السبت، 30 أبريل 2022

دفاتري . بقلم محمدالهادي الصويفي تونس

 دفاتري .

أحرقتها خوفا عليه
انتحرت كلماتي شوقا إليه
سامحته وسألت عن أحواله.
حتى فساتيني حنت إليه
أشعاري التي كتبتها
مزقتها خشية عليه.
مفرداتي سألت عليه
حزنت
فأدمعت عينيه
حتى فراشاتي غازلتها و شاكستها.
فاغتصبت ضوء مقلتيه.
داعبته ونمت في أحضانه
سالت النجوم عليه.
كل الطرقات التي مشيناها.
تذكرت خطوات قدميه
وتحن إليه .
آه من عيون حبيبي ..
سامرته وسهرت معه كثيرا
إلى أن مال القمر على كتفيه.
وكنت أضع يدي في يديه
كل القبلات اعدمتها لأجل عينيه
ولا زالت عالقة .في وجنتيه
أخاف عليه
محمدالهادي الصويفي تونس
Peut être une image de 1 personne


واقبل موعد الرحيل لشهر فضيل بقلم روضة القلال

 واقبل موعد الرحيل لشهر فضيل

اقبلنا فيه على الحياة بثبات
صياما في النهار وقياما بالليل
شهر الروحانيات والابتهالات
شهر التهذيب والتعديل للاخلاق
حان وقت الرحيل يا شهر الخير العميم
كان شهرا خفيف الظل كالضيف
تعلقنا به كما نتعلق بصديق حميم
شهر الرحمة والعرفان بالجميل لرب كريم
سترحل عنا لكن سيبقى اثرك الجميل
سترحل لتترك المجال لاستقبال عيد الفطر
كان ينتظر القدوم على رصيف الزمن
ينتظر الولادة بعد المخاض انتظار الجنين
ليعطر الأجواء ويضمخ القلب من جديد
سنظل مشتاقين إليك إلى حين عودتك
سنظل أوفياء لك وعن قيمك لن نحيد
ومرحى ثم مرحى ثم مرحى بالعيد السعيد
كل عام وأنتم بخير وجعل الله عمركم مديدا
بقلمي روضة القلال
1 ماي 2022

العنوان الأدبي..نافذة مطلة على الأثر الإبداعي بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 العنوان الأدبي..نافذة مطلة على الأثر الإبداعي

يعد العنوان ركناً أساساً في العمل الأدبي،ذلك أنه يشكل المفتاح الإجرائي الذي تتجمع فيه الإنساق المكونة للعمل الإبداعي التي تصب في البؤرة ذات الحالة التكثيفية لمجريات الحدث داخل البنية النصية، ومن خلال هذه البؤرة تتشظى رؤى القاريء التي يكشف من خلالها عن جمالية الترابط بين عنوان العمل الأدبي وبين تلاحق الإنساق في الأحداث المتبلورة في بؤرة ذلك العمل. وقد أخذ العنوان أهمية بالغة الأثر في النتاج الأدبي من خلال عناية النقاد بهذا الجزء من العمل الأدبي كونه يمثل الصورة المكثفة التي تخبر القاريء عما تريد ان تقوله الأحداث عبر إشارات وقرائن تتشابك مثل نسيج العنكبوت لتضع القاريء أمام تجربة تفاعلية مع النص الأدبي،ونعني بالتجربة التفاعلية تلك التجربة التي يخوض غمارها القاريء من أجل الوقوف على جماليات النص عبر سلسلة من الإجراءات القرائية التي تبدأ من العنوان وتنتهي بخاتمة العمل الأدبي،وبذلك يكون القاريء قد وقف على رؤية إبداعية جديدة من خلال قراءته النص الأدبي منطلقاً من العنوان،ويمكن ان نطلق على هذه الرؤية الجديدة الهجينة بين معطيات النص الأدبي، وبين معطيات القاريء الثقافية القراءة الإنتاجية.
فالعنوان هو العتبة الأولى للنص الأدبي،وهو في الوقت نفسه العتبة الأخيرة التي يقف القاريء عند حدودها مطلعاً على النص من فوقية ليضع يده على مواطن الجمال التي أفصح عنها العنوان أولاً،لذلك فالعنوان يمثل الحركة الدائرية للعمل الأدبي،إذ ان نقطة البدء والانتهاء واحدة، ومن الجدير بالذكر ان العنوان في العمل الإبداعي لم يأخذ أهميته في الإبداع الأدبي الحديث والمعاصر فحسب،بل ان العناية بالعنوان قديمة قدم النقد العربي، وهذا واضح من خلال ما تعرض له نقادنا القدامى في كتاباتهم التي ذكروا فيها آراءهم عن أهمية العنوان، ولعل أبا بكر الصولي (335هـ) يعد أول من ذكر العنوان وبين حده، فقال :"والعنوان العلامة كأنك علمته حتى عُرِف مَنْ كتبه ومن كُتِبَ إليه"(1). فهو يجعل من العنوان علامة،ونحن نعرف ان العلامة هي الإشارة التي تتميز بها الأشياء عن بعضها..
و إذن ؟
فالعنوان إذا،عند الصولي هو هوية الشيء أو الكتاب أو الرسالة،وهذا لا يختلف عما قلناه من ان العنوان هو المفتاح الذي من خلاله يمكن للقاريء الولوج إلى معطيات النص.
ولعل أول من أعطى العنوان استفاضة بالتحليل والأهمية من النقاد القدامى هو أبو القاسم محمد بن عبد الغفور الكلاعي (542هـ)(2)،إذ أعطى شرحاً وافياً لأهمية العنوان في أي نتاج أدبي،ذلك أنه يعد الدليل على فحوى ومحتوى الشيء،فيقول الكلاعي في العنوان إنه "ما دل على الشيء"(3). وهو بهذا التعريف لا نراه ابتعد عما ذهب إليه أبو بكر الصولي، فهما يقتربان في ان العنوان هو ما يدل على ما هية الشيء،ويكون علامة دالة عليه أي ان العنوان يشكل نقطة استثارة القاريء، واستفزازه لأجل تحقق الإمكانية التفاعلية بين معطيات كل من القاريء، والنص، والخروج فيما بعد بالقيمة الجمالية التي أوحى بها العنوان
وهنا أضيف :
يكتسي العنوان أهمية بالغة مع انتشار الطباعة ودخول المجتمعات مرحلة الحداثة الثقافية، وازدادت هذه الأهمية مع انتشار مجموعة من الأبحاث والدراسات التي حاولت أن تقارب إشكالية العنوان، وما تثيره على المستوى النظري والإجرائي، باعتبار أن لحظة قراءة العنوان مرحلة مهمة في العبور إلى قراءة النص وفهمه واستيعابه، ومما لا شك فيه أن احتقار اللحظة العنوانية وعدم تجشم قراءة العنوان بما تقتضيه من الاهتمام الكافي، والتركيز الشديد، قد يقود إلى فهم خاطئ لكلية النص، لذلك اتجهت هذه الدراسات والبحوث إلى دراسة العنوان كنص مستقل بذاته، ومن هذه البحوث دراستا ليو هوك Leo hoek: (نوعية العنوان La marque du titre،وسيميولوجيا العنوان La sémiotique du titre، بالإضافة إلى ما جاء به جيرار جنيث في الموضوع في كتابه معمار النص.
يتحدث جيرار جنيث في كتابه معمار النص عن العنوان باعتباره نصا صغيرا يختزل ويختصر النص الكبي،هذه الاستقلالية تقود إلى اعتبار العنوان وخاصة العنوان الشعري بنية لغوية يتركب من مفردات ينبغي دراستها تركيبيا ودلاليا للوصول إلى المرامي التي يتغيا الشاعر إبلاغها،هذا العنوان يتمظهر من خلال خطوط يمكن قراءتها سيميائيا على المستوى الخطي الكاليغرافي،وكذلك حيزه على مستوى الصفحة، بالإضافة إلى المرجعيات الثقافية والاجتماعية والإديولوجية التي يحيل عليها، بما يجعله بؤرة تختزل النص بكامله، إن احتقار اللحظة العنوانية، والقفز عليها، وعدم الاحتفال بها،يخفي العديد من القضايا المتصلة بمجال الأدب نظريا وتطبيقيا، فالعنوان-حسب ليو هوك Leo hoek- ليس فقط هو أول ما نلاحظ من الكتاب/ النص في (شكله المادي)، ولكنه عنصر سلطوي منظم للقراءة، ولهذا التفوق تأثيره الواضح على كل تأويل ممكن للنص..
وإذا تساءل القارئ ما أهمية العنونة؟
أولت الدراسات الحديثة العنونة بوصفها الإشارة الأولى للنص والعتبة الموازية لدلالات النص وهي القدرة الاحترافية من الكاتب بإشهار نصه وتمييزه عن غيره فضلا أنها علامة سيميائية للنص وجنسه ودلالاته وخطابه ناهيك عن وظيفية العنوان التداولية بين الملقي والمتلقي والسياق العام للدراسة والعنونة هو تلك الأيقونة والنافذة للولوج لعوالم النص الداخلية فضلا عن الوظيفة التأثيرية للعنوان ومن شروط العنوان أن يكون مثيرا جاذابا وملغزا وليس بالواضح كل الوضوح ليحيل لدلالة صفرية.
ولأن العنوان نص مواز فما المقصود بالنص بالنص الموازي؟
فالنص الموازي هو "تلك العتبات والمحلقات التي نطأها قبل الولوج لعالم النص".
ومن خلال المفهوم يلحظ "العتبات التي نطأها قبل الولوج "بمعنى تثير مخيلة المتلقي لقراءة النص وتفسيره وتهدي القارئ لسبر الدلالات العميقة في النص ولذلك قيل في موازٍ:
- يشابه النص من حيث جنس النص ومن حيث دلالته ونعلم أن العلاقة المشتركة بين المشبه والمشبه وجه الشبه ولا يشبه في كل شيء.
- يماثل النص: أي يوازنه بحيث يختزل نسيج النص ولا يشترك في شتات الخطاب عبر نسيج النص.
- يجانس النص : يأتيه متوائما مع جنسه وليس من خيث الخصائص والمميزات فعلى سبيل المثال في الققج من الضرورة بمكان أن يكون النص مختزلا مكثفا لكن في الرواية قد يكون طويلا إما يأخذ عنوانا يهتم بالمكان لأن مكثفا قد يختار الأحداث والشخصيات.
ولأن العتبة هي "المكان الأول في البيت ومن خلالها نصل لأي مكان في البيت" فإن العتبات عموما من العنوان لعلامات الترقيم والألوان ونوعية الغلاف والتواريخ والتمهيد والخاتمة كلها عتبات توصل المتلقي للغاية من النص وقراءة أسراره وكشف دلالته وكل ترتبط بالنص والكتاب وليس بعيدة فلا يكون العنوان في واد والغلاف في واد آخر،فعلم النص يهتم بتلك الإشارات.
يمكن للعناوين أن تشتغل دلائل مزدوجة،فهي تقدم القصيدة التي تتوجها وتحيل في الوقت نفسه إلى نص غيرها..وبإحالة العنوان المزدوج إلى نص آخر فإنه يشــــــــير إلى الموضوع الذي تفــــــــــسر فيه دلالة القصيدة التي يقدمها القارئ عبر المقارنة..
ودراسة العنوان من الآليات التي اهتمّت بها الدّراسات السّيميائية فكانت دراسة مجموع «النّصوص التي تحيط بمتن الكتاب من جميع جوانبه: حواشٍ وهوامش وعناوين رئيسة وأخرى فرعية وفهارس ومقدمات وخاتمة وغيرها من بيانات النشر المعروفة التي تشكل في الوقت ذاته نظامًا إشاريًّا ومعرفيًّا لا يقل أهمية عن المتن الذي يحيط به، بل إنّه يؤدّي دورًا مهمًّا في نوعية القراءة وتوجيهها. والعنوان من أهم النّصوص الموازية للنّص إذ إنه أوّل ما يصافح بصر المتلقي وسمعه. وهو المفتاح الذي ستُفتح به مغاليق النّص. العنوان مفتاح أساسي يتسلّح به المحلّل للولوج إلى أغوار النّص العميقة قصد استنطاقها وتأويلها.
قد يكون العنوان في الخطاب الشعري خادعاً مراوغاً ؛ فيحيل عنوان قصيدة ما إلى قصيدة أخرى،إذ يتناسلان من بنية عنوانية واحدة ؛لذلك يتم الفهم وبناء المعنى عبر إقامة جسور رابطة بين النصين؛وهكذا ففي الوقت الذي يرتبط العنوان توثيقياً،وخطياً،ونصياً بقصيدة معينة،فإنه يكون تنويرياً لأخرى،هادياً إليها.أما في غير الخطاب الشعري فإنه في أغلب الأحيان يكون دالاً على موضوع النص،مبيناً عن مقاصده.
وإذا تبعنا ما يقوله جيرار جينت (4) بأنّ العنوان مجموعة من العلامات اللسانيّة يمكن أن توضع على رأس النّص لتحدّده،وتدلّ على محتواه،ويساعد ذلك على إغراء الجمهور المقصود بقراءته، فإنّنا نحتاج إلى دراسة علاماته السّيميائيّة من نواحٍ عدّة،ودراسة بنيته التي تعتمد على بنية العنوان اللغويّة.
فالعنوان علامة،إشارة تواصليّة له وجود مادي يتمثل في صياغته ونحته من مفردات لغة الكاتب أو لغة الكتاب.
أمّا البنية الثانيّة فهي البنية الصّرفيّة والنّحويّة للعنوان،أي ما يختصّ صرفيًّا بدراسة بنية الكلمات مراعى فيها التّشكيل الدّاخلي من حركات ضمة،فتحة،كسرة أو سكون، ومـن حيث صورها وهيئاتها كالإعلال والإدغام،أمّا النحو فهو يبحث عن أحوال المركبات الموضوعة وضعاً نوعياً،لنوع من المعاني التّركيبيّة النّسبيّة، من حيث دلالتها عليها.والبنية الثالثة هي البنيّة الدّلاليّة أي الشّكل العام لتنظيم مختلف العوالم الدّلاليّة – الحقيقية أو الممكنة – ذات الطّبيعة الاجتماعيّة والفرديّة ثقافات أو أشخاص .
ومن هنا يمكن القول إنّ العنوان هو من أهم العتبات النّصيّة التي توضّح دلالات النّصّ، واكتشاف معانيه الظاهرة والخفيّة،من خلال التفسير والتّفكيك والتّركيب،وعليه يُشكّل العنوان المفتاح القادر على فهم النّص،وسبر أغواره.
وقد حدّد جيرار جينيت وظائف عديدة للعنوان منها الوظيفة التعيينيّة/التسمويّة،والوظيفة الإغرائيّة،والوظيفة الوصفيّة والوظيفة الدّلاليّة الضمنيّة.
وقد تتحقّق هذه الوظائف كلّها في عنوان واحد،بحيث يصف المحتوى،ويوحي بأشياء أخرى، ويغري المتلقين بالقراءة،وأكثر من ذلك فهو اسم محدّد للكتاب يميّزه عن غيره.
وكما قيل في موروثنا الثقافيّ «المكتوب يُقرأ من عنوانه»، لهذا يمدّنا العنوان بما نريده قبل الولوج إلى قراءة النّصّ، ويدفعنا إلى تصوّر ما سيكون عليه المتن. وهو الدّليل الذي يرشدنا إلى مسالك النصّ، فيكون الرّكيزة التي تثبت تفكير المتلقي مع الحفاظ على العالم المتخيّل في ذهن القارئ،وسيبقى في الذّاكرة محفورًا يُشير إلى النصّ الإبداعيّ.
ختاما أنوه : العنوان قدرات كاتب يكشف عن قدراته الإبداعية وثقافية النقدية.
وتبعا لذلك نلتمس من الشعراء والشاعرات وكل حاملي الأقلام ممن يوافوننا بقصائدهم وابداعاتهم الأدبية بغية نشرها،أن لا يغفلوا عن عنونة قصائدهم حتى لا نضطر إلى عدم قبولها للنشر،سيما وقد لاحظنا أن العديد من النصوص الشعرية ترد علينا مفتقرة للعنوان..
محمد المحسن
هوامش البحث:
1-أدب الكاتب: أبو بكر الصولي 143.
2-أبو قاسم محمد بن عبد الغفور الكلاعي الاشبیلي الأندلسي،من أعلام القرن السادس
3-إحكام صنعة الكلام: 51.م.ن: 52.
4-جيرار جينيت (1930-2018)ناقد ومنظر أدب فرنسي،يعتبر أحد أبرز من كتبوا في نظرية الأجناس الأدبية،وبخاصة السردية منها،تاركاً أكثر من عشرين كتاباً نقدياً بدأت مع "أشكال" عام 1966 وانتهت مع كتابه "حاشية" الذي صدر عام 2016.
Peut être une image de 1 personne


رمضان مهلا لا تعجل بالسفر بقلم د. زهيرة بن عيشاوية

 رمضان مهلا لا تعجل بالسفر

مازال قلبي في رياضك يعتمر
رمضان مهلا إن قلبي خافق
بالشوق للطاعات منها يعتبر
مهلا أيا شهر الصيام فإنني
للرحمة المسداة دوما أفتقر
مازال بي شغف القيام بليلك
وتلاوة القرآن فجرا أو سحر
مازالت أحتاج التهجد خاشعا
مازلت أرجو أن ذنبي يُغتفر
ودعوت رب العالمين تضرّعا
فلعلني أحظى بتغيير القدر
أخطو حثيثا نحو أبواب السما
لأفوز بالفردوس دار المستقر
تتضاعف الحسنات في شهر التقى
كي نتقي نار الجحيم المستعر
و يصفد الشيطان فيه لا يرى
و تطهر النفس الشقية بالسهر
فسهرت أدعو أن أصادف ليلة
فيها ذنوب الكون حتما تغتفر
وكأنها نور تجلى للورى
بالليل تلمع مثل آلاف الدرر
يا حظ من حاز اللقاء بليلة
فكأنما ملك النجوم مع القمر
فبألف شهر قُدّرت أفضالها
والخير فيها مثل غيث منهمر
يا ربُّ بلّغ بالصيام مرادنا
وتقبل الأعمال من كل البشر
د. زهيرة بن عيشاوية
Peut être une image de 1 personne et texte

*رحلة نحو المجهول* بقلم الكاتب كمال العرفاوي

 *رحلة نحو المجهول*

جلس سليم عند الظّهيرة في ركن من أركان أحد المقاهي الشّعبية وحيدا كئيبا، خائر القوى، بعد جولةِ بحثٍ طويلة، وشاقّة عن وظيفة شاغرة قادته إلى عديد الإدارات والمؤسّسات لم تُكَلَّل بالنّجاح المأمول، و طلب من النّادل أن يجلب له قهوة سوداء. و ما هي إلّا دقائق حتّى عاد النّادل بكأس من القهوة، فتسلّمه سليم بلهفة، و ارتشف منه رشفة ، ثمّ أشعل سيجارة وأخذ منها نفسا عميقا، و نفث الدّخان في الجوّ، و بدأ يتابع تصاعده و هو يتشكّل في شكل دوائر صغيرة تتحوّل في ما بعد إلى أشكال غريبة تتلاشى شيئا فشيئا في الفضاء..
أخذ نفسا عميقا ثانيا من السيجارة و نفث الدّخان مرّة أخرى وسرح بأفكاره بعيدا.. فعادت به الذّاكرة إلى أيّام طفولته الصّعبة. لقد كان ينتمي إلى عائلة فقيرة يعولها أب أنهكه المرض، وقلّة ذات اليد، لقد كان يعمل يوما أو يومين،
و يتوقّف أيّاما. ورغم شظف العيش كان سليم، و هو الابن البكر لهذه العائلة، والأخ الأكبر لأخويه مراد و رانية تلميذا مجتهدا في دراسته. كان يطمح لنيل شهادة جامعية عليا تمكّنه من الحصول على وظيفة محترمة تنتشله و عائلته من الفقر، و تمهّد له سبيل العيش الكريم، و السّفر إن أمكن إلى أوروبا للسّياحة مثل العديد من الشّبّان الميسورين..
اجتهد كثيرا في دراسته، و سهر اللّيالي الطّوال حتّى نال الشّهادة العلمية الّتي كان يحلم بها.. بحث عن وظيفة تنتشله من بطالته الّتي طالت أكثر من اللّزوم، فلم يجد غير الوعود الكاذبة، و المماطلة، والتّسويف، و ها هو الآن في المقهى ينفث دخان سيجارته وهو يتألّم في صمت حزين..
لم ييأس سليم من البحث عن وظيفة، أو أيّ شغل محترم رغم محاولاته الفاشلة المتكرّرة بانتظام منذ سنوات عديدة، فقد كان يمنّي نفسه مع كلّ إشراقة شمس بالعثور على الوظيفة المنتظرة، و كان يبذل من أجلها جهدا كبيرا في البحث والسّؤال، والتّنقّل مترجّلا عديد الكيلومترات في أرجاء مدينته والمدن المجاورة. لكنّه لم يجد ضالّته، بل وجد مكانا شاغرا في مركب صغير من مراكب الموت، بعد أن جمع ثمن رحلته من خلال اشتغاله في جني الزّيتون تارة، و عمله كعامل بناء بأجرة زهيدة تارة أخرى، فانطلق به صحبة مجموعة من المعطّلين عن العمل في رحلة بحرية مجهولة العواقب نحو أوروبا، و ترك خلفه والدين مريضين عاجزين، وأخوين محتاجين دون عائل، و وطنا عزيزا لفظ أبناءه..
كمال العرفاوي
Peut être une image en noir et blanc de 1 personne et fumer

النكبة أم النخبة بقلم الإعلامي أحمد حسين

 النكبة أم النخبة

بقلم /أحمد حسين
ربما كشفت حلقات مسلسل "الاختيار 3" وتحديداً المقاطع الفيلمية التوثيقية، التى وردت بها بعض من معاناة الأمة المصرية، على مدى السنوات التى سبقت وأعقبت ثورة يناير عام 2011.
على رأس هذه المعاناة ما فرضه بعض الأشخاص وتبنته بعض الجهات من مصطلحات لم تكن تتناسب مع الواقع الذى يعيشه المجتمع المصرى. ومن هذه المصطلحات مصطلح "النخبة"، الذى أراه أحد أسباب النكبات التى مرت بها مصر على مدى العقدين الماضيين، خاصة خلال الفترة ما بين يناير 2011 حتى ثورة 30 يونيو المجيدة عام 2013.
لقد دفع هؤلاء بأنفسهم على الساحة وقدموا أسماءهم للرأى العام على أنهم النخبة المنتقاة، القادرة على التفكير والإبداع ووضع السياسات، وإدارة الأزمات، والتى تستطيع أن تحدث تغييراً على أرض الواقع فى مصر.
والواقع نفسه كان عكس ذلك تماماً، فقد كان الحدث أكبر بكثير من الأطروحات التى قدمتها هذه النخبة المصطنعة. فمصر لم تشهد حراكاً ثورياً على مدى قرابة ستة عقود سبقت هذا التاريخ، وتحديداً منذ يوليو عام 1952. كما أن العقود الثلاثة الأخيرة من عصر مبارك قد ساهمت فى ترهل فكرة النخب عموماً، ودفعت بأشخاص إلى عدة مواقع، ساهمت بقدر كبير فى "تجريف" المجتمع المصرى، وتسطيحه بصورة ساهمت بشكل كبير فى وصول تيار الإسلام السياسى وتقدمه بهذه الصورة.
الأطروحات التى قدمتها هذه النخبة والتى إذا جاز الوصف أو التعبير أن أصفها بـ"النكبة"، كانت أطروحات وفق أجندات أعدت مسبقاً، فغالبية هؤلاء -للأسف العميق- كانوا قد تعرضوا لاختراقات كبيرة، من جانب جماعة الإخوان وتيار الإسلام السياسى عموماً للسيطرة والقدرة على العمل الممنهج والمخطط له مسبقا، كما ساهمت أجهزة المخابرات الغربية فى صناعة شخصيات وجماعات ودفعها بقوة إلى المشهد السياسى والنقابى، وتصديرها على أنها صانعة التغيير فى هذا البلد.
فى مارس 2011 زارت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون ميدان التحرير، الذى كان يمثل حتى هذا التاريخ قلب الحراك الثورى ومحور التأثير، وصفت هيلارى كلينتون الميدان بأنه: "تذكرة عظيمة بقوة الروح الإنسانية والرغبة فى الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية، وإنه أمر مثير أن نشهد أين حدث ذلك، وأن أرى أين انطلقت تلك الثورة بكل ما أصبحت تعنيه للعالم".
كلينتون عبرت فى تصريحات رسمية قبل ساعات من زيارتها لميدان التحرير عن تأييدها لعملية انتقال مصر نحو الديمقراطية، ثم قالت بعد ساعات أخرى، فى مؤتمر صحفى مشترك عقدته مع نظيرها المصرى نبيل العربى: "لقد كسرتم القيود وتغلبتم على العقبات فى سعيكم لتحقيق حلمكم فى الديمقراطية، والولايات المتحدة والرئيس أوباما وأنا سنقف إلى جانبكم فى رحلتكم هذه. ولكن هذه اللحظة التاريخية تعود لكم، فهذا هو إنجازكم".
موقف "النخبة" كان متبايناً، بعضها اعترض اعتراضاً صريحاً، والبعض الآخر صمت فى انتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة. لكنى أتوقف أمام ما قاله عصام العريان الناطق باسم جماعة الإخوان، حينما أكد أن الحركة لم تدع للقاء كلينتون، وأن جماعته كانت ستقاطع اللقاء لأن "أى تدخل أمريكى سيقوض الثورة ولن يدعمها".
حديث "العريان" كان جزءا من المخطط، الذى اعتمدته إدارة أوباما من قبل للتعامل مع ما أسمته بـ"الربيع العربى"، وهو ما كشفت عنه الرسائل المسربة لهيلارى كلينتون، وهى التى شغلت منصب وزيرة الخارجية الأمريكية بين عامى 2009 و2013، تطرقت فيها إلى طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية فى عهد أوباما بتنظيم الإخوان الإرهابى، ومنها تمويلات لدعم الجماعة واستخدام "النخبة" المصرية "المصطنعة" لتأييد المخطط الأمريكي.
كل الأقوال الصادرة ممن وصفوا أنفسهم بـ"النخب" تحتاج إلى مراجعة.. وربما يكشف المستقبل عن مزيد من المفاجآت!.
Peut être une image de 1 personne et texte

آذان ..بين سماء وبحر يموجان شعر: جلال باباي

  آذان ..بين سماء وبحر يموجان

شعر: جلال باباي
..هي مالطة جزيرة أغلبيٌة تتوضأ بملاحم الماء و مقامات التراب.
يرفع المؤذن صوت السماء
يدعو القاطنين سطح التراب
ان تماسٌ مناكبهم صفوف المصلٌين
تلملم الجزيرة شتاتهم
من طريق إلى بيت ومفترق
تلك مالطا الناعمة بنقرات قيثارتها
تُقيمُ مأدبة للأمكنة
و تجمٌع مزاراتها الضيٌقة
بين كاتدرائية ، ميناء ، رصيف عتيق
ومُصلٌى يدعو مسلميها السجود
تلك "فاليتا" (*)
إسوِرةُُ فوق ماء مغاير
ووردة تسامق في الأقاصي
عند مرتفع من أجراس كنيسة الأحد
وآذان قباب المسجد تختزل أسماء الله....الواحد الصٌمد.
٢٩ أبريل ٢٠٢٢ ميلادي /٢٨ رمضان ١٤٤٣ هجري
-----------------------
(*): عاصمة مالطا