بتوقيت القلب
الساعة الثانية إلا عشر دقائق ...كانت تنظر إلى الساعة الحائطيّة المعلّقة قبالة مكتبها بلهفة وترقّب ...تتعلق نظراتها بعقاربها ...ترصد حركتها في وله وشوق...لم تكن في ما مضى من الأيام تهتم للوقت ولاتعنيها الدقائق ولا الساعات ولكنها في مثل هذا اليوم من كل سنة تستنفر حواسها وجوارحها ليصبح للوقت مكانة لا تضاهى في حياتها....تتشابه أيامها طيلة شهور السنة ووحده هذا اليوم يعني لها الكثير وتحرص في كل مرة على ان تعيشه بكل تفاصيله...
الواحدة وخمس وخمسون دقيقة...وست وخمسون.... وسبع...وثمان....وتسع و....إنها الثانية ظهرا ! انتهى توقيت الشغل وبدأ توقيت قلبها! إنه يوم استثنائيّ...مرّت سنون عدة ولازال ذلك اليوم يُحافظ على بريقه ولمعانه ...يوم استثنائي تحتضن فيه سعادتها وتتمسك بها بكل ما أوتيت من قوة....يبدأ يومها بجولة سريعة بين محلات الملابس الجاهزة ...ذلك اليوم الاستثنائي يحتاج فستانا استثنائيا يليق بروعته ويعكس مقدار أهميته...كانت تُقلّب الفساتين المعلَّقة كما تُقلّب صفحات رواية مشوقة وفي ذهنها سؤال يطارده آخر ..أي لون أختار لفستان الليلة ؟هي من عشاق الأسود وفي الواقع هو اللون المفضل لفساتينها طيلة ايام السنة ولكن...هذا اليوم مختلف...لن تختار له الأسود ...قديكون اللون الأحمر ؟او اللون الوردي ؟ الوردي ...ذاك هو اللون المطلوب ..الم يعدها بأن تكون حياتها برفقته وردية ؟اللون المطلوب هو الوردي إذن ...وبمناسبة اللون الوردي هي بحاجة إلى باقات من ورد ...ورد أحمر بلون الحب....وبمناسبة الحب....هي في حاجة إلى شموع ...شموع تتلألأ كالنجوم في سماء الغرفة وليكن لونها أحمر ولتكن في شكل قلب....انتهت المهمة بنجاح وتمكنت في وقت معقول من اقتناء جميع احتياجاتها...إلى البيت إذن ...ففي البيت مهمات أخرى ...إعداد طعام مميز...شكلا وطعما ...كل ما في ذلك اليوم يجب ان يكون مميزا.... جميلا....بطعم لذيذ...طعم يرافقها بقية ايام السنة فيجعل لحياتها معنى...
أعدت طاولة الطعام ...اهتمت فيها بأدق التفاصيل... لون الصحون ...شكل الكؤوس...طريقة طي المناديل ...طريقة عرض الأطعمة...رائحة الطعام لذيذة مغرية...لكن مهلا...هي لم تستعد للقائه بعد...لابد لها من الاستعداد...آه لقد نسيت الورد ...والشموع كذلك...لا بأس...ما تبقى من الوقت كاف جدا....
دخلت غرفتها لبست فستانها الوردي..صبغت شفتيها بذاك اللون الذي لطالما أحبه ...تعطرت بذاك العطر الذي أهداها إياه في مثل هذا اليوم قبل ثلاث سنوات...كان ذلك آخر هداياه إليها قبل ان ...يفارقها...ويفارق الحياة.
حبيبة عداد
تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق