السبت، 12 فبراير 2022

قراءة نقدية في قصة "أنوثة معلبة" لزهراء أوزيك بقلم الأديبة حبيبة المحرزي

 قراءة نقدية في قصة "أنوثة معلبة" لزهراء أوزيك

"أنوثة معلبة إم معذبة " تحت صهد ذكورية متجنية متجبرة.
القصة بإيجاز هي حلقة من سلسلة لها سوابق ولواحق متشابهة متطابقة. هي نبذة أو هي فترة روتينية تتكرر كل يوم بنفس الوتيرة مرورا بالمراحل المرتبة. تبدأ القصة بالناسخ الفعلي "لازلت" الدال على الاستمرار وعدم الإنقضاء ولو كانت مازلت لكانت افضل بعيدة عن غرض الدعاء .إضافة إلى اغلبية الأفعال التي وردت في صيغة المضارع الذي يدل أيضا على الاستمرار "تصل ..اقف...انظر...يلتصق ..هي افعال تتكرر وتتحدد كل يوم حتى أصبحت سلوكا يوميا وحدثا دوريا مرتبا.
الكاتبة اخذت عينة من معاناة يومية .في الصباح الباكر وتنتهي قبل العودة عند اللحظة الفاصلة الفارقة بين ما قبل الكارثة وما بعدها لأن الخاتمة هي الأعنف والتي بسببها احجمت الساردة عن إتمام البقية المتبقية. هذا التخير مقصود لانه فعلا نسخة نصية من رحلة الذهاب .ذهاب عاملات معمل السردين ومن بينهن الساردة التي خيرت أن تكون بطلة القصة بالتصريح بالأنا لتكون أصدق في تصوير بشاعة الانتهاكات والتجاوزات في حق الأنثى. . الساردة عليمة بالباطن قبل الظاهر لأن الوجع النفسي أقوى وأشد والأنا هي الأقدر على تصوير هذا الشجن الموجع كي لا تكون هناك واسطة بين البطلة والمتلقي .
العتبة الأولى هي العنوان "أنوثة معلبة " وهو العنوان الأصلح والأمثل للقصة وقد ورد مركبا نعتيا المنعوت فيه إحالة على جنس مخلوق يعمر الكون بالاشتراك مع مخلوق آخر هو الذكر . واستعمال المصدر الدال على مطلق الحدث يخرج القضية من الخاص إلى العام ومن التعيين والتحديد إلى الاطلاق مع التنكير المقصود الذي يفيد الامتداد والانتشار في فئة معينة دون غيرها "الإناث" لكن النعت النكرة أيضا والذي يحيل على سجل صناعي ظهر خاصة مع الثورة الصناعية وغير نمط عيش الإنسان الذي تخلى عماهو طبيعي إلى ماهو معلب صناعي مضر. وإذا اختلف النعت عن المنعوت انتماء وتصنيفا ومعجما فمعناه أننا أمام تعبير مجازي. غايته صفع الرأي العام ليتابع هذا الإشكال الذي اتخذ من الانوثة سلعة للتعليب. وهو لعمري زبدة القضية والعنوان يجبر المتلقي على كشف هذه المعادلة خاصة والمنعوت "من فئة المغريات في الفئات الذكورية العربية خاصة."أنوثة"
الكاتبة انثى مثقفة تتخبط وسط مجتمع عربي مازال يفخر بالذكر وبنسبه إلى الرجولة حتى وإن كان مجرما أو عاصيا أو عائقا.
الكاتبة متسلحة بوعي الإحساس بالمسؤولية وهذا ما دفعها للتدخل رغبة في وضع الاصبع على الداء للانقاذ والترميم والاصلاح. امرأة بخلفية خلافية مع المجتمع الذي يضطهد الانوثة ويستبيحها . في هذا الزمن ،في القرن الواحد والعشرين.
أما شخصيات القصة فقسمان : كل قسم يمكن أن تتفرع عنه اقسام اخرى .
_القسم الاول .شخصيات بشرية تنقسم إلى ذكور وإناث .
الذكور حشرتهم الساردة في خانة المتحرشين الفاسدين دون تمييز أو تفريق بين شيخ أو كهل أو شاب كلهم يتفقون في دعس الانوثة وانتهاكها كل من موقعه الذي يوفر له السلطة واليد الطولى من الشيخ راكب العربة إلى رجل الشاحنة الملتهب إلى المراقب داخل المصنع كلهم ينتهكون الانوثة في أماكن "معلبة"مغلقة آثمة تساعد على إتمام الجريمة .
_الإناث وزعيمتهم الساردة التي صورت وضعيتها تصويرا أضحية تجلد منذ تبارح باب دار من كان أباها إلى أن تؤمر بالصعود إلى المكتب لأنها انثى جميلة ممتلئة .ليصبح الجمال لوثة والصحة إعاقة .والامتلاء مكروها من آلام التي ومن منظار مجربة في مجتمع لم يتغير ولم يتطور ، من منطلق خوفها على الشرف والعرض والذي يظل سلسلة جهنمية معلقة في رقبة الانثى خاصة الجميلة الممتلئة المغرية وحدها لتتحمل وزر ذلك كله دون ذكر مسكين لم يتجنُ عليها إلا لأنها أثارت شهوته وأجبرته على التحرش بها أو حتى اغتصابها ..هي المذنبة وجب تشويه هذا الجمال واغراقه في البشاعة والسواد ليسلم الذكر من الاغراء والاغواء .
القسم الثاني .شخصيات حيوانية دخلت ساحة النص مشبها بها تشبيها تمثيليا " تتقافز كما يتقافز السردين..." لأن الساردة ترى أن مشهد الأسماك داخل علبة السردين تصهد بالزيت الثقيل الحامي كما تصهد الإناث داخل العلب المكانية المغلقة تحت لسعات التحرش والالتصاق والهرس واللمس. هذه الوضعية التي طبقتها الساردة بتخير اكبر "سردينة " كصنو لها أعجبت بقوامها ولمعانها وهي التي لم تأكل منذ ست ساعات. تماما كالرجل المكبوت ذي الجوع الحنسي، تهرسها تحت اضراسها .فالراوية التي تعاملت مع السردين كتعامل الذكر مع الانثى الجميلة الممتلئة في مجتمع هو أشبه بالمعمل والحزام الدائري الفتاك الذي لا يتوقف ولا يرحم في حدث دوري مقيت. كل ذلك صورته تصويرا كاريكاتوريا تغلب عليه السخرية في الظاهر لكنه في الحقيقة نحيب ونعيب ونواح.
فتيات تدفعهم الحاجة إلى هذه المعاناة اليومية في سبيل إعالة أهل و وقد يكون منهم ذكور يمارسون طقوس التصيد والملاحقة لفاتنات مذنبات فتنُهم غصبا عنهم.
الساردة وان نقلت يومية احدى الفتيات ...فقد وظفت فنيات السرد كي تضمن إقناع المتلقي ليتعاطف مع "أنوثة معذبة" فقد حددت الزمان الذي لم يتجاوز اليوم الواحد موحية للقارئ بأنه أنموذج تتدافع بعده الايام بنفس الوتيرة ونفس المواصفات. أما المكان فهو محدد مغلق معلب "عربة وشاحنة ثم المعمل في انتظار الصعود إلى المكتب المغلق الكارثي لكن الكاتبة وبقدرة التحكم في الأزمنة للإقناع والتأكيد على استمرارية الأحداث فقد استعانت بالماضي باعتماد الاسترجاع أو هو في عالم السينما "الفلاش باك" بالأبيض والاسود لتصور لنا موقف المرأة وتخوف الام والجدة من مصائب الشرف وجرائمه والتخوف من الجمال بالسعي إلى تشويهه فنقول"ألبسيها جلباب أبيها ..واسع فضفاض ... يحميها من عيون الذئاب" الجدة احسنت التصنيف بسلبية انهزامية تعتمد التقريع والبحث عن حلول تحشر الانثى داخل جلباب واسع هو في الأصل جلباب العادات البالية في مجتمع يعاقب الجمال ويجلد الحسن ويشوه الرقة والأنوثة.. الاسترجاع يؤكد على قدم المأساة قدم هابيل وقابيل والوأد والبيع والشراء للأنثى .
جلباب الاب المتسع كي يتحول الجمال قبحا والامتلاء ترهلا والأنوثة وزرا خوفا من عيون ذكر شبق مكبوت لا يتحكم في غريزته الجنسية. يتهور امام الجمال ويتعداه إلى الاجرام . صوت الجدة كان معدلا لتخوفات الام باقتراح أشد بشاعة من التحرش . كل ذلك عبرت عنه الكاتبة بمعجم شحن سخطا وعنفا ولهاثا وحرقا .معجم العنف والخسة والنذالة والمعاناة والخوف . والساردة وباستياء مر توقفت عند الحدث القادح قبل النهاية التي مهدت لها بإشارات المراقب وتلميحاته لتكون صنو السمكة التي تهرسها بتلذذ بسبب الجوع كما ستهرس هي بسبب الشبق والخسة في علبة "المكتب" كعقوبة يعرفها المتلقي ويبني اطوارها من المخيال العام والمحدد المعروض في القصة بكل تلقائية وواقعية لا يمكن للقارئ تكذيبها أو نعتها بالمبالغة أو التجني لأنها أيضا نبذة من واقع القارئ والذي لا يختلف كثيرا عن واقع البطلة المأساوية .
والساردة وبطريقة التداعي الحتمي للأحداث وتأثيرها في الشخصية المحورية فقد اسرت إلى القارئ بما يختلج في نفسها من نقمة وسخط على هذا الواقع العفن الموجع المؤلم .هذا السخط لم تسمعه الام ولا الجدة ولا شيخ العربة ولا صاحب الشاحنة ولا المراقب في المصنع .هي رسالة من لواعج نفس مظلومة مكلومة إلى ضمير القارئ الذي حتما سيناصرها في هذه الحرب عبر نقل خلجات الحوار الباطني الذي كشف سخط البطلة حد تمني النهاية "كنت اتمنى لو انشقت الارض وابتلعتني لارتاح من هذا الكم الهائل من الهم الذي يحمله كل طرف من جسدي " فالجسد أصبح حملا ترزخ تحته. لتسير بالمتلقي نحو التازم التصعيدي الكلي بفتح النهاية على جريمة قد تكون أشنع من كل ماسبق .والتي ألقتها الساردة قنبلة تخزن جريمة نكراء دون تصريح لتفسح المجال للقارئ كي يدبج بقية المأساة حسب ما يخزنه من أحداث شبيهة قد عايشها في المجتمع أو بثت اخبارها وسائل الإعلام كل يوم وكل ساعة .
.تلك هي خلفية الكاتبة التي تصبح وتمسي كل يوم على جرائم الاغتصاب والتحرش وجرائم الشرف التي يقترفها المجتمع الذكوري ويحمل وزرها لشعر امرأة ظهر أو ببنطلون لف جسمها أو لباس جميل أظهر مفاتنها.ومن هنا الدعوة إلى تشويه الانوثة كي تسلم من ذكور يتنعمون بالانثى المعلبة .
الكاتبة من موقع المفكرة الواعية بأسباب المأساة تصىدح عاليا لحماية الانثى بأنها ام وجدة وبنت. ثلاثة أجيال ظهرن في القصة كلهن يحملن نفس الهم وهنا نكتشف تشاؤم الساردة من المستقبل مادام الجرم مستمرا متواصلا خاصة وهي تريد ضمان مساندة المتلقي ووعيه بهذه المآسي وكأنها تأخذه من يده ليصعد معها الشاحنة إلى حين دخول "سرير"المكتب الجهنمي.
قصة من قلب الرحى .تقمصت الساردة دور البطل التراجيدي المضني كي تكون مقنعة ولم لا تنشئ جبهة إنقاذ للجمال والأنوثة التي بها تحلو الحياة مع رجال واعين بدورهم في التقدم بالمجتمع بنساء ورجال شعارهم الفضائل دون الرذائل ودون تشويه للجمال لأن الله جميل ويحب الجمال؟
حبيبة المحرزي
تونس
———————————-
أنوثة مُعَلّبة - الزهراء وزيك
لا تزال ملامح عامل الشاحنة عالقة بين عينيّ ، تبثّ الرعب في جسدي الغض الطري ، لقد تدلّى أنفه وتحلّبت شفتاه حتى كاد أن يلتهمني وهو يفتح لي الباب الخلفي للشاحنة ، رفعت جسدي وبصعوبة ألقيت به بين زميلاتي العاملات المتكدسات داخل عربة الشاحنة ، خائفة أن يلحق بي ككل مرة ويلتصق بي مُتعلّلا بإحكام إغلاق الباب والإمساك به . أنفاسه اللاهثة تخنق أذنيّ وتجثم على صدري ، فقبل دقائق معدودات انفلتتُ وبصعوبة من قبضة لهاث العجوز عمي صالح ؛ صاحب العربة الوحيدة في قريتنا ، حملني من الدوار بعد أن أوصلتني أمي إليه كأمانة ،ناصحة إيّاه أن يحميني إلى أن أصل الطريق الرئيسية حيث تمرّ شاحنة عاملات معمل السردين ،فما أن يكِز العجوز حماره ويبدأ بجر العربة حتى يهتز جسده منتفضا فيتمايل فيلقيه على جنبي ، ثم يهوي على الدابة المسكينة بالسّوط كأنه يحاول أن يطفئ نارا مستعرة داخله ، أبادره مستجدية ببراءة:
- مابك ياعمي صالح ، الحمار المسكين يسير بشكل سليم ، توقف عن إحراق جلده بالسوط .
فيتوقف عن السوط وعن حمحمته ثم يشرع في همهمة بكلمات لا أفهم منها غير الاستغفار والاستعاذة من الشيطان الرجيم .
يعود إلى مكانه وقد تكور في جلبابه الرث ، فأتأمله مستغربة ، متحيرة في أمره ، بين تهدئة جسدي الممتلئ من الاهتزاز وهو على هذه العربة المهترئة وبين إيقاف هجوم العجوز المتهالك على الدابة المسكينة،أشيح بوجهي عنه مقززة من منظره و أشد بيدي عمود العربة بقوة متسائلة :
- مستحيل أن تكون نية هذا العجوز، وهو بمقام جدي ، نيّة خبيثة مُبيّتة كنِيّة الميلودي عامل الشاحنة !!؟؟
لحظتها تذكرت طفولتي ومنظر أمي وهي تشدني بقوة بين فخذيها متذمرة ، حتى تمشط لي شعري الكثيف المتموج فتضفره ضفيرتين تشد طرفيهما بخيط سميك ،كانت تشكو امتلاء جسدي وبروز أردافي وخاصرتي ونهديّ ، وكل مرة تردّد شاكية على مسامع الجدة أمي فطومة :
- آه يا أمي فطومة ، شوفي هذا الجسد الممتلئ لن يجلب لنا غير المتاعب نحن في غنى عنها ، لسنا إلا مجرد نساء وحيدات .
فتردّ أمي فطومة مؤنبة :
- خلّيها عليك ،( الغالية )ابنتي الغزالة ، إنه قدّ متين ورثته عنّا ، عن عماتها وأعمامها ، القامة الطويلة والبياض والجسد الممتلئ ، سلالة دُكّاليّة ( منطقة دكالة ) تملأ العين ما شاء الله ، لا أحد يشبهنا .
تجرّ أمي بعصبية ضفيرتي نحو الأسفل فتجرّ رأسي معهما إلى الخلف وهي تمطّ شفتيها متذمرة من حديث جدتي ،أضع يديّ على فمي فأكتم ألمي و صرختي ، ولا أتبيّن ما الذنب الذي اقترفتُه لينالني كلُّ هذا الوجع بين يدي أمي وهي ترد عليها :
- اييه يا أمي فطومة أورثونا المصائب ، الناس ترث الأراضي ورؤوس الأغنام ونحن لم نرث منكم ومن سلالتكم غير هذه اللحوم .
فترد أمي فطومة عليها مُهدئة :
- لا تخافي عليها ، ألبسيها جلباب أبيها رحمه الله ، واسع وفضفاض ويحميها من عيون الذئاب .
أتذكّر كل هذا بألم وأنا على متن عربة عمي صالح يجرها حمار هزيل و أنفاس العجوز تلاحقني فلا أصل جنب الطريق الرئيسية المؤدية إلى ميناء الدار البيضاء في انتظار شاحنة المعمل و مطاردات عيون العمال وعلى رأسهم " الميلودي" ، حتى أحس باختناق وضيق تنفس ، كنت أتمنى لو انشقت الارض وابتلعتني لأرتاح من هذا الكم الهائل من الهم الذي يحمله كل طرف من جسدي .
تصل الشاحنة باب المعمل ، فنتقافز منها كما سمكات السردين وسط شباك الصيد ، بعد أن تخرج من الماء ، منتفضة تلتمس قطرة ماء تستجدي منها هبّة حياة ، إلى أن تُسلم روحها لصائدها .
أقف مكاني ، أمام حزام متحرك وسط المعمل ، فتتحرك أمامي العلب المعدنية متتابعة فأستقبلها بيديّ واحدة تلو الاخرى ، وبحركة خفيفة أجعلها تدور نحو الأنبوب الممتدّ من أعلى يلقي بدفقات متواترة من زيت ثقيل لامع ، فتبدو السمكات الفضيّة وكأنها تتلذّذ بحرارته وهي تُغطَس وسطه ، وبأصبع واحد أدفع العلبة المعدنية لتتقدم بعدها علبة ثانية فثالثة .
يعبر الحزام المتحرك المصنع بشكل دائري ، وأمامه تقف الفتيات والنساء في كل ناحية ، لا يبدو منهن إلا أحجامهن من طويلة وقصيرة إلى بدينة ونحيفة فأبتسم لحظي حين أتذكر رأفة المراقب بي ، يومها استغربتُ ،لقد نقلني من ورشة تنظيف السردين وإفراغ أحشائه إلى ورشة الحزام المتحرك حيث كُلّفت بمهمة مداعبة العلب بأصابعي تحت أنبوب الزيت الحار اللامع متبّل بالملح وتوابل حارة ، ينزل على أجساد سمكات السردين وقد تجرّدت من كل ما يربطها بالماء والحياة ، لا رأس ولا أشواك ولا عظام ولا حتى تلك الزعانف الدقيقة ، سمكات لم يتبق منها غير قطع لحم طري يكسوه رداء فضي لامع يغري بالالتهام .كنت أرى جسدي الطري وأنا أقلّب إحدى العلب ، كتلك السمكة ممتلئة ، تختلف عن أخواتها ، وما أن وقع بصري عليها حتى اشتهيت التهامها رغم أن رائحة السردين التي تزكم الأنوف جعلتني أنفر من تناوله ، ولكن أمام هذه السردينة الممتلئة لا يمكن أن أتحكم في انفتاح شهيتي على مصراعيها، تمنّيت لو التهمتها مع حبة الفلفل الحارة الصغيرة فوقها ، فلم أتناول كسرة خبز منذ ست ساعات متتالية من العمل أمام هذا الحزام اللعين ، نظرتُ إلى السمكة نظرة أخيرة ، التقفتها بخفة ووضعتها بين فكيّ وتابعت بأصابعي تحريك العلب تحت الأنبوب ، وما أن رفعت بصري قليلا نحو الأعلى ، والسمكة لا تزال بين أضراسي ، حتى لمحت المراقب في قميصه الأزرق الواسع ، وهو يتأملني بتلذذ ،وجبينه يتصبب عرقا يخفي ابتسامة ماكرة بين شفتيه الغليظتين ....
دويّ صافرة الاستراحة تصمّ أذنيّ ، و رأس المراقب ويده وكل جسده تلوّح إلي أن ألحق به إلى مكتبه في الأعلى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق