الاثنين، 26 يوليو 2021

تموقعات الشباب التونسي..في الحياة السياسية : هل من صحوة تقطع مع الركود..؟ بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 تموقعات الشباب التونسي..في الحياة السياسية : هل من صحوة تقطع مع الركود..؟

دماء غزيرة أريقت من أجساد شبابية غضّة في سبيل أن تتحرّر تونس من عقال الاستبداد الذي اكتوت بلهيبه عبر عقدين ونيف من الزمن الجائر..
ومن هنا،لا أحد في وسعه أن يزايد على مهر الحرية الذي دفعت البراعم الشبابية أرواحها ثمناً له،ولا أحد كذلك يستطيع الجزم بأنّ ما تحقّق في تونس من إنجاز تاريخي عظيم تمثّل في سقوط نظام مستبدّ جائر،إنما هو من أنجزه..لا أحد إطلاقاً..فكلنا تابعنا المشاهد الجنائزية التي كانت تنقلها الفضائيات في خضمّ المدّ الثوري الذي أطاح برأس النظام مضرّجاً بالعار،ومنح الشعب التونسي تذكرة العبور إلى ربيع الحرية..
تلك المشاهد الجنائزية كان ينضح من شقوقها نسيم الشباب..شباب وضع حداً لهزائمنا المتعاقبة..قطع مع كل أشكال الغبن والاستبداد،خلخل حسابات المنطق،جسّد هزّة عنيفة مخلخلة للوعي المخَدّر والمستَلب،وصنع بالتالي،بدمائه الطاهرة،إشراقات ثورية،قدر الطغاة فيها هو الهزيمة والاندحار.
لقد استطاعت تونس تحقيق خارطة الطريق التي راهنت عليها القصبة 2،والتي كان الشباب الحاضر الأبرز فيها،فتمّ إنشاء دستور حظي بإجماع نواب المجلس الوطني التأسيسي،وتمّ إنشاء قانون للعدالة الانتقالية ومؤسسات دستورية لحماية مكتسبات الثورة.
ولكن،ما يبعث على القلق،هي النسبة المتدنية لمشاركة الشباب في الإستحقاقات الإنتخابية.وهو ما يرسّخ المخاوف من استمرار الفجوة بين النخب السياسية من جهة،والشباب من جهة ثانية،على الرغم من أن الشباب هم الذين فجّروا الحدث الثوري،لكن خيبة الأمل التي أصيبوا بها بعد ذلك شكّكتهم في أهمية الديمقراطية وجدواها..
وهنا أضيف،كان الشباب التونسي طليعياً في خطوات ملحمة الدم منذ اليوم الأول للحراك الثوري في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010،وصولاً إلى يوم فرار -الرئيس الراحل-في 14 يناير 2011.
لكنّه صار الضحية الأولى،بامتياز،لعملية الاستيلاء الممنهج على مفاصل الدولة.
وعندما أقول الشباب،إنما أعني بالقول كل قطاعاته،ممن يناضلون من داخل جامعاتهم ومدارسهم الثانوية،وأولئك الذين استطاعوا بإرادة شبابية فذّة إشعال الأحياء الشعبية والأرياف وهجاً ثورياً، لكنّهم تعرّضوا لحملة تحييد واختزال لدورهم في الحراك الميداني،وجرت محاولات عديدة لاستعمالهم أداة تنفيذية في الجسم الحزبي والخصومات الإعلامية..
ما أريد أن أقول ؟
أردت القول أن أمالاً كبيرة حملتها الثورة التونسية للشباب الذي كان يتوق إلى انتعاش اقتصادي يسمح له بالانتقال من وضعية البطالة والهشاشة الاقتصادية إلى مربع الاستقرار الاجتماعي.لكن سرعان ما اصطدم هذا الزخم الثوري بواقع مغاير،حيث تلاشت بسرعة موجة التفاؤل،وساد جو من التشنّج السياسي المرحلة الانتقالية،مرحلة غلبت عليها الاضطرابات السياسية والصراعات الحزبية وتدهور المؤشرات الاقتصادية وتفاقم الهشاشة الاجتماعية. ووُجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى الفاعلين السياسيين الذين أصبحوا متهمين بخدمة المصالح الذاتية،وبإغفال المطالب الحقيقية للشباب التائق إلى الحرية والمطالب بالحق في العمل والكرامة والعدالة الاجتماعية.
كل ما سبق ساهم في خلق رأي عام مناهض لكل الطبقة السياسية،خصوصاً بعد توالي الإخفاقات،وعدم قدرة الحكومات المتعاقبة على تلبية جزء هام مما ينتظره الشباب.
ويبدو أن هذه الخيبة التي أصابت الشباب،سرّعت في عودتهم إلى العزوف السياسي،وهجرهم مراكز الاقتراع،وتخلّيهم عن الساحة السياسية،معتبرين أن كل الوعود زائفة،ورافضين لأن يكونوا مجرد أداة تُستعمل عند الانتخابات ويجري التنكر لها فيما بعد.
فالانتخابات البلدية لسنة 2018 بدت فيها مراكز الاقتراع شبه خالية من الناخبين الشبان،وكذا الحال بالنسبة للانتخابات التشريعية لسنة 2019.وخير دليل على حجم المقاطعة الشبابية للحياة السياسية بعد الثورة،هو إحجام الشباب حتى عن التسجيل في سجلات الناخبين.
و هذا ما أكده لنا عالم الإجتماع التونسي محمد الجويلي " في مقابلة معه حيث قال: "تحديد أسباب انتخاب الشباب لقيس سعيد هو سؤال عام جداً. لكن يبقى هناك عنصر واضح هو انعدام الثقة بين الشباب والطبقة السياسية،ليبرز في هذه المرحلة رجل مثقف يستعمل خطاباً أخلاقياً قائماً على تذكير متواصل بالمبادئ،فبرز كأنه الشخص المناسب في الوقت المناسب".
في خضم السياق السياسي التونسي المتأزّم،برز قيس سعيد بشكل تدريجي للعلن،معتمداً خطاباً مناوئاً لكل الطبقة السياسية.
فقد بدا كافراً بالتنظيمات السياسية الحالية،ومتمرداً على الهياكل الحزبية التقليدية.وإذا كان قيس سعيد شخصية مجهولة قبل 2011، فقد كان منذ بزوغ فجر الثورة رفقة بعض الشخصيات الوطنية يجوب اعتصامات القصبة 1 والقصبة 2،ويحتك مباشرة بالشباب المعتصم.وهو ما أكده لنا طارق الرحالي،عضو فريق الحملة الانتخابية لقيس سعيد في الانتخابات الرئاسية عن ولاية بن عروس: "على عكس غالبية فريق الحملة،لم أتعرف إلى قيس سعيد في مدارج أحد كليات الحقوق.لقد تعرفت إليه في القصبة حيث كان يجول بين المعتصمين ويخاطبهم.ولقد كنت أسترق السمع من دون مخاطبته وشدني كلامه كثيراً".
كما اعتبر قيس سعيد خلال هذه الفترة أن النموذج السياسي المعتمد في المرحلة الانتقالية لا يعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب،بل ويلتف عليها،ونبه إلى ضرورة اعتماد مقاربة جديدة تقطع مع الماضي وتنطلق من المحلي إلى المركزي.وقد ركز قيس سعيد خلال هذه الفترة خطابه على الشباب معتبراً إياهم "مالكي الثورة".فهي على حد تعبيره "ثورتهم" ودافع عن المطالب التي رفعها الشباب خاصة منها الاقتصادية والاجتماعية.
هاجم قيس سعيد في عديد من المرات الطبقة السياسية التي سيطرت على المشهد السياسي. وتوعد "باعة الأوطان" متهماً إياهم بالالتفاف على مكتسبات الشعب،ودخل في سياق من المقاطعة للطبقة السياسية،فأمتنع عن الانتخاب أو الترشح حيث أورد في أحد تصريحاته قبيل انتخابات سنة 2014 "لم أنتخِب ولن أُنتخَب لأن القضية هي قضية بناء نظام جديد يحقق إرادة التونسيين والتونسيات ".
كما رفض تقلُّد مناصب عليا في أي حكومة من الحكومات المتعاقبة،كما اقتُرح عليه تولي حقيبة العدل في مناسبتين،وكان مرشحاً لرئاسة حكومة التكنوقراط التي خلفت حكومة علي العريض سنة 2013، وامتنع أيضا عن قبول عضوية المجلس الأعلى الإسلامي بعد تعيينه من قبل رئيس الحكومة الأسبق علي العريض.
فمقاطعة قيس سعيد الطبقة السياسية السائدة هي عنصر تقاطع مع الرأي العام الشبابي الذي خذلته الأحزاب في أكثر من مناسبة؛وبالتالي يعتبر التفاف الناخبين الشبان حول قيس سعيد هو ضرب من معاقبة الطبقة السياسية واستئناف للحرب على النظم التقليدية في التنظيم السياسي.
هذا ويبدو أن قيس سعيد أبدى فهماً عميقاً لمشاغل الشباب التونسي،فكيّف خطابه السياسي مع المطالب الاجتماعية والاقتصادية، وشاركهم غضبهم على المنظومة السياسية البائدة، ووعدهم ببناء سياسي جديد تصبح فيه إرادتهم محور الحكم.
في هذا السياق بالتحديد،أكّد البنك الدولي،في السنوات القليلة الماضية،أنّ الشباب التونسي يعانى من ارتفاع معدل البطالة والإحباط، مشيرا إلى أن لديهم حضورا محدودا في عالم السياسة،وما زالوا يواجهون حالة من التجاهل وعدم التشاور المنظّم معهم بشأن القضايا الرئيسية التي تمسهم مباشرة في البلاد.
وأضاف البنك في تقرير آخر صادر بالتعاون مع مركز مرسيليا للاندماج المتوسطى،بحسب وكالة الأناضول،أنّ المواطنة الفعالة والمشاركة المدنية الواسعة بين الشباب التونسي،أمر ضروري لاستمرار الزخم الإيجابي للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد،وتحقيق الاستقرار السياسي.
نحن اليوم على أبواب مرحلة هامة من مراحل بناء ديمقراطيتنا واستدامتها،ومن هنا،يتضح أن الطلاب والشباب المعطّل عن العمل والشباب العامل يأخذ على نفسه مسؤولية ومهامّ متفقة مع رهانات المرحلة،ويعود إلى الساحة الوطنية بنفس جديد،وإرادة في التنظيم والفعل لا يستهان بها،كما أنّه أمام سؤال تشبيك العلاقات والروابط فيما بينه وطنياً،ومع التنظيمات والنقابات الشبابية العالمية..
إنّ الحصن القوي والواقعي لتونس ما بعد الثورة،هو جيل يحمل قيم الحرية والعدالة والكرامة،ويعمل لها وفيها،من خلال مجتمعه وعبر مؤسسات دولته..
وما على النخب السياسية إلا استيعاب الإقبال الشبابي على العمل النقابي والمدني،ومن ثم إشراكه في الحياة السياسية،خدمة للمشروع الديمقراطي والاجتماعي الذي تناضل من أجله التنظيمات الشبابية في تونس ما بعد الثورة..
محمد المحسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق