداية وخير،وبهذا المعنى قال الله تعالى: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ".
في هذا الشهر الفضيل تهذيب النفوس والأرواح،ولأنّه مدعاة لتوطيد الأواصر بين الأهل والناس وبين الغني والفقير،فالإذعان لطاعة الله والإحساس بالجوع والعطش داع إلى الإحسان بالعطف تجاه الآخرين من ذي الخصاصة.
وما أحسن ما قال أمير الشعراء أحمد شوقي في الصيام "الصوم حرمان مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع؛ لكلّ فريضة حكمة، وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة؛ يستثير الشفقة، ويحضّ على الصدقة؛ يكسر الكبر، ويعلّم الصبر،ويسنُّ خلال البر،حتى إذا جاع من ألف الشبع،وحرم المترف أسباب المتع،عرف الحرمان كيف يقع،والجوع كيف ألمه إذا لذع".
وقد دعا الرسول الحبيب إلى فضيلة بسط اليد بالعطاء في هذا الشهر الكريم أكثر من باقي شهور السنة،لاعتباره موسم إحسان وسخاء وطمأنينة،فينتظر الفقير الصيام لقدومه بالعطايا وراحة البال،وقال ابن عباس: "كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان". كما دعا إلى الزيادة بتلاوة القرآن والذكر والأعمال الصالحة بمطلقها.
والجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام،وبه تنال العزة في الدنيا والآخرة، وهو من أفضل الأعمال وأجلِّ القربات، وما ذلَّ المسلمون إلا عندما تركوا الجهاد، وركنوا إلى الدنيا،فتكالب عليهم-كما أشرت-الأعداء،وتداعت عليهم الأمم،كما تداعى الأكلة إلى قصعتها،والتذكير بالجهاد في هذا الشهر المبارك،تذكير بماض مشرق،نحن أحوج ما نكون إلى الاسترشاد به،لنخرج من أزمة طال أمدها،وبعد زمنها،حتى صرنا في مؤخرة الأمم، وأصبحنا مع كثرتنا غثاءً كغثاء السيل،فنـزع الله المهابة من قلوب أعدائنا لنا،وقذف في قلوبنا الوهن-حب الدنيا وكراهية الموت-،فالتذكير بالماضي ينبغي أن يساق للعبرة،وللإفادة منه في صنع حاضرنا،ورسم صورة مشرقة لمستقبلنا.
وهناك جانب آخر لا بد من ذكره في الشهر للعبرة والعظة،وهي تلك الحروب والفتوحات التي خاضها المسلمون في رمضان وسنامها غزوة بدر،حقّق المسلمون النصر العظيم وهم قلة صائمون أمام كثرة منعّمون.
ومعارك أخرى في رمضان انتصر بها المسلمون كفتح مكّة وعين جالوت وحطين والقادسية، ومعارك كثيرة يخوضها الشعب الفلسطيني الباسل أمام الاحتلال الغاشم في كل رمضان،كما رمضان هذا العام أيضا ونحن ننتصفه،ودّعنا أوّله ونستقبل أواخره بالأمعاء الخاوية والصدور العارية،تقف مدججة بالعزيمة والإيمان أمام جيش جرار مسلح بأحدث آلة حرب وخوف؛ يحفه الرعب والانهزام.
الجهاد في سبيل الله فيه عزة الإسلام،كما أنه أفضل الأعمال وأجلها،وما وصل المسلمون إليه من ذل إلا عندما تركوا الجهاد،وركنوا إلى الدبلوماسية التطبيعية من حجم الضعف الذي يعتريهم، فتكالبت عليهم الأمم.
والتذكير بالجهاد في هذا الشهر المبارك هو نظرة للوراء بماض وضّاح،لعله يرشدنا للنهج الصحيح لنستطيع الخروج من مستنقع التطبيع أو الوجوم والخنوع،اعتادته الأنظمة العربية الإسلامية،قذف الله في ضمائرهم الوهن ونزع المهابة من قلوب أعداء الأمة.
إن فضائل رمضان لا تحصى،إلا أن الذود عن العرض والأرض في هذا الشهر الفضيل هو أقرب الأعمال إلى الله تعالى،وخاصة بعد اقتحام المسجد الأقصى،وتحويل غزة إلى ركام، والصمت ودور المتفرج المعيب تحترفه الدول أمام القتل والتنكيل وتدنيس القبلة الأولى.
وليست الغاية من الجهاد في الإسلام إزهاق النفوس وتدمير الممتلكات،وترميل النساء،ولكن الغاية هي ردع الظالم وإزاحة المعوقات والعقبات التي تحول بين الناس وبين وصول دعوة الله إليهم،حتى يُقْبِلوا على الإسلام،لا يعوقهم عنه جور جائر،ولا تسلط باغٍ.
وشهر رمضان المبارك هو شهر الجهاد، وفيه وقعت أعظم معركتين في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم: الأولى: معركة بدر الكبرى،التي كانت فرقاناً فرَّق الله به بين الحق والباطل، وأصبح للمسلمين بعدها العزة والمنعة.
الثانية: فتح مكة،وبها زالت غربة الإسلام الأولى،وسقطت رايات الوثنية في البلد الحرام، وأصبح الإسلام عزيزاً في أرجاء الجزيرة العربية.
وكذلك كان هذا الشهر عند سلف الأمة،فكثير من الأحداث والفتوحات التي كان لها أعظم الأثر في حياة المسلمين وقعت في هذا الشهر الكريم.
فليكن الماضي الإسلامي والعربي المشرق عبرة نستشف منها الفائدة لمستقبل يمنحنا القوة للوقوف أمام الأمم الند بالند،بدلا من دور التابع الذي آل إلى نهج دولة تتوارثه الأنظمة بينها.
جعل الله لنا هذا الشهر الكريم مع صيامه وقيامه شهر عزة وغلبة،وكل عام وأنتم-يا قرائي الكرام-والأمة بخير.
محمد المحسن
*ابن الجوزي
أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد القرشي التيمي البكري المعروف بـ ابن الجوزي. فقيه حنبلي محدث ومؤرخ ومتكلم (510هـ/1116م - 12 رمضان 597 هـ/ 1201م)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق