الأحد، 9 يوليو 2023

ذاكرة للنسيان (الجزء الأول) بقلم الكاتبة بلقيس قاسمي

 ذاكرة للنسيان (الجزء الأول)

صورة مذهلة لاشبيه لها، هي لاتعرف من صاحبها لكنها متيفنة أن الذي رسمها فنان عبقري ذو ذوق رفيع يتسم بالخيال و الشاعرية :جبال و براري و لحظة خلود في الطبيعة، خطوط تتشكل في إنسيابية و ألوان تكاد تنطق و المطر في الخارج يضفي إيقاعا جميلا ليمتزج سحره مع سحر الفن، هي لاتعرف كم من الوقت قد مضى و تلك الأفكار تسكنها، أهو سحر الفن؟ لكنها صحفية تؤمن بالواقعية و الموضوعية و أن الصحفي الناجح هو الذي ينزل أرض الواقع و يعيش الأحداث بعيدا عن الأحلام و نزق الشاعرية، لحظة هل من الممكن أن يكون له تأثير عليها بعد مرّ السنين؟
هذا محال إنه من الذكريات من الماضي السحيق
هل من الممكن أن تصدق أن الإنسان في لحظة ما يكتشف أن الماضي و الأشخاص الذين يسكنون ذكرياتنا لهم تأثير على أذواقنا و نظرتنا للحياة؟
فتح الباب و ظهر منه رجل أربعيني تدل هيئته أنه من الذين أفنوا حياتهم للوصول إلى أعلى المراتب و المناصب، نظر إليها من خلف عويناته متفحصا يدقق النظر كأنه يقلب سلعة يمكن أن تكون مجدية، لكن ذلك لم يدم طويلا فبعد تمحيص بغيض دفع لها الملف الذي قد أسلمته للكاتبة فور وصولها.
_آسف يا آنسة، أنت تعرفين أن عروض الشغل وفيرة هذه الأيام، و نحن لا نستطيع تلبية كل الطلبات و تسويتها، زد على ذلك أن هذه المجلة فنية بالأساس نهتم فيها بأخبار المشاهير و الفنانين و أنت كما ذكرت في سيرتك الذاتية أنك متخصصة في الشؤون الاجتماعية و الإنسانية و هذا....
قاطعته بعد أن افتكت منه الملف خيفة تلويثه أو تدنيسه :
_لا داعي لذلك سيدي أنا مقدرة لموقفك،لكن كلمة واحدة قبل مغادرتي
الصحافة الحقيقية ليست شريطة دانتيل على ثوب مغنية أو حفلة ماجنة على يخت نجم مشهور بل ببساطة هي أوجاع اليتامى، هي أنين المنكوبين، هي دمع أليم على خد الفقراء...
خرجت محتضنة لملفها و البكاء يخنق أنفاسها دون أن تسكب دمعة واحدة هي تعرف تماما أن المشكلة تكمن في عالم المثل الذي أحاطت به نفسها كهالة منذ نعومة أظافرها.
كان السيل غزيرا بالخارج، اندفعت لينا حداد بين خيوط المطر حتى احتجبت عن الرؤية كما تحتجب الشمس بين السحب، استحضرت لينا مقولة للكاتب الجزائري واسيني الأعرج "المطر يوقظ الحنين المتخفي في الأعماق و شيئا من التفاصيل التي سهونا عنها في رحلة الحياة"
كم تعشق كتابات هذا الأديب، ربما لأنه يحمل نزق أفكارها أو بالأصح تتماهى معه في أسلوب التفكير
الكاتبة بلقيس قاسمي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق