الجمعة، 3 ديسمبر 2021

وحدها / قصة قصيرة/محمد الليثى محمد/جريدة الوجدان الثقافية


 وحدها قصة قصيرة

كنا بعض من جيران .. تجمعوا على مهل .. كل واحد له أسبابه الخاصة ، التي لا يفصح عنها حتى إلى شيطانه الصغير .. وقفنا في الشارع .. كل ثلاثة بجانب بعض ، نبحث عن مواضيع نطرحها .. انتظارا لخروج الجنازة .. لم نعرف المتوفاة .. ولا نعرف أبنها .. أنما كنا نعرف زوجة الابن التي كانت تنشر الفرحة في الشارع ، بحركات جسدها البض .. لم تصرخ أمرآة .. ولم يبكى طفل ، ولم تتحول العيون عن فتحة الباب .. كان الوقت يمر ثقيلا كنا نستمع إلى حكاية معاده من ألاف الحكايات التي مرت علينا .
بعد فترة خرجت الجنازة .. ساروا بها أربعة من الرجال .. لم تخرج زوجة الابن .. بشعرها المفكوك وصدرها البارز ، وعيونها الزائغة .. ولم تصرخ فينا .. توقف الرجال الأربعة ونظروا خلفهم فوجدونا نحملق في الباب .. لم تخرج زوجة الابن ولن تخرج
- وحدوه
جاءتنا الكلمة كالصاعقة .. تحركنا حركات خفيفة.. كنا كلاب تنفض فروها .. لم نكن نشعر بالحزن والخيبة لكن السؤال الذي نبحث عن أجابته لماذا لم تخرج زوجة الابن ؟
داخلنا الجامع لصلاة الجنازة خطف أمامنا الركعات وخرجنا .. انتظرنا أن نساءل .. لكنا ترجعانا ليس خوفا ، أنما احتراما لشيء غريب احتونا .. حضرت السيارة وضعنا المتوفاة عليها كانت تتحرك .. وفى حركتاها .. تذكرنا بزوجة الابن التي لم تحضر ..صعد بعض رجالنا فوق السيارة أحاطوا بالمتوفاة قيدوها بالدعاء .. تدحرجت السيارة ذات اليمن ، وذات اليسار .. احتوانا القلق ونظرنا خلفنا وأمامنا
تحركت السيارة .. سرنا خلفها .. والسؤال المر يسبقنا .. سقطت دموع الولد .. كنا نطلب السؤال .. والإجابة عند الولد .. والولد يبكى
وعيوننا تلاحقه .. الولد لا يتوقف عن البكاء .
توقفت السيارة أمام الباب الغربي للجبانة .. هبط الرجال واحدا تلو الأخر ، حملوا النعش .. سرنا خلفهم .. دخلوا .. دخلنا .. توزعت ملابسنا على القبور .. سرنا ببطء خوفا من خوض أقدمنا في جسد قبر .
- خد بالك
كانت تحتوينا تتسرب من فمنا ، بين الحين والأخر .. فيرجع المتقدم .. ويميل إلى اليمين قليلا أو إلى اليسار قليلا أو إلي الوسط كل الأجساد تتحرك ، حركات طبقا إلى إيقاع الكلمات .. والمتوفاة هي أيضا تتحرك طبقا لحركة الرجال الأربعة .. كنا نصعد ونهبط ، وبين الحين والأخر .. نتراجع .
هبط الابن بقدمه اليمنى داخل القبر .. سوى جزء هنا وجزء هناك .. تلفت واستقام .. فرشا ملاءة بيضاء غطت القبر .. كانت حركات الأجساد تحتها تشير إلى ما كانوا يصنعون .. رفعت الملاءة .. واخذ الرجال الواقفون على رأس القبر يدعون لنا والى المتوفاة ..
لقنتها الشهادة .
كانت النظرات تحتوى الهواء .. بفعل الموت والليل الذي حولنا إلى قطعة صمت .. صمت يجعلنا تفكر في أللأشياء .. في الوحدة
في السكون .. وفى الأسئلة المحيرة .. التي لم نصنع لها إجابات .. ومنها السؤال المحير لماذا لم تحضر زوجة الولد ؟ نظرنا بكل رجاء إلى أسوار غربتنا فقابلنا سوار الجبانة وأصوات السيارات في الخارج .. تمر بسرعة .. وصوت بوق قوى يخترق صمتنا .. وموسيقى فرح تمر على مهل بين أجسادنا
توقفت القلوب .. توقفت الأنفاس .. وتحركت الأجساد إلى يد الولد .. تدخل داخلها ببرود ..يد تلو الاخري والحركة واحدة ..وبعد ذلك تتسرب
كأنها تتحرك وحدها .. ترتمي في يد الولد ..و تتحرك الشفاه بدون كلمات .. حركة واحدة ليس فيها معنى ..ثم تتحرك الأجساد عائدة بين القبور .. وفى حركتا تلتقط بعض الأحياء المتأخرين في الحضور .. نحكى لهم عن الفرح الذي افسد الجنازة وعن الابن ، وعن الابن الذي نسى الشهادة .. وعن زوجة الولد التي لم تحضر .
تمت
بقلم القاص ... محمد الليثى محمد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق